ف-71 الموعظة عند القبر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ؛

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أحبك الله الذي أحببتنا فيه

فأفضل ما قيل في هذه المسألة هو ما قاله الشيخ ابن عثيمين وغيره من أهل العلم ، سئل رحمه الله : فضيلة الشيخ! ما مشروعية الموعظة عند القبر؟ فقد سمعنا مَن يقول: إنها ما وردت عن الرسول، وسمعنا مَن يقول: إنها سنة

فقال رحمه الله : القول بأنها (ما وردت) على إطلاقه غير صحيح، والقول بأنها (سنة) غير صحيح، ووجه ذلك أنه لم يرد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقف عند القبر أو في المقبرة إذا حضرت الجنازة، ثم يعظ الناس ويذكرهم، هذا ما سمعنا به، وهو بدعة، وربما يؤدي في المستقبل إلى شيء أعظم؛ ربما يؤدي إلى أن يتطرق المتكلم إلى الكلام عن الرجل الميت الحاضر، مثل أن يكون هذا الرجل فاسقا مثلا، ثم يقول: انظروا إلى هذا الرجل! بالأمس كان يلعب، بالأمس كان يستهزئ، بالأمس كان كذا وكذا، والآن هو في قبره مرتهن، أو يتكلم في تاجر مثلا، فيقول: انظروا إلى فلان، بالأمس كان في القصور والسيارات والخدم والحشم والآن انظروا حاله. فلهذا نرى ألا تفعل هذه؛ لأن هذه ليست من السنة، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقف إذا فرغ من دفن الميت أو إذا كان في انتظار دفن الميت، فيقوم ويخطب الناس، أبدا، ولا عهدنا هذا أيضا في مشايخنا السابقين، وهم أقرب إلى السنة منا، ولا عهدنا هذا أيضا فيمن قبلهم من الأصحاب، فما كان الناس في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي -فيما نعلم- يفعلون هذا، وخير الهدي هدي من سلف إذا وافق الحق. وأما الموعظة التي تعتبر كلام مجلس، فهذه لا بأس بها، فإنه قد ثبت في السنن أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى إلى بقيع الغرقد وفيه أناس يدفنون ميتا لهم؛ لكن الميت لم يلحد بعد، أي: معناه أنهم يحفرون القبر، فجلس وجلس حوله أصحابه، وجعل يحدثهم بحال الإنسان عند موته، وحال الإنسان بعد دفنه حديثا هادئا ليس على سبيل الخطبة. وكذلك ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما أنه جلس على شفير قبر ابنته وهي تدفن فقال عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار! فقالوا: يا رسول الله! ففيم العمل؟! قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له). فالحاصل: أن الموعظة عند القبر التي هي قيام الإنسان ليخطب هذه لا شك أنها ليست من السنة، ولا تنبغي، لما عرفت مما سيحدث في المستقبل، وأما الموعظة مثل أن يكون الإنسان جالسا ويدعو حوله أصحابه، ثم يتكلم بما يناسب فهذا طيب، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم