الدرس السادس

[المجلس السادس]


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، هذا الدرس السادس من دروس الدرر البهية.
انتهينا في الدرس الماضي من أركان وواجبات الوضوء.
قال المؤلف رحمه الله :فصلٌ
((ويستحب التثليث)) , التثليث هو غسل الأعضاء ثلاثا,وهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان وغيره, أنه عليه الصلاة والسلام غسل أعضاء الوضوء ثلاثاً ثلاثا, وصح عنه أيضاً أنه توضأ مرتين مرتين، وصح عنه أنه توضأ مرة مرة ، وكلها في صحيح البخاري موجودة. فالواجب غسلة واحدة, والمستحب والأكمل ثلاث غسلات.
قال رحمه الله:(( في غير الرأس)) أي جميع الأعضاء تغسل ثلاثاً ثلاثاً على الإستحباب و الواجب واحدإلا الرأس فواحدة دائماً، مسحة واحدة دائماً لا يُمسح مرتين و لا ثلاث، و جاءت روايات أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح على رأسه ثلاثاً لكن لا يصح منها شيء، كلها ضعيفة و الصحيح الأحاديث الصحيحة حديث عثمان وعلي و عبد الله و أبي هريرة و غيرهم كلها ليس فيها إلا مسحة واحدة على الرأس.
قال رحمه الله:(( و إطالة الغرة و التحجيل
)) الغرة بياض الوجه، و التحجيل بياض في اليدين و الرجلين، أصلها بياض غرة الفرس و بياض قوائم الفرس، بياض غرة الفرس كان يسمى غرة و بياض القوائم يسمى تحجيلاً، فالغرة المقصودة هنا بياض الوجه و التحجيل بياض في اليدين و الرجلين ، قال المؤلف باستحباب ذلك، استحباب إطالة الغرة و التحجيل يعني بأن تزيد من غسل الوجه و أن تزيد غسل اليدين و الرجلين، تزيد فيها، تطلع في اليدين تغسل أيضاً العضدين و في الرجلين تغسل أيضاً الساقين و أيضا تزيد في الوجه، هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله تبعا لأبي هريرة، قال: جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:" إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء" قال أبو هريرة: فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل، هذه اللفظة جاءت مرفوعة لكنها لا تصح، الصحيح أنها من كلام أبي هريرة و من اجتهاده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذه اللفظةلا يمكن أن تكون من كلامه صلى الله عليه وسلمفإن الغرة لا تكون في اليدلا تكون إلا في الوجهوإطالته غير ممكنةإذ تدخل في الرأس فلا يسمى ذلك غرة" ا.هـ.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد عما ذكر أبو هريرة رضي الله عنه من وضوء النبي صلى الله عليه و سلم ، عندما وصف أبو هريرة وضوء النبي صلى الله عليه و سلم لم يذكر إلا أن النبي صلى الله عليه و سلم شرع في العضد وأشرع أيضاً في الساقين، فأشرع يعني بدأ بشيء يسير منها بحيث أنه يستوعب الواجب من غسل اليدين والرجلين، إذاً فالإطالة التي ذكرها أبو هريرة هي من اجتهاده، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعلها، إذاً نقتصر على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والبياض الذي يأتي على الإنسان يوم القيامة هو مواضع الوضوء التي شرعها الله سبحانه وتعالىمن غير زيادة ، ويخشى على من زاد أن يدخل في حديث" هذا وضوئي فمن زاد على ذلك فقد تعدّى وأساء وظَلم".
قال رحمه الله:(( وتقديم السواك)) تقديم السواك على أعضاء الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم :"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء".
وقال:((وغسل اليدين إلى الرسغين ثلاثاً قبل الشروع في غسل الأعضاء المتقدمة))أيويستحب غسل اليدين إلى الرسغين ثلاثاً،الرسغ هو هذا المكان الذي يفصل ما بين الكف والساعد، الذي يفصل ما بين الكف والساعدهذا يسمى رسغاًسواء كان في اليد أو في الرجل، لكن كلامنا الآن مختص بما كان في اليد، غسل اليدين إلى الرسغين ثلاثاً هذا مستحب بإجماع علماء الإسلام،وجاء في حديث عثمان أنه عندما توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخذ كفاً من ماء ثم غسل يديه ثلاثاً ثم أدخل يده في الإناء فمضمض و استنشق ثلاثاً, إذاً كان أول ما بدأ به في وضوئه هو أن أفرغ على يديه و غسلهما ثلاثاً، أي غسل كفيه، هذا الغسل بعض الناس يظن أن غسل اليدين إلى المرفقين عندما يريد أن يغسلهما، هذا يكفي و يغني عن غسل الكفين مرة أخرى، و هذا خطأ، اليد تبدأ من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، إذاً لا بد أن تغسل كاملة عند غسل اليدين بعد غسل الوجه
.
ثم قال رحمه الله :
فصلٌ
((وينتقض الوضوء بما خرج من الفرجين من عين أو ريح
)) بدأ المصنف رحمه الله بنواقض الوضوءأي مبطلات الوضوءفذكر أولاً ما خرج من الفرجين من عين أو ريح، الفرجان: القبل و الدبر، مخرج البول و الغائط، إذا خرج منهما شيء يُرى بالعين المبصرة، هذا الذي يسمى العين، شيء يرى بالعين المبصرة، يقال: من عين أو ريح، عين إيش هو؟ الشيء الذي يرى بالعين المبصرة, كالبول و الغائط و الدم و الدود، هذا كله ينقض الوضوء عند المؤلف، ما خرج من القبل و الدبر، و يعبِّر العلماء عن ذلك : بما خرج من السبيلين، الخارج من السبيلين نوعان : نوع معتاد و نوع غير معتاد، النوع المعتاد و هو الغائط و البول و الريح والمني والمذي و الودي،هذهستة
.
و نوع غير معتاد مثل: الدود و الحصى و الدم و الشعر ، هذا مثال (تمثيل) و ليس حصراً، لكن هذه الأشياء لا تخرج في العادة،أما الأولى ففي العادة تخرج، أما دليل خروج الغائطو أنه ناقض للوضوء فقول الله تبارك و تعالى:{ وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط} هذا الشاهد {أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا} إذاً قوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط) يدل على أن الذهاب إلى الغائط وإخراج الخارج من البطن ينقض الطهارة ويحتاج إلى استعمال الماء فإن لم توجد الماء فالتيمم.
وأما البول فدليله حديث صفوان ابن عسّال وهو دليل أيضا على أن الغائط ينقض الوضوء، الذي أخرجه الترمذي وغيره، قال زر بن حبيش: أتيت صفوان ابن عسّال أسأله عن المسح - أي المسح على الخفين- فقال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا -أي إذا كنا مسافرين -ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم" أي أمرنا أن لا ننزع خفافنا إذا انتقض وضوؤنا من هذه الثلاث واحتجنا أن نتوضأ، فلا ننزع خفافنا ونتوضأ ونمسح عليها، لكن من الجنابة ننزع خفافنا.
الشاهد قوله:" ولكن من غائط وبول ونوم" فهذا يدل على أن هذه الثلاث نواقض للوضوء ، الغائط والبول والنوم، الغائط والبول نحن نستدل عليها الآن، والنوم سيأتي الحديث عنه إن شاء الله .
ودليل الريح
قول النبي صلى الله عليه وسلم
:" إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " إذا شعر بخروج الريح أو سمع الصوت فهنا يخرج ليتوضأ، هذا دليل على أن خروج الريح ناقض للوضوء، وكذلك خروج المني ناقض للوضوء بالإجماع فيما نقله ابن المنذر وإن حصل الخلاف بعد ذلك، قال ابن المنذر رحمه الله في كتابه الإجماع : (وأجمعوا على أن خروج الغائط من الدبروخروج البول من الذكروكذلك المرأةوخروج المنيوخروج الريح من الدبروزوال العقل بأي وجه زال العقلأحداث ينقض كل واحد منها الطهارة ويوجب الوضوء) .
كم حدث عدّ ابن المنذر مجمَع على أنها ناقضة الوضوء؟ خمسة :
الغائط والبول وخروج المني وخروج الريح من الدبروزوال العقل بأي وجه زال العقل( إغماء أو بنج أو غير ذلك )زوال العقل ينقض الوضوءبالإجماع كما نقل ابن المنذر
، هذه كلها نواقض للوضوء متفق عليها.
إذاً ذكرنا الآن من الخارج من السبيلين المعتاد: الغائط والبول والريح والمني ، بقي معنا المذي والودي ، أما المذي قد تقدم تعريفه في الدروس الماضية، فالدليل على أنه ناقض للوضوء قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي تقدم أيضاً معنا الذي قال فيه علي:" كنت رجلا مذاءا وكنت أستحي من النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته منه ، فأرسل المغيرة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال عليه الصلاة والسلام "يغسل ذكره ويتوضأ " ، إذاً يفيد ذلك أن المذي ناقض للوضوءيحتاج إلى وضوء .
وأما الوَدي فهو ماءٌ يخرج من الذكر بعد البول، اختلف أهل العلم هل هو ناقض للوضوء أم لا؟قال ابن المنذر وقوله إن شاء الله هو الصواب ،قال :( والوضوء يجب بخروج البول وليس يوجب بخروجه شيءإلا الوضوء الذي وجب بخروج البول)، فجعل ابن المنذر رحمه الله نقض الوضوء بالبول الذي خرج متقدماً على الوديوليس بالودي.
والظاهر من كلامه أن هذا الوديأو الماء الذي يتبع البول , هو دائماً ملاصق للبول ملازم له لا ينفك عنه ، إذا خرج إنما يخرج بعد البول، فإذا كان هذا هو الحال فالنقض يكون بالبول ولا إشكال.
هذا من ما يتعلق بالخارج من السبيلين المعتاد.
أما غير المعتاد مثل الحصى والدم والشعر الذي مثلنا به،فالصحيح فيه أنه إن خرج معه بول أو غائط انتقض الوضوء بالبول والغائط، إن خرج معه ما ينقض الوضوء أصلاً كالبول والغائط أو الريحفهنا يكون ناقضاً للوضوء لا إشكال،ليس به ولكن بما خرج معه.
بعض أهل العلم كابن قدامه رحمه الله في المغني يقول :( لا يخرج شيء من البول أو من الغائط إلا وقد خرجت معه بَلة من البول أو من الغائط) فإذا كان الحال كما ذكرفلا إشكال في أنه ناقض للوضوء، لأن الغائط أو البول إذا خرج ينقض الوضوء، لكن إذا خرج الشيء جافاً وقلنا بخروجه وأنه يوجد ما يخرج بمثل هذه الصورةفهل ينقض الوضوء؟ هنا محل الإشكال،الشيء الذي يخرج على غير العادة، مثل الحصى والشعر والدم وهذه الأشياء، فإذاًإذا خرجت من غير وجود بول أو غائط أو ريح معهافمثل هذه الصحيح أنها لا تنقض الوضوء،لعدم وجود الدليل على ذلك . بعض أهل العلم ذهب إلى أنها أيضاً نواقض للوضوءواحتجوا بالقياس، ونحن نقول: القياس هاهنا لا محل له ، القياس في هذا الباب لا محل له،وكون الشيء ناقضاً للوضوء أمر تعبدي لا يمكن الوقوف على علته،وأحياناً بعض الفقهاء تجده يتكلف في استنباط واستخراج العلة مما يجعلهم يبتعدون عن الصواب.فالطهارات عبادات تعبَّد الله بها خلقهغير معقولة عللها، وقد يخرج من المخرج الواحد ما يوجب الوضوء وما يوجب الغسل وما لا يوجب شيئاً،من المخرج الواحد ممكن أن يخرج شيء يجب بخروجه الوضوء، وجائز أن يخرج شيء يجب بخروجه الغسل، ويخرج شيء لا يجب بخروجه شيء، فإذاً المخارج ليست علة لتعليق الحكم بها.
ثم قال المصنف رحمه الله:(( وبما يوجب الغسل)) , أي وينتقض الوضوء بما يوجب الغسل ،أي في الجماع ،وهو ماذا؟ ما يوجب الغسل في الجماع التقاء الختانين أو نزول المني، نزول المني قد تقدم الحديث عنه ، أما التقاء الختانين فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" وفي رواية أخرى "إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل " هذا ما يوجب الغسل إذاً فهو ناقض على ما ذكر المؤلف وقال: لا خلاف في انتقاضه به ، إذاً فإذا كان لا خلاف فلا جدال.
قال رحمه الله:((ونوم المضطجع)) أي أن نوم المضطجع أيضاً يعتبر ناقضاً من نواقض الوضوء،النوم: الصحيح من أقوال أهل العلم أنه مظنة لنقض الوضوء وليس هو ناقض بذاته،ليس النوم ناقضاً من نواقض الوضوء ولكنه مظنة لنقض الوضوء،ما يعني هذا الكلام؟ يعني أن النوم ليس كخروج البول مثلاً وليس كخروج الغائط ، هو نفسه إذا خرج نقض الوضوء،ولكن احتمالية نقض الوضوء مع النوم واردة،فمن الممكن أن يخرج ريح من النائمأم لا يمكن؟ ممكن جائز ربما خرج من النائم ريحفينتقض وضوؤه وهو لا يشعر ، إذاً فلما كان النوم مظنة لنقض الوضوءصار لا بد من الوضوء به،دليل كون النوم ناقضاً للوضوء أو مظنة لنقض الوضوء، أنه جاءت أحاديث في النوم فيها بعض التعارض ، فاختلفت وجهات نظر العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث،الحديث المتقدم حديث صفوان بن عسال قال:"ولكن من غائط وبول ونوم "إذاً يدل هذا على أن النوم ناقض للوضوء،لكن صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال :" إنهم - أي الصحابةكانوا ينامون فتَخْفِق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون"تخفق رؤوسهم يعني النائم عندما يكون الشخص منتبه ثم ينام ينزل رأسه تلقائياً، هذا خفق الرأس , قال :"كانوا ينامون فتخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون"هذا يدل على ماذا ؟ على أن النوم ليس ناقضاً للوضوء فمن هنا اختلفت وجهات نظر العلماء في الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك ، فذهب بعضهم إلى ما ذهب إليه المصنف , ففرّقوا ما بين أن يكون النائم جالساً وبين أن يكون مضطجعاً، قالوا: إذا كان جالساً يكون متمكناً فلا يخرج منه شيء، أما إذا كان مضطجعاً فيخرج منه الشيء وهو لا يشعر لنومه،لكن حصلت قصة طريفة مع أحد العلماء الذين كانوا يتبنون هذا القول،كان في مجلسوكان بجانبه أحد الطلبة نائماً فأخرج هذا الرجل ريحاً وهو جالس ، فجاء موعد الصلاة فقال هذا العالم لذاك الرجل: قم فتوضأ،قال له:- وهذا يدرس عندهيعني أخذ مذهبه- فقال له لقد كنت جالساً متمكناً،قال له: قُم فقد سمعت وشممتوإني أُشهدكم أني رجعت عن قولي،انتهى الأمر فما بقي له قول بعد ذلك،إذاً من الجائز وربما يحصل هذا الشيء،أن يكون الشخص جالساً ويخرج منه الريح فلا فرق ما بين الجالس والمضطجع،طيب إذاً كيف الجمع بين هذه الأحاديث؟نقول في الجمع بينها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللهوغيره من أهل العلم ، قالوا : (وبما أن النوم مظنة الحدث فإذا نام بحيث لو انتقض وضوؤه أحس بنفسه ، فإن وضوءه باق،وإذا نام بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه فقد انتقض وضوءه ) بمعنى كلامه رحمه الله(الكلام لشيخ الإسلام رحمه الله)
بما أن النوم مظنة للحدث فإذا نام بحيث لو انتقض وضوؤه أحس بنفسهوشعر بخروج الريح مثلاًفإن وضوءه باقٍ لأن شعوره موجود وباق ويعلم متى ينتقض وضوءه ومتى لا ينتقض ، أما إذا نام بحيث لا يشعر إن خرج منه شيء،فهنا يجب عليه أن يتوضأ،وبهذا الجمع يُعمل بجميع الأدلة.

قال المصنف رحمه الله:(( وأكل لحم الإبل)) أي ومن نواقض الوضوء أكل لحم الإبل،لحديث جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى عليه وسلم:" أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ،قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم،قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا" هذا الحديث فرّق فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين أكل لحم الغنم وأكل لحم الإبل، مما يدل على أن هذا الحديث جاء بعد نسخ الوضوء مما مسَّت النار ،بعض أهل العلم يقول: طبعاً الوضوء مما مست النار كانت فيه مرحلتان : المرحلة الأولى كان واجب عليهم أن يتوضئوا إذا أكلوا ما مسته النار، كاللحم مثلاً والمرق وغيره ،ما مسته النار إذا أكلوه وجب عليهم الغسل ،ثم بعد ذلك نسخ هذا الحكم،فجاء في الحديث أنه كان آخر الأمرين عدم الوضوء مما مسته النار، فنسخ الحكم ذاك،فبعض أهل العلم قال هذا الأمر بالوضوء من لحم الإبل من المنسوخ ،فرد عليهم أهل العلم بماذا؟ قالوا: لقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الأكل من لحم الغنم والأكل من لحم الإبل،فلو كان الأمر كما قلتم وذكرتم فكيف أباح النبي صلى الله عليه وسلم الأكل من لحم الغنم وهو أيضا مما مست النار،إذاً هذا القول مردود عليهم، وأسعد الناس بهذا الحديث هم أهل الحديث،أهل الحديث هم الذين يُفتون بما يقتضيه هذا الحديث ، والإمام الشافعي رحمه الله قال :( إن صح الحديث بذلك قلت به) وقد صح ، الحديث في صحيح مسلم .
قال رحمه الله:(( والقيء ونحوه))القيء ما قذفته المعدة ، يسمى عندنا هنا مراجعةويسمى في بعض بلاد المغرب العربي طراشة .
قوله:(( ونحوه)) كالقلَص،وهو ما خرج من الجوف ملء الفم أو ما دونه،تشعرون به أحياناً يعني عصارة المعدة تخرج وترجع ولا تكمل طريقها هذا يسمى قلَص ،وكالرعاف أيضاً وهو الدم يخرج من الأنف،فالقيء والقلص والرعاف عند المصنف نواقض للوضوء،احتج المؤلف رحمه الله بما أخرجه الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ،وبحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أصابه قيء أو رعاف أو قلص أو مذي فلينصرف فليتوضأ" أخرجه ابن ماجة وغيره والحديثان ضعيفانلا يصحان وبناءً على ذلك فالقيء والرعاف والقلص ليست من نواقض الوضوء.
قال:(( ومس الذكر )) ورد في مس الذكر أحاديث متعارضة منها حديث بسرى بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من مس ذكره فليتوضأ" ومنها حديث طلق بن علي "إنما هو بضعة منك " فالصحيح أن هذه الأحاديث لم ترد بأسانيد تطمئن النفس إليها وتبنى عليها أحكام شرعية،فالصحيح عندي أنها كلها ضعيفةلا يصح منها شيءلذلك يبقى الأمر على أصلهوأن مس الذكر ليس ناقضاً للوضوء، وكذلك مس المرأة ليس ناقضاً للوضوء،لأن قول الله تبارك وتعالى :{أو لامستم النساء } يراد به الجماع على الصحيح ، فإن الله سبحانه وتعالى يكني عن الجماع بما شاء،وقد كنّى عن الجماع بالمس في مواضع أخرى،فنقول بما قاله ابن عباس رضي الله عنه في هذاأن الملامسة هنا بمعنى الجماعوبناءً على ذلك فمس المرأة لا يكون ناقضاً للوضوء،ويبنى على ذلك أن المرأة إذا غيَّرت لابنها ومست ذكره أو مست دبره لا يعتبر هذا ناقضاً لوضوئهاويجوز لها أن تصلي بعد أن تغسل يديها من النجاسات .
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

نتوقف إلى هنا