الثلاثاء 22 شوال 1445 هـ
30 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-50، كتاب الوضوء، الحديث 176و177و178و179و180و181و182   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169      

الدرس الثاني

[الدرس الثاني]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ؛

فهذه ورقاتٌ تشتمل على مَعرفةِ فُصولٍ مِن أصولِ الفقه ، وذلك مؤَلفٌ من جزأين مُفْرَدين؛

فالأصلُ : ما يُبنى عليه غيره ، والفَرْعُ : ما يُبنى على غيره ، والفقه : معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد .

والأحكام سبعةٌ : الواجب ، والمندوب ، والمباح ، والمحظور ، والمكروه ، والصحيح ، والفاسد .

فالواجب : ما يثاب على فعله ويعاقَب على تركه .

والمندوبُ : ما يثاب على فعله ولا يعاقَب على تركه


المجلس الثاني من مجالس شرح متن الورقات
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : " أما بعد "
" أما بعد " يأتون بها للانتقال من أسلوبٍ إلى أسلوبٍ آخر في الكلام ، كما فعل المؤلف هنا بدأ أولاً بالبسملة ثم بعد ذلك بدأ بموضوع تأليفه ، وتقديرها : مهما يكن من شيء بعد البسملة فكذا وكذا ، هذا تقدير الكلام ، فالمؤلف هنا أتى بها للانتقال من البسملة إلى أول الكلام في الموضوع المراد .
ثم قال رحمه الله : "
فهذه ورقاتٌ "
ورقاتٌ : جمْع ورقة وهو جمع مؤنث سالم من جموع القِلَّة أي ورقات قليلة
.
" تشتمل " أي تحتوي "على مَعرفةِ فُصولٍ مِن أصولِ الفقه " هذه الورقات التي ألّفها المؤلف - رحمه الله - احتوت على فصولٍ من أصول الفقه ، و "الفَصْل " الذي هو مفرد " الفصول " .

ولغة ؛ هو الحاجز بين الشيئين ، ومنه سُمِّيَت فصول السَّنة بالفصول كفصل الربيع وفصل الصيف وفصل الخريف ، لأن كل فصلٍ منها يَفْصل بين ما قبله وما بعده ، ففصل الربيع يحجز ويفصل بين الشتاء والصيف مثلاً فلذلك سُمي فصلاً .

أما في اصطلاح العلماء وفي كتبهم فُيراد منه الحجز بين أجناس المسائل وأنواعها ، فتجد عندنا هاهنا مثلاً : فصلٌ في الكتاب وفصلٌ في السُّنة وفصلٌ في العام وفصلٌ في الخاص وفصلٌ في المطلق وفصلٌ في المقيد ..الخ . هذا معنى كلمة فصول .
" من أصول الفقه " هذه الفصول هي من أصول الفقه ، فهذه الورقات قد احتوت بعض فصول أصول الفقه ، بعض مسائل أصول الفقه ، أي أنها لم تحتوِ على أصول الفقه كاملة ولكن فيها فصولٌ ، والفصول التي فيها فصول مهمة جداً والمؤلف - رحمه الله - لم يذكر جميع مسائل أصول الفقه لأنه وضع هذا الكتاب للمبتدئين فمن باب التيسير والتسهيل عليهم وضع الأشياء الأهم .
قال :

فهذه ورقات تشتمل على معرفة فصولٍ من أصول الفقه " وذلك مؤَلفٌ من جزأين مُفْرَدين "بدأ المؤلف - رحمه الله - بتعريف أصول الفقه ، فقال : " وذلك " أي : وأصول الفقه " مؤلَّف" أي مركَّب " من جزأين مفردين " يعني بالجزأين كلمة " أصول "وهي جزء ، وكلمة " فِقْه "وهذه جزء ثان . ولمعرفة المعنى الاصطلاحي لأصول الفقه نحتاج أن نعرف معنى كلمتي " أصول " و"فقه "ثم نَعْرف " أصول الفقه " باعتباره مضافاً ، وهذا الذي يُسميه علماء الأصول " تعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه " أي بالنظر إلى الكلمتين المركبتين ، كلمة أصول وكلمة فقه ، فأصول الفقه عند علماء الأصول يُعَرَّف باعتبارين :

أولا :بالنظر إلى نفس الكلمتين اللتين رُكِّب منهما الاسم كل واحدة على حدة .

ثانيا : بالنظر إلى كون هذا اسم على هذا العِلم المعين ، بغض النظر عن التركيب ، كشخص اسمه عبد الله نريد أن نعرف مَنْ هذا الشخص عبد الله ولا ننظر إلى تركيبة الاسم من " عبد " ومن " الله " سبحانه وتعالى ، فإذاً النظر إما أن يكون إلى الكلمتين المركبتين أو أن يُنظر إلى هاتين الكلمتين فقط كعَلَمْ على هذا العِلْم الذي بين أيدينا ، فنُعَرِّفه باعتبارين ، بهذا الاعتبار تارة وبالاعتبار الثاني تارة أخرى .

بدأ المؤلف بالاعتبار الأول وهو تعريف أصول الفقه باعتبار هاتين الكلمتين : كلمة " أصول" وكلمة " فقه " ، فنحتاج أولاً أن نعرف ما معنى الأصول وما معنى الفقه كي نفهم المراد من كلمة "أصول الفقه " .
فقال المؤلف رحمه الله " : فالأصلُ : ما يُبنى عليه غيره" هذا تعريف الأصل في اللغة . و " الأصول " جمع أصل ، و " الأصلُ " لغة : ما يُبنى عليه غيره " كأصل الجدار ، وأصل الجدار : أساساته من تحت ، والتي قام عليها الجدار . وأصل البيت قواعده وأساساته التي بُني عليها البيت ، إذاً ما بُني عليه غيره هو الأصل ، وأصل الشجرة طرفها الثابت في الأرض ، لأن أغصانها وثمارها وأوراقها بُنيت على هذا الطرف الثابت في الأرض .

وأما في الاصطلاح فإن المؤلف - رحمه الله -لم يعرِّف لنا الأصل من الناحية الاصطلاحية فلعله يذهب إلى أن الأصل في اللغة وفي الاصطلاح بمعنىً واحد ، فلذلك ما ذكر الأصل في الاصطلاح ، لكن الكثير من الأصوليين يفرِّقون بين الأصل من الناحية اللغوية والأصل من الناحية الاصطلاحية ، فالأصل في الاصطلاح عند الأصوليين يطلق على عدة معانٍ ، نذكر ما لابد منه لطالب العلم المبتدئ فقط والاستطرادات والزيادات هذه ستُعرف إن شاء الله في مرحلة متقدمة ؛ فالأصل عند الأصوليين يطلق على عدة معاني أشهرها أربعة ، نذكر منها واحدا وهو الذي يهمّنا ويخصنا هنا ؛ وهو الأصل بمعنى الدليل وهو الذي يعنينا هاهنا فنقول ؛ الأصل في النكاح : الكتاب، والأصل في المسح على الخُفين : السُّنة ، أي دليل ثبوت النكاح مِنَ الكتاب ودليل ثبوت المسح على الخفين مِنَ السنة ، وهكذا ؛ أصل هذه المسألة من الكتاب والسُّنة كذا وكذا أي دليل هذه المسألة من الكتاب والسنة كذا وكذا ، هذا معنى الأصل عند الأصوليين .
إذاً ، فهمنا معنى الأصل عند الأصوليين ، فالأصول عند الأصوليين هي الأدلة .

ثم قال المؤلف رحمه الله : " والفَرْعُ : ما يُبنى على غيره " .

قال بعض أهل العلم : ذكر هذا استطراداً وإلاّ فليس لنا شغل الآن بالفرع .

قال : " الفرع : ما يبنى على غيره " لأن الفرع يبنى على الأصل ، فجذوع الشجرة وأوراقها وما شابه ذلك هذه فروعٌ لِطَرَفها الثابت ، والجدار نفسه فَرعٌ لأصله ، والبيت فرعٌ لقواعده وأساساته . هذا معنى الفرع من الناحية اللغوية ، فالفرع مقابل الأصل. وأما بالنسبة لفروع الفقه لأصوله ؛ فأصول الفقه كالقواعد والأساسات للفقه يبنى عليها الفقه الذي هو فرعٌ لأصوله التي هي أصول الفقه . وهذا كما ذكرتُ لكم فابن الصلاح - رحمه الله - في شرحه يقول هنا ذكر المؤلف - رحمه الله - الفرع استطراداً فقط أي لأنه ذكر الأصل أكمل الفائدة بذكر الفرع .
ثم بدأ المؤلف - رحمه الله - بتعريف الجزء الثاني من كلمة أصول الفقه فقال " :
والفقه : معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد " بدأ بتعريف الفقه الذي هو الجزء الثاني من كلمة أصول الفقه ، فعرَّف الفقه من الناحية الاصطلاحية مباشرة ، ونحن نُعرِّفه أولاً من الناحية اللغوية ؛ فنقول : الفقه لغة : الفَهْم ؛ ومنه قوله تعالى : { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي } أي يفهموا قولي ، ومنه أيضاً قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس :" اللهم فقِّهه في الدين " أي فَهِّمه في الدين الذي هو الكتاب والسنة فهو أصل الدين ، إذاً فقد يختلف المعنى الشرعي أحياناً عن المعنى الاصطلاحي ، فالفقه في دين الله يدخل فيه فَهْم شريعة الله كاملة من الناحية الشرعية ؛ أما من الناحية الاصطلاحية فالفقه ما عرَّفه المؤلف عند الأصوليين بأنه : معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد ؛ فمسائل العقيدة لا تدخل في الفقه عند الأصوليين ولكن الفقه من الناحية الشرعية تدخل فيه المسائل العقائدية ومسائل التفسير والحديث و ...الخ وقد تختلف المسألة أحيانا في المعنى بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي ، فأول شيء تحتاجه يا طالب العلم أن تعرف معنى الكلمة في الشرع فإن لم تجد لها معنىً خاصاً في الشرع فترجع إلى اللغة وسيأتي إن شاء الله هذا مبحث مستقل في أصول الفقه .

إذن فالفقه لغة هو الفهم واصطلاحاً ، قال المؤلف رحمه الله : " معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد "

فـ المعرفة عند الأصوليين " هي إدراك الشيء على ما هو عليه . وإدراك الشيء : تصوُّره في ذهنك ، على ما هو عليه ؛ أي : على حقيقته لا إدراكاً خاطئاً ، بل إدراكاً صحيحاً على حقيقته ، تقول : عرَفتُ المسألة أي تصورتها تصوراً صحيحاً على حقيقتها فلم تعد بعد ذلك جاهلاً بها ، فالمعرفة بمعنى العلم ولكن الفرق بينهما أن المعرفة تكون مسبوقة بجهل ، أنا كنتُ جاهلاً بالمسألة فلما تعلمتها أصبحتُ عارفاً بها ، أما العلم فمنه ما يُسبق بجهل ومنه ما لا يسبق بجهل ، هذا هو الفرق بينهما . هذا معنى المعرفة

أما الأحكام الشرعية ، فـ أصل الحكم لغة المَنْع ، تقول : حكمتُ عليه بكذا إذا منعته من خِلافِه َ ، وحكَم القاضي على شخصٍ بالسجن أي منعه من الحرية ، هذا من الناحية اللغوية وتنقسم الأحكام إلى ثلاثة أقسام :

أولا : حُكْمٌ عقلي : وهو ما تدرك فيه الأحكام بالعقل كالكُلّ أكبر من الجزء .

ثانيا : حكمٌ عادي: وهو ما عُرِفت فيه النسبة بالعادة ، كمعرفة أن دواءً معيناً يعالج مرضاً معيناً .

ثالثا :حكم شرعي : وهو المتلقى عن الشرع .

والحكم الشرعي هو الذي يهمنا من هذه الأقسام الثلاثة لأن المؤلف قال : " والفقه : معرفة الأحكام الشرعية " ، ويقسم إلى قسمين :

حكم شرعي تكليفي وحكم شرعي وضعي .

والحكم الشرعي التكليفي خمسة أنواع : واجب ومندوب ومباح ومحظور ومكروه .

والحكم الشرعي الوضعي خمسة أقسام : شرط وسبب ومانع وصحة وفساد . وسيأتي التفصيل فيها إن شاء الله ، لكن ينبغي أن تعرف ما هو الفرق بين الحُكمين ؛ الحكم الشرعي التكليفي والحكم الشرعي الوضعي ؛

فالحكم الشرعي التكليفي، حكمٌ طُلِب منك أن تعمل عملاً فيه ، فهذا يسمى حكماً شرعيا، أوجب عليك شيئا أو حَرَّم عليك شيئا هذا يسمى حكماً تكليفياً المهم فيه الطلب .

أما الحكم الشرعي الوضعي فهو عبارة عن علامات ، ليس فيه طلب ولكنه علامات وُضعت للحكم التكليفي ، وهي السبب والشرط والمانع والصحة والفساد كما سيأتي ،

فمثال السبب : دلوكُ الشمس سببٌ لوجوب صلاة الظهر ، ودلوك الشمس - يعني زوالها - سبب لوجوب صلاة الظهر ، فزوال الشمس - وهو السبب - لم يُطلب منك أن تفعله ولكنه علامة على وقت وجوب صلاة الظهر ، فالأسباب والشروط والموانع والصحة والفساد كل هذا يدخل في الأحكام الوضعية ، ليست طلبا ولكنها أشياء وضعها الشارع علامات للأحكام التكليفية ، وهذا هو الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي .

" التي طريقها الاجتهاد" والأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة ؛ لماذا ؟ لأنه لا يوجد نص شرعي في الكتاب والسنة على أن النية في الوضوء واجبة أو يدل على ذلك دلالة نصية واضحة ، فيجتهد المجتهد في استخراج هذا الحكم واستنباطه من أدلة الكتاب والسنة فهذا يدخل في الفقه عند الأصوليين ؛ فاستخراج هذا الحكم كان باجتهاد لا بِنَصّ . وجوب الصلاة فيه نَصّ ، وجوب الزكاة فيه نَصّ ، هذا لا يسمى فقهاً عند الأصوليين ، فمَنْ عرَف وجوب الصلاة ، وجوب الزكاة ، وجوب الصيام ، وجوب الحج ..الخ من الأشياء المنصوص عليها فهذا لا يسمى فقيهاً عند الأصوليين ،

مَن هو الفقيه ؟ الفقيه عند الأصوليين : الذي عرف الأحكام الشرعية عن طريق الاجتهاد والاستنباط ، لأن معرفة الأحكام الشرعية بالنصوص الشرعية يشترك فيها العالم والجاهل ؛ كوجوب الصيام ووجوب الزكاة ووجوب الحج ، عامة الناس يعلمون هذا ولا يقال فيهم فقهاء ، إذاً فالفقيه هو الذي عرف الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد .

هل يجب أن يكون الفقيه عارفاً بكل حكم من الأحكام الشرعية التي تحتاج إلى استنباط ؟ لا ؛ إذا وُجدت عنده الآلة التي يستطيع بها أن يستنبط الحكم بنفسه عند الحاجة إليه يكون فقيهاً . إذاً الفقه معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد عند الأصوليين ، فعلى ما ذهب إليه المؤلف الآن نستطيع نحن أن نركِّب تعريفاً لأصول الفقه فنقول :
أصول الفقه : أدلة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد .
أو
:
الأدلة التي تبنى عليها الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
أو :
ما تبنى عليه الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد
.
لكن كلمة الأدلة تشترك بين الأدلة الإجمالية والأدلة والتفصيلية ، والمراد في أصول الفقه ؛ الأدلة الإجمالية ؛ فالأصولي يشتغل بالأدلة الإجمالية لا التفصيلية ، أما التفصيلية فإنها شغل الفقيه ، والأدلة الإجمالية التي لا تختص بمسألة معينة ؛ كالإجماع حجة ؛ والقياس حجة ؛ والأمر للوجوب ؛ والنهي للتحريم ، وغيرها .

أما الدليل التفصيلي فهو الدليل الذي يختص بمسألة معينة {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} اختص هذا الدليل الذي هو دليل تفصيلي - بمسألة الصلاة ، { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } دليل تفصيلي لأنه يختص بمسألة الزنا وقد قدمنا هذا .


ثم قال المؤلف رحمه الله : " والأحكام سبعةٌ : الواجب ، والمندوب ، والمباح ، والمحظور ، والمكروه ، والصحيح ، والفاسد" يذكر المؤلف أن الأحكام الشرعية سبعة أنواع ، وتقسيم الأحكام الشرعية إلى سبعة أنواع تقسيم خاص بالمؤلف ، والمشهور عند الأصوليين - وهو الذي يهمنا - أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين :

أحكام تكليفية وأحكام وضعية كما تقدم ؛ فنبدأ أولاً بالأحكام التكليفية وهي : الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه ؛ وهي خمسة فيها طلب ، بالنسبة للمباح ليس فيه طلب لكنه أُدخل لتكميل القسمة ، وإلا فالواجب والمندوب مطلوب فعله ، والمحظور والمكروه مطلوبٌ تركه ، وهذه فيها طلب .
ثم بدأ المؤلف في الأحكام التكليفية فقال - رحمه الله :- "فالواجب : ما يثاب على فعله ويعاقَب على تركه " وعلى هذا التعريف انتقادات كثيرة وفيه أخذٌ ورَدّ كثير بين الأصوليين وذِكرُ هذه المؤاخذات والنزاعات بين الأصوليين في مثل هذا الموضع لا يناسبنا ، الذي يناسبنا أن نشرح التعريف الذي اختاره المؤلف لأن المسألة اجتهادية في النهاية ثم نذكر الصحيح ، والذي يهمنا في النهاية هو أن نفهم ما هو الواجب ؛ كما قال الغزالي - رحمه الله - بعد أن بيَّن الواجب ؛ قال : ولا مُشاحَّة بعد ذلك في الاصطلاح ، يعني يُعرِّف كل واحد كما يشاء المهم أن تعرف ما هو الواجب .

فنقول أولا : الواجب لغة : هو الساقِط واللازِم ، وجَبَك كذا أي لزمك هذا الشيء { وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } أي سقطت ولزمت الأرض .

ونعود لتعريف المؤلف ؛

قال : " فالواجب : ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه " هذا تعريف بالثمرة أو بالنتيجة ، أي ما هي نتيجة الواجب أو ثمرته ؟ ثمرته أن يثاب فاعله على فعله ويعاقب تاركه على تركه والأَوْلى أن نقول : ما يثاب فاعله امتثالاً ، يعني يؤجر فاعل هذا الواجب من الله سبحانه وتعالى ، الصلاة واجبة فإذا فعلتَ الصلاة أُجرت ، نفقة الرجل على زوجته واجبة ، إذا فعلها يؤجر .

ولكن هل كل من فعلها أُجر ؟ ليس كل الناس يؤجرون ، مَنْ فعلها امتثالاً لأمر الله أُجِر ومَنْ فعلها لغير أمر الله لا يؤجر وإن كان وجوب نفقته على زوجته قد سقط عنه ؛ لأنه مطالب بهذا الشيء ، لكن هل يؤجر ؟ يؤجر إذا فعله امتثالاً أما إذا فعله بِغير الامتثال فلا يؤجر لكنه يسقط عنه طلب هذا الواجب فلا تطالبه زوجته بذلك يوم القيامة . إذاً لا بد أن نضيف كلمة امتثالاً ؛ فنقول: الواجب : ما يثاب على فعله امتثالاً .

ثم قال : " ويعاقب على تركه " ونحن نقول : " ويستحق العقاب على تركه " فتكون العبارة هكذا أسلم من قوله ويعاقب على تركه ، والفرق بينهما أن قوله : " ويعاقب على تركه " فيها جزمٌ بالعقاب ، ونحن نعلم قول الله تبارك وتعالى { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } ففاعل المعصية الذي ترك واجباً أو فعل محرماً تحت مشيئة الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه ؛ إذاً فلا نستطيع أن نجزم بالعقاب ، فنقول " ويستحق العقاب على تركه" فصار التعريف ؛

الواجب : ما يثاب على فعله امتثالاً ويستحق العقاب على تركه .
أو نقول :

ما يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه .
وهذا تعريف للواجب بالثمرة والأَوْلى أن نُعرِّفه بحقيقته ؛ فنقول : الواجب : ما أمر به الشارع أمراً جازماً ، وهذا أوضح ؛ فقولنا : "ما أمر به الشارع " دخل فيه الواجب والمندوب - وهو المستحب - لأن الواجب مأمور به والمندوب مأمور به ، وخرَج المحرَّم والمكروه والمباح ؛ لأن المحرم والمكروه ليس مأموراً به بل منهي عنه ، والمباح لا مأمور به ولا منهي عنه فبقي معنا الواجب والمندوب ثم نريد أن نخرج المندوب لنعرف الواجب ، فنأتي بقيد جديد ، فنقول : ما أمر به الشارع أمراً جازما ، فأخرجنا المندوب بقولنا : " أمرا جازما " لأن المندوب مأمورٌ به لكن لا على سبيل الجزم والقطع ، فيصفو لنا تعريف الواجب فنقول :هو ما أمر به الشارع أمراً جازما .

وفي تعريف المؤلف أيضاً قال " فالواجب : ما يثاب على فعله " ما الذي يثاب على فعله ؟ الواجب والمندوب ، الواجب والمندوب يثاب على فعله امتثالاً فأخرج المحرم والمكروه والمباح . وقوله " ويعاقب على تركه " أو : "ويستحق العقاب على تركه" أخرج المندوب لأن المندوب إذا تركه الشخص لا يعاقَب لا يأثم على تركه فيصفو عندنا تعريف الواجب .

ويسمى الواجب أيضاً : فرضاً ويسمى لازماً ويسمى حتْماً هذه كلها مترادفات بمعنىً واحد على الصحيح من كلام أهل العلم .
قال المؤلف : " والمندوبُ
: ما يثاب على فعله ولا يعاقَب على تركه" .

المندوب لغة : هو المدعو ، تقول : ندَبه أي دعاه .

وصواب تعريف المؤلف أن نقول : " ما يثاب على فعله امتثالاً ، ولا يعاقب على تركه" فلا بد من إضافة امتثالا كما أضفناها في تعريف الواجب ، ولنفس السبب ، أما بقية التعريف فصحيح لأن المندوب لا يعاقب تاركه .

وقوله : " ما يثاب على فعله " دخل فيه الواجب والمندوب ، وخرَج منه المحرم والمكروه والمباح ، وقوله " ولا يعاقَب على تركه " خرج به الواجب .

و لك أن تقول في تعريف المندوب ما تقدم في الواجب ، فنقول هنا المستحب : هو ما أمر به الشارع أمراً غير جازم ، فقولنا : " ما أمر به الشارع " دخل فيه الواجب والمندوب ، وخرج منه المحرم والمكروه والمباح ، وقولنا : " أمراً غير جازم " أخرج الواجب وبقي عندنا المندوب ، وهو الذي أمر به الشارع أمراً غير جازم .

ويسمى أيضاً المستحب والسُّنة .

 

قائمة الخيارات
26 [2.3 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الجمعة 24 رجب 1432
عدد المشاهدات 4938
عدد التحميلات 62
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق