الجمعة 18 شوال 1445 هـ
26 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165      

تفسير سورة المائدة 17-19

سورة المائدة 17-19

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} بعض النصارى يقولون المسيح هو الله تعالى، والنصارى من جهلهم ليس لهم ضابط، ولا لكفرهم حد، بل أقوالهم وضلالهم منتشر، فمنهم من يعتقد أن عيسى -عليه السلام- إلهاً، ومنهم من يعتقده شريكاً، ومنهم من يعتقده ولداً، وهم طوائف كثيرة لهم آراء مختلفة، وأقوال غير مؤتلفة {قُلْ} يا محمد لهؤلاء الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم {فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا} أي: من يقدر أن يدفع من أمر الله شيئاً إذا قضاه؟ {إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} من يستطيع أن يدفع عنهم الهلاك؟ قال الطبري رحمه الله: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء الجهلة من النصارى لو كان المسيح كما يزعمون أنه هو الله -وليس كذلك - لقدر أن يرد أمر الله إذا جاءه بإهلاكه وإهلاك أمه، وقد أهلك أمه فلم يقدر على دفع أمره فيها إذ نزل ذلك، ففي ذلك لكم معتبر إن اعتبرتم، وحجة عليكم إن عقلتم: في أن المسيح بشر كسائر بني آدم، وأن الله عز وجل هو الذي لا يُغلب ولا يُقهر ولا يُرد له أمر، بل هو الحي الدائم القيوم الذي يحيي ويميت، وينشئ ويفني، وهو حي لا يموت. انتهى

{وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ} والله له تصريف ما في السماوات والأرض، وما بين السماء والأرض، فكل شيء ملكه وهو المتصرف فيه، يهلك من يشاء، ويبقي ما يشاء، ويوجد ما أراد، ويعدم ما أحب، لا يمنعه مانع، ولا يدفعه عن ذلك دافع، الله الذي يفعل ذلك، لا المسيح الذي إن أراد الله إهلاكه وإهلاك أمه، لم يملك دفع ذلك عن نفسه وأمه. قال الطبري رحمه الله: يقول جل وعز: كيف يكون إلهاً يعبد من كان عاجزاً عن دفع ما أراد به غيره من السوء، وغير قادر على صرف ما نزل به من الهلاك؟ بل الإله المعبود؛ الذي له ملك كل شيء، وبيده تصريف كل من في السماء والأرض وما بينهما {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الله المعبود هو القادر على كل شيء، والمالك كل شيء، الذي لا يعجزه شيء أراده، ولا يغلبه شيء طلبه، المقتدر على إهلاك المسيح وأمه ومن في الأرض جميعا، لا العاجز الذي لا يقدر على منع نفسه من ضُر نزل به من الله ولا منع أمه من الهلاك.

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)}

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} جمع حبيب، قيل: أرادوا أن الله تعالى لنا كالأب في الحنو والعطف، ونحن كالأبناء له في القرب والمنزلة {قُلْ} يا محمد لهؤلاء الكذبة الذين يقولون هذا القول {فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} يريد إن كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناؤه وأحباؤه؛ فإن الأب لا يعذب ولده، والحبيب لا يعذب حبيبه، وأنتم مقرون أنه معذبكم؟ {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} قل لهم: ليس الأمر كما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه؛ بل أنتم بشر ممن خلق كسائر بني آدم مجزيون بالإساءة والإحسان، إن أحسنتم جوزيتم بإحسانكم كبقية الناس، وإن أسأتم جوزيتم بإساءتكم كبقية الناس، ليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان ذنوبه، فيصفح عنه بفضله، ويسترها عليه برحمته، فلا يعاقبه بها {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} بذنوبه عدلاً منه {وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} قال الطبري رحمه الله: لله تدبيرُ ما في السموات وما في الأرض وما بينهما، وتصريفُه، وبيده أمره، وله ملكه، يصرفه كيف يشاء، ويدبره كيف أحبّ، لا شريك له في شيء منه، ولا لأحدٍ معهُ فيه ملك.

فاعلموا أيها القائلون: "نحن أبناء الله وأحباؤه"، أنه إن عذبكم بذنوبكم، لم يكن لكم منه مانع، ولا لكم عنه دافع؛ لأنه لا نسب بين أحد وبينه فيحابيه لسبب ذلك، ولا لأحد في شيء دونه مُلك، فيحول بينه وبينه إن أراد تعذيبه بذنوبه، وإليه مصير كل شيء ومرجعه. فاتَّقوا أيها المفترون، عقابَه إياكم على ذنوبكم بعد مرجعكم إليه، ولا تغتروا بالأمانيّ وفضائل الآباء والأسلاف. انتهى

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا} محمد صلى الله عليه وسلم {يُبَيِّنُ لَكُمْ} يعرفكم الحق، ويوضح لكم أعلام الهدى، ويرشدكم إلى دين الله المرتضى، قال قتادة: وهو محمد صلى الله عليه وسلم، جاء بالفرقان الذي فرق الله به بين الحق والباطل، فيه بيان الله ونوره وهداه، وعصمة لمن أخذ به. انتهى {عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ}أي انقطاع من الرسل، واختلفوا في مدة الفترة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال أبو عثمان النهدي: ستمائة سنة، وقال قتادة: خمسمائة وستون سنة، وقال معمر والكلبي: خمسمائة وأربعون سنة، وسميت فترة لأن الرسل كانوا يبعثون متتابعين بعد موسى عليه السلام من غير انقطاع إلى زمن عيسى عليه السلام، ولم يكن بعد عيسى عليه السلام سوى رسولنا صلى الله عليه وسلم {أَنْ تَقُولُوا} أي كي لا تقولوا {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} يبشر من أطاع الله بالجنة {وَلَا نَذِيرٍ} ينذر من عصاه بالنار {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فلا عذر لكم بعد ذلك.

قال الطبري رحمه الله: يعلمهم -عَزَّ ذكره- أنه قد قطع عذرهم برسوله صلى الله عليه وسلم، وأبلغ إليهم في الحجة. ويعني بالبشير: المبشر من أطاع الله وآمن به وبرسوله وعمل بما آتاه من عند الله؛ بعظيم ثوابه في آخرته، وبالنذير: المنذر من عصاه وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل بغير ما أتاه من عند الله من أمره ونهيه؛ بما لا قِبَل له به من أليم عقابه في معاده، وشديد عذابه في قيامته. انتهى {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} والله القادر على كل شيء، يقدر على عقاب من عصاه، وثواب من أطاعه؛ فاتقوا عقابه على معصيتكم إياه، وتكذيبكم رَسوله، واطلبوا ثوابه على طاعتكم إياه، وتصديقكم رَسوله.

التعليقات عدد التعليقات (0)

اضافة تعليق
قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاحد 3 ذو الحجة 1442
عدد المشاهدات 219
عدد التحميلات 7
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق