الدرس السابع و العشرون

[الدرس السابع و العشرون]


قال المؤلف – رحمه الله - : " باب زكاة النبات " .
زكاة النباتات تشمل الزروع والثمار
ونعني بالزروع : الحب ، كالقمح والشعير وغيرها مما يزرع ثم يحصد .
ونعني بالثمار : ما أنبتته الأشجار كالتمر والزبيب وما شابه .
وأصل وجوب الزكاة في النبات قول الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض } .
تدل هذه الآية على وجوب الإنفاق مما أخرج الله لنا من خيرات الأرض .
وكذلك قوله تعالى : { وآتوا حقّه يوم حصاده } .
وقال صلى الله عليه و سلم : " فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثريّاً العشر ، وفيما سُقيَ بالنّضح نصف العشر " متفق عليه .
يدل الحديث على وجوب الزكاة فيما سقت السماء ، وفيما سقي بالنضح من الزروع .
و المراد بـ " العَثري " الذي يشرب بعروقه من غير سقي أو بواسطة المطر أو عن طريق السيول والأنهار ، المهم أن لا تكلفة في سقيه .
و المراد بـ " النّضح " يعني الإبل التي يُحمل عليها الماء لسقي الزرع ، والمراد به الزرع الذي في سقايته تكلفة ، وتستعمل فيه الآلات .
قال المؤلف رحمه الله - : " يجب العُشر في الحنطة والشعير والذرة والتمر والزبيب " .
قال ابن المنذر وابن عبد البر : " وأجمع العلماء على ان الصدقة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب " .
والحنطة ؛ هي القمح .
وأخرج الحاكم والبيهقي وغيرهما عن موسى بن طلحة قال : عندنا كتاب معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه و سلمأنه إنما أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب " قال البيهقي : رواته ثقات وهو متصل .
وعلى ما ذكر البيهقي ؛ فإن ثلاثة شروط من شروط الصحة قد تحققت ، فبقي عدم الشذوذ وعدم العلة ؛ لكن الحديث صحيح إن شاء الله .
والعُشْر واجب فيما سقي بدون آلة – والعشر قسيم النصف والربع والثلث وغيرها من تقسبمات الواحد الصحيح - ، و أما ما سقي بالآلة أو بماء مشترى ؛ ففيه نصف العشر ؛فالواجب في هذا أقل من الذي سقي بماء الأمطار ؛ لأن في سقي الزرع بالآلة تكلفة، فيجب على مثل هذا نصف العشر ، أي نصف القيمة الواجبة على من سقي زرعه من غير آلة ؛ وهذا للحديث المتقدم .
والحكم للغالب ، فإن كان السقي تارة بآلة وتارة بدونها ؛ فإن تساوت ؛ ففيه ثلاثة أرباع العشر .
قال – رحمه الله - : " ونصابها خمسَة أوسُق " .
لقوله صلى الله عليه و سلم: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " متفق عليه .
أي ليس فيما هو أقل من خمسة أوسق زكاة .
والأوسُق : جمع وَسْق ؛ والوسق حمل البعير
و " الوَسْق " ستون صاعاً بالاتفاق ، والصاع أربعة أمداد ( أي أربع حفنات ) .
(60) صاعاً × (5) أوسق = 300صاع وهي تساوي تقريباً (612) كيلو من البر الجيد .
هذا هو نصاب الحبوب والثمار .
قال المؤلف – رحمه الله - : " ولا شيء فيما عدا ذلك ، كالخضروات وغيرها " .
يحصر المؤلف – رحمه الله – زكاة النباتات في الأجناس الخمسة ( الذرة القمح والشعير والتمر والزبيب ) .
وقد اعتمد المؤلف – رحمه الله – على رواية زائدة على الحديث الذي تقدم ؛ " أن معاذ إنما أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب " وذكر في غيره الذرة ؛ ولكنها رواية منكرة لا تصح ، والصواب عدم ذكرها .
وهذه الأصناف الأربعة – غير الذرة - هي التي حصل الإجماع عليها وورد فيها النص . لكن المصنف وبناء على تصحيحه للرواية التي فيها زيادة ذكر الذرة ؛ حصر الزكاة في خمس .
وبحصر الزكاة في هذه الأصناف الأربعة قال جمع من العلماء ؛ منهم ابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح و الحسن البصري ، والثوري ، والشعبي وغيرهم ؛ قالوا إن الزكاة في النباتات لا تجب إلا في هذه الأربعة أصناف ، وهو الصحيح ؛ وبه نأخذ ؛ لأن حديث معاذ المتقدم يدل على ذلك فإنه لما ذهب إلى اليمن ؛ لم يأخذ الزكاة إلا من هذه الأربع ، فتخصّص عموم الأدلة به .
وقاس بعض العلماء على هذه الأربعة غيرها ؛ فقال : كل ما يقتات ويدّخر ففيه زكاة . وفي هذه المسألة خلاف كبير بين العلماء ؛ فمنهم من جعل الزكاة في الأصناف الأربعة بناء على حديث معاذ ، والبعض صحح الحديث وزاد الذرة ، والبعض الآخر قاسوا عليها غيرها وجعلوا فيه زكاة ، ولكنهم اختلفوا في العلة .
والمذاهب في هذه المسألة كثيرة فمذهب أبي حنيفة يختلف عن مذهب مالك ومذهب مالك يختلف عن مذهب الشافعي ، ومذهب الشافعي يختلف عن مذهب أحمد وهكذا .
أما بالنسبة للزيتون ؛ فقد اختلفوا ؛ فالشافعي في أحد قوليه قال : لا زكاة فيه ؛ لأنه ليس قوتاً ، أما مالك ؛ فقال : فيه زكاة ؛ لأنه قوت .
فكلاهما قال : ما يقتات فيه زكاة ؛ لكنهم اختلفوا ؛ هل الزيتون قوت أم لا ؟
والصحيح أنه ليس قوتاً ؛ لأنه لا يُكتفى به في إقامة الجسد ، وإنما هو إدام ، وبناء عليه ؛ فلا زكاة فيه ، حتى مع التعليل الذي ذكروه
ولا ينظر إلى الحول في زكاة النباتات ، وإنما تجب الزكاة في الزروع إذا اشتد الحبّ ؛ أي قوي وصار شديداً لا ينضغط بضغطه ، ويجب في الثمار إذا بدا صلاحها ، ويعرف ذلك باحمرار البلح ، وجريان الحلاوة في العنب .
فإذا تحقق ذلك انعقد سبب وجوب الزكاة ، فتجب ، ولا يجب عليه أن يخرجها في الحال على تلك الحال .
قال المؤلف – رحمه الله - : " ويجب في العسل العُشْر " .
ورد في ذلك أحاديث ضعيفة لا تثبت ولا يُبنى عليها حكم شرعي ، والصحيح أنه لا شيء في العسل ؛ لعدم وجود الدليل الصحيح .
قال المؤلف – رحمه الله - : " ويجوز تعجيل الزكاة " .
يجوّز بعض أهل العلم تعجيل الزكاة بمعنى أن تخرج مال الزكاة قبل إتمام الحول .
ويستدلّون على جواز ذلك بحديث علي : " أن العباس سأل النبي صلى الله عليه و سلمفي تعجيل صدقته قبل أن تَحُلّ ؛ فرخّص له في ذلك " أخرجه أحمد وأبو داود ، ورجّح أبو داود و الدارقطني وغيرهما المرسل ، وقال ابن المنذر : " لا يثبت " .
وفي حديث آخر ان النبي صلى الله عليه و سلمأخذ من العباس صدقة عامين ، وهو ضعيف أيضاً .
فلا يثبت في ذلك شيء ، فلا يجوز إخراجها قبل وقت وجوبها كبقية العبادات المؤقتة . والله أعلم .
قال المؤلف – رحمه الله - : " وعلى الإمام أن يَرُدّ صدقات أغنياء كل محل في فقرائهم " .
لحديث معاذ ؛ قال له النبي صلى الله عليه و سلمعندما أرسله إلى أهل اليمن : " فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم " متفق عليه .
واتفق العلماء على جواز نقل الزكاة إلى مَن يستحقها من بلد إلى أخرى ، إذا استغنى أهل بلد المزكّي عنها .
فلنقل مثلا أننا في عمان قد أخرج أغنياء البلد زكاة أموالهم ؛ فاستغنى فقراء البلد عن الزكاة وفاض ، فعندئذ تُخْرَجُ إلى مكان آخر ، وجواز هذا مُجْمَع عليه
وأما إذا لم يستغن أهل بلد المزكي ؛ فهل يجوز نقلها إلى بلد آخر أم لا ؟ حصل في هذا الأمر خلاف ؛
فحديث معاذ المتقدم يدلّ على أن الزكاة تصرف في أهل بلد المزكي ، لكن هل هو على الوجوب ؟
اختلف أهل العلم في ذلك ؛ فقال بعضهم : " يكره تنزيهاً نقل الزكاة من بلد إلى آخر إلا أن ينقلها إلى قرابته المحاويج ليسد حاجتهم أو إلى قوم هم أحوج إليها من قومه أو إلى طالب علم شرعي ، فلا يكره " ؛ وذلك لأن مصرف الزكاة محدد في كتاب الله بالفقراء والمساكين ومن ذكر معهم ، والكل من أهلها فيجوز صرفها لهؤلاء وهؤلاء ، وهذا القول أصح الأقوال عندي . وقال البعض : لا يجوز نقلها حتى يستغني أهل البلد ؛ والصواب الأول والله أعلم .
والعبرة بمكان المال ؛ فإذا كان الشخص في بلد وماله في بلد آخر ، فما المعتبر في بلده ؛ البلد التي فيها المال أم التي فيها الشخص ؟
الجواب : أنها تصرف في البلد الذي فيه المال ؛ لأن الواجب معلق بالمال لا بالشخص ، فأينما وجد المال فيجب إخراجه في تلك البلد .
قال المؤلف – رحمه الله - : " ويَبْرَأُ رب المال بدفعها إلى السلطان ، وإن كان جائراً " .
إذا طلب السلطان زكاة المال ؛ فدفع " رب المال " الذي وجبت عليه الزكاة ، زكاته للإمام ، وكان الإمام جائراً ، من الجور الذي هو الظلم – وهو عدم وضع الأشياء مواضعها – فإن دفعها لهذا الإمام الجائر ؛ برئت ذمته ، وسقط الوجوب عنه ، وأدّى ما عليه ، ولم يلزم بدفعها مرة ثانية .
وذلك لقوله صلى الله عليه و سلمفي حديث ابن مسعود : " إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها " قالوا : يا رسول الله ! فما تأمُرُنا ؟ قال : " تؤدّون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم " .
ولم يقل خذوا الذي لكم بالسلاح ، أو اخرجوا على الحاكم ، أو أضربوا ولا غير ذلك من مسيرات وغيرها ؛ ولكن قال : " اصبروا حتى تلقوني على الحوض " ، وفي رواية : " وتسألون الله الذي لكم " ، وهذه هي الحلول النبوية
وأخرج مسلم في " صحيحه " من حديث وائل بن حجر ؛ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلمورجل يسأله ؛ فقال : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقّنا ، ويسألونا حقّهم ؟! قال : "اسمعوا وأطيعوا ؛ فإنما عليهم ما حُمّلوا وعليكم ما حمّلتم " ، وهذا أمر من الله سبحانه وتعالى بالصبر ، وعدم جواز الخروج على الحاكم بأي نوع من أنواع الخروج ؛ سواء بالكلمة أو بالإضراب أو بغيرها ؛ والسبب المفاسد التي ستترتب على ذلك ، من سفك الدماء وانتهاك الأعراض وذهاب الأموال وغيرها من المفاسد العظيمة ، وهي تضعف شوكة المسلمين حتى يكونوا لقمة سائغة في أفواه الأعداء .
ولكن من يكون بعيدا عن السياسة والأمور العسكرية وما شابه ، لا يدرك أبعاد المخاطر التي يعيش فيها ، فتجدهم يحكمهم شخص أو اثنان من أصحاب الأهواء أو من أصحاب المصالح الخاصة أو ممن يعمل لصالح دولة معادية من دول الكفر ، وحقيقة الأمر أن من وراء هذا مكيدة لا يدرون عنها .
ولكن سبحان الله ! العامة أتباع كل ناعق وزاعق ، وخصوصاً إذا نعق بما يوافق أهواءهم فينبغي أن يكون الشخص فطناً فهيماً لما يفعل ؛ فلا يضيع نفسه وأهله ومن حوله في لحظة تهوّر ، وهذا يدل على أن كل مسلم سيحاسب على ما أوجب الله عليه ، فعليه أن يؤدي ما وجب عليه ولا دخل له بالحاكم ، فإنه مسؤول أمام الله عما استرعاه .
ولكن هذا إن طلبها الحاكم ؛ وأما إذا لم يطلبها فاصرفها بنفسك إلى من يستحقُّها .