الجمعة 18 شوال 1445 هـ
26 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165      

الدرس الأول

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..

فدرْسنا في هذا اليوم سيكون بإذن الله تعالى لشرح كتاب "لُبِّ الأصول" في مادة أصول الفقه، وأصول الفقه عِلمٌ جليلٌ نافعٌ مَن حُرم هذا العلم حُرم الوصول إلى القدرة على فهم كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وحُرم أيضاً القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها .

فمن أراد المُكنة في هذين الأمرين فليعتني بهذا العلم

أصول الفقه يعني الأدلة التي ينبني عليها الفقه، فبما أنه أساس الفقه، فلا يمكنك أن تبني بناءًا حتى تتمكن من الأساس.

أصول الفقه تتعرف به على الأدلة الإجمالية، الأدلة التي تصلح أن تكون دليلاً تبني عليها فقهاً، فتُميِّز بهذا العلم بين ما يصلح أن يكون دليلاً وما لا يصلح أن يكون دليلاً، فتَعرف به أن القرآن دليلٌ شرعي يُستدل به على استنباط الأحكام الشرعية، وتعرف به أن السنة النبوية دليل شرعي تُستنبط الأحكام الشرعية منها، بتفصيلات مذكورة في هذا العلم، وكذلك الإجماع والقياس وغير ذلك من الأدلة كقول الصحابي والاستحسان والاستصحاب وغير ذلك.

هذه الفائدة الأولى التي تستفيدها من هذا العلم.

والفائدة الثانية: هي التمكُّن في استنباط الأحكام الشرعية من أدلة الكتاب والسنة.

والفائدة الثالثة: هي القدرة على الفهم الصحيح لأدلة الكتاب والسنة.

وسيأتي معنا إن شاء الله ما يوضِّح هذا كله

إذاً فهذا العلم مفيد جداً ولا يستغني عنه طالب علم شرعي، قواعد وقوانين تنظِّم لك علمك.

في البداية في عصر الصحابة كانوا أصحاب لسان عربي، والقرآن والسنة جاءا بلسان عربي، فعربيتهم مع معرفتهم بالأسباب التي وردت لها أدلة الكتاب والسنة التي أدّتهم إلى معرفة مقاصد الشرعية ومع صفاء ذهنهم وذكائهم تمكنوا من فهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً ومن استنباط الأحكام الشرعية استنباطاً دقيقاً من غير حاجة إلى وضع هذه القوانين في كتب وتأليف وتحرير لها، فكانت مقرَّرة في عقولهم، وأخذها التابعون عنهم مع أخذهم للقرآن والسنة عنهم، حتى إنك تلتمس هذه القواعد منهم في أثناء كلماتهم وإفتاءاتهم، يُطلِق لك فتوى إذا تأملت فيها وجدتها قاعدة أصولية، ثم لمّا تغيَّرت اللغة عند أهلها وتغير لسان العرب وبَعُد عهدهم عن معرفة أسباب كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - احتاجوا إلى جمع هذه القواعد والاستدلال لها في مؤلَّفات، فجاء أول مؤلَّفٍ في هذا العلم من الإمام الشافعي رحمه الله، أرسل إليه عبد الرحمن بن مهدي رسالة يسأله فيها أن يضع له ما يدله على معاني القرآن وعلى معرفة الناسخ والمنسوخ، ومعرفة الأخبار ودلالاتها، فكتب له الإمام الشافعي رحمه الله الرسالة، سُميت"الرسالة" فوضع فيها الإمام الشافعي رحمه الله علماً جماً، قواعد في أصول الفقه، في مسائل الناسخ والمنسوخ، وفي الأخبار، الأحاديث يعني، قواعد الأحاديث في القرآن وبعض مباحث القرآن من عامٍّ وخاصٍّ، إلى غير ذلك فأثنى العلماء ثناءًا عظيماً على هذا الكتاب، ثم تتابعت التآليف في ذلك فكان لعلماء الأصول في التأليف في هذا الفن طريقتان:

___ طريقة تسمى طريقة المتكلِّمين.

___ وطريقة أخرى تسمى طريقة الأحناف أو الفقهاء.

طريقة المتكلمين يعتمدون فيها على تقرير القواعد التي دلت عليها البراهين، فيذكرون القاعدة ويستدلون لها بالبراهين التي دلت عليها، ولا يتطرقون كثيراً للمسائل الفقهية، للفروع التي تبنى عليها.

بينما طريقة الأحناف يقررون القواعد بناءً على الفروع الفقهية، فيأخذون الفروع الفقهية التي فرَّعها فقهاؤهم، يجمعونها ثم يقررون القواعد بناءًا عليها، كأنهم يقولون بأن هذه الفروع نتجت عن هذه القاعدة عند إمامهم، هذه طريقة الأحناف، فالتقعيد يكون على الفتاوى التي يفتيها أئمتهم، وقد أدى بهم ذلك أحياناً إلى تقرير قواعد غريبة كما قال بعض أهل العلم.

هاتان طريقتان ولكل طريقة مؤلَّفات، ألَّف على طريقة المتكلمين كثير من متقدمي الأئمة، أكثر هذه الكتب شهرة وأكبرها كتاب"المعتمَد" لأبي الحسين البَصْري، توفي سنة 463 وهو معتزلي من المعتزلة، عندما نقول المتكلمين فيشمل كل من خاض في علم الكلام وقرَّر مسائل العقيدة بالعقل، الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية وغيرهم، كلهم هؤلاء من المتكلمين.

والكتاب الثاني كتاب"البُرْهان" لإمام الحرمين الجُوَيْني، توفي سنة 478.

والكتاب الثالث كتاب "المُسْتَصْفى" لأبي حامد الغزالي توفي سنة 505 .

هذه الكتب الثلاثة اعتمد عليها كثير ممن ألَّف في أصول الفقه على طريقة المتكلمين ممن جاء بعدهم.

الكتب التي بُنيت على هذه المجموعة كتاب"المَحْصول" للرازي توفي سنة 606، وكتاب "الإحكام" للآمِدِي.

يقول بعض أهل العلم في وصفهما: (وكلا الكتابين مبسوط العبارة لا يحتاج لشرح طويل يفسر معناه، بل يكتفي به مَنْ يطالعه)، فهو مشروح ميسَّر لا يحتاج إلى شرح وبسط، يقول: إلا أن "المحصول" أوضح عبارة من كتاب "الإحكام" للآمدي.

ثم تفرَّعت كتب أخرى عن هذين الكتابين، نذكر منهما كتابين مهمين الأول:

___ "المِنْهاج" للبَيْضاوي، هذا الكتاب هو اختصار لكتاب "الحاصل" للأَرْمَوي، و"الحاصل" اختصار للــ"المحصول"، فــ"المنهاج" مبني على "المحصول" للرازي-أنا أريد أن أصل إلى شيء بعد هذا التفصيل-.

___ وكذلك كتاب"مختصر ابن الحاجب" هو مختصر لكتاب"المُنتهى" لابن الحاجب أيضاً، و"المنتهى" مختصر للــ"الإحكام" للآمدي.

والكتب التي نريد أن تُحفظ من هذا الكلام: "المنهاج" للبيضاوي و"مختصر ابن الحاجب".

الخلاصة أن "المنهاج" للبيضاوي مبني على "المحصول" للرازي، و"مختصر ابن الحاجب" مبني على "الإحكام" للآمدي .

هذه أشهر كتبٍ وأشهر مختصرات لهذه الطريقة.

أما طريقة الحنفية قد ألَّف فيها كثير من الأحناف، ألَّف فيها الجَصّاصّ والدَّبّوسي والبَزْدَوي وغيرهم، ومن المؤلَّفات فيها متنٌ صغير مختصر اسمه "المَنار" للنَّسَفي، كم مختصر ذكرنا الآن ؟ ثلاثة

"المنهاج" للبيضاوي

"مختصر ابن الحاجب"

و"المنار" للنسفي

"المنهاج" للبيضاوي و"مختصر ابن الحاجب" على طريقة المتكلمين في التأليف، و"المنار" على طريقة الأحناف.

ونتجت عن هاتين الطريقين طريقة ثالثة مختلفة، وهي طريقة مَنْ جمع بين الطريقتين، من هذه الكتب كتاب صدر الشريعة "تنقيح الأصول"، أما المختصرات في هذه الطريقة فــ"جَمْع الجوامع".

المختصرات التي ذكرتها الأربعة هي المعتمدة عند كثير من علماء الأصول في التدريس: "المنهاج" للبيضاوي

و"مختصر ابن الحاجب"

وهما على طريقة المتكلمين

و"المنار" للنسفي

على طريقة الأحناف

و"جمع الجوامع"

الذي جمع بين الطريقتين

البيضاوي: شافعي

ابن الحاجب: مالكي

النسفي: حنفي

وابن السُّبْكي مؤلِّف "جمع الجوامع": شافعي

هذه هي المختصرات التي يعتمدها كثير من علماء الأصول في تدريس هذا العلم.

ما معنى المختصر؟

قليل المبنى كثير المعنى، فالذي يختصر ويريد أن يضع مختصراً في علم من العلوم يقلِّل ألفاظه ويكثِّر معانيه.

هذا بالنسبة للمؤلَّفات في هذا الفن وهي كثيرة، أكثر المؤلفين في علم الأصول عقائدهم أشعرية، والسبب في ذلك أن كثرة التأليف فيه كانت في الزمن الذي انتشرت فيه هذه (كلمة غير واضحة)، سبب انتشارها يطول.

من الكتب التي تجد المباحث التي لها تعلُّق في العقيدة، تجدها على طريقة أهل السنة: "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر، وإن كان الكتاب ليس مختصاً بعلم أصول الفقه إلا أن مؤلفه ذكر فيه كثير من المباحث الأصولية على طريقة أهل السنة.

وكذلك الخطيب البغدادي في كتابه "الفقيه والمتفقِّه"، و"المسوَّدَةْ" لآل تيمية .

وهناك مباحث أصولية كثيرة تحدث عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم في كتبهم الموجودة (كلمة غير واضحة) وقد عالج هذه المسألة معالجة طيبة صاحب كتاب"معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة" الي هو الجيزاني مؤلفه، ذكر المباحث التي لها تعلق بمسائل العقيدة وقرر فيها عقيدة أهل السنة والجماعة، وتقريباً أكثر كتاب يعتبر صاحبه على عقيدة أهل السنة والجماعة إلا أنَّ له تأثُّر أحياناً في بعض المباحث في مسائل الكلام"شرح الكوكب المنير" كتاب كبير جمع فيه مباحث أصول الفقه وهو كتاب نافع ومفيد جداً عبارته في الغالب سهلة وذكر المباحث الأصولية ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مباحث كثيرة قرر فيها عقيدة أهل السنة والجماعة .

هذا ما يتعلق بالتأليف في هذا الفن، والكتب طبعاً كثيرة، من حيث سهولة العبارة"المسْتَصْفى" للغزالي سهْل العبارة، كثير من كتب أصول الفقه صعبة العبارة نظراً لإدخال علم الكلام والمنطق في مباحثه، وكثير من مباحث أصول الفقه أصلاً هي غريبة عن علم أصول الفقه، فالطالب عندما يدرس لا يحاول أن يتوسع في المبحث حتى يعلم هل من ورائه فائدة عملية في استنباط الأحكام أو في فهم الكتاب والسنة أم لا؟ فإذا وجد فائدة من هذا المبحث توسع فيه وبحث ونظر وقرأ، ولكن إذا لم يجد فائدة من وراء ذلك ووجد أن البحث غريباً عن هذا الفن فليبتعد عنه وهذا قد نبه عليه أكثر من واحد من العلماء، على أن علم أصول الفقه قد دخله كثير من المسائل الغريبة عن هذا العلم وهذا السبب الذي جعل الكثير يُزهِّدون فيه أو يَزْهدون فيه، والعلم هذا كثير من الناس هم بين إفراط وتفريط، ما بين تقصير ومجاوزة في هذا الأمر، فلا يُصرَف النظر عنه بتاتاً لأن مَن فعل ذلك قد خسر خيراً كثيراً، ولا في نفس الوقت يتوسع الشخص في كل مباحثه بل يميِّز ما فيه نفع وما لا نفع فيه عند دراسته.

فكما ذكرنا بالنسبة للتعريفات، المختصرات التي ذكرناها يعني تعتبر تقريباً هي بعد المستوى الأول، وأنا شخصياً أفضِّل كتاب الورقات للمستوى الأول ليس فيه كل أبحاث أصول الفقه لأنه في هذه الطريقة يكون الأمر أسهل على طالب العلم وليس فيه توسع بحيث يشكل على الطالب ثم اخترنا كتاب"لُب الأصول" الذي هو اختصار لــ "جمْع الجوامع" المختصر الذي هو "جمع الجوامع" وهو مختصر في أصله لكن زكريا الأنصاري رحمه الله اختصر كتاب "جمع الجوامع" في الكتاب الذي بين أيدينا سمّاه "لب الأصول".

"لب الأصول" اختصار لــ"جمع الجوامع"لابن السُّبْكي، وكتاب"جمع الجوامع" كما عرفنا متن في أصول الفقه، اعتنى به العلماء لأهميته في هذا الفن فشرحه بعضهم وعلَّق عليه آخرون، ونظمه البعض واختصره آخرون، ممن نظمه السيوطي وممن اختصره زكريا الأنصاري في المختصر الذي بين أيدينا الذي هو "لب الأصول"، وشرح مختصره نفس زكريا الأنصاري، سمّى كتابه"غاية الوصول إلى شرح لب الأصول" هذا غاية الوصول هو شرح للب الأصول، شرحه زكريا الأنصاري نفسه بعد أن اختصر جمع الجوامع شرح هذا المختصر في كتابٍ سماه "غاية الوصول إلى شرح لب الأصول" نحن سندرس لب الأصول الذي هو المختصر، لن ندرس شرح اللب، نريد أن ندرس "لب الأصول" فقط الذي هو المختصر لجمع الجوامع.

والمؤلف رحمه الله في كتابه هذا لم يقتصر على الاختصار فقط، بل أبدل ما ليس بمعتمَدٍ عند الشافعية بما هو معتمد، يعني يذكر أن صاحب "جمع الجوامع" وهوالشافعي ذكر بعض المباحث التي هي وإن كانت أقوالاً في المذهب الشافعي لأنها هي ليست المعتمدة فغيَّرها المؤلف إلى ما هو معتمد عند الشافعية وما ليس بواضح غيَّره إلى ما هو أوضح منه كما ذكر هو ذلك في أثناء كلامه كما سيأتي إن شاء الله، وزاد زيادات حسنة هو ذكرها، إذاً هذا المختصر ليس مختصراً فقط بل وفيه أيضاً بعض الزوائد والفوائد، سماه مؤلفه "لُب الأصول" واللب هو خالص كلِّ شيء، خالص الشيء وزبدته كما يقولون هو هذا اللب، إشارة إلى أن كتابه هذا هو خالص أصول الفقه.

وأما المؤلف فهو زكريا ابن محمد ابن أحمد الأنصاري المِصري الشافعي أبو يحيى الملقَّب بــ زَيْن الدين ولد سنة 824 وتوفي سنة 926 فهو من علماء القرن التاسع والعاشر، من شيوخه: الحافظ ابن حجر والبُلقيني ومن تلاميذه شهاب الدين الرَّملي الأنصاري وابن حجر الهيتمي، ابن حجر ليس ابن حجر العسقلاني، والهيتمي ليس الهيثمي، ابن حجر الهيتمي شخص ثالث، قال فيه السخاوي: (على طريقةٍ جميلةٍ من التواضع وحُسن العشرة والأدب والعفة)، السخاوي معروف تلميذ الحافظ ابن حجر، ترجم لزكريا الأنصاري، قال في ترجمته: على طريقةٍ جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة ... إلى أن قال:-هذه كلها تزكية في ماذا؟ في أخلاقه- إلى أن قال: (إلى أن أَذِن له غير واحدٍ من شيوخه بالإفتاء ... )

هذه تزكية في ماذا؟ في علمه، تزكية في علمه، إذا أَذِن له شيوخه بالإفتاء فهذا يكون على قدرٍ من العلم .

وقال: (وتصدَّر للتدريس في حياة غير واحدٍ من شيوخه) هذه منقبة له، تدل على أن الرجل صاحب علم قوي، (وأخذ عنه الفضلاء طبقةً بعد طبقة) أخذ عنه الفضلاء من المشايخ يعني من أهل العلم،(مع إعلام متفنِّنيهم بحقيقة شأنه) هذا فيه شيء، أخذوا عنه مع علمهم بحقيقة شأنه، ما هي هذه الحقيقة التي مع علمهم أخذوا عنه؟ إذاً هي مَذَمَّة، فما هي هذه المذمة؟ قال:(ولكن الحظ أغلب) جعل الأمر مسألة حظ له طيب أن أخذوا عنه، هذه غمزة شديدة من السخاوي فيه، وقال فيه أيضاً:-هذا الذي يفسر لنا ما أراده السخاوي رحمه الله-: (كان أحد مَنْ كتب في كائنة ابن ... بل هو أحد مَن عظَّم ابن عربي) تعرفون ابن عربي، ليس ابن العربي، ابن العربي ذاك الفقيه المالكي معروف، هذا ابن عربي الصوفي المحترق صاحب وحدة الوجود ،كافر، كان هذا زكريا الأنصاري يعظمه، (واعتقده وسمَّاه ولياً) إذاً هذا ما أُخذ على الرجل، الظاهر أنه كان صوفياً غالياً في تصوفه، ولا ندري هل كان يعتقد عقيدة ابن عربي أم لا؟ على كلٍ هذه هي حقيقة الرجل من الناحية العلمية مُثنى عليه، لكن من الناحية العقائدية والمنهجية الرجل سيء جداً.

قال المؤلف رحمه الله :(بسم الله الرحمن الرحيم)

الباء حرف جر

والاسم اسم مجرور حُذفت منه الألف، أصل الكلمة تُكتب باء ثم ألف، هذا أصلها، لكن هذه الألف حُذفت، لماذا حذفت؟ لكثرة الاستعمال، فتُحذف في مثل هذا الموضع، "بسم الله الرحمن الرحيم" فقط، في غير هذا الموضع تُكتب الألف "باسم الله"، و"اسم" مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بفعلٍ تقديره أُؤلف أو أبدأ، أُؤَلِّف أنسب لأنها تكون مختصة بالمقام، ويقدَّر هذا الفعل على حسب المقام.

والباء قيل: للمصاحبة أي أؤلف مع ذكر البسملة، وقيل :للاستعانة أي أؤلف مستعيناً، "الباء" لها عدة معاني عند العرب منها المصاحبة ومنها الاستعانة ومنها الإلصاق وغير ذلك. و"الاسم" من السمو وهو العلو .

و"الله" لفظ الجلالة.

و"الرحمن" صفة أولى أوسع من الرحيم فهو رحيم بالمؤمنين خاصة.

ثم قال المؤلف:(الحمد لله الذي وفقنا للوصول إلى معرفة الأصول)

"الحمد" وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم، إذا حمدت الله أي وصفت الله سبحانه وتعالى بصفات الكمال مع محبتك وتعظيمك له، والمؤلف يصفه بالكمال ويثني عليه بذلك لأنه الذي وفقه ووفق غيره من أهل الإسلام إلى معرفة علم أصول الفقه .

وبدأ المؤلف بالبسملة والحمدلة اقتداءًا بكتاب الله وعملاً بالسنة، ولكن في شرحه استدل على ذلك بأحاديث ضعيفة، كما هي عادة كثير من الأصوليين والفقهاء والمفسرين، كثير منهم يكون بعيداً عن ممارسة علم الحديث، فتجده يستدل بأحاديث موضوعة أو ضعيفة أو واهية لعدم ممارستهم لهذا العلم، وأنت إذا قرأت في كتب المتأخرين من المفسرين والفقهاء والأصوليين تجدها كثيرة الأحاديث الواهية والضعيفة لضعف أهل تلك الأزمان في هذا العلم، لكن البدء، بدء الرسائل والكتب بالبسملة ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل، وضمَّن المؤلف رحمه الله الحمدلة ذِكْرَ أصول الفقه، إشارة إلى ماذا؟ إشارة إلى الفن الذي سيتحدث عنه.

وإذا بدأت الحمدلة والبسملة مثلاً بما يشير إلى مادة الكتاب الذي ستتحدث عنه أو مادة الخطبة التي ستتحدث عنها يسمى هذا العمل عند البلاغيين ببراعة الاستهلال، براعة الاستهلال أو حُسْن الابتداء ، المعنى واحد، وهي :-براعة الاستهلال- أن يتضمن أول الكلام ما سيق الكلام لأجله من غير تصريح.

أول الكلام، الآن في الحمدلة والبسملة هذه أول الكلام، تضمَّن ما سيق الكلام لأجله، أصلاً الكتاب الآن والبسملة والحمدلة سيقت لماذا؟ لمباحث علم أصول الفقه، فتضمَّن أول الكتاب إشارة إلى هذا المبحث، هذا يسمى براعة الاستهلال.

قال المؤلف:(ويسَّر لنا سلوك مناهج بقوةٍ أودعها في العقول) أي نحمده أيضاً على أن سهَّل لنا دخول طرقٍ واضحة وكان هذا التيسير بخَلقِ قوة جعلها في عقول البشرية، ندرك بها الأشياء.

والسلوك هو الدخول.

والمناهج جمع منهج وهو الطريق الواضح.

قال المؤلف:(والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه الفائزين من الله بالقَبول) الصلاة في اللغة الدعاء، وهي من الله: ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى كما صح عن أبي العالية الرياحي. والملأ الأعلى هم الملائكة المقربون، ومن الملائكة: الاستغفار، أي الصلاة من الملائكة هي الاستغفار، من الله: الثناء.

ومن الملائكة: الاستغفار.

ومن الآدميين: الدعاء.

و"السلام" السلامة من الآفات والنقائص، والجملة خبرية لفظاً، لفظها لفظ خبري، "والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه الفائزين من الله بالقبول" ولكنها إنشائية معنىً، فالمراد منها إيجاد الصلاة والسلام لا الإعلام بذلك، لا الإعلام بذلك بل إيجاد ذلك، إيجاده يكون إنشاءًا، وأما الإعلام به يكون إخباراً، خبر، نحن أخذنا الفرق بين الخبر والإنشاء، درسُنا هذا مبني على الدروس الماضية التي درَّسناها في الدورة، فكثير من الكلام الذي نذكره قد شُرح وبُيِّن في تلك الدروس، المفروض يعني أن يكون قد قُرِّرت هذه المسائل في الدروس الماضية، هذا الدرس هو الدرجة التي تلي الدرجة الأولى في أصول الفقه، بعدما انتهينا من "الورقات" الآن انتقلنا إلى "لب الأصول"، فالجملة الإخبارية والجملة الإنشائية هذا كله كنا قد شرحناه وبينّاه فلا داعي لزيادة إيضاح. أي كأنه قال: اللهم صلِّ وسلم على محمد.

"وآله" يريد المؤلف بالآل هنا مؤمني بني هاشم وبني المطلب، نص هو على ذلك، نص هو على هذا المعنى، وهذا الذي عليه الشافعية لأن الإمام الشافعي رحمه الله فسَّر الآل بهذا، يستدلون بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة:"لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم سهم ذوي القربة على بني هاشم وبني المطلب، فيقولون: إذاً الآل هم بنو هاشم وبنو المطلب ولعل الأصح في هذا ما ذهب إليه سفيان الثوري وغيره أنهم أهل دينه كلهم وأتباعه إلى يوم القيامة، لكن نحن الآن ليس في كلام المؤلف، كلام المؤلف خلاص فسَّر قال: نريد بالآل كذا وكذا خلاص انتهينا، لكن إذا ذُكرت في موطن آخر يُفهم منها هذا المعنى أن المراد بذلك أهل دينه كلهم وأتباعه إلى يوم القيامة، وهو قول أكثر أهل العلم.

الآل في اللغة يطلق على الأقارب وعلى الأتباع، من هنا جاء الخلاف، فالإمام الشافعي أخذ المعنى الأول والجمهور أخذوا المعنى الثاني ، ومن أين لنا أن الآل يطلق على الأتباع؟

من قول الله تبارك وتعالى { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [ غافر/46]، وهم أهل ملَّته الذين تابعوه على دينه، وإلّا من آل فرعون من لا يدخل أشد العذاب لأنه آمن، فإذاً يصح معنى الآل بمعنى الأتباع.

"وصحبه" اسم جمع صاحب بمعنى الصحابي وهو من لقي النبي مؤمناً به ومات على ذلك.

"الفائزين من الله بالقبول" هذا وصف للصحابة أي الذين ظفِروا بالقبول من الله أي حصلوا على رضا الله وفازوا به في قول الله تعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } [ الفتح/18].

انتهى المؤلف من الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أخذ يبيِّن ما فعله في كتابه هذا، نؤجله إلى الدرس القادم بإذن الله تعالى وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الثلاثاء 16 ذو الحجة 1433
عدد المشاهدات 5210
عدد التحميلات 78
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق