الثلاثاء 22 شوال 1445 هـ
30 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-50، كتاب الوضوء، الحديث 176و177و178و179و180و181و182   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169      

الدرس الأول

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ؛

فهذا الدرس الأول من شرح الورقات للجويني في أصول الفقه . اعلموا بارك الله فيكم أن علم أصول الفقه علمٌ مهمٌ جداً ؛ وتكمُنُ أهمية هذا العلم في :

أولاً : كونه يُعرِّفك ما هو الدليل الذي يصلح أن يكون دليلاً تعتمد عليه في الحكم الشرعي الذي أمرنا الله تبارك وتعالى به ، فمثلا تعرف - بدراسة هذا الفن - أن الإجماع حُجّة تعتمد عليه في إخراج الأحكام الشرعية التي أراد الله تبارك وتعالى مِنّا أن نَتعبَّده بها . وتعرف كذلك أنَّ القياس حجة وتعرف أن الاستحسان العقلي ليس بحُجَّة وتعرف أن خبر الآحاد حجة ، فبإمكانك بعد أن تعرف هذا أن تستدل بالإجماع وأن تستدل بخبر الآحاد على إثبات حكمٍ شرعيّ .

وبإمكانك أيضاً عند تعلُّم هذا العلم أن ترُدَّ على الذي يستدل عليك بالاستحسان العقلي وتقول له هذا الاستحسان ليس بحجة، وتستدل على كونه ليس بحجة بما تعلَّمت في أصول الفقه .

فإذاً من فوائد أصول الفقه أنه يُعرِّفك الدليل الذي تستطيع أن تعتمد عليه في إثبات الأحكام الشرعية : القرآن ، السنة ، الإجماع ، القياس ، وما شابه ذلك ، تقول هذه أدلة يُحتجُّ بها إذاً باستطاعتي أن أستدل مثلاً على وجوب الصلاة بقول الله تبارك وتعالى : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ } لأنها آية في كتاب الله والقرآن حجة مُجمعٌ عليه . تحتج مثلاً على أن الأرُزّ يجري فيه الربا كما يجري في البُرّ بناءً على أنك تقول بأن القياس حُجَّة ، إذاً بَيْع الأرز بالأرز يجب أن يكون مِثْلاً بمِثْل سواءً بسواء يداً بيد كحال البُر تماماً ، قياساً على البر هذا إذا كنت تتعبَّد بالقياس وتعتقد أن القياس حُجة ودليلٌ شرعي إذاً بإمكانك أن تعرف الدليل الشرعي من الدليل الذي لا يكون شرعياً ولا مُعتمَداً .

الفائدة الثانية :
تَعرف بدراستك لهذا الفن كيف تستنبط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي . ويجب التنبه إلى قولي : " من الدليل التفصيلي " ، فإنه سيمر معنا كثيراً في أثناء كلامنا وشرحنا في هذا العلم سيَمرُّ قولنا : " الدليل الإجمالي" و " الدليل التفصيلي " فماذا نعني بذلك ؟

نعني بالدليل الإجمالي : الدليل الذي لا يختص بمسألة معينة ، بل تدخل تحته مسائل كثيرة كقولنا : " الأمر يقتضي الوجوب " الأمر المطلق يقتضي الوجوب أو الأمر للوجوب ، هي قاعدة واحدة ، نقول هذا دليل إجمالي تنطبق عليه الأدلة التي وردت في الكتاب والسُّنة بصيغة الأمر ولم تأتِ قرينة تدل على أنه ليس للوجوب ؛ كقول الله تبارك وتعالى { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } " أقيموا " أمر ، وهذا يُعرف بمقتضى اللغة ، عندنا دليل إجمالي ؛ قاعدة أصولية تقول : " الأمر يقتضي الوجوب " وقول الله تبارك وتعالى { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } أمر، فإذاً نستطيع أن نطبِّق هذه القاعدة العامة على هذا الدليل التفصيلي الخاص وهو { أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ }فـ { أقيموا الصلاة } آية من كتاب الله تختص بمسألة معيَّنة فهذا يسمى دليلاً تفصيلياً ؛ لأنه يتعلق بمسألة معينة وهي مسألة وجوب الصلاة . {آتُواْ الزَّكَاةَ } تختص بمسألة معينة وهي : " إيتاء الزكاة" . لكن القاعدة العامة وهي الدليل الإجمالي :

" الأمر للوجوب " لا تختص بمسألة معينة ؛ بل تدخل تحتها الكثير من المسائل ، منها هذه الآية : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } ومنها {وَآتُواْ الزَّكَاةَ } ومنها الأوامر التي جاءت في الكتاب والسنة ، إذاً فهي لا تختص بمسألة معينة ، هذا يسمى الدليل الإجمالي .

كذلك القياس فإنه دليل لكنه دليل إجمالي تدخل تحته مسائل كثيرة كل مسائل القياس التي تمر معنا في الفقه تدخل تحت هذه القاعدة : " القياس حجة " .
هذا هو الفرق بين الدليل الإجمالي والدليل التفصيلي .
إذاً فالفائدة الثانية من دراسة علم أصول الفقه هي معرفة كيفية استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي.

ونوضح المثال مرة أخرى فنقول : كيف استنبطنا وجوب إقامة الصلاة من الدليل التفصيلي ؟

الجواب أننا استنبطناه باستعمال الدليل الإجمالي " الأمر يقتضي الوجوب " ؛ أعاننا هذا الدليل الإجمالي على استخراج الحُكم الشرعي من هذه الآية وهي آية { أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ }، كيف استخرجنا الحكم الشرعي منها ؟ نقول : عندنا هذه القاعدة " الأمر للوجوب " وعَلِمنا من قول الله تبارك وتعالى { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ }أن " أقيموا " أمر وذلك من مقتضى اللغة ، فإذا كان الأمر يقتضي الوجوب ، وهذه الآية فيها أمر إذاً يجب علينا أن نقيم الصلاة .
بهذه الطريقة استطعنا أن نستنبط الحُكم الشرعي بمعرفة القواعد الأصولية

الفائدة الثالثة : معرفة المجتهد - أي المستنبِط - الذي يستخدم القواعد الأصولية العامة هذه في استخراج الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية ، معرفة هذا المجتهد ، وما هي أوصافه وما هي شروطه، هذه أيضاً نستفيدها من دراسة أصول الفقه .

الفائدة الرابعة التي نستفيدها من دراسة هذا العلم هي : كيفية التوفيق بين الأدلة والاستفادة منها ، وذلك بحَمْل المُطلَق على المقيَّد ، والعام على الخاص ، ومتى يعتبر الدليل منسوخاً ومتى لا يُعتبر منسوخ وهكذا ، والمُرجِّحات بين الأدلة ، فمعرفة هذه الأمور من علم أصول الفقه .

ومن خلال دراستك هذه ستَعرِف أسباب اختلاف العلماء ؛ فقد عرَفنا بعض هذه الأسباب فيما تقدَّم معنا في علم أصول الحديث والآن مع دراسة هذا الفن ستتضح لنا الأمور أكثر وأكثر، فبمعرفتك لسبب اختلاف العلماء تتمكَّن من الترجيح ومعرفة الحق من الباطل في كلامهم وكذلك تتمكن من معرفة المعذور منهم وغير المعذور .

فَمِمّا تَقدَّم الآن معنا تعلمون أن طالب العلم لا يمكن له أن يكون عالماً مجتهداً قادراً على فهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً قادراً على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية إلا بدراسة هذا العلم ، إذاً فهذا العلم علمٌ مفيدٌ جداً ومهمٌ جداً لطالب العلم الذي يرجو من نفسه ويرجو قبل ذلك من الله سبحانه وتعالى أن يُكرِمَه وأن يكون من العلماء الذين يستقلّون باستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية .

لكنْ أفسد المتكلمون هذا العلم ؛ بإدخالهم كلامهم ومنطقهم فيه ، ويعرف علم الكلام بأنه : علمٌ يتضمن الحِجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية . وهذه حقيقته ، وهو علم يُقدِّس العقل ولا يقدس الشرع كما يقدس العقل ، والعقل له شطحات إذا لم يُقيَّد بشرع الله يأتي بالعجائب.

والصحيح في علم الكلام أنه ما أحدثه المتكلمون في أصول الدين من إثبات العقائد بالطرق التي ابتكروها وأعرضوا بها عما جاء به الكتاب والسنة ، فالمتكلمون لا يرفعون رأساً بالكتاب والسنة حقيقة في المسائل العقائدية ، الأصل عند المتكلمين في المسائل العقائدية هو العقل ، العقل هو الذي يُثْبِتْ وهو الذي يَنْفي ، فهو علمٌ يقررون العقائد فيه بالأدلة العقلية (نعوذ بالله من عِلمٍ يُبعدُ العبد عن كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - .

تسمية علم الكلام بهذا الاسم :

وسُمِّي علمُ الكلام بهذا الاسم ؛ لأنه يحتاج إلى الكلام في الخِصام والمجادَلة ؛ هذا قول
وقيل : لأن أعظم مسألة اختلفوا فيها وتكلموا فيها مسألة كلام الله تبارك وتعالى لذلك سُمِّي علم الكلام .

وعلم المنطق هو كالأساس لعلم الكلام : وهو قوانين عقلية يستعملها المتكلم وغيره في جداله يدَّعون أن هذه القوانين تحفظ العقل من الخلل ومن الغلط والخروج عن النظام العقلي في التفكير، وهما عِلمان غريبان عن علم الشريعة أدخلهما في علم الشريعة المتكلِّمون وقد كثُر كلام السلف في ذمّ الكلام وأهلِه ، منه قول الإمام الشافعي رحمه الله : حُكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد والنِّعال ويُطافَ بهم في العشائر والقبائل ويُقال هذا جزاءُ مَنْ ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام ، وفي رواية عنه أنه قال : حُكمي في أهل الكلام حُكمُ عمر في صَبيغْ ، الذي كان عمر يجلده وأمر بهجره بسبب أنه يسأل عن بعض المسائل المتشابهة ، ومن أراد معرفة المزيد من الآثار حول ذم السلف لعلم الكلام فليراجع كتاب أبي إسماعيل الهَرَوي " ذَمّ الكلام وأهله ."
والكثير ممن ألّف في علم أصول الفقه من المتكلمين ، مع أن أول من جمع فيه كتاباً مفرداً هو الإمام الشافعي - رحمه الله - ، إمامٌ من أئمة أهل السنة وأهل الحديث وذلك في كتابه " الرسالة "
التي كتبها استجابة لطلب عبد الرحمن بن مهدي الإمام المعروف المحدِّث ، فقد طلب من الشافعي أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن ويجمع له قَبول الأخبار فيه وحُجَّة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة ، فوضع له الإمام الشافعي كتاب الرسالة .
وبهذه المقدمة نكون قد بيَّنّا فائدة هذا العلم وأوَّل مَنْ صَنَّف فيه ، وما الذي يجب أن نجتنبه منه .

ففائدته معرفة الدليل الشرعي الذي يُعتمد في الاستدلال ، والتمكن من استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية ، والترجيح بين الأدلة ، وكذلك معرفة المجتهد وصفاته .هذه الخلاصة .
وأوَّل مَنْ صَنَّف فيه هو الإمام الشافعي .

والذي يجب أن يُجتَنَب من مباحث هذا الفن المباحث الكلامية والمنطقية والمباحث التي لا علاقة لها بتحقيق الاجتهاد في فهم الكتاب والسنة ومعرفة الفقه والأدلة الصحيحة له ، وقد أشار إلى ذلك الإمام الشاطبي في كتابه " الموافقات " .
وأما الكتاب الذي سنَدْرسه في هذا الفن وهو كتاب الورقات لأبي المعالي الجُوَيْني هو كتابٌ كاسمه ؛ ورقات ، وورقات جمع مؤنث سالم وهو من جموع القِلَّة عند سيبويه ، أي ورقاتٌ قليلة ، يناسب طالب العلم المبتدئ ، فالمؤلف - رحمه الله - ذكر فيه بعض مباحث أصول الفقه وبعض اصطلاحاته ، والعلماء درَجوا على شرح هذا الكتاب للمبتدئين في طلب علم أصول الفقه ؛ وذلك لاختصاره وسهولته على الطالب المبتدئ وقد شرحه جمعٌ من العلماء ؛ منهم : جلال الدين المحِلّي ، وابن الصلاح صاحب علوم الحديث .

وأما المؤلف فهو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجُوَيْني الملقَّب بإمام الحرمين - لأنه سكن في المدينة وسكن في مكة - ابن أبي محمد الجُوَيْني ، أبو محمد الجُوَيْني ، و كان أبوه عالماً أيضاً فقيهاً شافعياً، وأبو المعالي من علماء القرن الخامس وُلد سنة 419 وتوفي سنة 478 كان إماماً في الفقه الشافعي أشعرياً من أهل الكلام ، رجَع عن مذهب التحريف الذي يسمونه بمذهب التأويل عند الأشاعرة .

وللأشاعرة مذهبان في الصفات : مذهب التحريف الذي يسمونه مذهب التأويل ، وحقيقته تحريف نصوص الصفات عن ظاهرها كقولهم { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } استولى ، وكقولهم في صفة الحب : إرادة الإثابة ، وفي صفة الغضب: إرادة الانتقام ..وهكذا ، وهذه تحريفات عن دلالتها اللغوية الصحيحة ، وإثباتها لله كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه ونفي مماثلتها بصفات المخلوقين هو الواجب .

والمذهب الثاني للأشاعرة ؛ هو مذهب التفويض ويسمون المُفوِّضة ، الذين يفوِّضون المعنى والكيْف ، وحقيقة مذهبهم هو الجهل أي أنهم يجهلون كل ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من صفات الكمال التي أثبتها الله لنفسه ، يجهلون معانيها فيقولون: نحن نُفوِّض معناها ، لا نعلم معناها ولا علاقة لنا بها ، هذه من آيات المتشابه إذاً لا نتكلم فيها . وحقيقة مذهبهم هو الجهل وينسِبون هذا القول للسلف . لذلك يقول قائلهم : مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم أي يعنون به الأشاعرة ، المذهب الأول للأشاعرة وهو مذهب التأويل الذي هو مذهب التحريف حقيقة، يسمونه مذهب الخلف عندهم ، ومذهب السلف عندهم من الأشاعرة المفوضة الذي هو التفويض فيقولون هذا أسلم ؛ أسلم لك أن تقول لا أدري ما معناها ولا كيفيتها وينتهي الأمر ، ويقولون: لكن الأعلم و والأحكم والأتقَن الذي يستطيع صاحبه أن يجادل وأن يناظر هو مذهب الخلف ، كذا يقولون ! ولا شك عندما يظنون بالسلف الجهل الذي ظنوه بهم سيظنون بأنفسهم أنهم أصحاب العلم ، ولا يعلمون أن علمهم أمام علم السلف لا يساوي شيئاً ، فعلم السلف علم كتابٍ وسنَّة وعلمهم علمٌ مخترَع مبتكَر يكفيه شراً أن أصوله كثير منها مبني على أصول الفلاسفة .
فالمؤلف - رحمه الله كان - أشعرياً متكلماً رجع عن مذهب التحريف إلى مذهب التفويض في آخر عمره وندم على خوضه في الكلام .

وأما من الناحية الحديثية فلم يكن من أهل هذا العلم وهذا ليس شيئاً عجيباً ، فكثير من علماء المتكلمين تجده في الأدلة العقلية قويا ، وتجد خوضه فيها خوضاً قويا شديداً ، يصول ويجول ويسرَح ويمرح ، لكن عندما يأتي الحديث تجده خاوياً وهذا سبحان الله من عدم التوفيق . فكان هذا العالِم في علم الحديث ضعيفاً حتى قال فيه الإمام الذهبي رحمه الله : كان هذا الإمام مع فرَط ذكائه - شدة ذكائه - وإمامته في الفروع - أي في المسائل الفقهية - وأصول المذهب - المسائل الفقهية على المذهب الشافعي - قال : كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع وأصول المذهب وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به متناً ولا إسناداً .انتهى ، أصل الفقه كتابٌ وسنة وهذا أصل الأصول ، وإذا لم يكن عندك علم بالسنة فأي فقه ستبنيه ؟ .

سبحان الله وهذا تلتمسه كثيراً في أصحاب المذاهب الفقهية المتأخرة ، قارِن إذا شئت بنفسك ، خُذّ كتاباً فقهياً لأحد المتكلمين وخُذّ كتاب " الأوسط " لابن المنذر وانظر العلم ، انظر الفرق بين هذا وهذا ، أو خُذّ كتاب " المغني " لابن قدامة أو كتاب " التمهيد " لابن عبد البَر وانظر كيف أهل الحديث يَبنون فقههم وكيف المتكلمون يَبنون فقههم ، ستجد الفروق واسعة . لذلك ينبغي على طالب العلم أن يعتني بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وبالعلوم التي تساعده على فهم الكتاب والسنة وعلى استخراج الأحكام الشرعية منهما ، وأي علم يكون غريباً عن ذلك فليبتعد عنه ولينوء بنفسه عنه ، هذا هو الفوز "مَنْ يُرِد الله به خيراً يُفقهه في الدين " ما هو الدين هذا الذي يفقهه فيه ؟ يُفهِّمه شرعه ، ما هو الدين الذي جاءنا من عند الله تبارك وتعالى؟ كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - هذا هو الدين الذي جاء من عند الله تبارك وتعالى، فكل ما قَرَّب وأعان على فهم الكتاب والسنة فهو علم مبارك اعتني به ، وكل ما أبعد عنهما فابتعد عنه كعلم المنطق وعلم الكلام . وقد كان ابن الصلاح - رحمه الله - وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وغيرهما من أئمة السُّنة يقولون بأن علم المنطق وعلم الكلام ؛ الذكي لا يحتاج إليه لأن القواعد التي تُقرَّر فيه يُدركها من غير أن يخوض فيما خاض فيه أصحابه ، أما البليد فلا يفهمه ؛ فما فائدته إذاً ؟ فلا حاجة لنا به .
هذه مقدمة بين يديّ هذا الكتاب منها نكون قد عرَفنا فائدة هذا العلم وأوَّل من صنَّف فيه وعرَفنا أيضاً ما العلم الذي ينفع وما العلم الذي لا ينفع .

وأنبِّه إلى أنَّ الناس في هذا العلم ما بين إفراط وتفريط ، فبعض الناس يخوض فيه ويتوسَّع حتى إنه يَشغل نفسه بكثير من مباحثه التي هي غريبة عن موضوع هذا العلم والبعض الآخر يُزهِّد فيه ويصرف الناس عنه مما يؤدي إلى قلة البضاعة في التمكُّن مِنْ فهم كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الوجه الصحيح ، فالمسألة لا تحتاج إلى إفراط ولا إلى تفريط ، ما كان من مباحث هذا الفن يؤدي إلى عملْ فينبغي الاعتناء به ، وما كان من مباحثه بعيداً عن العمل فهذا ينبغي أن لا يَشغل طالب العلم نفسه به فالعلم كثير والعُمْر عن تحصيله قليل فاشغل نفسك بما ينفع ودعْك مما لا ينفع .

 

قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الجمعة 29 جمادة الاولى 1430
عدد المشاهدات 4857
عدد التحميلات 63
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق