النذر

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وبعد ؛
فالنذر لغة : الإيجاب ، تقول : نذرت كذا : إذا أوجبته على نفسك . وشرعا ؛ قال الراغب : النذر أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر .
حكمه : النذر المطلق في الطاعات مباح ؛ مثل : لله علي أن أصلي ركعتين .
وأما المعلق ؛ مثل : إن شفى الله مريضي فعلي صدقة ؛ فمكروه على الصحيح من أقوال أهل العلم .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وأجمع المسلمون على صحة النذر في الجملة ولزوم الوفاء به .

والنذر نوع من أنواع العبادة ، لا يجوز صرفه لغير الله تعالى ، فمن نذر لغير الله تعالى من قبر أو ملك أو نبي أو ولي ; فقد أشرك بالله الشرك الأكبر المخرج من الملة ; لأنه بذلك قد عبد غيره .

وإذا نذر فعل طاعة ، وجب عليه الوفاء بذلك : لقوله تعالى :{ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } .

وقال تعالى في وصف الأبرار :{ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا }

وقال تعالى :{ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ }

وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من نذر أن يطيع الله ؛ فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله ؛ فلا يعصه ".

وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يشترط لانعقاد النذر أن يكون الناذر بالغا عاقلا مختارا ; لقوله صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاثة الصغير حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ " فدل الحديث على أنه لا يلزم النذر من هؤلاء ؛ لرفع القلم عنهم .

والنذر الصحيح خمسة أقسام :

أحدها: النذر المطلق مثل أن يقول : لله علي نذر ، ولم يسم شيئا ؛ فيلزمه كفارة يمين ، وهو قول أكثر أهل العلم ، سواء كان مطلقا أو معلقا ؛ لما روى عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفارة النذر كفارة يمين " ، رواه مسلم .

فدل هذا الحديث على وجوب الكفارة إذا لم يسم ما نذر لله عز وجل .

الثاني : نذر اللجاج والغضب وهو الذي يخرجه مخرج اليمين ، بتعليقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه أو التصديق أو التكذيب ؛ كما لو قال : إن كلمتك ، أو : إن لم أخبر بك ، أو : إن لم يكن هذا الخبر صحيحا ، أو : إن كان كذبا ، فعلي الحج أو العتق . .. ونحو ذلك ؛ فهذا النذر يخير بين فعل ما نذره أو كفارة يمين .

الثالث: نذر المباح نذر المباح كما لو نذر أن يلبس ثوبه أو يركب دابته ؛ لا شيء عليه ؛ لما روى الإمام البخاري : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه ؛ فقالوا : أبو إسرائيل ، نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم . فقال : " مروه ؛ فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد ، وليتم صومه " .

الرابع : نذر المعصية كنذر شرب الخمر وصوم أيام الحيض ويوم النحر ؛ فلا يحل الوفاء به إجماعا قاله ابن قدامة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من نذر أن يعصي الله ، فلا يعصه " فدل هذا الحديث على أنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية ؛ لأن المعصية لا تباح في حال من الأحوال ، ومن نذر المعصية النذر للقبور أو لأهل القبور ، وهو شرك أكبر . ، وليس عليه فيها كفارة يمين على الصحيح ؛ قال الإمام ابن تيمية : " ومن أسرج قبرا أو مقبرة أو جبلا أو شجرة أو نذر لها أو لسكانها أو المضافين إلى ذلك المكان ؛ لم يجز ، ولا يجوز الوفاء به إجماعا ، ويصرف في المصالح ؛ ما لم يعلم ربه . .. " انتهى .

الخامس : نذر التبرر : وهو نذر الطاعة كفعل الصلاة والصيام والحج ونحوه ، سواء كان مطلقا ( أي : غير معلق على حصول شرط ) ؛ كما لو قال : لله علي أن أصلي أو أصوم . .. ، أو معلقا على حصول شرط ، كقوله : إن شفى الله مريضي ؛ فلله علي كذا ، فإذا وجد الشرط ؛ لزمه الوفاء به ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " من نذر أن يطيع الله ؛ فليطعه " رواه البخاري ، ولقوله تعالى :{ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ولقوله تعالى : وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } .والله أعلم .