الجمعة 18 شوال 1445 هـ
26 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165      

الآيات 58 -61 من سورة البقرة

{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)}

{و}اذكروا { إذ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ } قال بعض المفسرين هي بيت المقدس ورجحه ابن كثير، وقيل هي أريحا مدينة في الشام قريبة من بيت المقدس.

قال ابن كثير: والصحيح الأول أنها بيت المقدس، وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام وفتحها الله عليهم عشية جمعة وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلا حتى أمكن الفتح، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب باب البلد سجدا أي شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ورد بلدهم عليهم وإنقاذهم من التيه والضلال. انتهى

وقال ابن عثيمين: و{القرية} هي البلد المسكون؛ مأخوذة من القرْي. وهو التجمع؛ وسميت البلاد المسكونة قرية لتجمع الناس بها؛ ومفهوم القرية في اللغة العربية غير مفهومها في العرف؛ لأن مفهوم القرية في العرف: البلد الصغير؛ وأما الكبير فيسمى مدينة؛ ولكنه في اللغة العربية. وهي لغة القرآن. لا فرق بين الصغير، والكبير؛ فقد سمى الله عزّ وجلّ مكة قرية، كما في قوله تعالى: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم} [محمد: 13] : المراد بقريته التي أخرجته: مكة، وقال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها} [الشورى: 7] : فسمى مكة أم القرى وهو شامل للبلاد الصغيرة، والكبيرة. انتهى

{ فَكُلُوا مِنْهَا} الأمر للإباحة أي فأبحنا لكم أن تأكلوا منها {حَيْثُ شِئْتُمْ} أي في أي مكان كنتم من البلد في وسطها أو أطرافها تأكلون ما تشاءون {رَغَدًا}أي واسعاً، عيشا هنياً واسعاً بغير حساب.

{ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا } قالوا هو أحد أبواب بيت المقدس، ادخلوه وأنتم راكعون، أمروا أن يدخلوا ركعا " وأصل السجود: الانحناء لمن سَجَد له مُعظِماً بذلك، فكل منحن لشيء تعظيما له فهو ساجد؛ فذلك تأويل ابن عباس قوله: {سجدا} ركعا، لأن الراكع منحن، وإن كان الساجد أشد انحناء منه.

{وَقُولُوا حِطَّةٌ} أي قولوا هذه الكلمة: حطة، أَيِ احْطُطْ عَنَّا خَطَايَانَا ذنوبنا {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} الطائعين نزيدهم بالطاعة ثواباً.

أي إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضاعفنا لكم الحسنات. و"المغفرة" هي ستر الذنب، والتجاوز عنه فلا يعاقب عليه، والخطايا، جمع خَطِيَّة، و"الخطية" ما يرتكبه الإنسان من المعاصي عن عمد؛ وأما ما يرتكبه عن غير عمد فيسمى "أخطاء" جمع خطأ؛ ولهذا يفرق بين "مخطئ"، و"خاطئ"؛ الخاطئ ملوم؛ والمخطئ معذور

وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها.

والشكر على النعمة عند حصولها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب عند الله تعالى لهذا كان عليه الصلاة والسلام يظهر عليه الخضوع جدا عند النصر. وكان السلف مباشرة عند النعمة يفعلون الطاعات شكرا لله عليها، إما بسجود الشكر أو بالصدقة أو بغير ذلك.

{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}

{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} أخرج البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة، فدخلوا يزحفون على استاههم فبدلوا وقالوا حبة في شعرة». أي: أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل فأمروا أن يدخلوا سجدا فدخلوا يزحفون على استاههم من قبل استاههم رافعي رؤوسهم وأمروا أن يقولوا حطة أي احطط عنا ذنوبنا وخطايانا، فاستهزأوا فقالوا حنطة في شعيرة، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وهو خروجهم عن طاعته.

{فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} الرجز العذاب أي أنزل الله عليهم عذاباً من السماء {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أي أنزل العذاب بسبب فسقهم أي خروجهم عن طاعته فهذا معنى الفسق الخروج عن الطاعة.

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)}

واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى عليه السلام حين استسقاني ، {استسقى} أي طلب السقيا، أن أسقيكم، وطلب تيسيري لكم الماء، وكانوا قد عطِشوا وهم في التيه، فأخرجنا لكم من حجر معكم وفجرنا منه الماء لكم من اثنتي عشرة عينا لكل سِبط من أسباطكم عين ماء قد عرفوها {مَشْرَبهمْ} مَوْضِع شُرْبهمْ فَلَا يَشْرَكهُمْ فِيهِ غَيْرهمْ، فكلوا من المن والسلوى واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولا كد واعبدوا الذي سخر لكم ذلك {ولا تعثوا في الأرض مفسدين } أي: تخربوا على وجه الإفساد، ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتسلبوها.

قال أهل العلم: القُرَّاء كلُّهم قرؤوا {وَلا تَعْثَوْا} بِفَتْحِ الثَّاءِ، مِنْ عَثِيَ يَعْثَى عُثُوّاً وَهُوَ أَشدُّ الْفَسَادِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيان لَمْ يُقْرأْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: إِحْدَاهُمَا عَثَا يَعْثُو مِثْلُ سمَا يَسْمُو؛ قَالَ ذَلِكَ الأَخفش وَغَيْرُهُ، وَلَوْ جَازَتِ الْقِرَاءَةُ بِهَذِهِ اللُّغَةِ لَقُرِئَ (وَلَا تَعْثُوا) -أي بضم الثاء-، وَلَكِنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّة وَلَا يُقْرأُ إلَّا بِمَا قَرأَ بِهِ القرَّاء. انتهى.

نبهنا عليها لأن البعض يقرأها بضم الثاء وهو خطأ في قراءة القرآن.ِ

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}

{و}اذكروا {إِذْ قُلْتُمْ} يا بني إسرائيل لموسى {يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} لن نطيق حبس أنفسنا على طعام واحد، أي مللنا من أكل نفس الطاعم دائما ولا صبر لنا على البقاء على هذه الحال، ويعنون بالطعام الواحد المن والسلوى الذي أنزله الله عليهم وهم في التيه، واختلف أهل العلم لماذا قالوا (طعام واحد)، وهما اثنان. فبعضهم قال هي لغة صحيحة وأسلوب عربي، فالعرب تعبر عن الاثنين بلفظ الواحد كما تعبر عن الواحد بلفظ الاثنين، والبعض قال لما كانوا يخلطون المن بالسلوى في طعامهم عدوهما واحدا، والبعض قال أرادوا السلوى خاصة لأنها هي التي تؤكل والمن يشرب، والبعض فسر الطعام الواحد بغير ذلك.

كان هذا القول منهم في التيه حين ملوا المن والسلوى وتذكروا عيشهم الأول بمصر.

{فَادْعُ لَنَا} فاسأل لأجلنا {رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} يعني من الزرع الذي يخرج من الأرض، فقد مللنا من المن والسلوى، وبينوا الأنواع التي يطلبونها بقولهم {مِنْ بَقْلِهَا} البقل: كل نبات ليس له ساق، كالكراث، والجزر، والفجل، والشجر: ما له ساق {وَقِثَّائِهَا} الخيار، وقيل البطيخ، وقيل الفقوس، وقيل هو اسم لكل هذا وما يشبهه {وَفُومِهَا} الصحيح أنه الحنطة أي القمح، والبعض قال الثوم، وقيل غير ذلك {وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} والعدس والبصل معروفان.

فـ {قَالَ} لهم موسى {َأتَسْتَبْدِلُونَ} الاستبدال: وضع الشيء موضع الآخر، ومنه البدل، يعني تريدون تبديل {الَّذِي هُوَ أَدْنَى} أخس وأردأ {بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} أفضل، يعني قال لهم موسى: تريدون أن تتركوا الأفضل والأجود وتحصلوا على الأردأ والأقل فضلاً، أتستبدلون البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل الذي هو أدنى بالمن والسلوى الذي هو خير. قال لهم هذا إنكارا عليهم، فهو طلب لا يطلبه العقلاء {اهبطوا مصرا} يعني: فإن أبيتم إلا ذلك فانزلوا مصرا واختلفوا في المراد بالمصر هنا، البعض قال المراد انزلوا بلدا من البلدان، وقال البعض: هو مصر موسى وفرعون، والأول أصح والله أعلم فليست البلد المعروف الآن، ولكن المقصود أيّ مصر كانت؛ اهبطوا أيّ مصر من الأمصار تجدون ما سألتم {فإن لكم ما سألتم} نبات الأرض.

ثم أخبر الله عزّ وجلّ بما حصل عليهم فقال: {وضربت عليهم} جعلت عليهم وألزموا {الذلة} الذل والهوان {والمسكنة} الفقر، فترى اليهود وإن كانوا مياسير كأنهم فقراء، لأن الفقر حقيقة فقر القلب فلا ترى في أهل الملل أذل وأحرص على المال من اليهود، ومع أن المال في أيديهم كثير إلا أنهم أذلاء فقراء القلوب لا يشبعون، وبخلاء جدا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ» العَرَض: متاع الدنيا من المال وغيره، ومعنى الحديث الغنى المحمود غنى النفس وشبعها وقلة حرصها لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة لأن من كان طالبا للزيادة لم يستغن بما معه فليس له غنى

{وباءوا بغضب من الله} أي رجعوا بغضب الله وانقلبوا به ولزمهم غضب الله {ذلك} أي الغضب لزمهم {بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله} أي بسبب كفرهم بصفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة ويكفرون بالإنجيل والقرآن لا يؤمنون بذلك {ويقتلون النبيين} قتلوا غير واحد من أنبياء الله تبارك وتعالى {بغير الحق} أي يقتلونهم بالباطل، والنبيون لا يقتلون بحق أبداً فهم معصومون عن فعل ما يستوجب قتلهم، ولكن قال بغير حق كي يبين شناعة فعلهم وسوئه ووضوحه، فحتى مع علمك أن النبي لا يستحق القتل لكن إذا قيل لك قتلوه بغير حق كان أوقع في نفسك وأعظم في التشنيع عليهم {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} يتجاوزون أمري ويرتكبون محارمي، فالعصيان الخروج عن الطاعة، والاعتداء مجاوزة الحد.

قال ابن عثيمين رحمه الله: والفرق بين "المعصية"، و "العدوان" إذا ذكرا جميعاً: أن "المعصية" فعل ما نهي عنه؛ و "الاعتداء" تجاوز ما أُمِر به، مثل أن يصلي الإنسان الظهر مثلاً خمس ركعات؛ وقيل: إن "المعصية" ترك المأمور؛ و "العدوان" فعل المحظور.

وسواء أكان هذا أم هذا فالمهم أن هؤلاء اعتدوا، وعصوا؛ فلم يقوموا بالواجب، ولا تركوا المحرم؛ ولذلك تدرجت بهم الأمور حتى كفروا بآيات الله، وقتلوا أنبياءه؛ وفي ذلك دليل لما ذهب إليه بعض أهل العلم أن المعاصي بريد الكفر؛ فالإنسان إذا فعل معصية استهان بها، ثم يستهين بالثانية، والثالثة ... وهكذا حتى يصل إلى الكفر؛ فإذا تراكمت الذنوب على القلوب حالت بينها، وبين الهدى، والنور، كما قال تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} (المطففين: 14)

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاحد 7 رجب 1441
عدد المشاهدات 939
عدد التحميلات 74
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق