الاحد 20 شوال 1445 هـ
28 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-50، كتاب الوضوء، الحديث 176و177و178و179و180و181و182   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169      

تفسير سورة النساء 60-65

تفسير سورة النساء 60-65

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)}

{أَلَمْ تَرَ} يا محمد بقلبك فتعلم {إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} يدعون {أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} بالقرآن {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} كالتوراة والإنجيل {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا} في الخصومات التي تقع بينهم والنزاعات {إِلَى الطَّاغُوتِ} كل من يتحاكم الناس إليه، ولا يحكم بشرع الله تبارك وتعالى، قال الطبري: إلى من يعظمونه، ويصدرون عن قوله -أي يفعلون أفعالهم بناء على قوله-، ويرضون بحكمه من دون حكم الله. انتهى

{وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} وقد أمرهم الله أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه، فتركوا أمر الله، واتبعوا أمر الشيطان {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} عن الحق، يعني أن الشيطان يريد أن يمنع هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت من الوصول إلى سبيل الحق والهدى ويبعدهم عنه.

قال ابن كثير رحمه الله: هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله. انتهى

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)}

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} هؤلاء الذين يدَّعون الإيمان ويريدون التحاكم إلى الطاغوت {تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ} للتحاكم إلى القرآن {وَإِلَى الرَّسُولِ} ليحكم بينكم بشرع الله {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} أي: يعرضون عنك إعراضاً، فلا يريدون التحاكم إلى شرع الله بل إلى غيره.

{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)}

{فَكَيْفَ} يصنعون {إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} أي عقوبة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي إذا نزلت بهم عقوبة بسبب ذنوبهم التي فعلوها.

وتم الكلام هاهنا، ثم عاد الكلام إلى ما سبق، يخبر عن فعلهم فقال: {ثُمَّ جَاءُوكَ} أي: بعد تحاكمهم إلى الطاغوت يجيئونك {يَحْلِفُونَ بِاللهِ} كذباً وزوراً {إِنْ أَرَدْنَا} ما أردنا بالتحاكم إلى غيرك {إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} إلا إحساناً من بعضنا لبعض، وتوفيقاً: صواباً.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}

{أُولَئِكَ} أي هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك يا محمد صفتهم {الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من النفاق، أي: علم أن ما في قلوبهم خلاف ما على ألسنتهم {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: عن عقوبتهم {وَعِظْهُمْ} بتخويفهم من عذاب الله على أفعالهم {وَقُلْ لَهُمْ فِي} شأن {أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} قوياً مؤثراً فيهم؛ أي ازجرهم ليرجعوا عن ضلالهم.

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ} أي لم نرسل يا محمد رسولاً إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليهم، يقول تبارك وتعالى: فأنت يا محمد من الرسل الذين فرضت طاعتهم على من أرسلته إليه.

وهذا توبيخ من الله للذين يريدون التحاكم للطاغوت، وترك التحاكم للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول لهم تعالى ذكره: ما أرسلت رسولا إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليهم، فمحمد صلى الله عليه وسلم من أولئك الرسل؛ فمن ترك طاعته والرضا بحكمه واحتكم إلى الطاغوت؛ فقد خالف أمري وضيع فرضي {بِإِذْنِ اللهِ} قال مجاهد: أي لا يطيع أحد إلا بإذني، يعني لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك {وَلَوْ أَنَّهُمْ} يعني المنافقين {إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بتحاكمهم إلى الطاغوت {جَاءُوكَ} تائبين معترفين بذنبهم {فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ} سألوا المغفرة من الله على ما وقع منهم، فيتجاوز عنهم فلا يعاقبهم ويستر عليهم {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} دعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمغفرة {لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا} يقبل توبتهم {رَحِيمًا} بهم في تركه عقوبتهم على ذنبهم الذي تابوا منه.

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}

{فَلَا} أي: ليس الأمر كما يزعمون أنهم مؤمنون ثم لا يرضون بحكمك، ثم أقسم فقال {وَرَبِّكَ} يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة {لَا يُؤْمِنُونَ} لا يؤمن أحد {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} أي يجعلوك حكماً {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أي: اختلف واختلط من أمورهم كلها والتبس عليهم وتخاصموا فيه، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} ضيقا {مِمَّا قَضَيْتَ} مما حكمت به بينهم؛ لأنه الحق الذي ما بعده سوى الضلال {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي: ينقادوا لأمرك انقياداً كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة.

أما سبب نزول الآية فأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ: " اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا زُبَيْرُ اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} [النساء: 65]

هذا ما صح في سبب النزول، وأما السبب الثاني وهو في ضرب عمر عنق الرجل الذي تحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أراد أن يتحاكم إلى عمر، فقصة ضعيفة ذكرها ابن كثير وأشار إلى ضعفها.

ما المقصود بنفي الإيمان هنا؟ هل يكفر من لم يتحاكم إلى شرع الله مطلقاً كما تقوله الخوارج.

هذه الآية يحتج بها الخوارج على تكفير المسلمين، ويحتجون بسبب النزول الضعيف لذلك نبهت على ضعفه، فانتبهوا مسألة حكم من تحاكم إلى غير شرع الله فيها تفصيل.

قال ابن باز في هذه الآية: وهذا الإيمان المنفي هو أصل الإيمان بالله ورسوله بالنسبة إلى تحكيم الشريعة والرضا بها والإيمان بأنها الحكم بين الناس، فلا بد من هذا، فمن زعم أنه يجوز الحكم بغيرها، أو قال: إنه يجوز أن يتحاكم الناس إلى الآباء أو إلى الأجداد أو إلى القوانين الوضعية التي وضعها الرجال سواء كانت شرقية أو غربية، فمن زعم أن هذا يجوز؛ فإن الإيمان منتف عنه، ويكون بذلك كافرا كفرا أكبر، فمن رأى أن شرع الله لا يجب تحكيمه ولكن لو حكم كان أفضل، أو رأى أن القانون أفضل، أو رأى أن القانون يساوي حكم الله فهو مرتد عن الإسلام، وهي ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن يقول: إن الشرع أفضل ولكن لا مانع من تحكيم غير الشرع.

النوع الثاني: أن يقول: إن الشرع والقانون سواء ولا فرق.

النوع الثالث: أن يقول: إن القانون أفضل وأولى من الشرع، وهذا أقبح الثلاثة، وكلها كفر وردة عن الإسلام.

أما الذي يرى أن الواجب تحكيم شرع الله، وأنه لا يجوز تحكيم القوانين ولا غيرها مما يخالف شرع الله، ولكنه قد يحكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه ضد المحكوم عليه، أو لرشوة، أو لأمور سياسية، أو ما أشبه ذلك من الأسباب وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع، فهذا يكون ناقص الإيمان، وقد انتفى في حقه كمال الإيمان الواجب، وهو بذلك يكون كافرا كفرا أصغر، وظالما ظلما أصغر، وفاسقا فسقا أصغر، كما صح معنى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وجماعة من السلف رحمهم الله، وهو قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سلك سبيلهم، والله المستعان. انتهى

وفي فتوى للجنة الدائمة قالوا: الواجب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه سلم عند الاختلاف، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، والتحاكم يكون إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن لم يتحاكم إليهما مستحلاً التحاكم إلى غيرهما فهو كافر، وإن كان لم يستحل التحاكم إلى غيرهما ولكنه يتحاكم إلى غيرهما من القوانين الوضعية بدافع طمع في مال أو جاه أو منصب فهو مرتكب معصية وفاسق فسقاً دون فسق ولا يخرج من دائرة الإيمان....إلخ. انتهى

وقال ابن عثيمين: فمن طلب التحاكم إلى غير الله ورسوله، فإنه ليس بمؤمن، فإما كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، وإما كافر كفرًا دون ذلك. انتهى

وهذا معنى ما ذكره ابن تيمية في منهاج السنة (5/ 130-131).

والتفصيل في كتب العقيدة.

التعليقات عدد التعليقات (0)

اضافة تعليق
قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاثنين 12 ذو القعدة 1442
عدد المشاهدات 121
عدد التحميلات 5
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق