الخميس 19 رمضان 1445 هـ
28 مارس 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-44، كتاب الوضوء، الحديث 155و156   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-43، كتاب الوضوء، الحديث 151و152و153و154   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-42، كتاب الوضوء، الحديث 145و146و147و148و149و150   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-41، كتاب الوضوء، الحديث 142و143و144   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-40، كتاب الوضوء، الحديث 138و139و140و141   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-39، كتاب الوضوء، الحديث 136و137   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-38، أول كتاب الوضوء، الحديث 135      

الدرس الثالث

[الدرس الثالث]


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد

فهذا المجلس الثالث من مجالس شرح لمعة الاعتقاد


انتهينا في الدرس الماضي من تأصيلات المؤلف رحمه الله حول الأسماء والصفات والكلام عن المحكم والمتشابه وما ذكره الشيخ من تأصيل حول وجوب الإيمان بالأسماء والصفات وردّ المتشابه إلى المُحكم من الآيات، وبقيت فائدة حول هذا الموضوع نسينا أن نذكرها في الدرس الماضي نذكرها في درسنا هذا،
والفائدة هي أنّ الله سبحانه وتعالى وصف آيات الكتاب الكريم بأن منها محكم ومنها متشابه، كما تقدم معنا في الدرس الماضي، من ذلك قول الله تبارك وتعالى { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [ آل عمران/7]، وجاء أيضاً في كتاب الله بأنّ الله سبحانه وتعالى وصف كتابه بأنّ آياته كلها محكمة، فقال: { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } [ هود/1]
وقال في أخرى { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً } [ الزمر/23]
فوصف كتابه كله بالمتشابه، ففي آيةٍ جعل جميع الآيات مُحكمة وفي أخرى جعل جميعها متشابهاً، وفي ثالثة جعل بعض الآيات محكمة والبعض الآخر متشابه، فطريقة الجمع بين هذه الآيات هو أن الإحكام في التفصيل الذي ذكره أنّ بعضها مُحكم وبعضها متشابه، المراد بالإحكام هنا: الوضوح، أنها آيات واضحات لا إشكال فيها، والمراد بالإحكام في الآية التي وصف فيها آياته بأنها كلها محكمة: الإتقان فجميع الآيات متقنة {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } أي أُتقِنت ، وفي وصفه للآيات بالمتشابهات أي يشبه بعضها بعضاً في الصدق والحق والحُسن.


هذا هو الجمع بين هذه الآيات.


قال المؤلف رحمه الله :كلام أئمة السلف في الصفات


"
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم :إنّ الله ينزل الى سماء الدنيا وإن الله يُرى في القيامة وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها ونصدق بها بلا كيْف"
أي لا نخوض في كيفيتها ولا نبحث عنها، لأنّنا لا علم لنا بها، وليس معنى ذلك أن الصفة لا كيفية لها، لا، الصفة لها كيفية، ولكننا لا نعلمها.


قال:"لا كيف ولا معنى"


ولا معنى يخالف معناها الحقيقي كما تفعله المعطلة الذين يحرفون الصفة عن حقيقتها، فيفسرونها بمعنى آخر، فإن المعنى الذي نزل به القرآن معروف مفهوم بمقتضى اللغة كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم (ليس به خفاء ولا جهالة) والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة، فالمعنى المراد نفيه هنا هو المعنى الباطل الذي تفسره به المعطلة، لا المعنى الحقيقي للصفة، لأن هذه الكلمة وما شابهها من بعض كلام السلف تعلق به المفوّضة، وقالوا: نفوّض الكيف والمعنى وهذا هو مذهب السّلف ، كيف ؟ الآن الإمام أحمد يقول: لا كيف ولا معنى،
وجاء عن أكثر من واحد هذا الكلام،
إذاً هم ينفون المعنى عن الصّفة فنحن نفوّض الكيف والمعنى، وهذا الكلام باطل بدليل أن الإمام أحمد نفسه ورد عنه تفسير بعض الصفات بحقيقتها وكذلك عن غيره من السلف كما جاء عن أبي العالية الرياحي أنه قال في الاستواء:"هو العلو والارتفاع"، فهنا فسر الاستواء بمعناه الحقيقي، إذاً السلف ليس من مذهبهم تفويض المعنى، المعنى عندهم معلوم، واضح، لا خفاء فيه، لكنهم يفوضون الكيف لأن الكيفية لم يذكرها لنا ربّنا تبارك وتعالى، فلا سبيل إلى معرفتها، لذلك نفوضها إلى الله سبحانه وتعالى، أمّا المعنى ، لا ، قد ذكر الله سبحانه وتعالى الصفات بكلام عربي فصيح واضح لا خفاء فيه، فنفهمها بمقتضاها اللغوي.

" ولا نردّ شيئاً منها" بل نؤمن بها جميعاً

"
ونعلم أنّ ما جاء به الرّسول حقّ، ولا نرد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم"، لا نردّ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما جاء به، فما جاء به النّبي صلّى الله عليه وسلّم صدق وحق، فنؤمن به ونصدّق به.

"ولا نصف الله بأكثر ممّا وصف به نفسه" أي نقف في صفات الله عند كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، لا نزيد ولا ننقص، نقف عند الكتاب والسنّة ، الكلام في ذات الله وفي صفاته أمر عظيم، الواجب فيه الوقوف مع ما جاء في الكتاب والسنّة، فكلّه توقيفيّ لا يجوز للشخص أن يُعمل عقله وذهنه في أمرٍ كهذا .

قال :"بلا حدّ ولا غاية" أي لا نكيّف صفات الله تبارك وتعالى فنذكر حدودها وغاياتها وكيفيتها فلا يعلم ذلك إلا الله تبارك وتعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " ، نفي وإثبات، هذا هو التّوحيد في الصّفات، تنفي المماثلة فلا شيء يماثل الله سبحانه وتعالى لا في ذاته ولا في صفاته "ليس كمثله شيء" ، وهو السّميع البصير" نفى ولكنّه أثبت، أثبت لنفسه سمعاً وأثبت لنفسه بصراً فنثبت له السّمع والبصر، وننفي أن يكون لأحد سمع وبصر يماثل سمع وبصر الخالق تبارك وتعالى .

"ونقول كما قال ، ونصفه بما وصف به نفسه ، لا نتعدّى ذلك" نقول كما قال الكتاب وكما جاء عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم في سنّته، ونصفه بما وصف به نفسه فلا نعطل الله تبارك وتعالى عن صفاته .

"ولا يبلغه وصف الواصفين" لا أحد يستطيع أن يصف الله، الله هو الذي يصف نفسه، فلا نصفه إلا بما وصف به نفسه في كتابه أو في سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم .

"نؤمن بالقرآن كلّه محكمه ومتشابهه" لا نردّ على الله تبارك وتعالى شيئا .

"ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شُنّعت" أي نثبت الصّفات ولو أقام أهل البدع الدّنيا ولم يقعدوها علينا من أجل إثباتنا لصفات الله التي ذكرها في كتابه أو في سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم لالتزمنا بها ووصفنا الله سبحانه وتعالى بها بما أنّه وصف نفسه بها، فلا نبالي بتشنيع أهل البدع والضلال علينا ولو وصفونا بالمشبّهة أو بالمجسّمة أو بالحشويّة أو بغير ذلك من المعاني والألفاظ، المهمّ عندنا أنّنا نؤمن بما أمرنا الله تبارك وتعالى بالإيمان به .

"ولا نتعدّى القرآن والحديث" هذه هي عقيدتنا، لا نتجاوز كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّفي وفي الإثبات .

"
ولانعلم كيف كُنه ذلك" أي لا نعلم حقيقة الصّفات، لا نعلم كيفيتها، أمّا معناها فهو معلوم عندنا .


"
ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وتثبيت القرآن" هذا هو، ما نعلم إلا أن نصدّق النّبي صلّى الله عليه وسلّم ونؤمن بما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى ، هذا هو واجب المسلم ناحية صفات الله تبارك وتعالى .

قال رحمه الله :"قال الإمام أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشّافعيّ" نقل أوّلا كلام الإمام أحمد وهو إمام أهل السنّة في زمنه، في زمن الإمام أحمد قامت البدع على قدم وساق وصار لأهلها شوكة ومنعة، فصاروا يصرخون ببدعهم وضلالاتهم وينشرونها ويدعون النّاس إليها، فقام لهم الإمام أحمد رحمه الله قياماً عظيماً وصدّهم وثبت في وجوههم وجاهدهم حقّ الجهاد، فلذلك سمّي رحمه الله بـ"إمام اهل السنّة" في زمنه .
وأمّا الإمام الشّافعيّ فهو أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشّافعيّ إمام أيضا من أئمّة السنّة والحديث في زمنه رحمه الله وهو صاحب المذهب الشّافعيّ المعروف .

قال رحمه الله :"آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله"
، آمنت بالله وبما جاء عن الله أي بالقرآن، على مراد الله، أي أؤمن به وأصدّق به على ما أراد الله سبحانه وتعالى من معنى .

"وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله" في سنّته صلى الله عليه وسلم ، "على مراد رسول الله" على المعنى الذي أراده النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سنّته .
هذا كلّه تأصيل عام لمنهج أهل السنّة سواء كان في الأسماء والصّفات أو حتى في أمور الشّريعة والدّين كلّها، كلام الشافعي رحمه الله .

قال رحمه الله :" وعلى هذا درج السلف وأئمّة الخلف" أي على هذا الذي ذكره من كلام الإمام أحمد وكلام الإمام الشّافعيّ مشى السّلف، وهم الصّحابة ومن اتّبعهم بإحسان من أصحاب القرون المفضّلة، وهي القرون الثّلاثة .

قال:" وعلى هذا درج السّلف وأئمّة الخلف رضي الله عنهم" أي ممن اتّبع السلف
، "كلّهم متّفقون على الإقرار" أي الإقرار بالصّفات والإيمان بها،
"
والإمرار" أي إمرارها من غير تكييف ولا تحريف، "والإثبات" أي إثبات معناها،
"
لِما ورد من الصّفات في كتاب الله وسنّة رسوله من غير تعرّض لتأويله" أي لتفسيره تفسيراً فاسداً (كتفسير المعطّلة) .


قال رحمه الله:التّرغيب في السنّة والتّحذير من البدعة


قال:"وقد أُمرنا بالاقتفاء لآثارهم" آثار من ؟ آثار السلف الذين قرّر قبل قليل القواعد والأصول التي ينتهجونها في أسماء الله وصفاته،
قال هنا:" وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم" فالواجب علينا أن نسير كما ساروا،
"
والاقتفاء لآثارهم": الأثر ما بقي من رسم الشّيء ، كمحلّ دوس القدم مثلاً،
"
والاقتفاء": الاتّباع، أي اتّباعهم على ما كانوا عليه من أمر الدّين، أُمرنا بذلك،
"
والاهتداء بمنارهم" الاهتداء أي نعرف الطريق بالمنارات التي وضعوها لنا، وأصل المنارة مكان مرتفع توضع عليه المصابيح أو أعلام الطرق، مثل المنارات التي ترونها عند شواطئ البحار تكون منارة عالية مرتفعة، مبنى عالٍ مرتفع وعليه ضوء يدور ويضوي ، هذه منارة، علامة كي ترشد السفن إلى الشّواطئ، هذه منارة، هذا معنى المنارة أساساً . السّلف كأنّهم في منهجهم الذي كانوا عليه وفي طريقهم الذي بيّنوه لنا وضعوا لنا منارات كهذه المنارات، فالواجب علينا أن نستضيء بهذه المنارات ونسير على نفس الطريق التي كانوا عليها، "وحُذِّرنا المحدثات" المحدثة أي الأمر الجديد في الدّين، ويُعرف الجديد كيف ؟ بعدم وروده في الكتاب والسنّة، بكونه لا أصل له في الكتاب أو في السنّة، إذاً فهو دين جديد، العامّة اليوم عندما تطبّق عندهم سنّة ماذا يقول لك ؟ ما هذا الدين الجديد الذي أتيتنا به ؟ لكن ما ضابطهم في الجديد ؟ ضابطهم في الجديد أنّهم لم يعتادوا عليه، فقط،لا، الضّابط في الجديد هو ما لا أصل له في الكتاب والسنّة، هذا هو الذي يسمّى ديناً جديداً .

"وأُخبرنا أنّها من الضلالات" ما هي ؟ المحدثات، العبادات التي تأتي جديدة ولا أصل لها في الكتاب والسنّة ولم يكن عليها السّلف الصّالح رضي الله عنهم، هذه ضلالات، محدثات، والضّلالة ضدّ الرّشاد، ضدّ الرّشد، ضدّ الهداية، أي انحراف عن الحقّ .
" فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم :(عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي عضّوا عليها بالنّواجذ وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة) "
الآن المؤلف رحمه الله يريد أن يستدلّ على ما قدّم لك، ماذا قال في البداية ؟
"
وقد أُمرنا بالاقتفاء لآثارهم والاهتداء بمنارهم" أين هذا الأمر ؟ قبل الحديث الذي جاء به نأتي نحن بآية من كتاب الله ، فماذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ؟ قال { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } [ النساء/115]،
ماذا قال؟ ، قال: { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ }، مَن المؤمنون الذين كانوا عند نزول هذه الآية ؟ هم صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذاً فالواجب أن نسير على سبيلهم ، على طريقهم، وإلاّ فلماذا ذُكروا ؟
وكذلك قال الله تبارك وتعالى{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [ التوبة/100] فكان الرضى من نصيب مَن ؟ الصّحابة ومن اتّبعهم بإحسان ، إذاً هذه كلّها آيات تدلّ على أنّ النّاجي هو الذي يتّبع منهج السلف، وجاء في الحديث الذي ذكره المؤلف "عليكم بسنّتي" أي الزموا سنّتي ، السنّة ما هي ؟ هي الطّريقة، والسنّة هنا المراد بها طريقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، دينه الذي جاء به سواء كان قولاً، أو فعلاً، أو تقريراً،
"
عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي" أي طريقة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي، "عضّوا عليها بالنّواجذ" من هم الخلفاء الرّاشدون المهديّون من بعده ؟ هم : أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ، من أين ولماذا خصّصت بالأربع ؟ نقول لك: لأنّ حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي رواه سفينة يقول: "الخلافة من بعدي ثلاثون سنة"، وإذا عددت السّنين الثّلاثين وجدتها تنتهي بعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه،
إذاً هؤلاء هم الخلفاء الرّاشدون الذين أوصى النّبي صلّى الله عليه وسلّم باتّباع سنّتهم (باتّباع طريقتهم) .

"عضّوا عليها بالنّواجذ" سنّته وسنّة الخلفاء من بعده،
(
النّواجذ) جمع ناجذ وهو الضّرس، أي احرصوا عليها وتمسّكوا بها، مثلما نقول نحن اليوم : "امسك بها بيديك وأسنانك" .


"
وإيّاكم ومحدثات الأمور" أي احذروا من محدثات الأمور ،
"
فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة" وكلّ ضلالة في النّار كما جاء في رواية،
إذاً ، الآن كلّ محدثة بدعة، وقلنا بأنّ المحدثة هي الأمر الجديد في الدّين، الذي لا أصل له في الكتاب والسنّة،
إذاً فالبدعة لغة : ما أُحدث على غير مثال سابق .
وفي الشّرع : ما أُحدث ممّا لا أصل له في الشّريعة يدلّ عليه، لأنّ دين الله، دين الإسلام، هو كتاب وسنّة،
فإذا جاء دين لا أصل له لا في الكتاب ولا في السنّة فهو محدث ، فهو بدعة، والبدعة ضلالة، والضّلالة في النّار، أي صاحبها،
إذاً فالبدعة كبيرة من الكبائر، لأنّ من تعريف الكبائر: ما تُوُعّد عليه بعقاب أو عذاب، فالبدعة كبيرة من الكبائر وعظيمة من العظائم، وخطر البدعة يكمن في أنّ البدع إذا سُكت عنها وتوسّع النّاس في الإحداث والابتداع في دين الله سيؤدّي ذلك إلى انطماس شريعة الله واستبدالها بآراء وأهواء البشر كما حصل مع اليهود والنّصارى، ومع الرّافضة والصّوفيّة اليوم، فتحوا باب الابتداع على مصراعيه فأخذوا يستحسنون بآرائهم وعقولهم حتى خرجوا من دين الله تماماً، هذا هو طريق البدعة، فرحم الله السلف، نظرتهم كانت ثاقبة، فكان بعضهم يقول: "البدعة بريد الكفر"، البريد يوصلك إلى هذه النّتيجة، فالحذر الحذر من البدعة والابتداع، ومن هنا نجد السلف رضي الله عنهم يشدّدون في مسائل البدع والابتداع ويحرصون على التّحذير ممّن يدعو إلى بدعة أو ضلالة، لأنّ السّكوت عن مثل هذا يؤدّي إلى انطماس الدّين وذهاب الحقّ ، وهذا لا يجوز السّكوت عليه البتّة،
لا تأخذك الحميّة لشخص من الأشخاص إن أحببته أو رأيت فيه شيئاً من الخشوع وإن كانت فيه بدعة، فتأخذ بالدّفاع عنه والذبّ عنه لأنّك أحسنت الظنّ به، خطأ ، البدعة أمرها خطير، وغيرتك على دين الله أَولى لك من غيرتك على فلان أو فلان، محبّتك يجب أن تكون لشرع الله، تقدّم كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على شيء وعلى كلّ أحد،
المبتدع الذّي يضلّ النّاس عن سواء السّبيل والذي يريد أن يفسد شريعة الله هذا يجب التّحذير منه، من أجل أن تحافظ على شريعة الله صافيّة نقيّة ولمناصحة المسلمين، فإذا لم تبيّن أنت ولم أبيّن أنا فمن أين يعلم النّاس الحقّ من الباطل؟ .



قال المؤلف رحمه الله:"وقال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه :اتّبعوا ولا تبدعوا فقد كفيتم"، ما أجمل هذا الكلام، لا تحاول أن تجعل نفسك رأساً وتأتينا بالآراء والخيالات والغرائب الجديدة كي تجد لك مَن يتّبعك أو كي يقال: فلان قال ، ولكن كُن متّبعاً تبقى على الحقّ .

(
اتّبعوا ) أي اتّبعوا الكتاب والسنّة ومنهج السّلف رضي الله عنهم ، فالصّحابة رضي الله عنهم بيّنوا هذا الدّين، وهذا الشّرع بياناً واضحاً لا خفاء فيه، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من قبلهم ،(ولا تبتدعوا) فلسنا بحاجة إلى بدعك وخرافاتك ،
(
فقد كفيتم) كفيتم البيان، كفاكم سلفكم أمر بيان هذا الدّين وتفهيم معناه .



"
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه" عمر بن عبد العزيز الأمويّ، الأمير ، الزّاهد ، الورع ، التّقيّ ، كان صاحب علم ، وكان أميراً عادلاً ،
قال رحمه الله :"كلاماً معناه :قف حيث وقف القوم"، السلف الصالح رضي الله عنهم ما اتبعوه وبيّنوه ووضّحوه من السنّة فخُذ به واعمل به، وما سكتوا عنه فاسكت عنه وانتَه ، وما انتهوا عن الخوض فيه فانته أنت عن الخوض فيه، فقف عنده ولا تتجاوزه.

قال:"فإنّهم عن علم وقفوا" عندما وقفوا عند نقطة معيّنة كانوا يفهمون لماذا وقفوا ، "وببصر نافذ كفّوا" ببصر قويّ توقّفوا،
"
وهم على كشفها كانوا أقوى" علمهم أقوى من علم مَن جاء بعدهم وأكثر وأغزر ، فلو كان هناك ما يحتاج إلى العلم فهم كانوا أقدر على استخراجه وبيانه،
"
وبالفضل لو كان فيها أحرى" ولو كان في كشفه فضل، فهُم من أحرص النّاس على الفضل وعلى الخير ،
"
فلإن قلتم حدث بعدهم" إن قلت قضيّة حصلت ولم تكن في زمنهم ، "فما أحدثه إلا مَن خالف هديهم ورغب عن سنّتهم " زَهِدَ في طريقتهم يعني ، "ولقد وصفوا منه ما يشفي ، وتكلّموا منه بما يكفي" وصفوا من أمر هذا الدّين ما يشفي المريض ، وتكلّموا منه بما يكفي فلسنا بحاجة إلى زيادة على ذلك،"فما فوقهم مُحسِّر" أي متعب نفسه من غير فائدة، "وما دونهم مقصّر" في طلب الحقّ
، "لقد قصّر عنهم قوم فجفوا" من الجفاء وهو التباعد، "وتجاوزهم آخرون فغلوا" من الغلوّ ، مجاوزة الحدّ وهو منهي عنه في الشّرع ، "وإنّهم فيما بين ذلك لعلى هدىً مستقيم" أي إنّهم بين الغلوّ والتّقصير، بين الإفراط والتّفريط، هذا منهج السّلف رضي الله عنهم، وهذه هي طريقتهم.


يقول موسى بن أبي عائشة رحمه الله وهو أحد أئمّة السّلف :"ما أنزل الله من شيء إلا وكان للشّيطان فيه نزغتان : نزغة إلى غلوّ، ونزغة إلى تقصير" فأهل السنّة كانوا دائماً وسطا ، لا إفراط ولا تفريط .


"
وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعيّ" الإمام العالم الكبير، شيخ أهل الشّام في زمنه، كان إماماً يُقتدى به وكان له مذهباً سائداً في بلاد الشّام، لأنّه كان من أهل الشّام فكان مذهبه هو السّائد في بلاد الشّام قبل أن يطغى عليه مذهب الإمام الشّافعي رحمه الله، فهو إمام من أئمّة أتباع التّابعين، إمام في زمنه في بلاد الشّام كما كان مالك في المدينة، واللّيث بن سعد في مصر، وسفيان الثّوري في الكوفة ، وعبد الله بن المبارك في خراسان، كان هؤلاء أئمّة زمانهم .


"
قال الإمام أبو عمرو الأوزاعيّ رضي الله عنه :عليك بآثار من سلف" عليك بطريقهم ، "وإن رفضك النّاس" وإن تبرّأ منك النّاس، وإن تركوك، وإن حذّروا منك ، وإن رموك بما رموك به، كلّ هذا لا تبالي به، فإن كنت على الجادة فسيُعزّك الله سبحانه وتعالى،"وإيّاك وآراء الرّجال" كم كان السّلف رضي الله عنهم يوصون بالأخذ بكتاب الله وسنّة رسوله واتّباع منهج السلّف، ويحذّرون من الآراء ، وخالف في ذلك أهل الرّأي في الفقه، وأهل الكلام في الاعتقاد، فكلّهم اعتمدوا على رأيهم في الذين وبقي على الجادّة أهل الحديث.


قال: "وإن زخرفوه لك بالقول" وإن زيّنوه لك باللّسان الجميل فلا تبالي به ولا تنظر إليه، بما أنّه رأي خارج من الرّجال فلا تنظر إليه، فالعبرة بــ قال الله ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،
والقرون الثّلاثة هي التي كانت على الجادّة، وكان الحقّ فيها ظاهراً قويّاً منتشراً ، التي قال فيها النّبيّ صلى الله عليه وسلّم:" خير النّاس قرني ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، ثم ّ الذين يلونهم" ثمّ ذمّ القرون التي بعد ذلك، وإذا نظرت إلى منهج السّلف في هذه القرون الثّلاث تجده واضحاً نقيّاً صافياً لا غباش فيه ولا خفاء .


قال رحمه الله:" وقال محمّد ابن عبد الرّحمن الأدرميّ لرجل تكلّم ببدعة ودعا النّاس إليها : هل علِمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ أو لم يعلموها ؟" انظر الآن يريد أن يجادله بالإلزام، يقول :
ما هذه البدعة التي تدعو إليها ؟ تدعو إلى القول بخلق القرآن (فلنفرض)، هل القول بخلق القرآن علِمه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ أم لم يعلموا ؟
قال : لم يعلموها !

انظر كيف وصلت البدعة بهم إلى أي درجة، أن يدّعوا أنّهم علموا أشياء لم يعلمها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم .

"
قال:فشيء لم يعلمه هؤلاء ، أعَلِمته أنت؟ " انتبه الرّجل، "
فقال: فإنّي أقول قد علموها" تراجع ،" قال: أفوسعهم أن لا يتكلّموا به ولا يدعوا النّاس إليه أم لم يسعهم ؟"، إن قال: نعم، قلنا له: هات، أين كلامهم ؟ ولكنّه "قال: بلى وسعهم"، وسعهم أن يسكتوا عن كلّ هذا ،"قال: فشيء وسع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخلفاءه لا يسعك أنت ؟ فانقطع الرّجل ، فقال الخليفة وكان حاضراً : لا وسّع الله على من لم يسعه ما وسعهم ، وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه والتّابعين لهم بإحسان والأئمّة من بعدهم والرّاسخين في العلم من تلاوة الصفات ، وقراءة أخبارها ، وإمرارها كما جاءت ، فلا وسّع الله عليه" هذا تقعيد وتأصيل من المؤلف رحمه الله لعقيدة أهل السنّة والجماعة في الأسماء والصّفات، اعتمد على ماذا في تقرير ذلك ؟ الكتاب والسنّة ومنهج السّلف رضي الله عنهم ، هذا هو الذي نحن عليه وبهذا نكون قد انتيهنا من التّقعيد وسيبدأ المؤلف رحمه الله في ذكر الصّفات التي وردت في الكتاب والسنّة .
ونكتفي بهذا القدر
قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الاربعاء 1 محرم 1434
عدد المشاهدات 3783
عدد التحميلات 87
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق