الجمعة 18 شوال 1445 هـ
26 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165      

الدرس الثالث

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فكنا قد ذكرنا في درسنا الماضي تعريف أصول الفقه باعتبار المفردين، هذا الذي كنا بدأنا به وعرَّفنا الأصول لغة واصطلاحاً وبدأنا بتعريف الفقه وذكرنا تعريف الفقه لغة ووقفنا عند تعريفه اصطلاحاً وذكرنا إنه عند جمهور أهل العلم هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، وذكرنا كلمة العلم وما أورد عليها العلماء من إيرادات.

وأما قولهم: بالأحكام الشرعية، فأخرجوا الأحكام غير الشرعية، كالأحكام العقلية مثلاً، كمعرفة أن الكل أكبر من الجزء، هذا حكم عقلي أُدرك بالعقل فهذا يسمى حكماً عقلياً، فقوله في تعريف الفقه: العلم بالأحكام الشرعية أخرج الأحكام العقلية فهذا ليس من الفقه، وكذلك أخرج الأحكام العادية، الأحكام العادية التي عُرفت بالتجربة، بالعادة، هذه أيضاً أخرجها لأنها ليست من (..) الفقه.

هذا قوله العلم بالأحكام الشرعية، وأخرج أيضاً بالأحكام العِلم بالذوات كذات زيد، أو الصفات كسواد زيد مثلاً، أو العلم بالأفعال كقيام زيد، فهذا كله من العلم ولكنه ليس من الأحكام، فبالأحكام الشرعية أخرج الأحكام العقلية والعادية، وبقوله الأحكام أخرج الأفعال وأخرج الذوات وأخرج الصفات.

وبقولهم: العملية أخرجوا الأحكام الشرعية الاعتقادية، فالمسائل الاعتقادية ليست من الفقه عند الأصوليين، نحن الآن نفسر الفقه بالمعنى الأصولي، عند علماء أصول الفقه، فالتفريق ما بين العقائد والأحكام العملية هو تفريقٌ اصطلاحي لا ينبني عليه أحكام شرعية، لماذا؟ لأنه تفريق اصطلاحي، الآن نحن نعرِّف الفقه الاصطلاحي عند الأصوليين، الفقه يختلف المعنى اللغوي له عن المعنى الشرعي عن المعنى الاصطلاحي عند الأصوليين عن المعنى الاصطلاحي عند الفقهاء، كلٌ عنده اصطلاح للفقه والمعنى اللغوي معنًى عام، الفهم كما تقدم معنا، والمعنى الاصطلاحي عند الأصوليين هو الذي نعرِّفه فيه نحن وسيأتي في آخر الكلام إن شاء الله التفريق ما بين الفقه عند الأصوليين والفقه عند الفقهاء.

وبقولهم:"المكتسب" أخرجوا غير المكتسب، العلم المكتسب الذي حصل بعد أن لم يكن، لم يكن حاصلاً ثم اكتُسب، حصل بعد ذلك.

وبقولهم:"المكتسب" أخرجوا غير المكتسب كعلم الله تبارك وتعالى، علم الله تبارك وتعالى ليس مكتسباً لأن الله سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال عالماً.

وبقولهم:"الأدلة التفصيلية" نحن قلنا في التعريف:"العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسَب" الآن المكتسب هذه صفة لماذا؟ صفة للعلم، أي العلم المكتسب، فالمكتسب صفة للعلم، العلم بالأحكام الشرعية العملية، أي العلم المكتسب من أدلتها التفصيلية، العلم الذي اكتُسب وأُخذ من الأدلة التفصيلية، والدليل التفصيلي أخرجوا به الدليل الإجمالي، لأن الأدلة نوعان: أدلة تفصيلية وأدلة إجمالية، ذكرنا الأدلة التفصيلية هي التي تختص بمسألة معيَّنة كقول الله تبارك وتعالى { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } [ البقرة/43]، هذا دليل شرعي يختص في مسألة الأمر بالصلاة أي بوجوب الصلاة.

أما الدليل الإجمالي كقولنا مثلاً: الأمر يقتضي الوجوب، هذا دليل إجمالي، ففرْق بين الدليل التفصيلي والدليل الإجمالي، الدليل التفصيلي يختص بمسألة معينة أما الإجمالي فلا يختص بمسألة معينة، القاعدة الإجمالية أو الدليل الإجمالي تدخل تحته صور كثيرة وكثيرة جداً.

فبقولهم:"الأدلة التفصيلية" أخرجوا الأدلة الإجمالية، فأصول الفقه أخرجوه بقولهم:"الأدلة التفصيلية" خرج أصول الفقه، ليس هو من الفقه.

"من أدلتها التفصيلية"، وقولهم:"من أدلتها" أخرجوا علم الملائكة وعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحاصل بالوحي، هذا علم مكتسب حصل بالوحي وليس بالاستخراج من الأدلة التفصيلية، هذا العلم حصل بالوحي، أوحى الله سبحانه وتعالى إلى جبريل وأوصل جبريل الوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحصل العلم بذلك، فهذا لا يسمى فقهاً عند الأصوليين، ولكن الفقه عند الأصوليين هو العلم الذي استُخرج من أدلة الكتاب والسنة.

طيب العلم الحاصل عندنا ضرورة، عامة الناس يعرفون أن الصلاة واجبة، هذا علم حاصل ضرورة عندهم، عامة الناس يعرفون أن الصلاة واجبة، هل استخرج الناس وجوب الصلاة من الدليل التفصيلي؟ لا، هو معلوم عندهم بالضرورة لا يوجد مسلم إلا ويعلم أن الصلاة واجبة عليه فمثل هذا العلم الضروري الآن لا يسمى فقهاً عند الأصوليين، وها هنا الفرق ما بين الفقه عند الأصوليين والفقه عند الفقهاء.

الفقه عند الفقهاء لا يقتصر فقط على ما استُنبط من الأدلة التفصيلية، الفقه عند الفقهاء يشمل العلم بالأحكام الشرعية العملية كلها سواء كانت مستنبطة أو غير مستنبطة، بما أنه حكم شرعي وعملي عُلم فهو فقه عند الفقهاء، فالفرق بين الأصوليين والفقهاء أن الأصوليين يعتبرون الفقه ما أُخذ بالاستنباط من الأحكام الشرعية، يعني الأحكام الشرعية التي أخذت بالاستنباط من الأدلة التفصيلية، أما الفقهاء لا، الفقهاء عندهم العلم بالأحكام الشرعية العملية هذا يعتبر فقهاً سواء استنبط أو لم يستنبط، بناءً على ذلك الأحكام المأخوذة من النصوص الواضحة التي لا تحتاج إلى استنباط والأحكام الضرورية هذه التي عُلمت بالضرورة كلها تسمى فقهاً عند الفقهاء، أما عند الأصوليين فلا، إنما يسمى حكماً ما أُخذ بالاستنباط من الدليل التفصيلي.

هذا الفرق بين الفقه عند الأصوليين والفقه عند الفقهاء.

وأما الفقه في الشرع فيشمل العقائد والأعمال، ولا يختص فقط بالعقائد، لا يختص فقط بالأعمال كما هو عند الأصوليين والفقهاء، في الشرع: الفقه يشمل العلم بالشريعة كلها سواء كان تفسيراً أو كان أحكاماً عملية أو أحكاماً عقائدية، كله يدخل في الفقه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس:"اللهم فقِّهه في الدين" يشمل الدين كله.

وهكذا يكون قد تم عندنا تعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه، وممكن أن نستخرج نحن الآن تعريفاً ونقول: أصول الفقه هو أدلة الفقه الإجمالية التي يُبنى عليها العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.

هكذا نكون قد خرجنا بتعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه.

نرجع الآن إلى تعريف أصول الفقه باعتباره لقباً على هذا الفن وهو الذي ذكره المؤلف رحمه الله فقال في تعريف أصول الفقه:" أصول الفقه أدلة الفقه الإجمالية وطرق استفادة جزئياتها وحال المستفيد" هذا تعريف أصول الفقه باعتباره علماً على هذا العلم الذي بين أيدينا.

فقال: "أدلة الفقه الإجمالية" ما المراد بالدليل هنا؟ الدليل في اللغة هو المرشد إلى المطلوب، لكن عندنا هنا في الاصطلاح اختلف العلماء في المراد بالدليل في هذا الموضع، فبعضهم قال: الدليل المعني هنا هي الأدلة السمعية أو مصادر التشريع، وهذه تنقسم عندهم إلى قسمين : منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه، كالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، طبعاً القياس خالف فيه الظاهرية، والباقي قد اتفقوا عليه ، الكتاب والسنة والإجماع بالاتفاق أنها حجة، والقياس خالف فيه الظاهرية، وبقية الأدلة أيضاً كقول الصحابي مثلاً، الاستصحاب، الاستحسان، المصالح المرسلة، وغيرها من الأدلة التي اختُلف فيها، هذه كلها تسمى عندهم أدلة ويقسمون هذه الأدلة إلى قسمين كما ذكرنا منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه، فالبعض قال المقصود بأدلة الفقه الإجمالية هذه الأدلة، الكتاب والسنة والإجماع ... إلخ، فهنا البعض الآخر قالوا: هي القواعد العامة، المقصود بالأدلة الإجمالية هنا القواعد الأصولية العامة كالأمر يقتضي الوجوب، الإجماع حجة، القياس حجة، النهي يقتضي التحريم، قواعد أصولية، قالوا: هذه القواعد هي المقصودة بقولنا: أدلة الفقه الإجمالية، فحصل خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة.

نحن سنمشي على ما مشى عليه كثير من أهل العلم في كون المقصود بأدلة الفقه الإجمالية القواعد العامة، لما سيأتي من إشكال سَيرِد فيما هو آت إن شاء الله في قضية الحديث عن المعرفة.

قال: "وطرق استفادة جزئياتها"، الآن أصبح عندنا على كلام المؤلف رحمه الله أصول الفقه يتركب من ثلاثة أقسام: الأول أدلة الفقه الإجمالية التي هي إما القواعد العامة أو الأدلة السمعية.

ثانياً: طرق استفادة جزئياتها، المقصود هنا بطرق استفادة جزئياتها: المرجِّحات بين الأدلة عند تعارضها، هذا الذي يقصده ويعنيه في هذه الفقرة، أي المرجحات بين الأدلة عند تعارضها، فيريدون بالطرق المرجحات.

ومقصود المؤلف بــ"جزئياتها" أي جزئيات الأدلة الإجمالية، أدلة الفقه التفصيلية هي التي جعلها جزئيات للأدلة الإجمالية، فأدخل هنا المؤلف المرجحات بين الأدلة في أصول الفقه، قالوا: لماذا هنا الآن المرجحات بين الأدلة أُدخلت في أصول الفقه؟ قالوا: لأنك عندما تعرف الأدلة الإجمالية ويحصل تعارض بين هذه الأدلة لا يمكنك أن تستفيد منها إلا بمعرفة طريقة تقديم بعضها على بعض، فإذاً هذا لا بد منه كي تتم الفائدة المرجوة من أصول الفقه لذلك أدخلوا طرق الاستفادة في أصول الفقه، هذا الجزء الثاني وهو طرق الاستفادة.

الجزء الثالث: حال المستفيد، مَن المستفيد من أصول الفقه؟ هو المجتهد، حاله أي صفته، ما هي صفاته؟ ما هي شروطه التي تُشترط فيه حتى يكون مستفيداً ويكون مجتهداً قادراً على استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية بالأدلة الإجمالية، من هو هذا المجتهد؟ ما هي صفاته؟ ما هي شروطه؟ هذه أيضاً من مباحث أصول الفقه (..)، اختلاف العلماء في إدخال هذه المسألة في أصول الفقه، لماذا؟ قالوا: معرفة شروط المجتهد ليست من أصول الفقه فلا يتوقف عليها استنباط الأحكام الشرعية فاستشكلوا إدخاله هنا، فقال بعض العلماء: لمّا أخذوا بمناقشة شروط المجتهد في كتب أصول الفقه واعتادوا على ذلك وجرت عادتهم عليه، قال: أدخلوه في التعريف، أي أُدخل في التعريف مسامحة وإلاّ هو حقيقة ليس من أصول الفقه، لأن المجتهد ليس من أصول الفقه ولكن هو الذي يستعمل أصول الفقه ويفهم مباحث أصول الفقه.

وأخذوا أيضاً استطراداً يناقشون ويتحدثون عن المقلد من هو؟ ومتى يجوز له أن يقلد ؟ومتى لا يجوز له أن يقلد؟ هذا تعريف أصول الفقه باعتباره لقباً لهذا الفن.

قال المؤلف:((وقيل معرفتها)) الآن شوفوا ربْط الكلام مع بعضه، تعريف أصول الفقه قال: أدلة الفقه الإجمالية وطرق استفادة جزئياتها وحال المستفيد. قال: وقيل معرفتها.

أي وقيل: معرفة أدلة الفقه الإجمالية وطرق استفادة جزئياتها وحال المستفيد، فبعضهم قال: أصول الفقه هي أدلة الفقه الإجمالية نفسها، نفس الأدلة هي أصول الفقه، والبعض قال: لا، أصول الفقه ليست الأدلة، أصول الفقه معرفة هذه الأدلة، معرفة أدلة الفقه الإجمالية.

الخلاف حاصل واستدل كل واحد من الفريقين بأدلة، أدلة الذين قالوا بقول المصنف وهم الجمهور: اعتبار المعنى اللغوي، الآن المعنى اللغوي للأصول إيش هو؟ ما يبنى عليه غيره، فيصلح أن يكون الدليل، فقالوا: إذاً أصول الفقه عندما ننظر إلى المعنى اللغوي في كلمة أصول، نعتبر المعنى اللغوي فنقول: هي الأدلة إذن، إذا نظرنا واعتبرنا المعنى اللغوي قلنا هي الأدلة، كما اعتبرنا المعنى اللغوي في الفقه، الفقه إيش هو؟ الفهم، العلم، فاعتبرتم فيه المعنى اللغوي وقلتم الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية، فكما اعتبرتم المعنى اللغوي هناك وأخذتموه وبنيتم المعنى الاصطلاحي عليه كذلك اعتبروا المعنى اللغوي هنا واجعلوا الاصطلاح مبنياً عليه أيضاً .

هذا الدليل الأول

الدليل الثاني: قالوا: إذا قدَّرنا أن أحداً لم يَعْلم أصول الفقه، هل ينتفي اسم أصول الفقه عن هذا العلم؟ لا ينتفي، فبتقدير عدم وجود مَن يعلم هذه القواعد العلمية وهذه الأدلة لا ينتفي أن يسمى أصول فقه، إذن فلا يُتوقف على المعرفة، على العلم، فردّوا قولهم بهذين الدليلين.

الذين قالوا: هو العلم، ماذا استدلوا؟ قالوا: الآن أنتم قلتم: أصول الفقه هي أدلة الفقه الإجمالية، طيب موضوع أصول الفقه إيش هو؟ إيش المقصود بالموضوع؟ الآن دخل استطراداً وسنذكره مرة واحدة، لأن من مبادئ العلوم عندما يذكرونها يقولون: أن تذكر تعريف العلم وأن تذكر مَنْ أول من ألَّف في العلم؟ وأن تذكر العلم من أين استُمد؟ وأن تذكر غاية العلم وفائدته، وأن تذكر أيضاً موضوع العلم، هذه الأمور يتوقف عليها معرفة العلم وتصوره تصوراً كاملاً. نحن الآن في صدد تعريف العلم، غايته ذكرناها في المقدمة من البداية. طيب موضوع هذا العلم إيش المقصود بالموضوع موضوع العلم؟ محل البحث. الطبيب مثلاً ما هو موضوع الطب؟ بدن الإنسان، هذا محل البحث، هنا يبحث الطبيب في بدن الإنسان، هذا يسمى موضوع، موضوع أي محل بحث، محل البحث، من أي ناحية يبحث الطبيب في بدن الإنسان؟ من ناحية الصحة والمرض، هذه عند المَناطِقة في اصطلاح أهل المنطق يسمونها أعراضاً، الآن الصحة والمرض أعراض، يسمونها أعراضاً ذاتية، تلحق ذات الجسد، تلحق الجسد بذاته لأنه جسد، لماذا سميت أعراضاً؟ لأنها تعرِض وتزول فسميت أعراض، فهي صفات لكنها ليست صفات لازمة بل هي صفات تعرض وتزول، لذلك سميت عرض. أنا ذكرت هذا التعبير، الأعراض الذاتية عمداً لأنك تمر بك كثيراً في كتب أصول الفقه، وتُشكل على البعض فهمها، هي من العبارا المنطقية.

هذا معنى الأعراض الذاتية، فموضوع علم الطب هو بدن الإنسان، من أي ناحية؟ من حيث الصحة والمرض.

نرجع لأصول الفقه، موضوع أصول الفقه، محل البحث في ماذا؟ في الأدلة السمعية، هذا محل البحث، من أي ناحية؟ من ناحية الصفات التي تعرض لها وتزول كالعموم ، الخصوص، الإطلاق، التقييد، هذه تسمى عوارض ذاتية للأدلة، من هذه الناحية يبحث الأصولي، يبحث في الأدلة في صفات هذه الأدلة التي تعرض وتزول، تجدها في بعض الأدلة ولا تجدها في أدلة أخرى.

واضح الموضوع؟ طيب.

الآن نرجع لاستشكال الذين قالوا بأن أصول الفقه هي معرفة أدلة الفقه الإجمالية، ولم يقولوا هي نفس أدلة الفقه، لماذا؟ قالوا: موضوع العلم هو غير العلم، موضوع الشيء هو غير الشيء نفسه، فعندما تقول الطب مثلاً هو غير بدن الإنسان، لا يصح أن يكون الطب هو بدن الإنسان، كذلك هنا في أصول الفقه كيف تقولون في تعريف أصول الفقه أدلة الفقه الإجمالية ثم تقولون لموضوع أصول الفقه أدلة الفقه الإجمالية؟ لا تَرْكب، فخرج من الإشكال الذين قالوا بالقول الأول وهي أدلة الفقه الإجمالية قالوا: نحن نعني بأدلة الفقه الإجمالية القواعد العامة. بقي إشكال؟ ما بقي إشكال، واضح إلى هنا؟ واضح.

الآن حتى الي ما فهموا الموضوع و(..) ما في إشكال الأمر سهل إن شاء الله، هي خلافات في ضبط اصطلاحات، في النهاية عندما يقول لك: إيش أصول الفقه؟ في صعوبة بالموضوع؟ لا، خلاص هذا المراد، بعد هذا الأمر سهل، ما في من ورائه كبير فائدة بما أننا متفقون على النتيجة، طريقة الوصول إلى النتيجة هذه الأمر فيها سهل، لذلك بعض أهل العلم يقولون: التعمق في الحدود بدعة. تجد نزاعات بين العلماء في هل يصح أن نذكر الألف واللام ها هنا أم لا يصح؟ هل يصح أن نستعمل كلمة "عِلم" أو نغيرها بكلمة"معرفة"؟ يعني نزاعات وردود وكذا، في النهاية أنا وأنت فاهمين إيش أصول الفقه أو مش فاهمين؟

فاهمين

متفقين على النتيجة أو مش متفقين؟

متفقين

إذن انتهى الموضوع فما في داعي تعقِّد نفسك عندما تمر بمثل هذه النزاعات وتقول والله ما فهمت شيء خلاص أنا ما أنفع، لا لا الأمر أسهل من هذا بكثير، خلاص المهم تعرف إيش هو أصول الفقه وانتهى الأمر، أصول الفقه هو ما تدرسه في كتاب أصول الفقه فقط هذا هو، إيش هو الدليل الإجمالي؟ قرآن، سنة، إجماع، متى تكون السنة حجة؟ متى لا تكون حجة؟ القرآن إيش الحجة فيه؟ وما ليس بحجة فيه؟ الاستصحاب ما وضْعه؟ قول الصحابي حجة، ليس بحجة، العموم، الخصوص، الإطلاق، التقييد، دلالات الألفاظ، هذا هو أصول الفقه فقط، كل ما تحتاج إلى معرفته أهو دليل شرعي أم ليس بدليل؟ وكل ما يوصلك إلى طريقة استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي فهو من أصول الفقه. صعبة؟ سهلة.

قال المؤلف:((والفقه علم بحكم شرعي عملي مكتسب من دليل تفصيلي)) الآن ابن السُّبكي في جمع الجوامع لما عرَّف الفقه عرفه على طريقة الجمهور،"العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية"، المؤلف هنا غيَّر تغيير خفيف، لا بد أن يكون عنده إشكال في تغييره هذا، فقال:"والفقه علمٌ في حكمٍ شرعي عملي مكتسب من دليل تفصيلي" الذي تقدم هونفسه ما في إشكال، لكن فيه شيء واحد.

قال المؤلف في شرحه على لب الأصول في غاية الأصول قال:"ونكَّرت العلم والحُكم وأفردتهما" هذا الذي غيَّره، هناك في التعريف إيش قلنا؟ العلم بالأحكام ، حذَف الألف واللام من العلم فصارت علمٌ، وحذف الألف واللام من الأحكام وأفردها بدل ما كانت جمع، فكانت الأحكام جعلها حكم، وحذف منها الألف واللام، هذا معنى كلامه، قال:"ونكَّرت العلم والحكم وأفردتهما" جعلهما نكرتين وجعلهما مفردين، تبعاً للعلّامة البَرماوي، يعني هو مسبوق بهذا الفعل، البرماوي سبقه ففعل هذا وهو استحسنه وهذه من المواضع التي غيَّر المؤلف رحمه الله فيها من حيث الاختصار لأنه قال في مقدمة الكتاب: وغيّرت ما ليس بمعتمد بالمعتمد، فهذا عنده ليس بمعتمد فغيَّره. لماذا فعل ذلك؟ قال:"لأن التحديد إنما هو للماهيَّة" التحديد تعريف الذي وضعناه وعَيّنّا فيه المعرَّف هو للماهية لبيان الحقيقة، حقيقة الفقه إيش هو، هذا الذي نريده نحن، قال: لأن التحديد إنما هو للماهية، التعريف الذي عرَّفناه إنما هو فقط لبيان حقيقة الفقه، من غير اعتبار كمية أفرادهما، يعني لا نريد أن نضع في اعتبارنا مسألة قلة وكثرة أو مسألة عدد، الفقه ثلاث مسائل، عشرين مسألة، مئة مسألة، لا ما نريد أن ننظر إلى هذا، نريد أن نبتعد عنه لذلك فعل ما فعل المؤلف، أراد من ذلك شيء، أراد من ذلك أن يفر من إشكال وهو اعتراضٌ على التعريف الذي قدَّمناه، العلم بالأحكام الشرعية، قال تعالوا إيش تريدون بالألف واللام الداخلة على الأحكام هذه، إيش هي؟ قالوا: لا يصح أن تكون عَهْدِية، نحن عرفنا في درس اللغة أن الألف واللام ثلاث أنواع: العهدية والجنسية والاستغراقية، قالوا العهدية لا يصح لماذا؟ لأن الأحكام لم تُذكر من قبل حتى نقول هي عهدية، ولا في الذهن شيء سابق .

الجنسية: قالوا: أقل ما تدل عليه من العدد الجنسية ثلاث، فيلزم من ذلك أن من علم ثلاثة أحكام أن يكون فقيهاً، إذا كانت هذه "العلم بالأحكام"، إذا كانت (أل) هذه جنسية، أقل ما تدل عليه من العدد ثلاثة، إذن من علم ثلاث مسائل فقهية يكون فقيهاً وهذا لا يلزم وهذا غير صحيح، وأنتم الذين عرَّفتم بهذا التعريف لا ترضون بمثل هذا.

أو أن تكون استغراقية ويرِدُ عليكم إشكال ما هو؟ قالوا: إذا كانت استغراقية فيلزم من ذلك أن لا يكون الفقيه فقيهاً حتى يعلم جميع الأحكام الشرعية، ولا يوجد على وجهها أحد من البشر غير الأنبياء، لا يعرفون الأحكام مثل هذه يعني أئمة الإسلام كمالك والشافعي وأحمد وصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قبلهم وأئمة التابعين كانت تمر به المسائل ويقول: لا أدري، إذن هؤلاء ليسوا بفقهاء على ذلك، وليس بصحيح، فأراد المؤلف أن يفر من مثل هذا الإشكال فحذف الألف واللام، هذا هو سبب حذف الألف واللام .

والذين ردوا وأثبتوا الألف واللام قالوا: العلم المقصود هو العلم ببعض الأحكام والقدرة على استخراجها واستنباطها متى شاء، فتكون عنده الملَكة في ذلك، قالوا: وإطلاق العلم على مثل هذا جائز في العرف، عرفاً معروف أنه يطلق على من كانت عنده الملكة في العلم على أنه فقيه، كما يطلقون على النحوي أنه نحوي، فيقال: فلان يعلم النحو، ولا يراد أن جميع مسائله حاضرة عنده مفصلة، لا، ربما ترِد عليه بعض المسائل لا يعرفها، ولكن إذا راجع ونظر استخرجها فعنده الملكة على ذلك، عنده القدرة على ذلك، فقالوا: مثل هذا يسمى فقيهاً في العرف.

فهذا المقصود بالألف واللام هنا، فأدخلوا الألف واللام في التعريف، فتكون معناها الاستغراقية، لكن ليس المراد من ذلك استغراقها من حيث الوجود ولكن استغراقها من حيث القدرة على استنباطها.

في (..) عرَّفنا موضوع هذا العلم، هكذا نكون قد انتهينا إن شاء الله من تعريف أصول الفقه وأخذنا الأهم في مباحث هذا التعريف، وأهم ما يُذكر في ذلك في كتب الأصوليين حتى إذا مرَّ أحد منكم في كتب الأصوليين تكون هذه المسائل قد طرقت ذهنه وعرف الكثير منها، والذي لم يعرفه سيعرفه بعد ذلك بسهولة إن شاء الله.

أما موضوع هذا العلم فقد عرَفنا ما هو وما المقصود منه.

أما من أين يُستمد هذا العلم؟ وما هي ثمرته؟ فثمرته عرفناها وهي استنباط الأحكام الشرعية .

معرفة الأدلة الشرعية التي هي مصادر التشريع، والقدرة على استنباط الأحام الشرعية من أدلتها والعمل بتلك الأحكام للفوز بالدارين.

أما من أين يُستمد هذا العلم؟ فاستمداده أولاً من العقيدة، والمقصود هنا بالاستمداد المادة التي يَستند إليها، في هذه النقطة المقصود بالاستمداد المادة التي يستند إليها، مادة العقيدة الي أهم شيء، من أي ناحية؟ العقيدة: يعني عندما تريد أن تستدل أو أن تُثبت أن القرآن مثلاً دليل شرعي، كيف ستُثبت ذلك؟ لا بد أن يكون عندك اعتقاد بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويُعلم ذلك بعلمك بنبوته، فإذا علمت أنه نبي وصدَّقته، عندئذ تعلم أن القرآن هذا من عند الله، وأنه حجة وحق، ومعرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المسألة تكون بمعرفة دلائل نبوته، ومعرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة صدقه موقوفة على معرفة رب العالمين تبارك وتعالى، وهذا الأمر يرجع لمسائل الاعتقاد وإن كان هو معرفة الله سبحانه وتعالى المقررة في الفِطَرْ بحمد الله وأمرٌ لا يحتاج إلى عناء، لكن المقصود من ذلك أن مادة هذا العلم متوقفة على الأمر، فأنت إذا عرفت رب العالمين وعرفت أن هناك جنة ونار وحساب وعقاب، وعرفت أن محمد - صلى الله عليه وسلم - مرسل من عند الله وأنه صادق فيما يقول استطعت أن تبني حجية الكتاب واستطعت أيضاً أن تعرف أن هناك حساب وعقاب وعذاب وهناك تكليف إلى آخره.

الأمر الثاني الذي يُستمد منه هذا العلم: هي اللغة العربية، والمراد بالاستمداد هنا المادة التي يتكون منها هذا العلم، المادة التي يتكون منها هذا العلم هي اللغة العربية والقرآن والسنة أيضاً، أدلة الكتاب والسنة، يتكون هذا العلم من ذلك، فنستدل على كثير من القواعد والأساسات بأدلة الكتاب والسنة أو بأدلة اللغة العربية التي نزل القرآن بها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتكلم بها، فأدلة الكتاب والسنة أيضاً اللغة العربية كذلك مما يُستمد منها هذا العلم.

وآخر شيء تصوُّر الأحكام الشرعية، وهذه الاستمداد منها من حيث أن الحكم الشرعي هو النتيجة، ولا يمكن أن تدرس أصول الفقه كي تصل إلى هذه النتيجة إلا بعد أن تتصور هذه الأحكام الشرعية فلذلك جعلوا الأحكام الشرعية مما يُستمد منها هذا العلم، أي من حيث التصور فقط.

هذا ما يتعلق بمسألة الاستنباط

بعد ذلك سنبدأ إن شاء الله بالحكم لمّا ذكر المؤلف رحمه الله الحكم الشرعي في تعريف الفقه، ولما كان الحكم الشرعي هو النتيجة التي نريد أن نصل إليها إن شاء الله، بدأ المؤلف رحمه الله بتعريف الحكم الشرعي ومن هذا استطرد العلماء مباحث: الحاكم والمحكوم فيه والمحكوم عليه، أبحاث كلها تتعلق بمسألة الحكم ستأتي إن شاء الله ونبدأ بها في الدرس القادم بإذن الله تعالى

قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الاحد 20 ذو الحجة 1433
عدد المشاهدات 4867
عدد التحميلات 82
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق