الخميس 2 ذو القعدة 1445 هـ
09 مايو 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-51، كتاب الوضوء، الحديث 183و184و185و186   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-50، كتاب الوضوء، الحديث 176و177و178و179و180و181و182   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175      

تفسير سورة التوبة 53-60

تفسير سورة التوبة 53-60


‌‌{قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ [53]}

يقول تعالى مبيناً بطلان نفقات المنافقين، وذاكراً سبب ذلك {قُلْ} يا محمد للمنافقين {أَنْفِقُوا طَوْعًا} من أنفسكم من غير إكراه {أَوْ كَرْهًا} أو أنفقوا مكرهين، بغير اختياركم {لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} أي مهما أنفقتم من نفقة سواء أنفقتم باختياركم أو وأنتم مكرهون؛ لن يتقبل الله شيئاً من نفقاتكم {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} خارجين عن طاعة الله، ثم بين سبب عدم قبول أعمالهم، فقال:

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ [54]}

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} والأعمال كلها شرط قبولها الإيمان، فهؤلاء لا إيمان لهم ولا عمل صالح، حتى إن الصلاة التي هي أفضل أعمال البدن، إذا قاموا إليها قاموا كسالى، قال: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى} أي: متثاقلون، لا يكادون يفعلونها من ثقلها عليهم؛ لأنهم لا يرجون بأدائها ثوابًا، ولا يخافون بتركها عقابًا، وإنما يقيمونها مخافةً على أنفسهم بتركها من المؤمنين، فإذا أمنوهم لم يقيموها {وَلا يُنْفِقُونَ} من أموالهم شيئاً {إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ} فلا ينفقونها تقرباً إلى الله بل خوفاً.

قال السعدي: "ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده، ولا يتشبه بالمنافقين". انتهى

‌‌{فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ[55]}

يقول تعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ} يا محمد، العربُ تقولُ: أَعْجَبَهُ الشيءُ؛ إذا اسْتَحْسَنَهُ استحسانًا يَسُرُّهُ، فكلُّ مَنِ اسْتَحْسَنَ الشيءَ استحسانًا يُسرُّ به، تقولُ العربُ: أَعْجَبَهُ، أي: لا تَسْتَحْسِنْ ما أعطيناهم من متاعِ الدنيا استحسانَ سرورٍ {أَمْوَالُهُمْ} أموال هؤلاء المنافقين {وَلا أَوْلادُهُمْ} هذا نهي، نَهَى اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عن أن يستحسنَ ما أَعْطَى للمنافقينَ من متاعِ الدنيا، أي لَا تَسْتَحْسِن مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ استحساناً تسر به؛ فإنا أَعْطَيْنَا المنافقين المال والولد استدراجًا منا، وعاقبتُه عليهم سيئةٌ ووخيمةٌ في الدنيا والآخرةِ، والْعَبْد إِذَا كَانَ مِنَ اللَّهِ فِي اسْتِدْرَاجٍ كَثَّرَ اللَّهُ مَالَهُ وَوَلَدَهُ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تعذيبهم بها يكون بالمصائب الْوَاقِعَة فِي المَال وَالْولد.

والتَّعَب فِي جمعها، وشغل الْقلب بحفظها، وَكَرَاهَة الْإِنْفَاق في سبيل الله وفي الزكاة وغيرها، تؤخذ منهم وهم كارهون فتكون عذاباً عليهم {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} وتخرج أنفسهم، فيموتون وهم كافرون

فأي عقوبة أعظم من هذه العقوبة الموجبة للشقاء الدائم والحسرة الملازمة.

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)}

{وَيَحْلِفُونَ} أي المنافقون يحلفون {بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} أي: على دينكم {وَمَا هُمْ مِنْكُمْ} وما هم على دينكم، ليسوا مسلمين حقيقة {وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} ولكنهم يخافون أن يُظهروا كفرهم، فيظهرون الإسلام تقية.

{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}

{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} مكاناً يهربون إليه، وحصنا يتحصنون به {أَوْ مَغَارَاتٍ} في الجبال، المغارة كالكهف في الجبل {أَوْ مُدَّخَلًا} النفق في الأرض، والسَّرب {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ} لأدبروا إليه هرباً منكم {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} يسرعون في ذهابهم عنكم.

ومعنى الآية: أنهم لو يجدون مخلصا منكم ومهربا لفارقوكم.

قال ابن كثير: "أَيْ: يُسْرِعُونَ فِي ذَهَابِهِمْ عَنْكُمْ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُخَالِطُونَكُمْ كُرْهًا لَا مَحَبَّةً، وَوَدُّوا أَنَّهُمْ لَا يُخَالِطُونَكُمْ، وَلَكِنْ لِلضَّرُورَةِ أَحْكَامٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَزَالُونَ فِي هَمٍّ وَحُزْنٍ وغَمٍّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ لَا يَزَالُ فِي عِزٍّ وَنَصْرٍ وَرِفْعَةٍ.." انتهى المراد.

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}

{وَمِنْهمْ} أَيْ وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ {مَنْ يَلْمِزُكَ} أَيْ: يَعِيبُ عَلَيْكَ {فِي} قَسْم {الصَّدَقَاتِ} إِذَا فَرَّقْتَهَا، وَيَتَّهِمُكَ فِي قسمتها وأنك تحابي في ذلك ولا تعدل، وَهُمْ مَعَ هَذَا لَا يُنْكِرُونَ لِلدِّينِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ لِحَظِّ أَنْفُسِهِمْ؛ وَلِهَذَا إِنْ {أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} أَيْ: يَغْضَبُونَ لِأَنْفُسِهِمْ.

هذا كما فعل ذو الخويصرة، قال أبو سعيد الخدري: «بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اعْدِلْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَيْلَكَ! ‌وَمَنْ ‌يَعْدِلُ ‌إِنْ ‌لَمْ ‌أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ".. الحديث

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنَبِّها لَهُمْ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لهم مِنْ ذَلِكَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} أي: قنعوا بما قسم لهم الله ورسوله {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} كافينا الله {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ} سيعطينا الله {مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} ما نحتاج إليه مما أعطاه الله {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} في أن يوسع علينا من فضله، فيغنينا عن الصدقة وغيرها من أموال الناس.

أي: لو أنهم فعلوا ذلك لكان خيرا لهم وأنفع.

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}

لما عابوا النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة المال، بين لهم ربنا تبارك وتعالى قسمة زكاة المال، فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} الواجبة، تعطى {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الفقير الذي لا يملك شيئاً، والمسكين الذي يملك شيئا ولكنه لا يكفيه، فالفقير أشد حاجة من المسكين {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} هذا الصنف الثالث، وهم السعاة الذين يجمعون الزكاة، ويعطونها لمستحقيها، فيعطون من مال الصدقة فقراءَ كانوا أو أغنياء، فيعطون مثل أجر عملهم. {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} فالصنف الرابع من المستحقين للصدقة هم المؤلفة قلوبهم، قال السعدي: المؤلف قلبه: ‌هو ‌السيد ‌المطاع في قومه، ممن يُرجى إسلامه، أو يُخشى شره أو يُرجى بعطيته قوةُ إيمانه، أو إسلامُ نظيره، أو جبايتُها ممن لا يعطيها، فيعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة {وَفِي الرِّقَابِ} والصنف الخامس هم الرقاب، وهم المكاتبون، أي الرقيق يكاتب على مال إذا أداه أعتق، لهم سهم من الصدقة، هذا قول أكثر الفقهاء، وقال جماعة: يُشترى بسهم الرقاب عبيداً فيعتقون {وَالْغَارِمِينَ} والصنف السادس هم الغارمون وهم قسمان: قسم اقترضوا لأنفسهم في غير معصية، فإنهم يعطون من الصدقة إذا لم يكن لهم من المال ما يفي بديونهم، فإن كان عندهم وفاء فلا يعطون، وقسم اقترضوا في المعروف وإصلاح ذات البين؛ فإنهم يعطون من مال الصدقة ما يقضون به ديونهم، وإن كانوا أغنياء. {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} الصنف السابع، أراد بها الغزاة المجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، فلهم سهم من الصدقة، يعطون إذا أرادوا الخروج إلى الغزو، وما يستعينون به على أمر الغزو من النفقة والكسوة والسلاح والحمولة، وإن كانوا أغنياء.

قال أهل العلم: ‌ومن ‌سبيل ‌الله ‌الرجل ‌يتفرغ ‌لطلب ‌العلم ‌الشرعي، فيعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقة وكسوة وطعام وشراب ومسكن وكتب علم يحتاجها؛ لأن العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله، بل قال الإمام أحمد رحمه الله: «العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته».

ونقل البعض الإجماع على ذلك.

{وَاِبْنِ السَّبِيلِ} والصنف الثامن هم أبناء السبيل، وهو المسافر في غير بلده، لا يجد ما يوصله إلى بلده، يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده.

قوله تعالى: {فَرِيضَةً} أي: واجبة {مِنَ اللَّهِ} أوجبها هو سبحانه وتعالى {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بظواهر الأمور وبواطنها وبمصالح العباد {حَكِيمٌ} في قسمه، وفي كل ما يفعله ويقوله ويشرعه ويحكم به سبحانه وتعالى.

قال السعدي: واعلم أن هذه الأصناف الثمانية، ترجع إلى أمرين

أحدهما: من يُعطى لحاجته ونفعه، كالفقير، والمسكين، ونحوهما.

والثاني: من يعطى للحاجة إليه وانتفاع الإسلام به.

فأوجب الله هذه الحصة في أموال الأغنياء، لسد الحاجات الخاصة والعامة للإسلام والمسلمين، فلو أعطى الأغنياءُ زكاةَ أموالهم على الوجه الشرعي، لم يبق فقير من المسلمين، ولحصل من الأموال ما يسد الثغور، ويُجاهدُ به الكفارُ وتحصل به جميعُ المصالح الدينية. انتهى

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الثلاثاء 18 ربيع ثان 1445
عدد المشاهدات 216
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق