الثلاثاء 15 شوال 1445 هـ
23 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165      

شرح البيقونية مفرغا -7

شرح المنظومة البيقونية


( الدرس السابع )

للشيخ


أبي الحسن علي الرملي


- حفظه الله -



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ؛
فهذا المجلس السابع من مجالس شرح البيقونية
قال الناظم رحمه الله :
وذُو اختلافِ سَندٍ أو متنِ ...... مضطربٌ عندَ أُهيلِ الفَنِ
الناظم رحمه الله عرف في هذا البيت المضطرب ، والحديث المضطرب هو نوع من أنواع الحديث الضعيف .
وتعريفه : هو الحديث الذي يُروى على أوجه مختلفة متساوية ولا يمكن الجمع ولا الترجيح بينها .
هذا الكلام يعني أن يُروى عندنا حديث واحد ، ولكن هذا الحديث يرويه الرواة على أوجه مختلفة ، لا يتفقون على روايته بوجه واحد بل يختلفون فكل منهم يرويه على وجه ، ويكون هؤلاء الرواة على نفس المستوى في القوة .
مثال ذلك أن يروي أصحاب الزهري رحمه الله عنه حديثا ؛ مرة يرويه أحد الرواة عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومرة يرويه راو آخر عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أي يرويه مرسلا ، الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الزهري تابعي أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو مرسل .
والأول متصل ؛ الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثالث من أصحاب الزهري يرويه موقوفا على أنس بن مالك أي لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذه ثلاثة أوجه مختلفة ، فما هو الصواب في الحديث ؛ هل الحديث متصل مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أم أنه مرسل ، أم أنه موقوف على أنس رضي الله عنه ؟
ها هنا ثلاثة رواة من أصحاب الزهري رووا عنه حديثا و اختلفوا عليه على ثلاثة أوجه كما رأيتم ، فإذا كان هؤلاء الرواة في نفس المستوى من القوة ، فلا يمكننا الترجيح بين الروايات ، كأن نقول مثلا : رواية الأول قوية لأن الأول أقوى من الثاني فنرجح الرواية الأولى ، ما عندنا أحد أقوى من الآخر ، الأول قوته بنفس درجة الثاني والثاني بنفس درجة الثالث ، فلا نستطيع أن نرجح ، ولا نستطيع أن نجمع بين هذه الروايات ، إذن هذا الحديث ماذا يسمى ؛ يسمى حديثا مضطربا . أي اضطرب واختلف الرواة على أوجه لا نستطيع الجمع بينها ولا الترجيح بينها .
فلم عرفنا الرواية الصواب من الرواية الخطأ ؛ لذلك حكمنا عليه بالاضطراب ، واضطراب رواته على هذا الشكل يدل على أنهم لم يحفظوه جيدا ، فلذلك يحكم عليه أهل العلم بالاضطراب ويردونه ولا يقبلونه .
والاضطراب يكون في السند ويكون في المتن ؛ مثاله في السند ؛ كما مثلنا .
أما الاضطراب في المتن فكحديث أنس في الجهر بالبسملة ، فإنه رواه الرواة عن أنس واختلفوا عليه ؛ فبعضهم يقول كانوا يفتتحون القراءة بـ "الحمد لله رب العالمين " ، هذا وجه ، والآخر قال كانوا يفتتحون القراءة بـ "بسم الله الرحمن الرحيم " ، والثالث قال : " كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم " ، والرابع قال : " كانوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم " وهكذا الروايات مختلفة .
فإذا كان الرواة الذين رووا حديث أنس هذا متساوون في القوة ؛ حكمنا على الحديث بالاضطراب ؛ لأن الأوجه مختلفة تماما ، ولا يمكن الترجيح بينها ؛ لأن الرواة في نفس الدرجة من القوة ، ولا يمكن الجمع بينها ؛ لأنها متناقضة متضادة تضاد شديد ،فأحدهم يقول كانوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم ، والثاني يقول كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم ، الثالث يقول كانوا يفتتحون القراءة بـ " الحمد لله رب العالمين " والرابع يقول كانوا يفتتحون القراءة بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، فهناك اضطراب واختلاف شديد في الألفاظ ، فمثل هذا الحديث يسمى حديثا مضطربا ، وهو من قسم الضعيف كما ذكرنا لكم أي لا يقبل ، فالحديث إذا حكمنا عليه بالاضطراب لا يقبل .
ألف الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في هذا الفن كتابا مستقلا سماه المقترب في الحديث المضطرب ، ولكن هذا الكتاب لم يطبع ، والله أعلم هل له مخطوطات أم لا ، وأخونا الشيخ أحمد بازمول حفظه الله له كتاب ألفه في هذا النوع وسماه بنفس اسم كتاب ابن حجر وهو مطبوع.
ثم قال الناظم – رحمه الله - :
والمُدرجاتُ في الحديثِ ما أتتْ....منْ بعضِ ألفاظِ الرَّواةِ اتصلتْ
أراد رحمه الله هنا أن يعرف المدرج من الحديث ؛
الإدراج لغة ، الإدخال ، تقول أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فيه ،
واصطلاحا : هو ما أدخل في متن الحديث أو في سنده وليس منه .
مثاله في الإسناد ؛ قصة موسى بن ثابت الزاهد مع شريك ، فقد كان شريك يحدث بحديث في مجلس من المجالس ، وفي أثناء تحديثه لهذا الحديث ذكر الإسناد ؛ فقال : عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا .
وسكت ريثما يكتب المستملي ؛ فدخل موسى بن ثابت الزاهد من الباب فرآه شريك ، فنظر إلى وجهه وكان رجلا عابدا زاهدا فقال : من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه في النهار ، وهذه العبارة قالها عن موسى بن ثابت . فسمع موسى الإسناد وهو يدخل ، فظن أن هذا الكلام الذي ذكره شريك هو متن الإسناد الذي قدمه ، فأصبح ثابت يحدث بهذا الحديث ؛ عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا ؛ قال : من كثرت صلاته في الليل حسن وجهه في النهار .
فظنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم فأدخله على الإسناد الذي ذكره شريك ، فهذا صورة من صور الإدراج في الإسناد .
مثاله في المتن ؛ حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال : أسبغوا الوضوء ، ويل للأعقاب من النار .
عندما جمع أهل الحديث روايات هذا الحديث تبين عندهم أن كلمة : أسبغوا الوضوء ، ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل من كلام أبي هريرة ، ظنها بعض الرواة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فأدخلها على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أدرجها فيه ، فأصبح يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار .
جاءت رواية عند البخاري في " صحيحه "، قال : عن أبي هريرة " أسبغوا الوضوء – أي لم يضفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم – فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال " ويل للأعقاب من النار " ، هذه الرواية بينت لنا ما هو من كلام أبي هريرة وما هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلمنا أن قوله أسبغوا الوضوء من كلام أبي هريرة وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن بعض الرواة ظنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فأدرجه في كلامه صلى الله عليه وسلم .
والمدرج عموما يعرف بجمع طرق الحديث ، إذا جمعت طرق الحديث عرفت ما أدرج في الحديث وليس من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو مر معنا حديث أبي هريرة " أسبغوا الوضوء ... " من غير أن نجمع طرقه ؛ لظننا أن لفظة أسبغوا الوضوء من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن عند جمع طرقه ، وجدنا التفصيل عند البخاري ، ففصل وميز ما هو من كلام أبي هريرة وما هو من كلام النبي صلى الله عليه مسلم ؛ هذه الطريقة الأولى .
الطريقة الثانية : بتنصيص حافظ من الحفاظ عليه ، إذا نص هذا الحافظ الذي يعرف ما هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وما هو من كلام غيره ؛ إذا نص وقال إن هذه اللفظة مدرجة في الحديث ، سلمنا له وأخذنا بكلامه .
الطريقة الثالثة : بتنصيص الذي أدرج على إدراجه ، أي الشخص الذي يدخل كلامه على كلام النبي صلى الله عليه وسلم ينصص ويقول هذه الفقرة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هذه من كلامي ، مثاله : كقول ابن مسعود في حديث " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار " .
قال ابن مسعود في رواية أخرى : قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أنا الأخرى . تبين لنا أن أحد هاتين الجملتين ؛ " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار " ؛ تبين لنا أنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فهاتان الجملتين ؛ قال ابن مسعود كلمة منها ، وقال عليه السلام الثانية .
عرفنا هذا من رواية أخرى ، قال ابن مسعود فيها : قال النبي كلمة ، وقلت أنا الثانية .
إذن الرواية الأولى لم تبين لنا شيئا بل أظهرت أن الكلمتين من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، الرواية الثانية بينت لنا أن إحدى الكلمتين من كلام ابن مسعود .
ووجدنا رواية ثالثة بينت لنا أن الكلمة الثانية هي التي من كلام ابن مسعود ، فعلمنا أن في هذه الرواية إدراج ؛ أي إدخال ما ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في كلامه صلى الله عليه وسلم ، هذا معنى الإدراج ، وهذه إحدى طرق معرفته .
الطريقة الرابعة التي نستطيع أن تعرف الإدراج بها :
باستحالة كون الكلام خارجا من النبي صلى الله عليه وسلم ، أي إذا نظرت إلى الكلام ؛ قلت : يستحيل أن يقوله النبي صلى الله عليه وسلم .
مثاله : قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " للعبد المملوك أجران ، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله ، والحج ، وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك .
فقوله " للعبد المملوك أجران " هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قوله : " والذي نفسي بيده " إلى آخر الحديث من كلام أبي هريرة ، لأنه يمتنع منه صلى الله عليه وسلم أن يتمنى الرق ، وقد شرفه الله بالنبوة ، هذا الأمر الأول .
والأمر الثاني : لأن أمه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك لم تكن موجودة حتى يبرها ، فقد ماتت قبل البعثة ، فهذان الأمران يدلان أن هذا الكلام ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل من كلام أبي هريرة .
فهذه طرق معرفة الإدراج في الحديث .
وقد صنفت فيه مصنفات ، منها " الفصل للوصل المدرج في النقل " للخطيب البغدادي ، ولخصه الحافظ ابن حجر وزاد عليه في كتابه " تقريب المنهج بترتيب المدرج " .
ثم قال الناظم – رحمه الله - :
وما روى كلُّ قَرينٍ عن أخِهْ .......مُدَبّجٌ فاعْرِفهُ حقاً وانتَخِهْ
هنا الناظم رحمه الله يعرف لنا نوعا جديدا من أنواع الحديث ، وهو المدبج .
المدبج لغة : هو المزين .
واصطلاحا : هو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر .
فمن هم الأقران ؟
الأقران : هم المتقاربون في السن أو الإسناد ( أي الأخذ عن الشيخ ) ، فإذا وجدنا اثنين متقاربان في السن وأخذا عن شيخ واحد فهما قرينان .
وبعض أهل العلم يكتفي بأن يكونا قريبين في السن أو أن يشتركا في الشيخ ، فواحدة منهما تكفي ليسمي الشخصين قرينين ، فإذا روى مثلا أبو هريرة عن عائشة ، وروت عائشة عن أبي هريرة - وهما قرينان لأنهما اشتركا في الأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم - فإذا روى كل واحد منهما عن الآخر فهذا يسمى مدبجا .
لكن لو كانا قرينين وروى أحدهما عن الآخر ولم نجد للثاني رواية عن الأول ؛ فهذا لا يسمى مدبجا ، بمعنى لو وجدنا رواية لأبي هريرة عن عائشة ، ولم نجد رواية لعائشة عن أبي هريرة ، فهذا لا يسمى مدبجا ، وإنما يسمى رواية الأقران بعضهم عن بعض .
وإذا روى مالك عن الأوزاعي ، و الأوزاعي عن مالك فهذا يسمى مدبجا ؛ لأن مالكا و الأوزاعي قرينان اشتركا في الأخذ عن الشيوخ .
فائدة هذا النوع ، وهو المدبج :
قالوا : الفائدة من ذلك الأمن من ظن الزيادة في الإسناد .
فمثلا لو وجدت رواية مالك عن الأوزاعي عن الزهري ؛ و أنت تعرف أن مالكا و الأوزاعي يرويان عن الزهري ، فربما ظننت أن الأوزاعي هنا زيادة في السند ، فتقول مالك يروي عن الزهري و الأوزاعي يروي عن الزهري ، وهما قرينان فلماذا يروي أحدهما عن الآخر ، فلا بد أن يكون في السند زيادة ، لرفع هذا التوهم ذكروا نوع المدبج .
الفائدة الثانية :
الأمن من ظن إبدال الواو بعن ، فلو مرت بك رواية مالك عن الأوزاعي عن الزهري ، كي لا تظن أن الرواية الصحيحة هي " مالك و الأوزاعي عن الزهري " أي أبدلت (و ) ب( عن ) ؛ عرفوك أن هناك نوعا اسمه المدبج ، أي إنه من الممكن أن تجد رواية مالك عن الأوزاعي ، فلا تظن أن "عن" هنا خطأ وأن صوابها " و" .
وقول الناظم : وما روى كل قرين عن أخه ؛ فهنا كلمة أخه هي نفسها أخيه ، ولكنها لغة عند العرب .
وقوله : انتخه : أي افتخر بمعرفته ، أي افتخر بمعرفة هذا النوع الذي عرفك المؤلف به .
ألف في هذا النوع الدارقطني كتابا اسمه " المدبج " ولكن لا نعرف أطبع أم لا .
قال الناظم – رحمه الله - :
متّفقٌ لفظاً وخطاً متّفِقْ ........وضدّهُ فيما ذكرنا المُفترِقْ
يريد الناظم هنا أن يعرف المتفق والمفترق ، وهذا يختص بالرواة ، وهو مفيد .
والمتفق : هو ما اتفقت أسماء الرواة وأسماء آبائهم فصاعدا ، خطا ولفظا واختلفت أشخاصهم .
مثاله : الخليل بن أحمد ، عندنا ستة أشخاص اشتركوا في هذا الاسم ، كل واحد من هؤلاء الأشخاص اسمه الخليل واسم أبيه أحمد ، ولكن أشخاصهم مختلفة ، ومنهم الخليل بن أحمد شيخ سيبويه العالم النحوي المعروف ، وخمسة غيره ، فهؤلاء تتفق أسماءهم وأسماء آبائهم ولكنهم في أنفسهم وفي ذاتهم مختلفون .
ومثل محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري ، اثنان في عصر واحد يسميان بنفس الاسم ، اسم الشيخ واسم أبيه وجده ونسبته أيضا اتفقت في شخصين ، وكلاهما شيخ للحاكم ؛ الأول أبو العباس الأصم ، والثاني أبو عبد الله الأخرم الحافظ ، فهذا من المتفق الذي اتفق فيه الاسم واختلف فيه الشخص ، فهو اسم واحد لشخصين .
فائدة هذا النوع :
الأمن من اللبس ، فربما ظن الأشخاص شخصا واحدا ، بمعنى أنك لو كنت تعرف محمد بن يعقوب بن يوسف ومر معك في إسناد وكنت تعرف أنه أبو العباس الأصم ، مضيت على ذلك ، فربما يمر بك أبو عبد الله الأخرم وأنت لا تدري ، فتظنه أبا العباس الأصم ، فكي لا يحصل هذا الخلط بينوا لك المتفق والمفترق ، بينوا لك أن محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري هذا من المتفق والمفترق أي أن هناك شخصين يتسميان بهذا الاسم ، أولهما أبو العباس الأصم وثانيهما أبو عبد الله الأخرم الحافظ .
صنف في هذا النوع الخطيب البغدادي – رحمه الله – مصنفا اسمه المتفق والمفترق ".
ثم قال الناظم – رحمه الله - :
مُؤتَلِفٌ مُتّفِقُ الخطِّ فقطْ ........وضِدُّهُ مُختَلِفٌ فاخشَ الغَلَطْ
في هذا البيت أراد الناظم – رحمه الله – أن يعرف نوعا جديدا وهو المؤتلف والمختلف ، وهذا أيضا يختص بالرواة .
وهو ما تتفق في الخط صورته ، وتفترق في اللفظ صيغته .
بمعنى لو كتبنا اسم سلَام – بتخفيف الام من غير شدة - وسلاّم – بتشديد الام - ، لو كتبناهما من غير تشكيل ، كيف ستكون كتابتهما ؛
سلام : سين لام ميم ( سَلَام )
سلام : سين لام ميم ( سَلَّام )
فهما قد اتفقا في صورة الخط ، مؤتلفان في الخط ؛ لكن عند النطق بهما تقول في الأول سلام – بتخفيف الام - ، وفي الثاني سلَّام – بتشديد الام - ، اختلفا في النطق وسبب الاختلاف ، الاختلاف في التشكيل أو في التنقيط .
فإذا قلت سلَّام ، اللام هنا عليها شدة ، وسلام اللام عليها فتحة ، فاختلفا في النطق ولكن الرسم واحد .
وكذلك عُمارة و عِمارة ، عند النطق تقول عُمارة وعِمارة اختلفتا في النطق واتفقتا في الرسم وسبب الاختلاف هو الشكل فالعين في (عُمارة) مضمومة ، وفي (عِمارة ) مكسورة .
وكذلك غنّام و عثام اتفقتا في الرسم من غير تشكيل أو تنقيط ، ولكن إذا نقطتها اختلفت ، فسبب الاختلاف هي النقط ، وهي التي فارقت بين الاثنين ، فالضبط بالشكل نفسه ، من حيث حركاتها ، ولكنهما اختلفا في النقط .
وكذلك عباس و عياش الشكل واحد والاختلاف في النقط .
فهذا معنى المؤتلف والمختلف ائتلف في رسمه واختلف في نطقه .
مثال أخير :
حزام و حرام سبب الاختلاف هنا أمران التشكيل والتنقيط فمن ناحية التشكيل ؛ (حِزام ) مكسورة الحاء ، و (حَرام) مفتوحة الحاء ، ومن ناحية التنقيط ( حِزام) فيها الزاي عليها نقطة ، و(حَرام ) الراء بغير نقطة .
وكذا بشار ويسار : بشار : الحرف الأول (بـ ) عليها نقطة من تحت ، والثاني ( شـ ) عليها ثلاث نقط ومشددة ، والكلمة الثانية ( يسار ) حرفها الأول ( يـ ) عليها نقطتان من تحت ، وحرفها الثاني ( سـ ) بلا نقط ومخفف .
هذا هو المؤتلف والمختلف ، وهو فن مهم جدا ومن لم يعرفه يكثر خطأه ويخلط بين الرواة .
أفضل ما أولف فيه كتاب " تبصير المنتبه بتحرير المشتبه " للحافظ ابن حجر- رحمه الله. سيكون الدرس القادم آخر درس في البيقونية ثم نبدأ بالباعث الحثيث ، إن شاء الله تبارك وتعالى .

قائمة الخيارات
27 [0.7 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الخميس 22 شوال 1431
عدد المشاهدات 4661
عدد التحميلات 64
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق