الاحد 12 ذو القعدة 1445 هـ
19 مايو 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-53، كتاب الوضوء، الحديث 192و193و194و195و196و197و198و199و200   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-52، كتاب الوضوء، الحديث 187و188و189و190و191   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-51، كتاب الوضوء، الحديث 183و184و185و186   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-50، كتاب الوضوء، الحديث 176و177و178و179و180و181و182   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)      

تفسير سورة التوبة (29-33)

تفسير سورة التوبة (29-33)

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)}

قال ابن كثير: فهم في نفس الأمر لمّا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يبق لهم إيمانٌ صحيحٌ بأحد من الرسل، ولا بما جاءوا به، وإنما يتَّبعون آراءَهم وأهواءَهم وآباءَهم فيما هم فيه، لا لأنه شرعُ اللهِ ودينُه، لأنهم لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيماناً صحيحاً لقادهم ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن جميعَ الأنبياءِ بُشروا به، وأُمروا باتباعه، فلمّا جاءَ وكفروا به، وهو أشرفُ الرسل، عُلِم أنهم ليسوا متمسكين بشرع الأنبياء الأقدمين؛ لأنه من عند الله. بل لحظوظهم وأهوائهم، فلهذا لا ينفعهم إيمانُهم ببقية الأنبياء، وقد كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتَمِهم وأكملِهم، ولهذا قال {قَاتِلُوا} أيها المؤمنون {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} قال البغوي: فإن قيل: أهل الكتاب مؤمنون بالله واليوم الآخر؟ قيل: لا يؤمنون كإيمان المؤمنين، فإنهم إذا قالوا: عزير ابن الله والمسيح ابن الله، لا يكون ذلك إيماناً بالله. انتهى {وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} أي: لا يدينون الدين الحق، قال أبو عبيدة: معناه ولا يطيعون الله تعالى طاعة أهل الحق، وقال الطبري: ولا يطيعون الله طاعة الحق. يعني: أنهم لا يطيعون طاعة أهل الإسلام {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يعني: الذين أعطوا كتاب الله، وهم أهل التوراة والإنجيل، اليهود والنصارى.

قال ابن كثير: وهذه الآيةُ الكريمةُ أولُ الأمرِ بقتالِ أهلِ الكتابِ، بعدَ ما تمهدت أمورُ المشركين، ودخلَ الناسُ في دين الله أفواجاً، واستقامت جزيرةُ العربِ، أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابَين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسعٍ، ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم، ودعا الناس إلى ذلك...إلى آخر ما قال.

{حَتَّى} إلى أن {يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} الجزية: قدر من المال، يؤخذ ممن دخل في ذمة المسلمين وعهدهم، من الكفار {عَنْ يَدٍ} عن قهر وذل.

قال أبو عبيدة: يقال لكل من أعطى شيئاً كُرهاً من غير طيب نفس: أعطاه عن يد {وَهُمْ صَاغِرُونَ} أذلاء مقهورون.

قال ابن كثير: فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صغرة أشقياء؛ كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه»، ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم. ثم ذكر شروط عمر رضي الله عنه.

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)}

قال ابن كثير: وهذا إغراء من الله تعالى للمؤمنين على قتال الكفار من اليهود والنصارى؛ لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة، والفرية على الله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ} رجل من بني إسرائيل، ولا يصح شيء في أنه نبي {ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ} عيسى عليه السلام {ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} يقولون هذا بألسنتهم من غير علم ولا مستند {يُضَاهِئُونَ} يشابهون {قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} أي من قبلهم من الأمم، ضلوا كما ضل هؤلاء.

{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} قال ابن عباس: لعنهم الله {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: يصرفون عن الحق بعد قيام الأدلة عليه. قال ابن كثير: أي كيف يضلون عن الحق وهو ظاهر، ويعدلون إلى الباطل؟

{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)}

{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ} أي: اتخذوا علماءهم وعبادهم، والأحبار: العلماء، والرهبان من النصارى: العباد {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} يُحِلُّون لهم ما حرم الله؛ فيطيعونهم فيحلونه، ويحرمون لهم ما أحل الله فيطيعونهم فيحرمونه، فاتخذوهم أرباباً بهذا وغيره.

أخرج أحمد والترمذي وغيرهما عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: " يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ، فَطَرَحْتُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} [التوبة: 31] حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونُهُ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ».

{وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} أي: اتخذوه إلهاً {وَمَا أُمِرُوا} في التوراة والإنجيل {إِلَّا لِيَعْبُدُوا} أي بأن يعبدوا {إِلَهًا وَاحِدًا} وهو الله تبارك وتعالى {لَا إِلَهَ} لا معبود بحق {إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ينزه نفسه تبارك وتعالى عن شركهم.

قال السعدي: أي: تنزه وتقدس، وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم، فإنهم ينتقصونه في ذلك، ويصفونه بما لا يليق بجلاله، والله تعالى العالي في أوصافه وأفعاله عن كل ما نسب إليه، مما ينافي كماله المقدس.

{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)}

{يُرِيدُونَ} أي الذين كفروا من المشركين وأهل الكتاب {أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} أي: يبطلوا دين الله بألسنتهم بأقوالهم وأكاذيبهم.

قال السعدي: ونور الله: دينه الذي أرسل به الرسلَ، وأنزل به الكتب، وسماه الله نوراً؛ لأنه يُستنار به في ظلمات الجهل والأديان الباطلة، فإنه عِلم بالحق، وعَمل بالحق، وما عداه فإنه بضده، فهؤلاء اليهود والنصارى ومن ضاهوه من المشركين، يريدون أن يطفئوا نور الله بمجرد أقوالهم، التي ليس عليها دليل أصلاً.

{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} أي: يُعلي دينه، ويُظهره، ويتم الحق الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وسعوا ما أمكنهم في رده وإبطاله، فإن سعيهم لا يضر الحق شيئاً.

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}

{هُوَ} الله {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} الذي أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم: {بِالْهُدَى} قيل القرآن. وقيل: ببيان الفرائض {وَدِينِ الْحَقِّ} وهو الإسلام، وقال ابن كثير: فالهدى هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة، والإيمان الصحيح، والعلم النافع. ودينُ الحق هي: الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة". انتهى

{لِيُظْهِرَهُ} ليعليه وينصره {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} على جميع الأديان كلِّها {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} بالله ظهور دين الإسلام على الأديان كلها.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاثنين 22 محرم 1445
عدد المشاهدات 161
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق