الجمعة 11 شوال 1445 هـ
19 ابريل 2024 م
جديد الموقع   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (124-129)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (117-123)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (111-116)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (107-110)   تفسير القرآن: تفسير سورة التوبة (97-106)   تفسير القرآن: ‌‌تفسير سورة التوبة 94-96   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-48، كتاب الوضوء، الحديث 170و171و172و173و174و175   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-47، كتاب الوضوء، الحديث 166و167و168و169   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-46، كتاب الوضوء، الحديث 162و163و164و165   الصوتيات: شرح صحيح البخاري-45، كتاب الوضوء، الحديث 157و158و159و160و161      

الدرس الثاني

[الدرس الثاني]


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :

فهذا المجلس الثاني من مجالس شرح لمعة الاعتقاد

قال المؤلف رحمه الله :"التسليم والقبول لآيات وأحاديث الصفات"
قال:" وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به وتلقّيه بالتّسليم والقبول"،
أي كلّ ما جاء في الكتاب والسنّة من صفات الله تبارك وتعالى، إذا ثبتت عندنا صفة من صفات الله بآية من كتاب الله أو بسنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا يكون موقفنا ناحية هذه الصفة ؟ أننا نتلقاها بالإيمان، يجب أن نؤمن بها، نصدّق بهذه الصفة ، نعتقد أن الله متصف بتلك الصفة، ونتلقاها أيضاً بالتسليم والقبول، بقبولها وعدم ردّها وعدم إنكارها والانقياد لما جاء عن الله تبارك وتعالى من غير اعتراض عليه بعقولنا، هذا هو الواجب علينا ناحية الصفات وناحية كلّ أمر جاء في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،
والمقصود "بما صح عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم" جميع الأحاديث، سواء كانت هذه الأحاديث أحاديث متواترة أو أحاديث آحاد ، كلّها تُقبل وكلها تؤخذ بالتّسليم والقبول، لا يفرِّق أهل السنّة والجماعة ما بين الأحاديث المتواترة وأحاديث الآحاد، والأحاديث الواردة في الصفات كالأحاديث الواردة في الأحكام لا فرق ، هذا ما ذكره إسحاق بن راهويه رحمه الله عندما عرض عليه أحد الأمراء هذه المسألة، فقال له حديث نزول الرحمن تبارك وتعالى ، قال : يا أمير المؤمنين هذه الأحاديث جاءنا بها الذين جاؤونا بأحاديث الأحكام ، لا فرق ، هكذا كان السلف رضي الله عنهم يتعاملون مع أحاديث الصفات، لا يفرقون بين متواتر وآحاد،
هذه البدع المحدثة التي أحدثها أهل البدع من أخذ الصفات من الأحاديث المتواترة أو من عدم رد الأحاديث المتواترة إذا جاءت في الصفات، وردّ الأحاديث الآحاد، هذه بدعة من العقلانيين، ابتدعها العقلانيون ، أمّا أهل السنّة و الجماعة فيقبلون جميع الأحاديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الصفات سواء كانت متواترة أو كانت أحاديث آحاد، لا فرق عندهم،
السبب الذي جعل العقلانيين يفرقون هذا التفريق هو الخلاص من الكثير من سنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، عندما أصّلوا أصولهم الفاسدة واجهتهم هذه الأحاديث فأرادوا أن يتخلّصوا منها فوضعوا بدعتهم هذه"أحاديث الآحاد لا تقبل في الصفات" ماذا يقبل ؟
الأحاديث المتواترة، ثم ماذا يفعلون بالأحاديث المتواترة إذا خالفت خيالاتهم العقلية ؟ يحرّفونها ويتلاعبون بها ويغيّرونها ويشكّلونها كما يحبّون، فأحاديث الآحاد مردودة والأحاديث المتواترة محرّفة وانتهى ، وهكذا تخلّصوا من أدلّة السنّة كلّها .

قال:"وكلّ ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به وتلقيه بالتسليم والقبول وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتّمثيل"
إذاً فلا يجوز لنا أن نتعرض لصفات الله تبارك وتعالى بالرد أي يحرُم أن نرفضها ، ما ثبت في الكتاب والسنّة من صفات الله تبارك وتعالى يحرم أن ننكره والواجب علينا أن نعتقده كما تقدّم .


"والتأويل" : المراد بالتأويل هنا صرف اللفظ عن ظاهره ، عن حقيقته التي تقتضيها اللغة العربية، صرف اللفظ عن ظاهره، هذا التأويل المراد هنا محرم، صرف اللفظ عن ظاهره أو تفسير المعنى بغير حقيقته هذا مردود محرّم استعماله في الصفات، وأي دليل شرعي في الكتاب والسنة لا يجوز لك أن تصرفه عن ظاهره المتبادَر إلا إن وُجد دليل صحيح يدلّ على هذا الصرف،
التّأويل يُستعمل على ثلاثة معان :

المعنى الأول : التفسير : التأويل بمعنى التفسير، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس :"اللّهمّ علّمه التّأويل" ومنه استعمال الكثير من المفسّرين كابن جرير وغيره عندما يقول :"وتأويل هذه الآية كذا وكذا" أي : تفسيرها .
ويأتي التأويل بالمعنى الثاني : بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام ، الحقيقة التي يصير إليها الكلام ومن ذلك قول يوسف عليه السلام { يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } [ يوسف/100]، عندما وقع وتحققّت الرؤيا قال لأبيه: هذا تأويل رؤياي، أي هذا ما آلت إليه الرؤيا وما وصلت إليه، فهذه حقيقتها ، هذا المعنى الثاني للتأويل .


والثّالث هو المعنى الاصطلاحي الذي ذكرناه: وهو صرف اللفظ عن ظاهره لقرينة، وهذا غير جائز إلا مع وجود الدليل الصحيح ، نعم.

"
وترك التعرض له بالرد والتأويل" أي التفسير الباطل الذي هو التحريف ، أو التأويل الفاسد، صرف اللفظ عن ظاهره بغير وجود دليل أصلا .


"والتشبيه" إثبات مشابه لله تبارك وتعالى فيما يختص به من الصفات .

"
والتمثيل" أيضا يَحرم إثبات مماثل لصفاته .

"
وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا وتَرْك التعرض لمعناه"
الآن في الشطر الاوّل تكلّم المصنّف رحمه الله عن القسم الأوّل من الصفات وهو القسم الواضح في معناه، لا خفاء فيه "الرحمن على العرش استوى" كلام واضح صريح ، نثبت به صفة الرحمة لله تبارك وتعالى ونثبت به صفة العلوّ والارتفاع عن العرش، هذه الصفات كما ذكر المؤلف رحمه الله، يجب الإيمان بها وتلقيها بالتسليم والقبول ولا يجوز التعرض لها بالرد أو التمثيل أو التشبيه والتأويل .


القسم الثاني : وهو ما أشكل من ذلك، هذا الذي فيه إشكال، يُشكل على بعض النّاس دون بعض، بعض الصّفات تمرّ بالشّخص يقف حائراً أمامها ، هل تُثبَت مثل هذه أم لا تثبت ؟ أم ما معناها ؟ يختلط عليه الأمر فلا يتمكّن من فهم معناها، ففي هذه الحالة يَردّ علمها إلى الله تبارك وتعالى، لا يتكلم فيها ولا يخوض فيها، يترك علمها إلى الله تبارك وتعالى.

قال :"وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا" اللفظ نؤمن به، نؤمن باللفظ لأنه ثابت أمامك ما يحتاج، لكن المعنى الذي أشكل عليك هو الذي ترده إلى الله سبحانه وتعالى .


"وترك التعرّض لمعناه ، ونَردّ علمه إلى قائله" نقول: الله أعلم به .


"ونجعل عهدته على ناقله" الذي يتحمّل مسؤوليته هو الذي نقله لنا في سنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلم .

"
اتّباعا لطريق الرّاسخين في العلم" : ما معنى الرّاسخين في العلم ؟ الذين ثبتت أقدامهم في هذا العلم وأصبح العلم بالنّسبة لهم كالجِبلِّة ، هؤلاء هم الرّاسخون في العلم .

"
الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين - في القرآن - بقوله سبحانه وتعالى { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } " : كلّ هذا القرآن وما جاء فيه من صفات كلّها من عند الله تبارك وتعالى، إذاً فصار الآن عندنا أقسام الصّفات قسمان:
قسم واضح بيّن لا إشكال فيه وهذا يُثبَت لفظه ومعناه، وأكثر الصفات من هذا القبيل .


القسم الثاني: وهو ما أشكل معناه، نُثبتُ لفظه ونفوّض معناه إلى الله تبارك وتعالى، لكن هذا الإشكال لا يكون للأمّة كاملة ربّما يُشكل على شخص ، يشكل على زيد ولا يشكل على عمرو، فيكون مفهوماً بالنّسبة لعمرو، لكن بالنسبة إلى زيد أشكلت عليه هذه ففوّض معناها إلى الله تبارك وتعالى لأنّها مشكلة.. فهو داخل في قول الله تبارك وتعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن/16]، هذا الظاهر من كلام المصنّف وأنّه يريد هذا المعنى، البعض فهم على المؤلّف أنّه يقرّر ما قرّره المفوّضة هاهنا، وهذا خطأ، الذي يريده المصنّف والله أعلم هذا المعنى الذي ذكرناه، فمَن أشكلت عليه أيّ مسألة علميّة من الكتاب والسنّة وجب عليه أن لا يخوض فيها إذا لم يتمكّن أن يفهم معناها، ويفوّض أمرها إلى الله سبحانه وتعالى ويترك أمرها إلى الله سبحانه وتعالى .
.
ماهو مذهب المفوّضة ؟
مذهب المفوّضة هم الذين يقولون: نفوّض المعنى والكيف إلى الله،
تقول: (الرّحمن)، يقول لك: هنا (الرحمن) هذه الكلمة لا نفهم معناها ، يفوضون المعنى والكيف ، هؤلاء المفوِّضة فلا يثبتون الصفات لله سبحانه وتعالى ولكنّهم يفوّضون معانيها إلى الله سبحانه وتعالى، فهو مذهب الجهل بصفات الله تبارك وتعالى، هذا هو مذهب المفوّضة، والمفوضة هؤلاء قسم من الأشاعرة، الأشاعرة قسمان :
مفوّضة، ومؤوّلة (محرِّفة)
بعضهم يحرّف الصّفات عن معانيها الصحيحة وبعضهم يفوّض الصّفات يقول: الله أعلم بمعانيها لا نعرف، هؤلاء مفوضة ومؤوّلة.
المؤوّلة الذي يحرّفون الصفات، (الرّحمن) يقول لك: إرادة الإحسان، حرَّفها عن معناها، مال بها ، (اليد): القدرة أو الإرادة، حرّفها، هذا من الباطل، اليد شيء والقدرة شيء آخر،
الرّحمة شيء وإرادة الإحسان شيء آخر، هي من لازمها وليست هي نفسها،
فالأشاعرة يقسِّمون أنفسهم إلى قسمين : مؤوّلة ومفوّضة، وينسبون مذهب التفويض إلى السّلف، يقولون: السلف كانوا مفوّضة، لذلك يقول قائلهم : مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم، وماذا يعنون بمذهب السلف هنا ؟ مذهب التّفويض، المفوضة جهلة، فجعلوا السلف جُهّال، من هذا القبيل عظّموا علمهم وعظّموا أنفسهم فاغترّوا بحالهم فانحرفوا عن جادّة الصواب، استهانوا بالسلف وعلمهم وقلَّلوا واحتقروا علمهم فأدى بهم الحال إلى ما تسمعون من مجازفات في نفي ما أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه من الصفات .


فالخلاصة أنّ الأشاعرة منهم مؤوّلة، وهؤلاء الذين يحرّفون الكلام ولا يثبتون الصفات على حقيقتها، ويفسرونها تفسيرات باطلة من عندهم، وقسم آخر هم المفوّضة الذين يفوّضون معاني الصفات ولا يثبتون حقائقها، فهذا التّفويض باطل وغير جائز إلا في حال أن تكون الصفة قد أشكلت عليك ولم تتمكّن من فهمها فعندئذ تتوقّف فيها وتسكت .نعم .





قال رحمه الله :"وقال في ذمّ مبتغي التّأويل لمتشابه تنزيله{ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ }


"فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ" أي ميل عن الحق ولهم مقاصد فاسدة، "فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ" يتبعون ما تشابه من الآيات التي وردت،
"
ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ "، هذه الآيات ذكرنا معنى التأويل فيما تقدّم فهؤلاء الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه، يتركون الآيات المحكمات ويتبعون المتشابه، القرآن منه محكم ومنه متشابه،
قال الله تبارك وتعالى { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } [ آل عمران/7]تأمّل هذه الآيات،
آيات القرآن مقسّمة إلى قسمين :
منه محكمات، ومنه متشابهات،
المحكمات قال الله تبارك وتعالى فيها " هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ" أي أصل الكتاب، الآيات التي يجب أن يُعتمد عليها في تقرير المعاني، آيات محكمات أي واضحات المعنى والدّلالة لا إشكال فيها،"هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ" أي أصل الكتاب،
"
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ " يلتبس معناها على الكثيرين، تعطي أكثر من معنى ففيها غموض، فما هو الواجب علينا ؟
الواجب علينا عندما تمرّ بنا هذه الصفات المتشابهة أن نردّها إلى المُحكمة ، ونفهما بناءً على المحكمة، فإذاً يكون الأصل عندنا في تقرير المعنى هو ماذا ؟ الآيات المحكمات، ثمّ المتشابهات تردّ إليها،
مثال ذلك: جاءت عندنا آيات كثيرة وكثيرة جدّا تدلّ على علوّ الله على خلقه،
منها قول الله تبارك وتعالى { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [ طه/5]
ومنها قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلم للجارية :" أين الله ؟ قالت : في السّماء، قال : اعتقها فإنّها مؤمنة"
وآيات وأحاديث كثيرة جدّا أوصلها بعضهم إلى ألف دليل يدلّ على علوّ الله على خلقه،
هذه محكمة أو غير مُحكمة ؟ محكمة، دلالتها واضحة صريحة لا خفاء فيها، والأدلّة في ذلك كثيرة، هذه تسمى محكمة، فمثل هذه هي التي تقرر المعنى الذي نتحدث عنه، ثم إن جاءتنا آية أو حديث يعطي أكثر من معنى، يعطي هذا المعنى ومعنى آخر ثاني وثالث ورابع، ماذا نفعل به ؟ نرده إلى المحكم، قال الله تبارك وتعالى { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [ الحديد/4]، آية في هذا الباب متشابهة تُرَد إلى ماذا ؟ إلى المحكم ، نقرأ الآية من أولها إلى آخرها نجدها تدلّ على العلم ، وهو معكم أينما كنتم ، بماذا ؟ بعلمه ، رددناها في ذلك إلى المحكم، هكذا يكون التعامل مع آيات الله وسنن النبي صلّى الله عليه وسلّم،تأخذ الدليل الواضح في المعنى وتجعله أصلاً، ثمّ تردّ إليه المتشابه، هذه طريقة الرّاسخين في العلم، { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } [ آل عمران/7] ،
الآن هل الوقف في هذه الآية على قول الله تبارك وتعالى { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ } نقف ثم نُكمل ونقول { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }؟ فيكون الذي يعلم التّأويل فقط الله سبحانه وتعالى ، أم نُكمل ونقول { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } ؟ فيكون الذي يعلم التأويل مَن ؟ الله والرّاسخون في العلم، لذلك جاء عن ابن عباس أنه كان يقول :"أنا من الذين يعلمون تأويله" لأنه من الرّاسخين في العلم ، هنا عندنا تفصيل وهذا هو الراجح في فهم معنى الآية :

إن كان المقصود من التأويل : التفسير فالوقف يكون على ماذا ؟ على "والرّاسخون في العلم" فيكون الذي يعلم تفسير القرآن: الله سبحانه وتعالى والراسخون في العلم، لأن القرآن وصفه الله سبحانه وتعالى بأنّه واضح وبأنّه بيّن وأنه هدى ، فهذا كلّه يقتضي أن لا غموض في القرآن، لأنه لا يوجد آية في كتاب الله لا تفهمها الأمّة بالكامل، ربما تخفى بعض الآيات على البعض (معانيها) لكنّها لا تخفى كلّها على جميع أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، لا ، لا بد أن يوجد من يفهم كتاب الله تبارك وتعالى.

أما إذا كان المعنى : ما تؤول إليه حقيقة الأمور فيكون الوقف على "إلا الله" لأنّه لا أحد يعلم حقائق أوصاف ما يكون يوم القيامة مثلاً ونحوه إلا الله سبحانه وتعالى، حقائق هذه الأشياء لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فيكون الوقف على "إلا الله"
بهذه الطريقة نصل إلى الصواب في فهم هذه الآية.


قال { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ }، فهذه علامة وضعها ربنا تبارك وتعالى لتمييز الذين في قلوبهم زيغ من غيرهم من أهل العلم ، الذي في قلبه مرض يترك المحكمات ويذهب إلى المتشابهات،
مثال : أحدهم من أهل الانحراف يترك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "يأتي زمان على أمّتي يستحلّون الحر والحرير والخمر والمعازف" ويتعلق بماذا في حِلّ الموسيقى ؟ بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: "لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير داود"،
أنت تعرف مباشرة أن مثل هذا في قلبه مرض، زيغ، يتعلّق بالمتشابه ويترك المحكم، عندنا أحاديث واضحة تدل على تحريم الموسيقى والمعازف فتأتي أنت وتتعلق بحديث كهذا، المتأمل فيه يعرف أن شبهتك فيه أوهى من خطوط العنكبوت،
المزمار في لغة العرب يطلق على الصوت الحسن، هل كان أبو موسى واقفاً وفي يده مزمار ويضرب عليه أمام النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى يقال أوتيت مزماراً من مزامير داود ؟ أم داود كان عنده مزماراً يضرب عليه حتى يستدل بمثل هذا الدليل؟
المزمار يطلق على الصوت الحسن وهذا ما عناه النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي موسى، داود كان عنده صوت حسن وأبو موسى الأشعري كذلك، فمثل هذا عندما تسمع كلامه تعرف أنّه من الذين يتعلقون بالمتشابه ويتركون المحكمات،
كذلك أهل البدع والضلال الذين حرّفوا صفات الله تبارك وتعالى، والذين نفوا عن الله تبارك وتعالى أسماءه وهكذا ، والذين ضلوا في مسائل القدر، والذين ضلّوا في مسائل الخروج وآخره، المرجئة ، الخوارج إلى آخره، يتركون الأدلّة المحكمات ويتعلقون بالمتشابهات.

سائل: الذي يقول أن الله معنا بعلمه وبذاته، هذا يطلق عليه الكفر؟

الشيخ : هذا ضلال وهو من عقيدة أهل الحلول والاتّحاد .



قال المؤلف رحمه الله :"فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ" ابتغاء تأويل المتشابه .

"
وقرنه بابتغاء الفتنة في الذمّ" لأنّهم يريدون أن يفتنوا عباد الله تبارك وتعالى عن الحق .

"
ثمّ حجبهم عمّا أمّلوه، وقطع أطماعهم عمّا قصدوه بقوله سبحانه { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ }، أغلق عليهم الباب،
هذا تقعيد وتأصيل من المؤلف للواجب على المسلم ناحية الأسماء والصفات التي ترِد في كتاب الله وفي سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فعقيدة أهل السنّة والجماعة أن نثبت لله تبارك وتعالى كلّ ما أثبت لنفسه في الكتاب أو في سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم من الأسماء والصفات على حقائقها ، لا نحرّفها، ولا نكيّفها، على حقيقتها التي جاءت من عند الله تبارك وتعالى، على مراد الله كما سيأتي من كلام السلف رضي الله عنهم .

والقاعدة عندنا التي أخرجنا منها الآن بالآية المذكورة، أن بعض الآيات محكمة واضحة، وبعضها متشابهة فيها غموض في معانيها، فالمتشابه يُردّ إلى المحكم، هذه طريقة الراسخين في العلم، أمّا طريقة أهل البدع والضّلال والزّيغ فإنّهم يتعلّقون بالمتشابه ويتركون المحكم، هذه علامة فارقة ما بين هؤلاء وهؤلاء .



نكتفي بهذا القدر إن شاء الله .
قائمة الخيارات
0 [0 %]
بقلم: أبي الحسن علي الرملي
السبت 26 ذو الحجة 1433
عدد المشاهدات 3871
عدد التحميلات 86
جميع الحقوق محفوظة لشبكة الدين القيم © 2008-2014 برمجة وتصميم طريق الآفاق