الجمعة 20 رمضان 1445 هـ
29 مارس 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-44، كتاب الوضوء، الحديث 155و156   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-43، كتاب الوضوء، الحديث 151و152و153و154   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-42، كتاب الوضوء، الحديث 145و146و147و148و149و150   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-41، كتاب الوضوء، الحديث 142و143و144   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-40، كتاب الوضوء، الحديث 138و139و140و141   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-39، كتاب الوضوء، الحديث 136و137   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-38، أول كتاب الوضوء، الحديث 135      

القسم الثاني الكفار المرتدون

القسم الثاني :

الكفار المرتدون : وهم الذين دخلوا في الإسلام ثم رجعوا عنه بارتكاب ناقض من نواقضه ؛ قولي أو فعلي أو اعتقادي

قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله – في " المغني " (10/72) : " المرتد هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر ، قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 217] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من بدّل دينه فاقتلوه " ، وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد ... " .

ونواقض الإسلام كثيرة ، سأذكر ما اشتهر منها في هذا العصر للحذر منها .

1. سب الله أو سب الرسول أو سب دين الإسلام .

قال ابن قدامة المقدسي في " المغني " ( 10/103) : " ومن سب الله تعالى كفر ، سواء كان مازحاً أو جاداً ، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه. قال الله تعالى : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسله كنتم تستهزئون . لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }[ التوبة 65- 66] .

قال إسحاق بن راهويه : " أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئاً مما أنزل الله أو قتل نبياً من أنبياء الله ؛ أنه كافر بذلك ؛ وإن كان مقرًّا بكل ما أنزل الله . انظر " التمهيد " لابن عبد البر (4/226) ، و" الصارم المسلول على شاتم الرسول " (1/513) لشيخ الإسلام ابن تيمية .

وقال محمد بن سحنون : " أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر ، والوعيد جار عليه بعذاب " انظر " الصارم المسلول " (1/513) ، و"الشفا "(2/215) للقاضي عياض .

وقال القاضي عياض في " الشفا " (2/270) : " لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم ... " .

2. تصحيح دين اليهود والنصارى ، أو عدم تكفيرهم .

قال ابن حزم في " مراتب الإجماع " (ص167) : " باب من الإجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه بإجماع : اتفقوا أن الله عز وجل وحده لا شريك له خالق كل شيء غيره ... وأن دين الإسلام هو الدين الذي لا دين لله في الأرض سواه ، وأنه ناسخ لجميع الأديان قبله ، وأنه لا ينسخه دين بعده أبداً ، وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلدُ في النار أبداً " .

وقال القاضي عياض في " الشفا " (2/286): " ...ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل ، أو وقف فيهم ، أو شك ، أو صحح مذهبهم ؛ وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده " .

ونقله النووي في " روضة الطالبين " (10/70) ، وأقرّه .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - : " ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام وباتفاق جميع المسلمين أن من سوّغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فهو كافر ، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب " . " مجموع الفتاوى " (28/524) ، و" الفتاوى الكبرى " (3/534).

قلت : وهذه المسألة تندرج تحت مسألة تكذيب القرآن ، والنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو كفر بالإجماع .

3. عبادة غير الله كالنذر والذبح والدعاء والسجود لغير الله تبارك وتعالى .

وذلك لأن أصل دين الإسلام ؛ إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة ؛ فصرفها لغيره شرك به ، قال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً }[ النساء : 36] .

وقال : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين أحسانا} [ الإسراء : 23] .

قال الرازي في " تفسيره " : " أجمع كل الأنبياء عليهم السلام على أن عبادة غير الله تعالى كفر ، سواء اعتقدوا في ذلك الغير كونه إلهاً للعالم ، أو اعتقدوا فيه أن عبادته تقربهم إلى الله تعالى " .

وقال ابن حجر الهيتمي في " شرح الأربعين " : " من دعا غير الله فهو كافر " .

وقال تقي الدين الهلالي المغربي : " فبينت أن كل من دعا غير الله أو استغاث به لجلب نفع أو دفع ضر فقد وقع في الشرك الأكبر الذي لايُغفر " . كما في "مقالاته " .

وقال عبد العزيز بن باز : " ... وهذا معنى لا إله إلا الله ؛ لأن معناها بإجماع أهل العلم : لا معبود حق إلا الله كما قال سبحانه في سورة الحج : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ } فمن صلى لغير الله أو صام لغير الله أو سجد لغير الله أو دعا غير الله كالأموات والأشجار والأحجار ونحو ذلك ؛ فقد أشرك بالله وأبطل قول لا إله إلا الله ؛ كذلك من ذبح لغير الله كالذين يذبحون للأولياء والجن والزيران تقربا إليهم أو خوفاً من شرهم ، فكل هذا من الشرك الذي حرمه الله وتوعد أهله بالنار " ." مجموع فتاواه " (6/200) .

وقال –رحمه الله – (1/168) : " والعبادة: هي طاعته سبحانه وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، بفعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله عن إيمان بالله ورسوله، وإخلاص لله في العمل، مع غاية الحب لله وكمال الذل له وحده كما قال تعالى: {وقضى ربك أَلا تعبدوا إِلا إِيّاه } أي : أمر وأوصى بأن يعبد وحده ، وقال تعالى:{ الحمد للَه رب العالمين . الرّحمنِ الرَّحيم . مالك يوم الدّين . إِيَّاك نعبد وإِيَّاك نستعين } أبان سبحانه بهذه الآيات أنه هو المستحق لأن يعبد وحده، ويستعان به وحده .

وقال عز وجل:{ فاعبد اللَّه مخلصًا له الدِّين . أَلا للَّه الدّين الخالص } وقال تعالى: {فادعوا اللَّه مخلصين له الدّين ولو كرِه الكافرون } وقال تعالى: { وأن المساجد للَّه فلا تدعوا مع اللَّه أَحدًا } ، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على: وجوب إفراد الله بالعبادة، ومعلوم أن الدعاء بأنواعه من العبادة، فلا يجوز لأحد من الناس أن يدعو إلا ربه، ولا يستعين ولا يستغيث إلا به، عملا بهذه الآيات الكريمة، وما جاء في معناها وهذا فيما عدا الأمور العادية، والأسباب الحسية، التي يقدر عليها المخلوق الحي الحاضر، فإن تلك ليست من العبادة، بل يجوز بالنص والإجماع أن يستعين الإنسان بالإنسان الحي القادر، في الأمور العادية التي يقدر عليها، كأن يستعين به، أو يستغيث به في دفع شر ولده أو خادمه أو كلبه وما أشبه ذلك، وكأن يستعين الإنسان بالإنسان الحي الحاضر القادر، أو الغائب بواسطة الأسباب الحسية كالمكاتبة ونحوها في بناء بيته، أو إصلاح سيارته، أو ما أشبه ذلك .

وقال النووي في " روضة الطالبين " (10/64) : " والأفعال الموجبة للكفر ؛ هي التي تصدر عن تعمُّد واستهزاء بالدين صريح ؛ كالسجود لصنم أو للشمس ... " . ثم ذكر جملة من نواقض الإسلام عن المتولي إلى أن قال : " أو عظم صنماً بالسجود له أو التقرب إليه بالذبح باسمه ، فكل هذا كفر " .

وقال في " شرح صحيح مسلم " (13/141) : "وأما الذبح لغير الله ، فالمراد به ؛ أن يذبح باسم غير الله تعالى ؛ كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما ، أو للكعبة ونحو ذلك ؛ فكل هذا حرام ولاتحِلُّ هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا أو يهوديا .نص عليه الشافعي ، واتفق عليه أصحابنا . فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له ؛ كان ذلك كفرا ، فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا " .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما النذر للموتى من الأنبياء والمشايخ وغيرهم أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم . فهو نذر شرك ومعصية لله تعالى . سواء كان النذر نفقة أو ذهبا أو غير ذلك وهو شبيه بمن ينذر للكنائس ؛ والرهبان وبيوت الأصنام . وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " وقد اتفق العلماء على أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به ؛ بل عليه كفارة يمين في أحد قولي العلماء وهذا إذا كان النذر لله وأما إذا كان النذر لغير الله فهو كمن يحلف بغير الله وهذا شرك . فيستغفر الله منه وليس في هذا وفاء ولا كفارة " . " مجموع الفتاوى " (11/504) .

وقال صنع الله الحلبي الحنفي في الرد على من أجاز الذبح والنذر للأولياء : " والنذر لغير الله إشراك مع الله ؛ كالذبح لغيره " . انظر " تيسير العزيز الحميد " (ص172) .

وذكر ابن القيم في " مدارج السالكين " (1/344 347) أنواعاً كثيرة من هذا الناقض .

وانظر " نيل الأوطار " للشوكاني ( 4/131 ، الجيل ) .

4. الحكم بغير ما أنزل الله .

قال الله تبارك وتعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [ المائدة :44] .

قال ابن عباس : " هي به كفر ؛ وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله " .

وقوله ليس كفراً بالله ... إلخ ؛ محفوظ عن ابن عباس وطاووس ، وفي رواية صحيحة عن ابن عباس : " هي به كفر ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وبكذا وكذا .

وقال عطاء بن أبي رباح : " كفر دون كفر " .

انظر لهذه الآثار : " تفسير الطبري " ، و " السنة " للخلال ، و " تعظيم قدر الصلاة " ، و "مشكل الآثار " ، و " أخبار القضاة " ، و " تفسير عبد الرزاق " ، و " تفسير ابن أبي حاتم" ، و " الإبانة " لابن بطة ، و " سنن سعيد بن منصور " ، و " تفسير ابن كثير " .

وقال ابن القيم في " مدارج السالكين " (1/336 337) : " والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم : فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة وعدل عنه عصيانا لأنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر ، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله تعالى فهذا كفر أكبر ، وإن جهله وأخطأه : فهذا مخطىء له حكم المخطئين " .

وفي فتوى اللجنة الدائمة المكونة من : عبد العزيز بن باز ، و عبد الرزاق عفيفي ، وعبد الله الغديان ، وعبد الله القعود :

أما نوع التكفير في قوله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } ؛ فهو كفر أكبر ، قال القرطبي في " تفسير " : " قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد رحمه الله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله ردًا للقرآن وجحدًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر) انتهى.

وأما من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أنه عاص لله لكن حمله على الحكم بغير ما أنزل الله ما يدفع إليه من الرشوة أو غير هذا أو عداوته للمحكوم عليه أو قرابته أو صداقته للمحكوم له ونحو ذلك ؛ فهذا لا يكون كفره أكبر، بل يكون عاصيًا لله، وقد وقع في كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق . " فتاوى اللجنة الدائمة " (2/141- 142 ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز : " فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله ورآه جائزاً أو حسناً ، أو أحسن من حكم الله فهو كافر عند جميع المسلمين مرتد عن الإسلام ، أما من حكم بغير ما أنزل الله لشهوة أو رشوة أو أسباب أخرى ، وهو يعلم أنه مخطئ أنه غلطان فهذا كفر دون كفر ، ومعصية كبيرة ، كما قال ابن عباس وغيره في جمع من التابعين وغيرهم ، كما هو قول جمهور أهل العلم ، المقصود أن هذا فيه التفصيل . فالواجب على جميع أمراء المسلمين ، وعلى علماء المسلمين التعاون في هذا الأمر ، الواجب تحكيم شريعة الله ، والتحاكم إليها والحذر من كل ما يخالفها وأن يوصى الناس بذلك ، وأن يلزموا بذلك ، هذا هو الواجب على جميع أمراء المسلمين ، والواجب على جميع علماء المسلمين أن ينصحوهم ، وأن يوجهوهم إلى الخير ، وأن يقوم الأمراء بتحكيم شريعة الله ، ومنع ما يخالف شريعة الله في جميع الأحوال في الدعاوى والخصومات المالية ، وفي النكاح والطلاق ، وفي جميع شؤون المسلمين ، في البيع والشراء وفي كل شيء ، يجب تحكيم شرع الله في كل شيء ، في العبادات والمعاملات والمنازعات ، والخصومات وفي النكاح والطلاق ، وفي كل شيء يجب أن ينفذ حكم الله في كل شيء ؛ لأن الله يقول : {وأن احكم بينهم بما أَنزل اللّه } ، ويقول سبحانه : { أفحكم الجاهليَّة يبغون ومن أَحسن من اللَه حكما لقوم يوقنون } هذا هو الواجب على جميع المسلمين ، وعلى حكامهم وأمرائهم وعلى علمائهم عليهم التعاون في هذا والتواصي بهذا أين ما كانوا .

نسأل الله أن يوفق علماء المسلمين ، وأمراء المسلمين في كل مكان ، ونسأل الله أن يوفقهم لما يرضيه ، وأن يمنحهم الهداية والفقه في الدين وأن يعينهم على تحكيم شريعة الله في كل شيء وأن يصلح لهم البطانة ، وأن يوفق جميع المسلمين لقبول الحق ، وإيثاره والرضا به على ما سواه إنه جل وعلا جواد كريم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ، محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان " . " مجموع فتاوى ابن باز " (27/26 – 27) .

5. السحر :

قال الله تعالى : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان و ما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون } [البقرة 102].

قال القرطبي في " تفسيره " (1/463 دار الحديث ) : " قوله تعالى : { وما كفر سليمان } تبرئة من الله لسليمان ، ولم يتقدم في الآية أن أحداً نسبه إلى الكفر ؛ ولكن اليهود نسبته إلى السحر ، ولكن لما كان السحر كفراً ؛ صار بمنزلة من نسبه إلى الكفر " ثم قال القرطبي : " { ولكن الشياطين كفروا } فأثبت كفرهم بتعليم السحر " أ.هـ

وقال رحمه الله - : وقال بعض العلماء : إن قال أهل الصناعة : إن السحر لا يتم إلا مع الكفر والاستكبار ، أو تعظيم الشيطان ؛ فالسحر إذا دالٌّ على الكفر على هذا التقدير ، والله تعالى أعلم . أ. هـ

وقال الجصاص في " أحكام القرآن " (1/71 إحياء التراث) : " وقولهما { فلا تكفر } ؛ يدل على أن عمل السحر كفر ... " .

وقال أبو بكر بن العربي في " أحكام القرآن " ( 1/44 الفكر ) : " وما كفر سليمان قط ولا سحر ، ولكن الشياطين كفروا بسحرهم ، وأنهم يعلمونه الناس ، ومعتقد الكفر كافر ، وقائله كافر ، ومعلِّمه كافر ... " .

وقال رحمه الله - : " وقد أوردنا في كتاب " المشكلين " القول في السحر وحقيقته ومنتهى العمل به على وجه يشفي الغليل ، وبيّنا أن من أقسامه فعل ما يفرّق به بين المرء وزوجه ، ومنه ما يجمع بين المرء وزوجه ، ويسمّى التِّولة ؛ وكلاهما كفر ، والكل حرام كفر ؛ قاله مالك " .

قلت : وهو قول أحمد وأبي حنيفة .

وقال أبو الحسن الأشعري في " المقالات" (ص229 – العصرية) عند ذكره لما عليه أصحاب الحديث أهل السنة ؛ قال : " ويصدّقون بأن في الدنيا سحرة ، وأن الساحر كافر كما قال الله تعالى ، وأن السحر كائن موجود في الدنيا " ، ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى الكبرى " (5/101 – المعرفة ) .

6. إنكار السنة أو جحد آية من كتاب الله أو حرف مجمع عليه ، أو جحد أمر معلوم من الدين بالضرورة .

قال النووي – رحمه الله – في " روضة الطالبين " (10/64) : " قال المتولي : ... وكذا من جحد جواز بعثة الرسل ، أو أنكر نبوة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، أو كذبه أو جحد آية من القرآن مجمعاً عليها أو زاد في القرآن كلمة واعتقد أنها منه أو سب نبياً أو استخف به أو استحل محرماً بالإجماع كالخمر واللواط أو حرم حلالاً بالإجماع أو نفى وجوب مجمع على وجوبه كركعة من الصلوات الخمس أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كصلاة سادسة وصوم شوال أو نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة أو ادعى النبوة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم أو صدق مدعياً لها أو عظم صنما بالسجود له أو التقرب إليه بالذبح باسمه فكل هذا كفر .

قال النووي : قلت : قوله إن جاحد المجمع عليه يكفر ؛ ليس على إطلاقه ؛ بل الصواب فيه تفصيل سبق بيانه في باب تارك الصلاة عقب كتاب الجنائز ، ومختصره : أنه إن جحد مجمعاً عليه يعلم من دين الإسلام ضرورة ؛ كفر إن كان فيه نص وكذا إن لم يكن فيه نص في الأصح ، وإن لم يعلم من دين الإسلام ضرورة بحيث لا يعرفه كل المسلمين لم يكفر . والله أعلم.

وقال عبد العزيز بن باز رحمه الله - : " وإن ما تفوّه به رشاد خليفة من إنكار السنة والقول بعدم الحاجة إليها ؛ كفر وردّةٌ عن الإسلام ؛ لأن من أنكر السنة فقد أنكر الكتاب ، ومن أنكرهما أو أحدهما فهو كافر بالإجماع ، ولا يجوز التعامل معه وأمثاله ، بل يجب هجره والتحذير من فتنته وبيان كفره وضلاله في كل مناسبة حتى يتوب إلى الله من ذلك توبة معلنة في الصحف السيارة ، لقول الله عز وجل { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}

وقد ذكر الإمام السيوطي رحمه الله كفر من جحد السنة في كتابه المسمى ( مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ) فقال : " اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى ، أو مع من شاء الله من فرق الكفرة " انتهى المقصود .

" مجموع فتاوى ابن باز " ( 2/403) .

وقال أبو عبيد : " والقرآن الذي جمعه عثمان بموافقة الصحابة ، لو أنكر بعضه منكر ؛ كان كافراً حكمه حكم المرتد يستتاب ؛ فإن تاب وإلا ضربت عنقه " . " تفسير القرطبي " (1/91) .

وقال عبد الله بن المبارك : " من كفر بحرف من القرآن فقد كفر ، ومن قال : لا أومن بهذه اللام كفر " . نقله شيخ الإسلام عنه كما في " مجموع الفتاوى " (4/183) ، وهو مخرج في " الغنية عن الكلام وأهله " ( 1/17) بمعناه .

وقال عبد الله بن مسعود : " من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به أجمع " أخرجه عبد الرزاق (8/472) وغيره بأسانيد مختلفة ، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى الكبرى " (5/48) .

وقال النووي – رحمه الله – في " التبيان في آداب حملة القرآن " ( ص164) : " أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته ، وأجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر .

قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله : اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك ؛ فهو كافر بإجماع المسلمين ، وكذلك إذا جحد التوراة والإنجيل أو كتب الله المنزلة أو كفر بها أو سبها أو استخف بها ؛ فهو كافر .

تنبيه وقد أجمع المسلمون على أن القرآن المتلو في الأقطار المكتوب في الصحف الذي بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول الحمد لله رب العالمين إلى آخر قل أعوذ برب الناس كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن جميع ما فيه حق ، وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع فيه الإجماع وأجمع على أنه ليس بقرآن عامدا لكل هذا ؛ فهو كافر.

قال أبو عثمان بن الحذاء : جميع أهل التوحيد متفقون على أن الجحد بحرف من القرآن كفر " .

7. موالاة الكفار :

قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } [المائدة :51]، وقال سبحانه وتعالى : { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } [ المجادلة : 22] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .

قال ابن حزم في " المحلى " (11/138) : " صحَّ أن قول الله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } ؛ إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار ، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين " .

قلت : الولاء الذي لا خلاف فيه أنه كفر هو المساعدة والمناصرة الناتجة عن المحبة القلبية ؛ وأما المساعدة والمناصرة الناتجة عن غرض دنيوي مع سلامة القلب ؛ فكبيرة من الكبائر .

قال ابن بطال في " شرح صحيح البخاري " عند شرحه لحديث حاطب بن أبي بلتعة : "قال الطبري : في حديث حاطب بن أبي بلتعة من الفقه أن الإمام إذا ظهر من رجل من أهل الستر على أنه قد كاتب عدوًا من المشركين ينذرهم ببعض ما أسره المسلمون فيهم من عزم، ولم يكن الكاتب معروفًا بالسفه والغش للإسلام وأهله، وكان ذلك من فعله هفوة وزلة من غير أن يكون لها أخوات؛ فجائز العفو عنه كما فعله الرسول بحاطب من عفوه عن جرمه بعدما اطلع عليه من فعله.

وهذا نظير الخبر الذى روت عمرة عن عائشة أن الرسول قال: « أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم إلا حدا من حدود الله » فإن ظن ظان أن صفحه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لما أعلمه الله من صدقه، ولا يجوز لمن بعد الرسول أن يعلم ذلك، فقد ظن خطأ؛ لأن أحكام الله في عباده إنما تجرى على ما ظهر منهم .

وقد أخبر الله نبيه عن المنافقين الذين كانوا بين ظهراني أصحابه مقيمين معتقدين الكفر، وعرفه إياهم بأعيانهم، ثم لم يبح له قتلهم وسبيهم؛ إذ كانوا يظهرون الإسلام بألسنتهم، فكذلك الحكم في كل أحد من خلق الله أن يؤخذ بما ظهر لا بما بطن، وقد روى مثل ذلك عن الأئمة ..... وقال المهلب: وفيه هتك ستر المذنب، وكشف المرأة العاصية. وفيه: أن الجاسوس قد يكون مؤمنًا، وليس تجسسه مما يخرجه من الإيمان " .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " إن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف ، فإذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله أوجب بغض أعداء الله ؛ كما قال تعالى {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } ، وقال : {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه } وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبا ينقص به إيمانه ، ولا يكون به كافرا كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي وأنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة }

وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك فقال لسعد بن معاذ : كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله . قالت عائشة : وكان قبل ذلك رجلا صالحا ؛ ولكن احتملته الحمية ولهذه الشبهة سمى عمر حاطبا منافقا ؛ فقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق . فقال : إنه شهد بدرا . فكان عمر متأولا في تسميته منافقا للشبهة التي فعلها .

وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه إنما أنت منافق تجادل عن المنافقين . هو من هذا الباب ؛ وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدخشم منافق ، وإن كان قال ذلك لما رأى فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين

" . " مجموع الفتاوى " ( 7/522 523) .

وقال القرطبي في " تفسيره " (18/ 52) : " من كثر تطلُّعه على عورات المسلمين ، وينبّه عليهم ، ويعرِّف عدوهم بأخبارهم ؛ لم يكن بذلك كافراً إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم ؛ كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين " .

وقال السرخسي في " شرح السير الكبير " : " قال – أي الشيباني – : وإذا وجد المسلمون رجلاً محب يدعي الإسلام معيناً للمشركين على المسلمين يكتب إليهم بعوراتهم فأقرّ بذلك طوعاً فإنه لا يقتل ، ولكن الإمام يوجعه عقوبة .

وقد أشار في موضعين في كلامه إلى أن مثله لا يكون مسلماً حقيقة فإنه قال ممن يدعي الإسلام، وقال: يوجع عقوبة، ولم يقل: يعزر وقد بينا أنه في حق المسلمين يستعمل لفظ التعزير في هذا الموضع، وإنما يستعمل هذا اللفظ في حق غير المسلمين، إلا أنه قال: لا يقتل، لأنه لم يترك ما به بإسلامه فلا نخرجه من الإسلام في الظاهر ما لم يترك ما به دخل في الإسلام، ولأنه إنما حمله على ما صنع الطمع، لا خبث الاعتقاد، وهذا أحسن الوجهين وبه أمرنا قال الله تعالى: " فيتبعون أحسنه " الزمر: 18، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا تطلبن بكلمة خرجت من في أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً، واستدل عليه بحديث حاطب بن أبي بلتعة فإنه كتب إلى قريش أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مهلاً يا عمر فلعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فلو كان بهذا كافراً مستوجباً للقتل ما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدرياً كان أو غير بدري، وكذلك لو لزمه القتل بهذا حداً ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إقامته عليه، وفيه نزل قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " الممتحنة؛ فقد سماه مؤمناً، وعليه دل قصة أبي لبابة حين استشاره بنو قريظة فأمر أصبعه على حلقه يخبرهم أنهم لو نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتلهم، وفيه نزل قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول " الأنفال، وكذلك لو فعل هذا ذمي فإنه يوجع عقوبة ويستودع السجن ولا يكون هذا نقضاً منه للعهد؛ لأنه لو فعله مسلم لم يكن به ناقضاً إيمانه ، فإذا فعله ذمي لا يكون ناقضاً أمانه أيضاً " .

قائمة الخيارات
40 [2.5 %]
بقلم: أبي الحسن الرملي
الخميس 28 ذو الحجة 1429
عدد المشاهدات 7770
عدد التحميلات 119
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق