الثلاثاء 22 شوال 1445 هـ
30 ابريل 2024 م
جديد الموقع   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-50، كتاب الوضوء، الحديث 176و177و178و179و180و181و182   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-49، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169      

الدرس الثالث

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ،،

فهذا المجلس الثالث من مجالس شرح كتاب الورقات 

قال المؤلف - رحمه الله - : " والمباحُ : ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه " .

المباح لغة: هو المعلَن والمأذون فيه

تقول : أباح سِرَّه أي أعلنه

وأما في الاصطلاح فقال المؤلف : "ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه . " هذا قول المؤلف رحمه الله وكما ذكرنا هذا تعريفٌ بالثمرة أي ما لا يتعلق بفعله وتركه ثوابٌ ولا عقاب ، وإن شئتَ قلتَ :

ما لا يتعلق به أمرٌ ولا نهيٌ بذاته أي بِغض النظر عن كونه وسيلةً لمأمورٍ به أو منهيٍ عنه ، فخرج بقولهم " ما لا يتعلق به أمرٌ" الواجب والمندوب، فالواجب والمندوب يتعلق بهما أمر ، الواجب أمرٌ جازم ، والمندوب أمرٌ غيرُ جازم . وخرج بقولهم " ولا نهيٌ " المحرَّم والمكروه ؛ فالمحرَّم يتعلق به نهي والمكروه يتعلق به نهي ، وقولهم " بذاته " أي بقطع النظر عمّا يتعلق به ، لأنه قد يتعلق به أمرٌ آخر فيكون هذا المباح مأموراً به لا لذاته ولكن لِما تعلَّق به .

وأصلُ المباح ؛ الشيء الذي لا يؤمَر به ولا يُنهى عنه ، كشرب الماء مثلاً أو السَّفر ، فشرب الماء في أصله مباح ، وكذلك شراؤه في أصله مباح ، وكذلك السفر في أصله مباح أي أنك لستَ مأموراً به ولا منهياً عنه فيتساوى فيه الفعل والتَّرك ، لا فرق ، ولكنك إذا احتجتَ لماءٍ للوضوء مثلاً ولم تجده إلا عند بائع أراد أن يبيعه وأنت قادر على شرائه ، في هذه الحالة نقول لك : يجب عليك أن تشتري الماء ، فشراءه مباح - أي فِعْله وتَرْكه سواء - لكن إذا لم يتعلق بواجب أو مستحب أو محظور أو مكروه ؛ أما إن تعلق ؛ فإنه سيأخذ حكم ما تعلق به ، الآن لمّا تعلَّق الأمر بالوضوء الواجب أصبح واجبا ، إذا الوجوب هنا لا لذاته ولكن لغيره ، بالنظر إلى شيء آخر .

مثال آخر : أراد شخص أن يسافر لأي سبب دنيوي ، أصلُ هذا السفر مباح ، يستوي فعله وتركه ، إن فعله لا يؤجر عليه وإن تركه لا يأثم عليه ، ولكن إذا كان سفره وسيلةً إلى حرام ؛ أراد أن يسافر إلى بلدٍ ليشرب الخمر أو يزني ، فهنا نقول في سفره هذا بأنه سفرٌ محرَّم مع أنَّ أصل السفر مباح ، لكن لمّا تعلَّق السفر بأمرٍ محرم وكان وسيلة له أصبح محرَّماً ، وكذلك السفر للحج أو للعمرة ، الأصل في السفر أنه مباح لكن مَنْ أراد أن يحج حجة الإسلام وجب عليه أن يسافر كي يحج ، ومن أراد أن يعتمر استُحِب له أن يسافر كي يعتمر لأن العمرة مستحبة ، فهو هنا وسيلة تأخذ حكم الغاية ، فإذا كان سفره لحرام أصبح محرماً ، إذا كان سفره لأداء واجب يكون سفره واجباً ، إذا كان سفره لفعل مستحب يكون سفره مستحباً وهكذا ، هذا معنى قولهم :( بذاته ) أي المباح يكون مباحاً إذا لم يتعلق به أمر ولا نهي بالنظر إليه هو لذاته بغض النظر عن الأشياء الأخرى . فالمباح ما يستوي فيه الفعل والترك فإن فعله الشخص لا يثاب عليه وإن تركه لا يعاقب على تركه .

ثم قال المؤلف رحمه الله : " والمحظور : ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله " .

المحظور لغة : هو الممنوع وهو نفسه الحرام ؛ فالمحظور والحرام واحد عندنا في الاصطلاح ،

واصطلاحاً قال المؤلف : "ما يثاب على تركه " و نَزيدُ " امتثالا " كما زدناها فيما مضى وقد بيّنّا السبب فيما مضى ، وقد زِدْنا " امتثالاً " ؛ لأن مَنْ ترك المحرم لا لأن الله حرمه لا يثاب على ذلك، كمن ترك شرب الخمر أو التدخين ليحافظ على صحته ؛ فمثل هذا لا يؤجر على هذا التَّرْك ؛ أما مَنْ تركه امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى فهذا الذي يؤجر على الترك .

قال : " ويعاقب على فعله " والصواب " ويستحق العقاب على فعله " ؛ لأنه قد لا يعاقَب فهو تحت المشيئة كما تقدم في مبحث الواجب ؛ فخرج بقوله " ما يثاب على تركه " الواجب والمستحب والمباح ، فإنْ تَرَك الواجب أَثِمْ ، وإن ترك المستحب لم يؤجر ، وإنْ تَرَك المباح كذلك لم يؤجر ، وخرج بقوله " ويعاقب على فعله " المكروه لأن المكروه إنْ فَعَله لا يعاقب على فعله ولكنه لا يؤجر أيضاً على فعله ؛ فصار التعريف :

المحظور : ما يثاب على تركه امتثالا ، ويستحق العقاب فاعله .

و لك أن تقول في تعريف المحظور :

" ما نهى عنه الشارع نهياً جازما " ، فَبِقَوْلِنا : ما نهى عنه الشارع " - ونعني بالشارع الله سبحانه وتعالى ومحمداً - صلى الله عليه وسلم - فالله هو المشرِّع والنبي - صلى الله عليه وسلم - مبلِّغٌ عنه شرعه - ؛ إذن فـ " ما نهى عنه الشارع " خرَج به الواجب والمندوب والمباح ، فالواجب والمندوب أمر به الشارع لا نهى عنه ، والمباح لم يأمر به ولم ينهَ عنه ، وخرج بقولهم : " نهياً جازماً " المكروه ، فالمكروه نهى عنه الشارع ولكن لم ينهَ عنه نهياً جازما .

ثم قال المؤلف : " والمكروه : ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله " .

المكروه لغة : ضد المحبوب ؛ أي : المُبْغَضْ .

واصطلاحاً : قال المؤلف: " ما يثاب على تركه " ونحن نضيف " امتثالاً " ، قال " ولا يعاقب على فعله " وهذه كما هي لأنها نفي وليست إثباتا ، فخرج بقوله : " ما يثاب على تركه " : الواجب والمندوب ، فالواجب يأثم على تركه والمندوب والمباح لا يؤجر على تركه . 

وبقوله " ولا يعاقب على فعله " خرج الحرام ، فالحرام مَنْ فعله يستحق العقاب .

و لك أن تقول في تعريفه : " ما نهى عنه الشارع نهياً غير جازم " كما قالت أم عطية رضي الله عنها : نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزَم علينا ، إذاً النهي لم يكن نهياً جازما ومثاله الشرب قائما ، فالشرب قائما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن النهي لم يكن جازما لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فعلَه فهو مكروهٌ وفِعْل النبي - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز .

تنبيه :كان السلف - رضي الله عنهم - يُطلقون المكروه على المحرَّم ،وذلك لوَرعهم فإنهم كانوا أحياناً يجتنبون كلمة الحرام فيقولون: مكروه ويعنون به أنه حرام ؛ فينبغي أن تتنبه.

فقسَّم أهل العلم المكروه إلى قسمين : مكروهٌ كراهة تحريمية ، ومكروهٌ كراهة تنزيهية ، فالمكروه الذي عندنا ها هنا هو المكروه كراهة تنزيهية ، أما المكروه كراهة تحريمية فيدخل في باب الحرام في الباب الذي قبله ، إذن فالمكروه كراهة تحريمية والمحرَّم واحد .

وبهذا نكون قد انتهينا من الأحكام التكليفية .

وأما الأحكام الوضعية ؛ وهي التي وضعها الشارع علاماتٍ على الأحكام التكليفية وهي : السبب والشرط والمانع والصحة والفساد .

فالسبب لغة : الطريق إلى الشيء .

والسبب اصطلاحاً : ما يلزَم من وجودِه وجود ويلزم من عدمه العدم .

تأمَّلوا دلوك الشمس لصلاة الظهر ، أمَر الله تبارك وتعالى بإقامة صلاة الظهر عند دلوك الشمس - ومعنى دُلوك الشمس أي زوالها - فزوال الشمس سببٌ لوجوب صلاة الظهر ؛ أي : علامة يَثبُت بها وجوب الظهر - علَّق الله سبحانه وتعالى وجوب صلاة الظهر بزوال الشمس ، فإذا زالت الشمس وجبت صلاة الظهر ، فَلْنَقل بأن الشمس تزول الساعة الثانية عشر ظهراً ، فإذا دخلت الساعة الثانية عشر ظهراً وجبت صلاة الظهر ، إذاً الساعة الثانية عشر ظهراً التي هي لحظة زوال الشمس علامة على الوقت الذي تجب فيه صلاة الظهر ، إذاً فزوال الشمس سببٌ لوجوب صلاة الظهر .

نرجع إلى التعريف : " السبب : ما يَلزَم من وجوده وجود " هل يَلزم من وجود زوال الشمس وجود وجوب صلاة الظهر أم لا يلزم ؟ الجواب: نعم يلزم ؛ يلزم بالنص الشرعي ، فقد علَّق الله سبحانه وتعالى وجوب صلاة الظهر بزوال الشمس ، إذاً يلزم من وجوده وجود ، يلزم من وجود السبب الذي هو الزوال عندنا في المثال وجود وجوب الظهر .

ثم قال : " ويلزم من عدمه العدم " وهذا يعني أن السبب - الذي هو زوال الشمس - إذا انعدم ولم يوجد لا يوجد وجوب الصلاة - صلاة الظهر - .

إذاً فالسبب : ما يلزم من وجوده وجود ويلزم من عدمه العدم ؛ وهذا طبعاً بالنظر إليه خاصة بغض النظر عن الأشياء الأخرى .

أمثلة أخرى ؛ النِّصاب سببٌ لوجوب الزكاة ، الجَنابة سببٌ للغُسل ، عَرَفنا ذلك من خلال الأدلة ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " ، إذاً الجنابة سببٌ للغُسل فإذا وُجدت الجنابة وجد وجوب الغسل ، وإذا لم توجد الجنابة - عُدمت - ، عُدم وجوب الغسل فلا يلزمه غسل .

إذن فالسبب يؤثِّر في الحكم وجوداً وعدماً ، في حال وجوده يؤثر الحكم وفي حال عدمه يؤثر فيه . هذا بالنسبة للسبب 

أما الشرط ؛ فلغة: فهو العلامة ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لِمَن سأله عن الساعة :" ولكنْ سأخبرك عن أشراطها " أي علاماتها.

وأما الشرط اصطلاحاً : فهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم وجوده الوجود ، إذاً فالشرط يؤثر في حال العدم في الحكم لكن في حال الوجود لا يؤثر في الحكم .

قلنا : ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود كالوضوء للصلاة ، الوضوء شرط من شروط الصلاة " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " ، إذاً فالوضوء شرط في الصلاة لأن الله سبحانه وتعالى نفى الصلاة إذا لم يوجد الوضوء فالوضوء شرط ، فإذا عدم الوضوء عدمت الصلاة أي : تبطل ، فإذا عدم الشرط عُدِمَ الحكم .

( ولا يلزم من وجوده الوجود ) هل يلزم من توضأ أن يصلي ؟ الجواب أنه لا يلزم من توضأ أن يصلي إذاً لا يلزم من وجوده وجود .

إذاً فالشرط يؤثر عدماً ولا يؤثر وجوداً بخلاف السبب ؛ فإنه يؤثر وجوداً وعدماً .

كالوَلِيّ ؛ فإنه شرطٌ في النكاح ، إذا عُدم الولي كان النكاح باطلا - يلزم من عدمه العدم - وإذا وُجد الولي لا يلزم أن يوجد النكاح ؛ فهذا هو الشرط .

أما المانع فهو لغة : الحائل يعني الذي يحول بينك وبين الشيء ، فإن منَعك من الوصول إلى غرضك شيء سمي مانعاً .

أما المانع اصطلاحا : فهو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود .

نلاحظ هنا أنه عكس الشرط ؛ فالمانع (ما يلزم من وجوده العدم) أما الشرط : فـ (ما يلزم من عدمه العدم) ، ثم المانع إذا عدم لا يجب أن يوجد الحُكم ، عكس الشرط ؛ كخلاف الدِّين في الميراث ؛ فإنه مانعٌ يمنع التوارث لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " إذاً خلاف الدين مانع من موانع التوارث بين الشخصين ؛ نُطبِّق على القاعدة " ما يلزم من وجوده العدم " إذا وُجد خلاف الدين انعدم التوارث بين الشخصين فيلزم من وجوده العدم ، " ولا يلزم من عدمه الوجود "، لا يلزم إذا كان الشخصان مسلمَين أن يتوارثا ، فيمكن أن يكون مسلم ومسلم لكن لا نسب بينهما ولا نكاح ؛ فلا يرث ، إذاً المانع : ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود .

الجهلُ مانعٌ من موانع التكفير فإذا وُجد الجهل انعدم التكفير لا يجوز التكفير وإذا انعدم الجهل لا يَجبُ أن يوجد التكفير فهناك أشياء أخرى يجب أن يُنظر إليها .

فالمانع يؤثِّر في حال الوجود ، لكنه لا يؤثر في حال العدم .

هذا ما يتعلق بالمانع وهذه الأنواع الثلاثة مهمة جداً لأنه ما من حكم تكليفي إلا ولهذه الثلاثة تعلُّقٌ به .

بَقيَ أن نُنبِّه على الفرق بين الشرط والركن ؛ قلنا الشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود كالوضوء للصلاة ، إذا وُجد الوضوء لا يلزم أن توجد الصلاة ، لكن إذا عُدم الوضوء عُدمت الصلاة ، الركن كذلك ؛

الركن في اللغة هو جانب الشيء الأقوى ، ركن البيت جانبه القوي .

أما اصطلاحاً ؛ فالركن مثل الشرط ، يَفترق عن الشرط بأن الركن داخلٌ في ماهية الشيء والشرط خارجٌ عن ماهيَّة الشيء ، والماهية هي الحقيقة ، الركن داخل في تركيبة الشيء في أساسه ، أما الشرط فخارج عنه لكن الشيء لا يصح إلا به .

ننظر الآن في التفريق بين الركن والشرط في الصلاة ؛ ما هي أركان الصلاة ؟ أركانها : القيام والفاتحة والركوع والسجود ...إلخ ، فهل هذه مِنَ الصلاة ؟ داخلة في تركيبة الصلاة أم خارجة عن الصلاة ؟ هي داخلة في تركيبة الصلاة ، هل تصح الصلاة بغيرها أم لا تصح ؟

الجواب أنها لا تصح الصلاة إلا بها ، إذاً يلزم من عدمها العدم ، فالركوع إذا انعدم انعدمت الصلاة ، ولا يكون هناك صلاة شرعية .

ننظر إلى الوضوء هل الوضوء من تركيبة الصلاة ؟ من جزئياتها ؟ لا الوضوء ليس من تركيبة الصلاة ، تتوضأ ثم تأتي الصلاة فتبدأ بتكبيرة الإحرام ، التي هي أول تركيبة الصلاة إلى أن تقول السلام عليكم ورحمة الله ، وهنا انتهت تركيبة الصلاة أي أجزاؤها التي تتركب منها - إذاً فالركن لا بد أن يكون داخلاً في تركيبة حقيقة الشيء ولا يصح الشيء بدونه ، هذا هو الركن .

الشرط كذلك لا يصح الشيء بدونه لكنه ليس داخلاً في تركيبة الشيء ، بل هو خارج عنه .

لذلك إذا اعتبرت هذا المعنى الاصطلاحي فلا يجوز أن تقول أعمال الجوارح شرط في الإيمان ؛ لأن الشرط خارج ماهية الشيء خارج حقيقته ، والركن داخل في حقيقة الشيء ففرْق بين الأمرين .فينبغي الحذر من مثل هذا .

ثم قال: " والصحيح : ما يتعلق به النفوذ ويعتد به " الصحيح لغة : السليم .

واصطلاحاً قال المؤلف :(( ما يتعلق به النفوذ ويُعتدُّ به )) والنفوذ هو : وصول الشيء إلى غايته ، وأصله من نفوذ السهم وهو بلوغ المقصود من الرمي ، وكذلك العقد إذا أفاد المقصود منه ؛ يسمى ذلك نفوذاً ، والنفوذ تتصف به العقود ، كعقود البيع وعقود النكاح فتقول: عقدٌ نافذ .

وكذلك الاعتداد ؛ فتقول: عقد يُعتد به ، فوَصْف النفوذ والاعتداد يصلح للعقود ؛ أما في العبادات ، فتتصِّف بالاعتداد فقط ولا تتصف بالنفوذ ، فقوله : " ما يتعلق به النفوذ " وصف لا ينطبق على العبادات ، بل نقول في العبادات : هذه عبادة صحيحة ، أي يُعتد بها .

متى يفيد العقد المقصود ؟ يفيد العقد المقصود وتترتب آثاره عليه بتحقُّق شروطه وأركانه وانتفاء موانعه ، ما هي الآثار التي تترتب على العقد ؟ نريد بالآثار ما شُرعت المعاملة له فالبيع مثلاً شُرع لنقل المِلْكية ، النكاح شُرع للتلذذ بالمنكوح فإذا ترتَّب على العقد المقصود وذلك بتحقُّق شروطه وأركانه وانتفاء موانعه يكون صحيحاً ، وقد عرفنا ما هو الشرط والركن والمانع فلا نحتاج أن نرجع إليها .

فالعبادة أو المعاملة إذا تحققت شروطها وأركانها وانتفت موانعها عندئذ تكون صحيحة أما إذا لم تتحقق شروطها وأركانها ولم تنتفِ موانعها تكون باطلة فاسدة .

ومعنى البطلان والفساد واحد ونحن بهذا نكون قد شرحنا معنى الصحة ومعنى الفساد الذي هو البطلان . 

مثال العبادات : شخص صلّى الصلاة وأتى بجميع أركانها وشروطها على الوجه المطلوب مع انتفاء موانعها ، هنا نحكم على عبادته بالصحة ونقول : عبادة يُعتد بها ، أو عبادة مجزئة تجزئ عنه يعني لا يُطلب منه أن يقضيها أو أن يعيدها ؛ لأنها صحيحة فترتبت آثارها عليها قُبلت منه و أجزأت عنه ؛ لكن كيف حصل ذلك ؟ حصل ذلك بتحقُّق أركانها وشروطها وانتفاء موانعها ، هذا في العبادات وفي المعاملات .

ولا بد أن نفرق في ضبط التعريفات ؛ فنقول :

تُطلق الصحة في العبادات والمعاملات - أي تطلق على العبادات وتطلق على المعاملات ونقصد بالمعاملات : الأحكام الشرعية المتعلقة بالأمور الدنيوية كالبيع والشراء والإجارة والنكاح والطلاق ..إلخ - فالصحة في العبادات : هي الإجزاء وإسقاط القضاء ، فكل عبادة فُعلت على وجهٍ يجزئ ويُسقط القضاء فهي صحيحة ، والصحة في المعاملات هي تَرَتُّب الأثر المقصود من العقد ، فكل نكاح أباح التلذذ بالمنكوحة فهو صحيح وكل بيع أباح التصرف في المبيع فهو صحيح ..إلخ .

والفاسد أو الباطل بالعكس تماماً ؛ عكس الصحيح .

قال المؤلف : " الباطل : ما لا يتعلق به النفوذ ولا يُعتد به " عكس الصحيح ونحن نقول : الباطل في العبادات هو عدم الإجزاء وعدم إسقاط القضاء ، هذا البطلان في العبادات . أما الباطل في المعاملات فهو : عدم ترتُّب الأثر المقصود من العقد ، هذا معنى الصحيح والباطل .

والباطل والفاسد بمعنىً واحد ، الباطل لغة : الذاهب ضياعاً وخُسراناً . والصحيح لغة : هو السليم . وبهذا نكون قد انتهينا من الأحكام الوضعية والمهم أن تحفظ أنَّ العبادة أو المعاملة لا يُحكم عليها بالصحة إلا إذا تحققت أركانها وشروطها وانتفت موانعها ، فإذا لم تتحقق أركانها أو شروطها أو لم تنتفِ موانعها فتكون العبادة باطلة ولا تترتب آثارها عليها ، والعبادة لا يسقط بها الطلب فتبقى ذمته مشغولة ويجب عليه أن يعيدها ، كشخصٍ صلّى ولم يتوضأ ، الوضوء شرط لم يتحقق في الصلاة فالصلاة باطلة أو لم يأتِ بالركوع : الركوع ركنٌ في الصلاة فلم يأتِ بأركان الصلاة فالصلاة باطلة .

واعلموا للفائدة أن كل شرطٍ ضده مانع وكلَّ مانع ضده شرط ،يعني قلنا الوضوء شرط في الصلاة إذن عدم الوضوء مانع من موانع الصلاة . استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة ، فعدم استقبال القبلة مانع من موانع صحة الصلاة . الولي شرط في النكاح ، وعدم الولي مانعٌ من موانع النكاح وهكذا . والله أعلم

 

 

قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
الجمعة 24 رجب 1432
عدد المشاهدات 4904
عدد التحميلات 65
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق