السلام على دعاة أهل البدع

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ؛

فمن منهج أهل الحديث ترك السلام على دعاة أهل البدع وهو من تمام الهجر لهم؛ إلا إذا أدى ترك السلام عليهم إلى فتنة العامة فيسلم عليهم درءا للمفسدة ، والدليل على ترك السلام عليهم حديث الثلاثة الذين خلفوا وهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن كعب بن مالك سلم على ابن عمه أبي قتادة فلم يرد عليه السلام وكذلك سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم ير منه ردا . وأما الحديث الذي ذكرته فورد بلفظ : " وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " قاله النبي لمن سأل عن أي الإسلام خير ، وهو في الصحيحين من حديث ابن عمرو ، ولكنه عام مخصوص بالحديث المتقدم . يعني تسلم على كل مسلم إلا من هجر لأمر شرعي .

قال الحافظ بن حجر في فتح الباري : ذهب الجمهور إلى أنه لا يسلم على الفاسق ولا المبتدع . قال النووي : فإن اضطر إلى السلام بأن خاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يُسلِّم سَلَّم . وكذا قال ابن العربي وزاد : وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى فكأنَّه قال : الله رقيب عليكم .

وقال المهلب : ترك السلام على أهل المعاصي سنة ماضية وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى خوارم المروءة ككثرة المزاح واللهو وفحش القول والجلوس في الأسواق لرؤية من يمر من النساء ونحو ذلك اهـ . وحكى ابن رشد قال : قال مالك : لا يسلم على أهل الأهواء . قال ابن دقيق العيد : ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم والتبري منهم .

وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه ( باب الهجر ) ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) ثم ساق في الباب ثلاثة أحاديث في تحريم الهجر فوق ثلاث ثم قال : ( باب ما يجوز من الهجران لمن عصى ) وقال كعب حين تخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامنا وذكر خمسين ليلة

ثم قال بعد ذلك في كتاب الإستئذان : باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ومن لم يرد سلامه حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصي ، وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : لا تسلموا على شربة الخمر . ثم ذكر طرفا من حديث كعب بن مالك قال : ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم عليه فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام أم لا حتى كملت خمسون ليلة .وبوب أبو داود في سننه كتاب السنة باب مجانبة أهل الاهواء وباب ترك السلام على أهل الأهواء وذكر حديث كعب وغيره

قال الطبري : قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي . والله أعلم