الاحد 27 شوال 1445 هـ
05 مايو 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-51، كتاب الوضوء، الحديث 183و184و185و186   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-50، كتاب الوضوء، الحديث 176و177و178و179و180و181و182   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175      

تفسير سورة النساء 19

تفسير سورة النساء 19

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} كانوا في الجاهلية يرثون نكاح المرأة نفسِها، لا مالهِا بل نفس المرأة، أي إذا مات الرجل وترك زوجة، كانت زوجته لابنه من غيرها -أي لا تكون أمه- أو لقريبه يرث تزويجها، فأمر زواجها يكون للوارث لا لها ولا لأهلها، يتزوجها هو سواء قبلت أم لا، أو يزوجها غيره، أو يمنعها من الزواج حتى تموت أو تدفع له مالاً حتى يقبل بتزويجها.

أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس قَالَ: «كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ». انتهى

فحرم الله ذلك، وحرم الزواج بزوجة الأب، ومنع إرث النساء كرها أي إكراهاً وقهراً لهن، ونهاهم عن منعهن من الزواج.

هكذا أنصف الله تبارك وتعالى المرأة بهذه الشريعة الكاملة العادلة، فهذا من العدل في حق المرأة، وما كان واقعاً عليها في الجاهلية من الظلم لها، رفعه الله عنها، وأعطاها حقها الشرعي في ذلك، وحفظها به وحفظ حقوقها من غير أن يعطيها فوق حقها، فتضيع هي ويضيع حق غيرها فيحصل الظلم والفساد من جهة أخرى، كما يحصل عند الغرب اليوم، فكانت الأحكام الشرعية في المرأة منصفة لها لا فيها إفراط ولا تفريط.

{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} لا تقهروهن وتضاروهن في العشرة، الخطاب هنا للأزواج، أي لا تمسك أيها الزوج المرأة وأنت كاره لها، وتريد طلاقها، ولكنك تمسكها وتضيق عليها في النفقة والكسوة والعشرة؛ لتدفع لك مهرها الذي دفعته لها أو بعضه، قال: {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} أي لتأخذوا بعض المهر الذي دفعتموه لهن أو كله.

قال أهل العلم: هذا في الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضارها لتفتدي وترد إليه ما ساق إليها من المهر، فنهى الله تعالى عن ذلك" انتهى، ثم قال: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} أي ظاهرة، فحينئذ يحل لكم إضرارهن والتضييق عليهن ليفتدين منكم.

واختلفوا في الفاحشة التي تجيز للزوج أن يضيق على المرأة حتى ترد له المهر ويطلقها، فقال البعض: هي النشوز، أي تترفع المرأة على الرجل وتؤذيه ولا تطيعه فيما يجب عليها طاعته فيه، وقال بعضهم: هي الزنا، وكلاهما صحيح، فالمرأة إذا نشزت أو زنت؛ حل للزوج أن يسألها الخلع، ويضيق عليها في النفقة والكسوة وغير ذلك حتى تختلع.

قال أهل العلم: والفاحشة: العصيان والنشوز؛ فإذا كان ذلك من قبلِها، فإن الله أمره أن يضربها، وأمره بالهجر، فإن لم تدع العصيان والنشوز فلا جناح عليه بعد ذلك أن يأخذ منها الفدية.

قال الطبري رحمه الله: "وأولى ما قيل في تأويل قوله: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [النساء: 19] أنه معني به كل فاحشة من بذاءة باللسان على زوجها، وأذى له، وزنا بفرجها. وذلك أن الله جل ثناؤه عم بقوله: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [النساء: 19] كل فاحشة مبينة ظاهرة، فكل زوجِ امرأةٍ أتت بفاحشة من الفواحش التي هي زنا أو نشوز، فله عضلها على ما بين الله في كتابه، والتضييق عليها حتى تفتدي منه بأي معاني فواحشَ أتت بعد أن تكون ظاهرة مبينة بظاهر كتاب الله تبارك وتعالى، وصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". انتهى

قال ابن كثير: "واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله الزنا والعصيان، والنشوز وبذاء اللسان، وغير ذلك. يعني أن هذا كله يبيح مضاجرَتها حتى تبرئه من حقها أو بعضِه ويفارقها، وهذا جيد، والله أعلم". انتهى

{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وخالقوا أيها الرجال نساءكم وخالطوهن وصاحبوهن بالمعروف، يعني بما أُمرتم به من المصاحبة، وذلك إمساكهن بأداء حقوقهن التي فرض الله جل ثناؤه لهن عليكم، أو طلاقهن بإحسان.

قال ابن كثير: "أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالَكم وهيئاتِكم بحسَب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثلَه، كما قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائمُ البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال «هذه بتلك» ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21] وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتب الأحكام، ولله الحمد. انتهى

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "استوصوا بالنساء خيرا". وهذا كاف لمن فقهه الله ووفقه. والله أعلم

{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} أي نساءكم {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ} أي في ذلك الشيء الذي تكرهونه {خَيْرًا كَثِيرًا} فإن كرهتموهن فلعلكم أن تَكْرَهُوهُنَّ، فَتُمْسِكُوهُنَّ، فيجعل الله لكم في إمساكهن على كره منكم لهن وصبركم عليهن؛ خيرا كثيرا؛ من ولد يرزقكم منهن، أو عطفِكم عليهن بعد كراهتكم إياهن، فتؤجرون على ذلك.

قال ابن كثير: أي فعسى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن فيه، خير كثير لكم في الدنيا والآخرة، كما قال ابن عباس في هذه الآية: هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولدا، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الحديث الصحيح «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». انتهى الحديث أخرجه مسلم.

التعليقات عدد التعليقات (0)

اضافة تعليق
قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاحد 11 ذو القعدة 1442
عدد المشاهدات 91
عدد التحميلات 4
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق