الخميس 17 شوال 1445 هـ
25 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165      

الآيات 62-74 من سورة آل عمران

تفسير سورة آل عمران 62-74

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}

{إن هذا} إن هذا الذي أخبرتك به يا محمد من أمر عيسى {لهو القصص الحق} أي الخبر اليقين؛ فاعلم ذلك {وما من إله إلا الله} واعلم أنه لا معبود يستحق العبادة إلا معبودك الذي تعبده؛ لأنه هو خالق الخلق ومالكهم ورازقهم ومدبر أمرهم؛ فهو الذي يستحق أن يعبدوه وحده، ولا يستحق العبادة عيسى عليه السلام ولا غيره {وإن الله لهو العزيز} الغالب القاهر، فلا يمنعه مانع من انتقامه ممن عصاه، وخالف أمره، وادعى معه إلها غيره، أو عبد ربا سواه {الحكيم} في تدبيره، لا يَدخلُ ما دبره ضعف ولا يلحقه خلل.

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}

{فإن تولوا} أي أعرضوا عن الإقرار بوحدانية الله، وأنه لا ولد له ولا صاحبة، وأن عيسى عبده ورسوله {فإن الله عليم بالمفسدين} الذين يعبدون غير الله ويدعون الناس إلى عبادة غير الله، ومن عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد والله عليم به، وسيجزيه على ذلك شر الجزاء.

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}

{قل} يا محمد { يا أهل الكتاب} من اليهود والنصارى، أي يا أهل التوراة والإنجيل { تعالوا} أي أقبلوا وهلموا {إلى كلمة} والكلمة تطلق على الجملة المفيدة، والمقصود بالكلمة هنا كلمة التوحيد {سواء} عدل {بيننا وبينكم} أي كلمة عدل نستوي نحن وأنتم فيها ونجتمع عليها، ثم فسر الكلمة فقال: {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا} فالكلمة العدل: هي أن نوحد الله فلا نعبد غيره معه، ونبرأ من كل معبود سواه، فلا نشرك به شيئاً لا وثنا ولا صليبا ولا صنما ولا طاغوتا ولا نارا ولا شيئا، بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له، وهذه دعوة جميع الرسل {ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله} كما فعلت اليهود والنصارى، قال الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} "كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ" {فإن تولوا} فإن أعرضوا عما دعوتهم إليه، وكفروا بما جئتهم به {فقولوا اشهدوا} أي فقولوا أنتم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم لهم: اشهدوا {بأنا مسلمون} مخلصون بالتوحيد.

{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}

{يا أهل الكتاب} يا أهل التوراة والإنجيل { لم تحاجون في إبراهيم} أي تخاصمون وتجادلون في إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، قالت النصارى: كان نصرانيا، وقالت اليهود: كان يهوديا، فتزعمون أنه كان على دينكم، وإنما دينكم اليهودية والنصرانية، وقد حدثت اليهودية بعد نزول التوراة، والنصرانية بعد نزول الإنجيل {وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} أي: بعد إبراهيم بزمان طويل، قيل: كان بين إبراهيم وموسى ألف سنة، وبين موسى وعيسى ألفا سنة {أفلا تعقلون} بطلان قولكم.

{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}

{ها} الهاء للتنبيه {أنتم هؤلاء} أي: أنتم يا هؤلاء، الخطاب لأهل الكتاب الذين جادلوا في إبراهيم {حاججتم} أي خاصمتم وجادلتم {فيما لكم به علم} يعني في أمر موسى وعيسى، وادعيتم أنكم على دينهما، وقد أنزلت التوراة والإنجيل عليكم {فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} ينكر الله تبارك وتعالى عليهم فعلهم هذا، يقول: فلم تخاصمون وتجادلون فيما ليس لكم به علم، يعني في إبراهيم عليه السلام وتزعمون أنه كان يهوديا أو نصرانيا، وليس في كتابكم أنه كان يهوديا أو نصرانيا، ولا علم لكم بذلك فلم تجدوه في كتب الله، ولا أتتكم به أنبياؤكم، ولا شاهدتموه فتعلموه {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} والله يعلم ما غاب عنكم فلم تشاهدوه ولم تروه ولم تأتكم به رسلُه؛ من أمر إبراهيم وغيره من الأمور، ومما تجادلون فيه؛ لأنه لا يغيب عنه شيء، وأنتم لا تعلمون من ذلك إلا ما عاينتم فشاهدتم، أو أدركتم علمه بالإخبار والسماع.

ثم برأ الله تعالى إبراهيم مما قالوا، فقال:

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}

قال الإمام الطبري رحمه الله: وهذا تكذيب من الله عز وجل دعوى الذين جادلوا في إبراهيم وملَّتِه من اليهود والنصارى، وادعَوا أنه كان على ملتهم، وتبرئةٌ لهم منه، وأنهم لدينه مخالفون، وقضاءٌ منه عز وجل لأهل الإسلام ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم هم أهل دينه، وعلى منهاجه وشرائعه دون سائر أهل الملل والأديان غيرهم. انتهى

فكل من زعم أن اليهود والنصارى على دين إبراهيم فقد كذب بهذه الآية وغيرها من الآيات، ورد حكم الله تبارك وتعالى.

{حنيفا} الحنيف المائل عن الأديان كلها إلى الدين القيم، الدين المستقيم، وهو دين الإسلام.

{مسلما} يعني: خاشعا لله بقلبه، متذللا له بجوارحه، مذعنا لما فرض عليه وألزمه من أحكامه.

{وما كان من المشركين} الذين يعبدون الأصنام والأوثان، أو مخلوقا دون خالقه الذي هو إله الخلق وخالقهم.

{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}

{إن أولى الناس بإبراهيم} إنَّ أحق الناس بإبراهيم وأخصَّهم به {لَلَّذِينَ اتبعوه} أي يعني الذين سلكوا طريقه ومنهاجَه، فوحدوا الله مخلصين له الدين وسنوا سننه وشرعوا شرائعه وكانوا لله حنفاء مسلمين غير مشركين به {وهذا النبي} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {والذين آمنوا} بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاءهم به، فهم الذين يحق لهم أن يقولوا نحن على دين إبراهيم لا أنتم {والله ولي المؤمنين} والله ناصر المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاءهم به من عند الله؛ على من خالفهم من أهل الملل والأديان.

{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)}

{ودت} أي تمنت {طائفة} أي جماعة {من أهل الكتاب} وهم أهل التوراة من اليهود، وأهل الإنجيل من النصارى، أي: تمنت جماعة من اليهود والنصارى {لو يُضِلُّونَكُمْ } لو يصدونكم أيها المؤمنون عن الإسلام، ويردونكم عنه إلى ما هم عليه من الكفر، فيهلكونكم بذلك {وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون} وفي الحقيقة لا يهلكون إلا أنفسهم بفعلهم هذا، وما يشعرون أي وما يدرون ولا يعلمون أنهم لا يضلون إلا أنفسهم.

{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}

{يا أهل الكتاب} من اليهود والنصارى {لم تكفرون بآيات الله} يعني: بما في التوراة والإنجيل من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وذكر صفته {وأنتم تشهدون} أي تعلمون وتقرون أن صفة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم في كتابكم، وأنه حق من عند ربكم.

وهذا من الله عز وجل توبيخ لأهل الكتابَين التوراة والإنجيل على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وجحودهم نبوته، وهم يجدونه في كتبهم مع شهادتهم أن ما في كتبهم حق، وأنه من عند الله.

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}

{يا أهل الكتاب} يا أهل التوراة والإنجيل {لم تلبسون الحق بالباطل} لم تخلطون الحق بالباطل؟ تخلطون الإسلام باليهودية والنصرانية، لم تلبسون اليهودية والنصرانية بالإسلام، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره الإسلام {وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} أن محمدا صلى الله عليه وسلم ودينه حق، كتموا صفة محمد، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.

{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)}

{وقالت طائفة} أي جماعة {من أهل الكتاب} من اليهود {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا} الذي أنزل على الذين آمنوا هو القرآن {وجه النهار} أي أوله {واكفروا آخره لعلهم يرجعون} فيشكون ويرجعون عن دينهم، أي قال بعضهم لبعض: أظهروا لهم أنكم آمنتم معهم أول النهار، واكفروا آخره، كي يظنوا أنكم وجدتم في دينهم الباطل لذلك تركتموه، فيشكون فيه ويتركونه. فهي مكيدة منهم أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم.

{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}

{ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} هذه تتمة قول اليهود بعضهم لبعض، أي: لا تظهروا حقيقة ما أنتم عليه إلا لمن تبع دينكم؛ لأنكم لو أظهرتم للمسلمين أنكم آمنتم ثم رجعتم من أجل إفساد دينهم ما قبلوا منكم هذا ولا رجعوا، لكن إذا أخبرتم بهذا المكر والخديعة من تبع دينكم سلم لكم الأمر؛ يعني كأنهم يقولون: أخفوا هذه الطريقة إلا على من تبع دينكم، فمن تبع دينكم أخبروه لا مانع، أما غيرهم فلا تخبروهم {قل} يا محمد {إن الهدى هدى الله} أي ليس الهدى بأيديكم ولن ينفعكم مكركم، فالله تبارك وتعالى الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات، والدلائل القاطعات، والحجج الواضحات.

هذه جملة اعتراضية، فهي خبر من الله تبارك وتعالى، وما قبلها وما بعدها خبر عن كلام اليهود بعضهم لبعض.

{أَنْ يُؤْتَى أحد مثل ما أوتيتم} رجع هنا إلى الخبر عن كلام اليهود، يعني قالوا لبعضهم: لا تصدقوا ولا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؛ يعني لا تقروا لأحد بأن الله سيرسل إلى غيركم رسولاً وينزل عليهم كتاباً، كما أرسل إليكم رسولاً وأنزل عليكم كتاباً {أو يحاجوكم عند ربكم} أي إن صدقتموهم؛ يحاجونكم أي يخاصمونكم يوم القيامة عند ربكم، فيقولون نحن مثلكم، أو خير منكم، فلا تصدقوهم حتى لا يحاجوكم عند ربكم.

{قل} يا محمد{ إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء} أي الأمور كلها تحت تصرفه، وهو المعطي المانع، يمن على من يشاء بالإيمان والعلم، ويضل من يشاء، وله الحجة التامة والحكمة البالغة {والله واسع} كثير الفضل {عليم} بمن هو أهله

{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}

أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يُحد ولا يوصف؛ بما شرَّف به نبيَّكم محمداً صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء، وهداكم به إلى أكمل الشرائع.

قائمة الخيارات
0 [0 %]
الاثنين 13 محرم 1442
عدد المشاهدات 445
عدد التحميلات 8
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق