الاربعاء 4 ربيع الاول 1447 هـ
27 اغسطس 2025 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-106 كتاب الصلاة، الحديث 496و497و498و499و500و503,502,501   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-105 كتاب الصلاة، الحديث 493و494و495   الصوتيات: شرح سنن الترمذي الدرس 13 الحديث 58و59و60و61و62و63و64و65و66و67و68و69   المقالات: الشام في عهد عمر بن الخطاب   المقالات: الشام في عهد أبي بكر الصديق   المقالات: تاريخ الشام من البعثة النبوية   تفسير القرآن: تفسير سورة يوسف 105-111 (آخر السورة)   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-104 كتاب الصلاة، الحديث 483و484و485و486و487و488و489و490و491و492   تفسير القرآن: تفسير سورة يوسف 43-104   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-103 كتاب الصلاة، الحديث 477و478و479و480و481و482      

تفسير سورة التوبة (84-93)

تفسير سورة التوبة (84-93)

{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}

أخرج البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: « لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وَسَأَزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ. قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {‌وَلا ‌تُصَلِّ ‌عَلَى ‌أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}".

{وَلَا تُصَلِّ} يا محمد {عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} من المنافقين {مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} لا تقف عليه، أي عند قبره لتدعو له وتستغفر له {إِنَّهُمْ} ذلك لأنهم {كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} وماتوا وهم خارجون عن طاعة الله، ومن مات على هذا فلا يصلى عليه ولا يستغفر له ولا يدعى له.
فما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدها على منافق، ولا قام على قبره حتى قبض.

قال ابن كثير رحمه الله: "أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يبرأ من المنافقين، وأن لا يصليَ على أحد منهم إذا مات، وأن لا يَقُومَ عَلَى قَبْرِهِ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُ أَوْ يَدْعُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا عَلَيْهِ، وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ عُرِفَ نِفَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ".

{وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)}

{ولا تُعْجِبْكَ} أي: لا تَسْتَحْسِنْ يا محمد ما أعطيناهم من متاعِ الدنيا استحسانَ سرورٍ، لا تعجبك {أَمْوَالُهُمْ} أموال هؤلاء المنافقين {وأَوْلادُهُمْ} أي لَا تَسْتَحْسِن مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ استحساناً تسر به؛ فإنا أَعْطَيْنَا المنافقين المال والولد استدراجًا منا، وعاقبتُه عليهم سيئةٌ ووخيمةٌ في الدنيا والآخرةِ { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تعذيبُهم بها يكون بالمصائب الْوَاقِعَة فِي المَال وَالْولد، والتَّعَب فِي جمعها، وشغل الْقلب بحفظها، وَكَرَاهَة الْإِنْفَاق في سبيل الله {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} وتخرج أنفسهم، فيموتون وهم كافرون.

وقد تقدم تفسير هذه الآية في الآية 55 من هذه السورة.

{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)}

{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ} وإذا أنزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم سورة من القرآن، فيها الأمر بالإيمان بالله والجهاد في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {اسْتَأْذَنَكَ} طلبَ الإذنَ منك يا محمد في عدم الخروج للقتال معك {أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ} أصحاب الغنى والسعة من المنافقين {وَقَالُوا ذَرْنَا} اتركنا يا رسول الله {نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} في رحالهم من أصحاب الأعذار كالمرضى.

{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)}

{رَضُوا} أي المنافقون {بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} الخوالف: هم القاعدون عن الخروج للقتال، المتخلفين من النساء والصبيان وأصحاب الأعذار.

أي رَضِيَ المنافقون لأنفسهم بالعار، والقعودِ عن القتال مع أصحاب الأعذار، المتخلفين عن الخروج للقتال؛ كالنساء والمرضى {وَطُبِعَ} وخَتم الله {عَلَى قُلُوبِهِمْ} عقوبة لهم على نفاقهم ومخالفتهم أمر الله تبارك وتعالى {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} لا يفهمون ما فيه صلاحٌ لهم فيفعلوه، ولا ما فيه مضرةٌ لهم فيجتنبوه.

{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)}

يقول تعالى: إذا تخلف المنافقون عن الجهاد في سبيل الله، فـ {الرَّسُولُ} محمد صلى الله عليه وسلم {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} الصحابة رضي الله عنهم {جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} أطاعوا الله تبارك وتعالى وجاهدوا في سبيله وأخلصوا النية، وقدموا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله، مرضاة لله تبارك وتعالى {وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ} قال الطبري: "هي خيرات الآخرة، وذلك نساؤها وجناتها ونعيمها" {وَأُولَئِكَ} الرسول والذين آمنوا معه {هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بجنات النعيم.

{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)}

{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ} وهي البساتين {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} من تحت قصورها وأشجارها {الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} ما كثين فيها أبداً لا يخرجون منها ولا يموتون ولا يفنون {ذَلِكَ} الذي أعده الله لهم {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الفوز هو النجاة والظفر بالخير، فهو نجاة وظفر بالخير عظيم، قال ابن عثيمين: يقال: فاز الرجل إذا غلب غلبة مرضية، ولا يكون هذا إلا بالنجاة من المرهوب وحصول المطلوب، و {الْعَظِيمُ} أي: ذو العظمة البالغة التي ليس لها نظير. انتهى

{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)}

يقول تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ}

أي: جاء الذين لهم عذر حقيقة، الذين يسكنون البوادي، أتَوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبينوا للرسول صلى الله عليه وسلم أعذارهم ليعذرهم، ومن عادته أن يعذر من له عذر.

{وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي وقعد آخرون من الأعراب الذين كذبوا الله ورسوله في دعواهم الإيمان، المقتضي للخروج، وعدم عملهم بذلك، قعدوا ولم يأتوا للاعتذار كما جاء أصحاب الأعذار، ثم توعدهم بقوله: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ} بسبب كفرهم ونفاقهم وتخلفهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم موجع في الدنيا والآخرة.

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)}

هذا بيان لأصحاب الأعذار الذين يجوز لهم التخلف عن القتال بسببها، قال تبارك وتعالى {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} من المشايخ الكبار والعجزة والصبيان والنساء {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ} يعني الفقراء الذين لا يجدون من المال ما يتجهزون به للقتال {حَرَجٌ} هؤلاء ليس عليهم إثم في القعود عن الغزو، فلهم عذر {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} إذا أخلصوا الإيمان والعمل لله، وبايعوا الرسول وعملوا بشرع الله {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} الذين أحسنوا في إيمانهم وعملهم {مِنْ سَبِيلٍ} أي: من طريق لمعاقبتهم {وَاللَّهُ غَفُورٌ} لذنوب المحسنين {رَحِيمٌ} بهم.

{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}

{وَلا} إثم كذلك {عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} على الدواب ليخرجوا للغزو معك {قُلْتَ} لهم يا محمد {لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} من الدواب {تَوَلَّوْا} ذهبوا من عندك {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} يبكون {حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} يبكون مِنْ حَزَنٍ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ وما يحملهم من الدواب لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)}

{إِنَّمَا السَّبِيلُ} الطريق بالعقوبة {عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} يطلبون منك الإذن في التخلف عن الخروج للقتال {وَهُمْ أَغْنِيَاءُ} قادرون على التجهز والخروج معك {رَضُوا} لأنفسهم بالذلة والهوان {بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} بأن يقعدوا مع من قعد في البيوت من النساء والصبيان {وَطَبَعَ} وختم {اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فلا يدخلها إيمان {فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} قال الطبري: "وَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِمَا كَسَبُوا مِنَ الذُّنُوبِ {فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} سُوءَ عَاقِبَتِهِمْ بِتَخَلُّفِهِمْ عَنْكَ وَتَرْكِهِمُ الْجِهَادَ مَعَكَ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ قَبِيحِ الثَّنَاءِ فِي الدُّنْيَا وَعَظِيمِ الْبَلَاءِ فِي الْآخِرَةِ. انتهى

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الثلاثاء 1 جمادة الاخرة 1445
عدد المشاهدات 545
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق