الثلاثاء 15 شوال 1445 هـ
23 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165      

شرح الورقات -14 الجزء الثالث

ثم قال المؤلف - رحمه الله -:

وأما الأدلة فيقدم الجليّ منها على الخفيّ، والموجب للعلم على الموجب للظن، والنطق على القياس، والقياس الجلي على القياس الخفي.

فإن وجد في النطق ما يغير الأصل وإلا فيستصحب الحال.

هذا الباب نحتاج إليه عند تعارض الأدلة، أيُّ الأدلة يقدم على الآخر عند التعارض ؟

قال المؤلف يقدم الجلي على الخفي، أي المحكم الذي يكون واضح المعنى لا خفاء فيه يقدم على المتشابه الذي فيه خفاء وهذا معنى قول العلماء يرد المتشابه إلى المحكم، وذلك لقول الله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } أي هن أصل الكتاب الذي ترد إليه الآيات المتشابهة التي يتعلق بها أهل الزيغ ، قال سبحانه: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} الآيات .

وأما قول المؤلف والموجب للعلم على الموجب للظن، أي يقدم الدليل اليقيني على الظني .

وقوله : والنطق على القياس ، أي الكتاب والسنة يقدم على القياس إذا اختلف القياس مع الكتاب والسنة وذلك لأن القياس أضعف من الكتاب والسنة، بل لا يقال به إلا مع عدم الدليل من الكتاب والسنة .

قال والقياس الجلي على الخفي ، ويريد بالقياس الجلي ؛ قياس العلة الذي تقدم معنا ويريد بالقياس الخفي قياس الشبه . وتقدم معنا أن قياس العلة أقوى من قياس الشبه فإذا اختلفا يقدم قياس العلة على قياس الشبه .

وقوله فإن وجد في النطق ما يغير الأصل وإلا فيستصحب الحال ، الأصل الذي هو البراءة الأصلية، فإذا وجد دليل من الكتاب والسنة يبين حكم مسألة قلنا به وإلا استصحبنا البراءة الأصلية وقلنا بها هذا معنى كلام المؤلف رحمه الله. وقد انتهى موضوع ترتيب الأدلة.

ثم قال - رحمه الله -:

ومن شرط المفتي أن يكون عالماً بالفقه فرعاً وأصلاً، خلافاً ومذهباً، وأن يكون كامل الآلة في الاجتهاد، عارفاً بجميع ما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال وتفسير الآيات الواردة في الأحكام والأخبار الواردة فيها.

بعد أن انتهى المؤلف - رحمه الله - من بيان الأدلة وكيفية الاستدلال بها، بدأ الآن ببيان المستفيد من هذه الأدلة وهو المجتهد وذكر بعد ذلك المقلد وبَيَّن حقيقة الاجتهاد .

المفتي اسم فاعل من أفتى يُفتي وهو المجيب عن السؤال .

والمستفتي السائل هذا الأصل اللغوي وأما في الشرع فالمفتي : هو المخبر عن الحكم الشرعي، والمستفتي هو السائل عن الحكم الشرعي، فلما كان المفتي هو المخبر عن الحكم الشرعي، قال ابن الصلاح - رحمه الله – " ولذلك قيل في الفتوى إنها توقيع عن الله تبارك وتعالى " وسمي الإمام ابن القيم - رحمه الله - كتابه " إعلام الموقعين عن رب العالمين " إعلام العلماء ؛ علماء الشريعة .

وشرط المفتي أن يكون عالماً بالفقه فرعاً وأصلاً، أن يكون عالماً بمسائل الفقه كمسائل الطهارة والصلاة والزكاة والنكاح والطلاق وما شابه ذلك وكذلك أن يكون عالماً بأصول هذه المسائل يعني بقواعدها، وكذلك يكون عالماً بها خلافاً ومذهباً، أن يكون عالماً باختلاف العلماء في المسائل، وإذا كان مجتهداً في مذهب معين يكون عالماً بقواعد المذهب الذي ينتمي إليه؛ هذا معنى كلام المؤلف ،وقد اختلف العلماء في هذا الشرط في المفتي، لأن الأصل في المفتي أن يكون مالكاً لآلة الاجتهاد فيتمكن من معرفة الفقه فلا داعي لاشتراط معرفة الفقه ؛ هذا مذهب جمهور الأصوليين، فلا داعي لهذا الشرط أصلاً بما أنه مَلَك آلة الاجتهاد، إذن فهو قادر على استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

ثم قال: عارفاً بجميع ما يحتاج إليه من استنباط الأحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال وتفسير الآيات الواردة في الأحكام والأخبار الواردة فيها.

يعني يشترط في المفتي أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام ، فتكون عنده علوم الآلة التي يحتاجها في الفتوى كعلم اللغة وعلم أصول الفقه وعلم أصول الحديث ، لابد من توفر هذه العلوم عند المفتي المجتهد . فإذا درس الإنسان مثلاً في أصول الفقه " الورقات " الذي بين أيدينا ، وبعده مختصر ابن الحاجب أو " جمع الجوامع " لابن السُبكي أو "مختصر التحرير " أو " مختصر الطوفي " وفهمه وأتقنه فإنه يكون قد أخذ من أصول الفقه ما يكفيه للاجتهاد . و إذا درس في اللغة مثلاً " المقدمة الآجرومية " و "قطر الندى " يكون قد أخذ ما يحتاجه في النحو وإذا أكمل بألفية ابن مالك فهو خير على خير، وكذلك يدرس شيئاً من البلاغة وشيئاً من الصرف يعني يأخذ من اللغة ما يحتاجه في فهم آيات من الكتاب والسنة ولابد أن يكون عنده معرفة بعلم مصطلح الحديث ومعرفة بالرجال ومعرفة بالعلل كي يتمكن من معرفة الحديث الصحيح والضعيف ، وكذلك أن يكون على علم بآيات الأحكام وبأحاديث الأحكام ونعني بأحاديث الأحكام ؛ الأخبار الواردة فيها أي في الأحكام ، وقد جمع الحافظ ابن حجر أحاديث الأحكام تقريباً في " بلوغ المرام " وأما آيات الأحكام فقد جُمعت، وتكلموا فيها وأبانوا معانيها وتكلموا عن دلالاتها ؛ جمعها ابن العربي في كتابه " أحكام القرآن " وغيره .

ولا يجب أن يكون الشخص حافظاً لكل هذا، ولكن يكون مُلماً بها ويكون قادراً على الوقوف عليها متى ما احتاج إليها.

ثم قال المصنف - رحمه الله تعالى-:

ومن شرط المستفتي أن يكون من أهل التقليد، فيقلد المفتي في الفتيا، وليس للعالم أن يقلد ، وقيل يقلد .

المستفتي كما مر معنا هو الذي يسأل عن الحكم الشرعي فجعل المؤلف من شرطه أن يكون مقلداً أي غير مجتهد يعني لا يجوز للمجتهد أن يقلد لأنه يتمكن من الوصول لمراد الله تبارك وتعالى للوقوف على الأدلة فلا يجوز له أن ينصرف عنها إلى تقليد فلان وفلان فهو مأمور بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه و سلم
لا بطاعة غيرهما، ولا يجوز له أن يقلد إلا عند الضرورة، عند ضيق الوقت مثلاً أو عندما تشكل عليه المسألة ولا يتمكن من الوقوف على الصواب فيها ويجوز له ذلك لقول الله تبارك وتعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم }.

أما المقلد ففرضه أن يسأل من يثق بعلمه ودينه، المقلد هو الذي لا يتمكن من الوصول إلى الحكم الشرعي بدليله، ولا يتمكن بنفسه إلى الوصول لذلك فهذا يسأل غيره من أهل العلم من أهل الاجتهاد الذين يثق بعلمهم ودينهم، لأنه لا يستطيع أكثر من ذلك وهو داخل في قول الله تبارك وتعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} أي إن كنتم تعلمون فلا تسألوا ولكن اسألوا إذا كنتم لا تعلمون، فالمقلد لا يعلم ؛ فهذا يجب عليه أن يسأل الذين يثق بعلمهم ودينهم وأما المجتهد فهذا يعلم، فيجب عليه أن يأخذ المسألة من دليلها من الكتاب أو السنة.

قال المؤلف - رحمه الله -:

والتقليد: قبول قول القائل بلا حجة.

هذا معنى التقليد قبول قول القائل بلا حجة.

فعلى هذا قبول قول النبي صلى الله عليه و سلم يسمى تقليداً، ومنهم من قال: التقليد: قبول قول القائل وأنت لا تدري من أين قاله.

فإن قلنا: إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول بالقياس، فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً.

أصل التقليد في اللغة من القلادة ، فكأن من قَبِل قول غيره قَلَّده ذلك القول، قال التقليد قبول قول القائل بلا حجة هذا هو التقليد .

واختلف أهل العلم هل النبي صلى الله عليه و سلم يجتهد أم لا يجتهد وكل ما يأتيه وحي من الله ؟

والصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم يجتهد ولكن مع كونه يجتهد لا يُّقَّر على خطأ وكون النبي صلى الله عليه و سلم لا يّقَّر على خطأ فكل ما يأتي به من قول أو فعل فهو تشريع من عند الله تبارك وتعالى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } سواء قاله أصالة باجتهاد أو أصالة من وحي هو في النهاية لا يصلنا إلا وهو على الصورة التي أرادها الله عز وجل وهو وحي من الله تبارك وتعالى، فالأخذ بقول النبي صلى الله عليه و سلم ليس تقليداً لأن قول النبي هنا هو في نفسه حجة إذن قبول قوله قبول للحجة وليس قبولاً لقول الآخر بلا حجة.

إذن فالصحيح أن الأخذ عن النبي صلى الله عليه و سلم متابعة وليست تقليداً لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نطيعه وأن نأخذ بقوله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } وقال الله سبحانه وتعالى: { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } إذن طاعة الرسول والأخذ بأقواله هي حجة في نفسها وليس هذا من التقليد في شيء.

ثم قال المؤلف - رحمه الله -:

وأما الاجتهاد: فهو بذل الوسع في بلوغ الغرض.

بذل الوسع أي بذل الطاقة (الجهد) لإدراك حكم شرعي فالغرض هو الحكم الشرعي، فالاجتهاد هو بذل الوسع في بلوغ الغرض الشرعي .

وقال - رحمه الله -:

والمجتهد إن كان كامل الآلة في الاجتهاد، فإن اجتهد في الفروع : فإن أصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد.

ومنهم من قال: كل مجتهد في الفروع مصيب .

قوله إن كان كامل الآلة في الاجتهاد ، هذا هو المجتهد وهذا الظاهر أنه زيادة بيان وإيضاح لأن المجتهد هو الذي حصل على الآلة الكاملة في الاجتهاد.

قال: إن اجتهد في الفروع ؛ ويريدون بالفروع المسائل الفقهية العملية ؛ فإن اجتهد في الفروع وأصاب فله أجران وإن اجتهد وأخطأ فله أجر وهذا أصله قول النبي صلى الله عليه و سلم
: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اخطأ فله أجر" ، لأن المجتهد الذي بذل وسعه أراد أن يصل إلى ما يريده الله سبحانه وتعالى ويحبه ويرضاه ، إلى مراد الله من كلامه ؛ فإن أصاب بعد ذلك فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، والأجر هنا يؤخذ على الجهد الذي بذله . وأما الأجران فيأخذهما الذي أصاب ؛ أجر على الإصابة وأجر على الاجتهاد .

قال : ومنهم من قال كل مجتهد في الفروع مصيب هذا القول خطأ قطعاً لا شك في ذلك، وهذه المسألة التي تسمى عند أهل العلم كل مجتهد مصيب ، والمصيب واحد فقط ؛ فقد قال النبي
صلى الله عليه و سلم : "إن المجتهد إما أن يصيب أو أن يخطأ " كما مرَّ معنا في الحديث "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" إذن عندنا مخطئ وعندنا مصيب، والقولان إذا كانا متضادين لا يمكن أن يكونا صواباً أبداً، يعني كأنك تقول في الشيء يكون أبيض وأسود في نفس الوقت وفي نفس الزمن، هذا باطل، فإما أن يكون خطأ أو صوابا ، والله سبحانه وتعالى عندما شرع المسألة شرعها على صورة أرادها هو سبحانه فالصواب عند الله سبحانه شيء واحد فمن أصابه فله أجران ومن أخطأه فله أجر واحد.

قال المؤلف - رحمه الله -:

ولا يجوز أن يقال: كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب.

يريد بالأصول الكلامية المسائل الاعتقادية الخبرية ؛ تسمى أصولاً كلامية وهذه تسمية باطلة فاسدة مبتدعة على أصولهم هم .

الكلامية نسبة إلى الكلام، والكلام عندهم هو تقرير مسائل الاعتقاد بالعقل وبالكلام، ونحن نقول مسائل اعتقادية.

قال :

لأن ذلك يؤدي إلى تصويب أهل الضلالة من النصارى والمجوس والكفار والملحدين .

قلنا : الإصابة في الفروع أو في الأصول أو في المسائل الفقهية أو المسائل الخبرية لا تكون إلا واحدة ولا يقال بأن الجميع مصيب ؛ المصيب واحد فقط والآخر مخطأ بالحديث الذي تقدم معنا.

قال المؤلف - رحمه الله -:

ودليل من قال: ليس كل مجتهد في الفروع مصيباً قوله
صلى الله عليه و سلم
: "من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد" .

ووجه الدليل: أن النبي
صلى الله عليه و سلم
خطأ المجتهد تارة وصوبه أخرى.

هذا هو الصواب في المسألة، والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ؛ وقد تم هذا الكتاب بحمد الله ؛ ونكون بذلك قد أنهينا شرح الورقات .

قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الخميس 28 محرم 1433
عدد المشاهدات 4279
عدد التحميلات 101
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق