الخميس 10 شوال 1445 هـ
18 ابريل 2024 م
جديد الموقع   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161      

الآيات 283-284 من سورة البقرة

تفسير سورة البقرة 283-284

{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}

{وإن كنتم على سفر} أي مسافرين {ولم تجدوا كاتباً} أي يكتب بينكم الدين، فالمعنى: إن كنتم على سفر، وتداينتم بدَين إلى أجل مسمى ولم تجدوا كاتباً يكتب لكم الدين {فرهان مقبوضة} أي فارتهنوا ممن تداينونه رهوناً، أي خذوا منه رهناً؛ لتكون الرهون وثيقة بأموالكم، و«الرهان» جمع رهْن، و «الرهن» في اللغة: الحبس، ولكنه في اصطلاح الفقهاء: توثقة دَين بعين يمكن استيفاؤه، أو بعضِهِ منها، أو من بعضها، مثال ذلك: زيد أقرض عمراً عشرة آلاف دينار، وأخذ رهناً منه كي يضمن حقه، أخذ سيارته -مثلاً- التي قيمتها عشرة آلاف دينار، هنا بإمكانه استيفاء بمعنى تحصيل- حقه وافياً من عمرو بالرهن كله فهو يستوعب الدين كله بلا زيادة ولا نقصان، وأما إذا كان ثمن السيارة عشرين ألفاً مثلاً فبإمكانه استيفاء دينه كله من بعض الرهن، ويرد الزائد لعمرو صاحب السيارة، وأما إذا كانت السيارة قيمتها أقل من عشرة آلاف دينار فبإمكانه استيفاء بعض دينه بها، لا كله، لأن ثمنها لا يكفي لسداد الدين.

{مقبوضة} أي يقبضها من يَتوثَّق بها - وهو الطالب وهو زيد في مثالنا السابق- من المطلوب الذي هو الراهن وهو عمرو في مثالنا السابق؛ والطالب الذي قبض الرهن يسمى مرتهِناً؛ فهنا راهن، ومرتهِن، ورهن، ومرهون به؛ فالرهن: العين، وهي السيارة في مثالنا، ويمكن أن تكون بيتاً أو مزرعة، أو غير ذلك؛ والراهن: معطي الرهن، وهو عمرو في مثالنا؛ والمرتهِن؛ آخذ الرهن، وهو زيد في مثالنا؛ والمرهون به: الدين، وهو الدنانير في مثالنا.

فأركان الرهن أربعة.

ولم يبين سبحانه وتعالى كيف القبض، فيرجع في ذلك إلى العرف، ومعناه: أن يكون الشيء في قبضة الإنسان، وتحت سيطرته.

والرهن مشروع في السفر وغيره كما دلت عليه السنة.

{فإن أمن بعضكم بعضاً} يعني: فإن كان عمرو الذي عليه الحق أميناً عند زيد صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئاً لحسن ظنه به {فليؤد الذي اؤتمن أمانته} أي: فليقض الذي عليه الحق الدين الذي عليه {وليتق الله ربه} في أداء الحق.

قال الشعبي: إذا ائتمن بعضكم بعضاً فلا بأس أن لا تكتبوا أو لا تشهدوا.

ثم رجع إلى خطاب الشهود فقال: {ولا تكتموا الشهادة} ينهى الشهود عن إخفاء الشهادة، و «الكتمان» الإخفاء؛ و «الشهادة» ما شهد به الإنسان؛ أي لا تخفوا ما شهدتم به {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} أي من يخفيها فقد وقع قلبه في الإثم؛ وإنما أضاف الإثم إلى القلب؛ لأن الشهادة أمر خفيّ؛ فالإنسان قد يكتمها، ولا يُعْلَم بها، فالأمر هنا راجع إلى القلب، ولأن القلب عليه مدار الصلاح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب».

{والله بما تعملون عليم} «ما» هذه موصولة تفيد العموم، وتشمل كل ما يعمله الإنسان من خير أو شر في القلب، أو في الجوارح، ومن ذلك بيان الشهادة وكتمانُها.

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)}

{لله ما في السماوات وما في الأرض} يعني: أن كل شيء في السماوات أو في الأرض فهو لله خلقاً، ومُلكاً، وتدبيراً؛ وليس لأحد غيره فيه مُلك.

{وإن تبدوا} أي وإن تظهروا {ما في أنفسكم} أي ما في قلوبكم {أو تخفوه} يعني تسرُّوه ولا تظهروه {يحاسبكم به الله} البعض قال معنى المحاسبة هنا أن الله يطلعهم على ما أخفوا في صدورهم ولم يعملوا به، ويخبرهم به فقط، ولا يؤاخذهم به، فلا يعاقبون عليه، والبعض قال بل معناه أنه يطلعهم عليه ويؤاخذهم، ولكنها منسوخة، وهذا الثاني هو الصحيح الذي دلت عليه السنة كما سيأتي إن شاء الله {فيغفر لمن يشاء} منكم من المسيئين، و«المغفرة» ستر الذنب مع التجاوز عنه، و{يعذب من يشاء} من المسيئين بسوء عمله {والله على كل شيء قدير}

لكن المحاسبة على ما في النفس منسوخة والحمد لله.

أخرج البخاري في صحيحه عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهْوَ ابْنُ عُمَرَ: " أَنَّهَا قَدْ نُسِخَتْ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284] " الآيَةَ. وفي رواية: قَالَ: «نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا». انتهى

وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284]، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ " {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ " {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ " {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ ".

وأخرج عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} [البقرة: 284]، قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا " قَالَ: فَأَلْقَى اللهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ " {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ " {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} [البقرة: 286] " قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. انتهى

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاحد 8 ذو القعدة 1441
عدد المشاهدات 1170
عدد التحميلات 21
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق