الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ؛

فصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمس مائة عام - وفي رواية بأربعين خريفا - " ، أخرجه أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه ، والترمذي في جامعه ، والنسائي في سننه الكبرى ، وابن ماجه في سننه وغيرهم عن جمع من الصحابة . وصححه الترمذي وابن حبان والحافظ ابن حجر وغيرهم

وأما عن معناه والحكمة من ذلك فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فالفقراء متقدمون في دخول الجنة لخفة الحساب عليهم والأغنياء مؤخرون لأجل الحساب ثم إذا حوسب أحدهم فإن كانت حسناته أعظم من حسنات الفقير كانت درجته في الجنة فوقه وإن تأخر في الدخول ؛ كما إن السبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ومنهم عكاشة بن محصن وقد يدخل الجنة بحساب من يكون أفضل من أحدهم . وصلى الله وسلم على محمد .انتهى

وقال في موضع آخر : ونصوص النبي صلى الله عليه وسلم معتدلة فإنه قد روي { أن الفقراء قالوا له : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور . يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضول أموال يتصدقون بها ولا نتصدق فقال : ألا أعلمكم شيئا ؟ إذا فعلتموه أدركتم به من سبقكم ولم يلحقكم من بعدكم إلا من عمل مثل عملكم فعلمهم التسبيح المائة في دبر كل صلاة . فجاءوا إليه فقالوا : إن إخواننا من الأغنياء سمعوا ذلك ففعلوه فقال : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } وهذه الزيادة في صحيح مسلم من مراسيل أبي صالح .

فهذا فيه تفضيل للأغنياء الذين عملوا مثل عمل الفقراء من العبادات البدنية بالقلب والبدن وزادوا عليهم بالإنفاق في سبيل الله ونحوه من العبادات المالية . وثبت عنه أيضا في الصحيح أنه قال : { يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم - خمسمائة عام - وفي رواية بأربعين خريفا } فهذا فيه تفضيل الفقراء المؤمنين بأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء المؤمنين وكلاهما حق ؛ فإن الفقير ليس معه مال كثير يحاسب على قبضه وصرفه فلا يؤخر عن دخول الجنة لأجل الحساب فيسبق في الدخول وهو أحوج إلى سرعة الثواب لما فاته في الدنيا من الطيبات .

والغني يحاسب فإن كان محسنا في غناه غير مسيء وهو فوقه رفعت درجته عليه بعد الدخول وإن كان مثله ساواه وإن كان دونه نزل عنه . وليست حاجته إلى سرعة الثواب كحاجة الفقير . ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم في " حوضه " : الذي طوله شهر وعرضه شهر : { ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل أول الناس علي وردا فقراء المهاجرين : الدنسين ثيابا الشعث رءوسا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب الملوك يموت أحدهم وحاجته تختلج في صدره لا يجد لها قضاء } فكانوا أسبق إلى الذي يزيل ما حصل لهم في الدنيا من اللأواء والشدة وهذا موضع ضيافة عامة فإنه يقدم الأشد جوعا في الإطعام وإن كان لبعض المستأخرين نوع إطعام ليس لبعض المتقدمين لاستحقاقه ذلك ببذله عنده أو غير ذلك وليس في المسألة عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح من هذين الحديثين وفيها الحكم الفصل : إن الفقراء لهم السبق والأغنياء لهم الفضل وهذا قد يترجح تارة وهذا كالسبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ومع كل ألف سبعون ألفا ؛ وقد يحاسب بعدهم من إذا دخل رفعت درجته عليهم . وما روي : " أن ابن عوف يدخل الجنة حبوا " كلام موضوع لا أصل له ... انتهى . والله أعلم