الدرس الثالث و العشرون

[ الدرس الثالث و العشرون ]


الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين أما بعد، فهدا مجلس جديد من مجالس شرح الدرر البهية، كنا بدأنا في الدرس الماضي في كتاب الجنائز.
قال المؤلف رحمه الله: فصل غسل الميت.
قال رحمه الله: و يجب غسل الميت على الأحياء.
وجوبه مأخوذ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في المُحرِم الذي وقصته ناقته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اغسلوه بماء و سدر"، و قال أيضا في ابنته زينب: "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك"، فأمره هنا بالغسل يدل على الوجوب، لكن الوجوب هنا وجوب كفائي، فالمراد هو إيقاع الفعل فإذا وقع من البعض سقط عن الباقين، وهو أمر متفق عليه لا خلاف فيه.
قال المؤلف رحمه الله: و القريب أولى بالقريب إذا كان من جنسه.
أي الذكر أولى بالذكر من أقربائه، و الأنثى أولى بالأنثى من قريباتها، هذا معنى كلام المؤلف رحمه الله فهو يشير إلى أن الأولى في تغسيل الميت هم أقرباؤه، ولكن هذه الأولوية تحتاج الى دليل، ولا نعلم للمؤلف دليلا على ما ذكر، و لا هو استطاع أن يقيم دليلا على ما يذكر، وإنما هو الاستحسان فقط، وحديث ضعيف ايضاً ورد في ذلك ذكروه في هذا الباب وهو قوله: "ليليه أقربكم ان كان يعلم، فان لم يكن يُعلم فمن ترون عنده حظاً من ورعٍ وأمانة" لكن هذا الحديث في سنده جابر الجعفي و هو معروف بالضعف.
قال المؤلف رحمه الله: و أحد الزوجين بالأخر.
أي يقول هنا أحد الزوجين أولى بتغسيل الزوج الآخر، فالمرأة أولى بتغسيل زوجها والزوج أولى بتغسيل زوجته من غيرهم، هذا ما يذكره المؤلف رحمه الله، أما الجواز فنعم – جواز أن تغسل المرأة زوجها و الزوج زوجته - فصحيح يجوز هذا، لأن علي رضي الله عنه هو الذي غسّل فاطمة، فصحّ عنه أنه هو الذي غسّل فاطمة، وصحّ عن عائشة أنها قالت: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الا نساؤه"، فهذا يدل على الجواز، لكن الأولوية أمر زائد عن الجواز، و هذا يحتاج الى دليل خاص، و لا نعرفه، فلا يوجد دليل صحيح يدل على هذه الأولوية، وقد مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الكثير وما كان صلى الله عليه وسلم يوجه الى هذا – إلى أنّ الزوج أولى بتغسيل زوجته أو أنّ الزوجة أولى بتغسيل زوجها-.
قال المؤلف رحه الله: ويكون الغسل ثلاثا أو خمسا أو أكثر بماء و سدر.
أما السدر فهو ورق شجر النبق، يُدق ويُخلط مع الماء هذا هو السدر، يعطي كالصابون أو يعمل عمل الصابون إلا أنه هو أفضل، أما كون الميت يُغسَّل ثلاثا فأكثر فهذا لقوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي كن يغسلن ابنته قال لهن: "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء و سدر و اجعلن في الآخرة كافورا أو شيئاً من كافور فإذا فرغتن فآذنن"، فلما فرغن آذنه فأعطى- قالت أم عطيه - حبوه فقال: "أشعرنها اياه" – يعني إزارا- هذا الحديث يدل على أن أقل التغسيل، من السنه أن يكون أقل التغسيل ثلاث مرات لأن النبي صلى الله عليه و سلم بدأ بالثلاث، فيدل على سنية هذا الأمر، و الزيادة إذا احتاجوا إلى ذلك، إذا احتاج جسد الميت الى غسل أكثر من ثلاث فيُغسَّل ولكن يحافظ المغسل على الوتر فإذا احتاج الى أربع غسلات غسّله خمس اذا احتاج الى ستة غسلات غسّله سبع.
قال المؤلف رحمه الله: و في الآخرة كافور.
حديث أم عطية الذي تقدم قال بعد أن ذكر لهن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر قال "...و اجعلن في الآخرة كافورا أو شيئاً من كافور"، والكافور نبت طيب الرائحة، من خواصه أنه يُصلِّب الجسد، والطيب يصح في هذا الموضع إلا أن الكافور أفضل لأن النبي صلى الله عليه و سلم أرشد إليه وفيه خواص زائدة عن الطيب.
قال المؤلف رحمه الله: و تُقدّم الميامن.
أي جهة اليمين، يبدأ بالغسل بجهة اليمين لحديث أم عطية في رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ابدأن بميامنها و مواضع الوضوء منها" وهذه الزيادة متفق عليها، ومعنى ذلك أن يبدأ بغسل أعضاء الوضوء و الجهة اليمنى ثم الجهة اليسرى بعد ذلك - كان ابن سرين- وهو راوي الحديث عن أم عطية، محمد ابن سرين كان يبدأ بمواضع الوضوء ثم بالميامن.
قال المؤلف رحمه الله: ولا يغسل الشهيد.
المراد بالشهيد هو قتيل المعركة الذي يقتله الكفار، هذا هو الشهيد الذي تتعلق به الأحكام المذكورة الآن و فيما سيأتي من مسائل الجنائز, فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا هذا هو الشهيد في الأصل لكن أمر النيات الى الله تبارك و تعالى نحن لنا ماذا؟ الظاهر، فمن قاتل من المسلمين في صفوف المسلمين ضد الكفار وقتله الكفار هذا يعتبر شهيدا في الحكم فنعطيه أحكام الشهداء، لا يُغسَّل ولا يُكفَّن ولا يصلى عليه كما سيأتي، - أي نعم - لأن النبي صلى الله عليه و سلم فعل ذلك بشهداء أحد، لم يُغسِّلهم صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن الشهيد لا يُغسَّل، و هذا مذهب جمهور علماء الاسلام.
قال المؤلف رحمه الله: فصل تكفين الميت.
بعد أن انتهى من التغسيل بدأ بالتكفين.
التكفين في اللغة هو التغطية و السَترُ، ومنه سمي كفن الميت لأنه يستره، ومنه تكفين الميت أي تغطيته بالكفن، فمعنى تكفين الميت تغطيته بماذا؟ -بالكفن- وهذا المعنى اللغوي هو بنفس المعنى الاصطلاحي.
قال المؤلف رحمه الله: و يجب تكفينه.
أي يجب تكفين الميت وجوبا كفائيا، إذا قام به البعض سقط عن الباقين كالغُسل تماماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في حديث المحرم الذي وقصته ناقته –يعني كسرته فمات- فقال فيه صلى الله عليه وسلم: "وكفنوه في ثوبين"، وهذا أمر، فتكفين الميت واجب.
قال المؤلف رحمه الله: بما يستره.
وهذا أقل شيء أن يُكّفن بشيء يستره، يغطيه بالكامل فيجب تكفينه بأي شيء يغطيه تغطية كاملة. والأفضل و الأكمل أن يكفن بثلاثة أثواب، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كُفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية من كرسف ليس فيهن قميص ولا عمامة، هذا في الصحيحين هذا أكمل شيء، فالتكفين يكون بأثواب بيض هذا أفضل شيء، لأن النبي صلى الله عليه و سلم أرشد الى اللباس الأبيض وقال: "كفنوا فيه موتاكم"، فالأبيض أفضل شيء –لا يعني ذلك أن غيره لا يجوز لكن الأفضل هو الأبيض- التكفين يكون بثوب أبيض و تكون ثلاثة أثواب، والرجل و المرأة في ذلك سواء- بعض أهل العلم فرّق بين المرأة و الرجل فقال المرأة تُكفن بخمسة أثواب، لكنهم احتجوا في ذلك بحديث ضعيف لا يصح و الصحيح هو ما ذكرناه ويشترك في ذلك، يتساوى في ذلك الرجال و النساء، التكفين يكون بثلاثة أثواب بيض وهذا أكمل ما يذكر في تكفين الميت، أما الأجزاء فيجزأ ولو بثوب واحد يستره كله، وقوله هنا بما يستره جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه و سلم قال: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" أخرجه مسلم في الصحيح، قال العلماء والمراد بإحسان الكفن نظافته وكثافته و ستره وتوسطه، وليس المراد بالصرف فيه و المغالاة و نفاسته –ليس هذا هو المراد، ليس المراد أن يكون الكفن غالي السعر لا – المراد أن يكون الكفن نظيفاً وأن يكون كثيفا يستر الميت و يكون ساترا مغطياً لجميع جسد الميت، هكذا يكون الكفن حسناً.
قال رحمه الله: و لو لم يملك غيره.
إذا مات الميت و لا يملك إلا قطعة قماش يكفن فيها فقط –يكفن بقطعة القماش هذه- لأن الكفن يكون من رأس مال الميت - من ماله الخاص - دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتكفين مصعب بن عمير في نمرة لم يترك غيرها، - نمرة: ثوب – ما ترك مصعب غيره: كان هو الذي يملكه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتكفينه فيه، فيقول خباب ابن الأرث راو الحديث قال: كنا إذا غطينا بها رأسه كشفت قدماه، وإذا غطينا بها قدميه كشف رأسه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية رأسه ووضع الإذخر على قدميه – أنظروا الحاجة التي كان عليها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - ، و كم صبروا و تحملوا، الفقر و قلة ذات اليد من أجل دين الله تبارك وتعالى، الإذخر هو حشيش معروف طيب الرائحة.
قال رحمه الله: ولابأس بالزيادة مع التمكن من غير مغالاة.
ولا بأس بالزيادة على ما يستر مع التمكن، أي مع القدرة على وجود الزيادة من غير ما يكون فيه مغالاة و غلو في الكفن، فالواجب هو ثوب واحد يستر جميع الجسد، الأكمل هو ما ورد أنه فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم و هي ثلاثة أثواب بيض نقية، هذا أكمل شيء، أما مجاوزة الثلاثة و الزيادة فيدخل في إضاعة المال وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قيل و قال و كثرة السؤال وإضاعة المال، و المغالاة في الكفن - الزيادة هذه من إضاعة المال- .
قال المؤلف رحمه الله: و يُكَّفن الشهيد في ثيابه التي قُتل فيها.
الشهيد يُكّفن في نفس الثياب التي قُتل فيها لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بشهداء أحد، كفنّهم بثيابهم التي قُتلوا فيها.
قال رحمه الله: و ندب تطييب بدن الميت و كفنه.
تطييبه أي: بالطيب، يُطيب، جاء في حديث الذي وقصته ناقته، قال: "ولا تمسوه بطيب فإنه يُبعث ملبياً"، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُطيّبوا من كان مُحرِماً، لأن الطيب يَحرُم على المُحرِم، فلا يجوز استخدامه و استعماله له، فإنه سيبعث يوم القيامة ملبياً، هذا فيه إشارة إلى أنهم كانوا يستعملون الطيب فيمن كفّنوه، فمن هنا أخذ المؤلف هذا الكلام الذي ذكر، أما حديث خاص بذلك غير ما ذكرنا فلا نعرفه، وورد فيه حديث ضعيف فقط، و هو قوله: "اذا جمرتم الميت فأجمروه ثلاثا"، و يُستحب وضع الإذخر في قبره وقد ذكرنا الإذخر - حشيش معروف طيب الرائحة - يستحب أن يُوضع في قبره، لقول العباس عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر تحريم قطع الأعشاب و الثمار التي تظهر – يُحَرّم قطع الأعشاب و الأشجار التي تظهر في مكة- فقال له العباس إلا الإذخر يا رسول الله فإنّا نجعلها في بيوتنا و قبورنا، فقال صلى الله عليه و سلم: "إلا الإذخر إلا الإذخر"، و أقره على ذلك. فإذاً كانوا يأخذون الإذخر و يضعونه في قبورهم و أقرّ صلى الله عليه وسلم على هذا الفعل.
قال المؤلف رحمه الله: فصل صلاة الجنازة.
قال رحمه الله: و تجب الصلاة على الميت.
وجوبا كفائيا، فقد أمر بها صلى الله عليه و سلم في غير ما حديث، قال لأصحابه: "صلّوا على صاحبكم"، وثبت في الصحيح أن الصحابة صلّوا على المرأة التي كانت تقم المسجد، و لم يُعلموا النبي صلى الله عليه و سلم. دلّ ذلك على أن هذا الواجب إذا قام به البعض سقط عن الباقين ولا يجب على جميع من سمع به أن يأتي و يصلي عليه، فهو واجب كفائي.
قال المؤلف رحمه الله: و يقوم الإمام حِذاء رأس الرجل ووسط المرأة.
الإمام عندما يريد أن يصلي على الميت، إذا كان الميت رجلاً يقوم عند رأسه أما إذا كانت الميتة امرأة فيقوم عند وسطها, هذا لحديث أنس أنه صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه فلمّا رُفعت أُتي بجِنازة امرأة فقام عند وسطها، فلمّا راجعوه في ذلك وقالوا له أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل، قال: نعم، فدلّ ذلك على أن هذا الفعل سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث أخرجه أحمد و أبو داود.
وقال المؤلف رحمه الله: ويكبر أربعاً أو خمساً.
التكبيرات في صلاة الجنازة الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم هو ما ذكره المؤلف فقط لا زيادة، الأربع حديثها في الصحيحين وهي كثيرة جداً و عن جمع من الصحابة بل هو متواتر، أما الخمس فورد فيه حديث عن زيد بن أرقم في صحيح مسلم أنه كان يُكبر على الجنائز أربعاً، قال: ثم إنه كبر على جنازة خمس، فسُأل عن ذلك فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكبرها، فعمل زيد بن أرقم يدل على أن هذا الحكم غير منسوخ وأنه ثابت، لأن زيد بن أرقم علم الأربع و علم الخمس، فدلّ ذلك على أنه من اختلاف التنوع الذي يفعل هكذا مرة ويفعل هكذا مرةً أخرى، أما الست و السبع فلم يرد فيها حديث مرفوع أصلاً، وردت بعض الموقوفات على بعض الصحابة منها ما هو صحيح ومنها ما ليس بصحيح، و الحجة فيما فعله صلى الله عليه وسلم لا فيما فعله غيره، وأما الثمان فلا أعرف شيئاً ثبت فيها أصلاً، و أما التسع فورد فيها حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة بتسع تكبيرات لكن هذا الحديث استنكره غير واحد من العلماء ذكروا بأن هذا الحديث منكر، فلا يصح في التكبيرات إلا الأربع و الخمس فقط.
قال المؤلف رحمه الله: و يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة و سورة.
أما الفاتحة فنعم و أما السورة فلا- الفاتحة ورد فيها حديث في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه صلى على جِنازة فقرأ بفاتحة الكتاب و قال بعد أن قرأها: لتعلموا أنها سنة، أي سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذاً يكبر المرء التكبيرة الأولى ويقرأ بعدها فاتحة الكتاب، و أما السورة التي ذكرها المؤلف رحمه الله في نفس حديث ابن عباس هذا, جاء في رواية خارج صحيح البخاري قال فيها أنه قرأ فيها بفاتحة الكتاب و سورة, قال الامام البيهقي رحمه الله وهي زيادة غير محفوظة -أي أنها شاذة- و الصواب خلافها و كذلك ورد في نفس هذا الحديث زيادة - قرأ بفاتحة الكتاب و سورة وجهر- أي جهر بفاتحة الكتاب, وهي الزيادة أيضاً غير محفوظة، و المحفوظ هو الذي في الصحيح أن ابن عباس قرأ بفاتحة الكتاب و قال لتعلموا أنها سنة.
قال المؤلف رحمه الله: و يدعوا بين التكبيرات بالأدعية المأثورة.
انتقال المؤلف رحمه الله من التكبيرة الأولى مع الفاتحة الى التكبيرات الثلاث مع ذكر الدعاء، إشارة منه الى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم لا تثبت في هذا الموضع، هذا إشارة من المؤلف رحمه الله لذلك لم يذكرها أصلاً وهذا محل خلاف بين أهل العلم, والصحيح ان شاء الله أنها ثابتة في حديث أبي أمامة, أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يُكبر الإمام -هذا ما ذكره أبو أمامة- ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم, ويُخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات الثلاث ...الخ الحديث، فقوله هنا ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم أخدنا منها أن الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم بعد التكبيرة الثانية مسنونة و تفعل خلافاً لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله, ثم بعد ذلك في التكبيرة الثالثة و الرابعة و الخامسة إن كبّرها يكون الدعاء, و أفضل شيء الدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم، و الحديث الذي ورد في ذلك قوله صلى الله عليه و سلم: "اللهم اغفر له و ارحمه و عافه و اعف عنه و أكرم نزله و وسع مدخله و اغسله بالماء و الثلج و البرد و نقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس و أبدله داراً خيرا من داره و أهلاً خيراً من أهله و زوجاً خيراً من زوجه و أدخله الجنة و أعذه من عذاب القبر و عذاب النار"، هذا الحديث هو حديث عوف بن مالك عند مسلم في الصحيح, قال الإمام البخاري رحمه الله: حديث أبي هريرة و أبي قتادة و عائشة غير محفوظ, –أدعية وردت من أحاديث هؤلاء الثلاث قال هذه غير محفوظة يعني ليست بصحيحة قال وأصح شيء في الباب حديث عوف بن مالك و هو الحديث الذي قدمناه- و إن دعا بما فتح الله عليه فلا بأس ان شاء الله.
قال المؤلف رحمه الله: ولا يصلى على الغّال.
الغّال: هو الذي سرق من الغنيمة قبل قسمتها –غنائم الحرب- قبل أن تُقسم على أصحابها, هذا الغّال ورد في ذلك حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على الغّال في غزوة خيبر وهذا الحديث هو الذي استدل به المؤلف على ما ذكر, لكن في نفس الحديث قال صلى الله عليه وسلم "صلوا على صاحبكم", إذاً هذا يدل على أن الغّال لا تترك الصلاة عليه مطلقاً – لا - لابد أن يُصلى عليه كبقية المسلمين, بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه اذاً فيصلى عليه, ولكنه صلى الله عليه و سلم امتنع عن الصلاة عليه، فيُشرع في هذه الحالة للإمام أو لمن كانت له مكانة في نفوس الناس أن يترك الصلاة على الغّال و على من فعل كبيرة من الكبائر و معصية من المعاصي و بقي عليها, يُشرع للإمام أو من كانت له مكانة في نفوس الناس أن يترك الصلاة على هؤلاء كي يكون زاجرا لغيره عن هذا الفعل, كي يزجر غيره عن هذا الفعل – فعندما يرى أن مثل هذا الإمام أو الرجل الصالح لا يُصلي عليه ولا يدعو له بعد موته فربما يكون هدا زاجراً له عن فعلته -.
وقال المؤلف: و قاتل نفسه.
لما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم, أُتي برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يُصلِّ عليه، أخرجه مسلم في صحيحه، وهذا كالذي قبله فإن قاتل نفسه مسلم و إن كان قتل نفسه, و لكنه ارتكب عظيمة من العظائم و جريمة كبيرة من الجرائم وإثم عظيم عند الله تبارك و تعالى, حتى إنه ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة"، وقال أيضاً في حديث آخر : "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوّجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً" -أي يطعن- و هذا الحديث متفق عليه في الصحيحين, يبقى يعذب فيما قتل نفسه به, "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في جبل في نار جهنم و يعذب فيه خالداً مخلداً فيه أبدا", نسأل الله العافية و السلامة فهذه جريمة عظيمة ينبغي أن يكون الناس على حذر منها, ولكن قاتل النفس يبقى مسلماً فالصلاة عليه واجبة كبقية المسلمين, و لكن كما ذكرنا من كان إماماً أو رجلاً صالحاً معروفاً بين الناس وله مكانة في نفوس الناس, فهذا يشرع له أن يترك الصلاة على هذا الشخص كي يكون ذلك رادعاً لغيره.
قال المؤلف رحمه الله: و الكافر.
أي ولا يصلى على الكافر, الكافر لا تجوز الصلاة عليه لا إشكال في ذلك, الصلاة عليه غير مشروعة, الصلاة مشروعة على المسلم فقط, قال الله تبارك و تعالى: "ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره", هذا نهي من الله تبارك و تعالى في الصلاة على غير المسلمين –الكفار-, و كذلك الترحم عليه والاستغفار له محرم أيضاً لقول الله تبارك و تعالى: "ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم", فالكافر لا يجوز الاستغفار له و لا الترحم عليه بنص هذه الآية, ولا يجوز أيضاً أن نصلي عليه فالصلاة عليه فيها استغفار و فيها ترحم أيضاً على الكافر والكافر لا يجوز الترحم عليه ولا الاستغفار له, و اليوم في تجاوزات شديدة جداً في هذه المسائل –نسأل الله السلامة و العافية-.
قال رحمه الله: و الشهيد.
أي و الشهيد أيضاً لا يُصلى عليه، لكن هناك فرق عدم الصلاة على هذا من عدم الصلاة على هذا, هذا لا يصلى عليه لعظيم منزلته و لمكانته الرفيعة العالية, وذاك لا يُصلى عليه لخسة منزلته و قلتها –أي نعم-، الشهيد لا يصلى عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصلي على شهداء أحد، أخرجه البخاري في صحيحه, و الصلاة هي شفاعة من المصلين للمصلى عليه –أي نعم-, وترحم له لكن الشهيد هو الذي يَشفع في الناس، ليس بحاجة الى شفاعة الناس.
قال رحمه الله: ويصلى على القبر و على الغائب.
المقصود بالصلاة على القبر هنا صلاة الجنازة، و الصلاة التي نهى فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الى القبر تلك الصلاة المعروفة، التي هي الأفعال و الأقوال المخصوصة التي تؤدى في أوقات مخصوصة، تلك الصلاة: صلاة الظهر أو العصر أو غيرها من الصلوات التي فيها ركوع و سجود, هذه لا يجوز أن تصلى لا على قبر ولا إلى قبر و لا في مقبرة كل ذلك قد نهى عنه النبي صلى الله عليه و سلم, وكفى نهياً في ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم: "لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، فهذا منهي عنه, لكن صلاة الجنازة صلاة أخرى ليس فيها ركوع و لا سجود, و هذه تُشرع على القبر لأن النبي صلى الله عليه و سلم ثبت عنه في الصحيحين أنه ذهب وصلى على قبر المرأة التي كانت تقم المسجد –كانت تنظف المسجد- فقبروها في الليل –دفنوها-, و كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصلي عليها, كان نائماً و خشوا أن يزعجوه إذا أيقضوه فتركوه نائماً و صلوا عليها في الليل و ذهبوا و دفنوها, فعندما علم النبي صلى الله عليه و سلم ذهب و صلى عند قبرها و صلى معه أيضاً بعض الصحابة كما جاء في أحاديث أخرى.
أما الصلاة على الغائب فلم يحفظ عنه عليه الصلاة و السلام أنه صلى على غائب إلا على النجاشي, و الخاصية التي كانت في النجاشي أنه لم يُصلى عليه –النجاشي لم يُصلى عليه-, فصلى عليه النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الغائب, أما التوسع الذي نراه اليوم في صلاة الغائب, كل من أراد أن يصلِّ على آخر يأتي و يصلِّ صلاة الغائب –هذا توسع غير مرضي-، فالنبي صلى الله عليه و سلم لم يصلِّ على أحد صلاة الغائب إلا على النجاشي, و إلا فقد كان كثير من المسلمين يموتون بعيداً عن النبي صلى الله عليه و سلم و لم يصلِّ عليهم لا حاضراً و لا غائباً, و إنما صلى على النجاشي –نظرنا الى النجاشي, لماذا هو الذي صُليَّ عليه صلاة الغائب؟- فوجدنا أن النجاشي هو الوحيد الذي لم يُصلى عليه, مات ولم يُصلى عليه فصلى عليه النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الغائب. إذاً صلاة الغائب تُشرع و لكن لمن لم يصلى عليه, وليس مطلقاً و بالتوسع الموجود اليوم بين المسلمين.
نكتفي بهذا القدر إن شاء الله و السلام عليكم.