القائد الدميث إلى شرح الباعث الحثيث الجزء الثالث عشر

الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين.
أما بعد : فهذا المجلس الثالث عشر من مجالس شرح الباعث الحثيث، كنا ذكرنا في المجلس السابق الحديث المدلس و ذكرنا أن التدليس عند ابن الصلاح رحمه الله قسمان :
القسم الأول : تدليس الإسناد.
القسم الثاني : تدليس الشيوخ.
و ذكرنا أن بعض أهل العلم يدخل المرسل الخفي في تدليس الإسناد و البعض يفرق بينهما و قلنا بأن تدليس الإسناد هو أن يروي الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه.
و أما تدليس الشيوخ فقال المؤلف رحمه الله :
وأما القسم الثاني من التدليس: فهو الإتيان باسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور به، يذكر شيخه و لكنه لا يسميه باسمه المشهور به عند المحدثين، يكنيه أو يسميه أو يلقبه باسم أو كنية أو لقب غير مشهور به عند المحدثين، فإذا فعل ذلك أوهم السامع أن شيخه هذا غير الشيخ المعروف الذي اشتهر عند المحدثين. فإذا قال عن شيخه المعروف مثلا حدثنا أبو عبد الله و أبو عبد الله هذا لا يعرف بين المحدثين بهذه الكنية فيكون قد دلس في اسم شيخه و كناه بكنية لا يعرف بها.
لماذا يفعل ذلك ؟ تعمية لأمره،أي كي يغطيه عن الناس و كي يوعر على المحدثين الوقوف على حقيقته وتوعيراً للوقوف على حاله.
أما حكمه : و يختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارة يكره، أي يكون مكروها كراهة تنزيه كما إذا كان أصغر سناً منه، أو نازل الرواية،فإذا كان شيخه أصغر منه سنا يستحي أن يحدث عنه فيكنيه بكنيه أو يلقبه و يسميه بشيء لا يعرف به عند المحدثين فمثل هذا الفعل لا يؤدي إلى ضرر كبير على الرواية فلا يكون محرما.
أو أن يكون نازل الرواية يعني أنه بدلا من أن يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم بخمسة ينزل في الرواية فيذكر هذا في الإسناد فيكون قد روى الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم بستة أو بسبع رواة.
ونحو ذلك،أسباب أخرى كثيرة.
وتارة يحرم،أي تارة يكون هذا الفعل محرما كما إذا كان غير ثقة كأن يكون شيخه الذي أبهم اسمه الحقيقي يكون ضعيفا فيبهمه كي يخفي حاله على المحدثين فمثل هذا الفعل محرم لا يجوز لأنه يؤدي إلى الضرر بالرواية.
كما إذا كان غير ثقة فدلسه لئلا يعرف حاله، أو أهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه أو كنيته.أي كناه بكنية تتناسب مع كنية ذاك الثقة فأوهم الناظر أو السامع أنه ذاك الثقة فهذا الفعل محرم لا يجوز لأنه يؤثر في الرواية.
قال:وقد روى أبو بكر بن مجاهد المقرئ عن أبي بكر بن أبي داود فقال: أبو بكر ابن أبي داود السجستاني .
فقال: " حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله " وهو معروف بماذا ؟ معروف عند المحدثين بأبي بكر ابن أبي داود فحدث عنه فماذا قال؟ " حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله " فمثل هذا تدليس شيوخ، وعن أبي بكر محمد بن حسن النقاش المفسر فقال: " حدثنا محمد بن سند " نسبه إلى جد له. والله أعلم.
هو معروف عند العلماء باسم محمد بن حسن النقاش فغيره و قال محمد بن سند و هو يسمى بهذا الاسم لكنه غير مشهور به، يسمى محمد بن سند، سند أحد أجداده المهم تصح تسميته بهذا و لكنه غير مشهور بهذا الاسم. هذا هو تدليس الشيوخ.
قال أبو عمرو بن الصلاح: وقد كان الخطيب لهجاً بهذا القسم من التدليس في مصنفاته.
أي الخطيب البغدادي كان لهجا أي كان مولعا به يكثر منه هذا الفعل و هو تدليس الشيوخ رحمه الله.
و حكم تدليس الشيوخ هذا – من حيث الرواية – إذا بحثنا و عرفنا من هو هذا الشيخ و الذي سمي بهذا الاسم الذي لم نعرفه إذا بحثنا و وجدناه و عرفنا من هو نحكم عليه بما يستحق من صحة أو ضعف، أما إذا لم نعرفه فنتوقف فيه.
هذا ما نفعله مع تدليس الشيوخ، أما تدليس الإسناد الذي تقدم فلا يقبل حتى يصرح صاحبه بالتحديث، يقول حدثنا فلان أو سمعت أو أخبرنا أو أنبأنا، هذه الصيغ الصريحة في التحديث فإذا قال هذا من عرف بأنه مدلس إذا قال هذا قبل منه و إذا لم يقله لم يقبل منه.
بقي معنا النوع الثالث و هو تدليس التسوية الذي لم يذكره المصنف رحمه الله بناء على أنه داخل في ضمن تدليس الإسناد.
تدليس التسوية هو أن يروي الراوي عن شيخه ثم يسقط ضعيفا بين ثقتين قد سمع أحدهما من الآخر فلنرسم عندنا إسنادا و نشير إلى الراوي الأول برقم 1 و الراوي الثاني برقم 2 والذي بعده 3 و الذي بعده 4.
تدليس التسوية أن يروي رقم 1 هذا الحديث عن رقم 2 و يكون رقم 2 قد سمع من رقم 3 و من رقم 4 في الأصل بغض النظر عن حديثنا هذا الذي معنا. في الأصل رقم 2 شيخ رقم 1 الذي هو المدلس. شيخه رقم 2 سمع من شيخين من رقم 3 و رقم 4. هذه الرواية التي معنا يرويها رقم 2 عن قم 3 عن 4 و لم يسمعها من رقم 4 مباشرة فماذا يفعل رقم 1؟ينظر في رقم 3 فيجده ضعيفا فيقول كيف شيخي يروي عن راو ضعيف، إذا أسقطته ماذا سيحصل ؟ سيظهر للناظر أو السامع أن الإسناد كالتالي: 1 عن 2 عن 4، فإذا راجع يجد أن رقم 2 قد سمع أصلا من رقم 4 إذن سيظن أن الإسناد على هذه الصورة وهو صحيح. هذه صورة تدليس التسوية.
إذن رقم 1 روى عن شيخه رقم 2 و أسقط راويا ضعيفا و هو رقم 3 و قد سمع رقم 2 من رقم 4 حتى يظهر الإسناد أنه متناسق و أنه ليس فيه انقطاعا فبهذه الصورة يسمى هذا التدليس بتدليس التسوية و يدخله بعض علماء الحديث في تدليس الإسناد. هذه صورة تدليس التسوية و هذا الفعل لا يقبل من الراوي الذي عرف بأنه يدلس تدليس التسوية لا يقبل منه إلا إذا صرح بالتحديث بينه و بين شيخه و بين شيخه و شيخ شيخه و الأفضل أن يصرح بالتحديث في جميع طبقات السند، في جميع طبقات السند يكون أفضل لكن إن صرح بالتحديث بينه و بين شيخه و بين شيخه و شيخ شيخه فيكفي إن شاء الله كي نأمن من تدليس هذا الشخص. هذه صورة تدليس التسوية و هناك أنواع أخرى من التدليس ذكرها الشيخ أحمد شاكر عندكم في الحاشية منها تدليس العطف كأن يقول الراوي حدثنا فلان و فلان و هو لم يسمع هذه الرواية من الثاني، في الأصل يكون قد سمع منه لكن هذه الرواية بالذات يكون لم يسمعها منه، لكن ماذا قصد بقوله حدثنا فلان و فلان قصد أن حدثنا فلان الأول و سمع منه أما الثاني فقدّر في نفسه: و فلان حدثه أي حدثه بحديث بهذه الطريقة دلس و هذا التدليس يسمى تدليس العطف يكون قد سمع من الأول و لم يسمع من الثاني.
و منه أيضا تدليس السكوت كأن يقول حدثنا أو سمعت ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة و الأعمش فيوهم أنه قد سمع منهما و هو لم يسمع منهما، هذا أيضا تدليس يسمى تدليس السكوت.
و هناك أيضا تدليس يسمى تدليس البلدان، كأن يقول حدثنا فلان بالأندلس و تكون عنده في بلاده حي اسمه حي الأندلس هو في مصر مثلا، منطقة في مصر اسمها حي الأندلس فإذا قال أحد المصريين حدثنا فلان بالأندلس يكون تدليس بلدان فأوهم السامع بأنه ماذا ؟ بأن فلان قد حدثه في بلاد الأندلس التي هي إسبانيا اليوم، أوهم السامع هذا الأمر و هو حقيقة قد حدثه في مصر. أو يقول المصري كذلك حدثنا فلان بزقاق حلب فيظن أنه في سوريا و هو حقيقة منطقة في القاهرة و هكذا، هذا يسمى تدليس البلدان.
على كل حال هذه الأنواع من التدليس قليلة و قليل ما تمر بك من الناحية العملية و أكثر شيء يمر بك هو تدليس الإسناد و تدليس الشيوخ و ذكرنا شرطيهما في قبولهما.
قال المؤلف رحمه الله:
النوع الثالث عشر
الشاذ
الشاذ لغة : تقدم معنا في البيقونية و قلنا الشاذ لغة هو الفرد.
اصطلاحا:على الراجح و الصحيح: مخالفة المقبول لمن هو أولى منه. فقولنا المقبول يدخل فيه الثقة صاحب الحديث الصحيح و يدخل فيه الصدوق صاحب الحديث الحسن. أي واحد من هؤلاء خالف من هو أوثق منه من ناحية الصفة أو من ناحية العدد يكون حديثه شاذا. مخالفة المقبول لمن هو أولى منه، المقصود بأولى منه أن يكون أقوى منه إما أقوى منه بالعدد الواحد يخالف الاثنين أو ثلاث أو أربعة أو أن يكون أقوى منه من ناحية الحفظ هو يكون صدوق و الذي خالفه يكون ثقة أو هو يكون ثقة و الذي خالفه يكون ثقة حافظ ففي هذه الحالة مع وجود المخالفة نحكم على الأضعف بأن روايته شاذة. هذا هو الشاذ و مثلنا له بحديث الإشارة و ذكرنا أن ابن خزيمة رحمه الله أخرج في صحيحه عن عاصم ابن كليب عن أبيه عن وائل ابن حجر قال صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم و ذكر من صفة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال "و فرش فخذه اليسرى و أشار بأصبعه السبابة " يعني في الجلوس في التشهد "و أشار بأصبعه السبابة" هذا الشاهد في حديث عاصم ابن كليب قال " و أشار بأصبعه السبابة "، روى هذا الحديث عن عاصم ابن كليب اثنا عشر راويا كلهم يقول في روايته هذا اللفظ "و أشار بأصبعه السبابة". جاء الراوي الثالث عشر و هو زائدة بن قدامة و قال ماذا؟ "يحركها" زاد هذه الزيادة، هذه الزيادة زادها زائدة ابن قدامة، لو كانت محفوظة و صحيحة لحفظها الرواة الاثنا عشر و منهم شعبة و السفيانان بما أنه لم يزدها و لم يذكرها إلا زائدة غلب على الظن أن هذه الزيادة منه فتكون شاذة في الحديث ليست من رواية وائل ابن حجر و تكون الرواية الصحيحة هي قوله و أشار بأصبعه السبابة. الشاهد هنا أن زائدة ابن قدامة روى الحديث عن عاصم ابن كليب و رواه أيضا شعبة و السفيانان و غيرهم عن عاصم ابن كليب فخالفهم زائدة بن قدامة بزيادة على أصل الحديث في الحديث، زاد زيادة لم يزدها هؤلاء فهذه مخالفة و هذه المخالفة يحكم عليها بماذا ؟ بالشذوذ لأن زائد خالف اثني عشر راويا، و الشاذ مخالفة المقبول و زائدة مقبول ثقة ثقة لكنه خالف، مخالفة المقبول لمن هو أولى منه، و الأولى منه كان هنا العدد و الحفظ أيضا، العدد و الحفظ، شعبة و السفيانان أحفظ من زائدة ابن قدامة و العدد اثنا عشر راويا عدد كبير فالمخالفة لا تقبل في مثل هذه الصورة و يحكم عليها بالشذوذ. هذا هو الشاذ و حكم على هذه الزيادة بالضعف ابن رشد رحمه الله في بداية المجتهد و كذلك شيخنا الوادعي رحمه الله.
قال المصنف رحمه الله:
قال الشافعي: وهو أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره.ليس الحديث الشاذ أن يتفرد الراوي برواية لا، تفرد الراوي بالرواية لا يسمى شاذا، الشاذ فيه مخالفة و لابد، أن يخالف ما روى الناس لابد من المخالفة كي يحكم عليه بالشذوذ. أما مجرد الزيادة أتى بأصل لحديث لم يأت به غيره هذا لا يعتبر شاذا. و ليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره، إذا روى حديثا لم يروه غيره لا يعتبر هذا شاذا لكن إذا خالف الناس في الرواية و زاد أو نقص أو غير في المعنى فهذا يعتبر شاذا.
وقد حكاه الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني عن جماعة من الحجازيين أيضاً. أي هذا القول الذي ذكره الشافعي رحمه الله.
قال: أي الخليلي والذي عليه حفاظ الحديث: أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد،أي جاء من طريق واحد، حديث جاء من طريق واحد يشذ به ثقة أو غير ثقة، سواءكان هذا الطريق قد تفرد به راو ثقة أو تفرد به راو غير ثقة فيتوقف فيما شذ به الثقة ولا يحتج به، ويرد ما شذ به غير الثقة. إذن هنا عند الخليلي أن الحديث الشاذ هو الفرد، الحديث إذا تفرد به راو سواء كان ثقة أو غير ثقة عند الخليلي يعتبر شاذا.
إذا كانت الرواية عن ثقة ما حكمها عنده ؟ قال يتوقف فيه، لا يقبل و لا يرد.
و إذا كان ضعيفا قال ماذا؟ يرد حديثه، هذا كلام الخليلي.
لكن اختلفوا على الخليلي ما هو مراده بالثقة هنا ؟ هل مراده تفرد أي ثقة بحديث يعتبر هذا شاذا عنده و يجب أن يتوقف فيه المحدثون، أم أن الثقة عنده من هو في أعلى درجات الحفظ كالإمام مالك رحمه الله و غيره. هو هذا الثاني هو الظاهر من كلام الخليلي رحمه الله.
بعد التأمل، من تأمل في كلام الخليلي تبين له هذا أنه يريد بالثقة هنا من لم يصل إلى درجة مالك رحمه الله و هؤلاء الحفاظ في الحفظ، فإذا لم يصل إلى هذه الدرجة يسمي الخليلي حديثه شاذا أما إذا كان كدرجة مالك فقال الخليلي بأن العلماء اتفقوا عليه أي أن حديثه مقبول.
إذن فالثقة عند الخليلي لا يدخل فيه الحافظ الذي كمل حفظه و لكن يدخل فيه الثقة الذي لم يصل إلى هذه الدرجة، فهذا يسميه شاذا.
و بعضهم قال لا هو أراد الثقة عموما لكن هذا مشكل لأنه سيؤدي إلى إضاعة أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم كلها أو الكثير فكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم أو الكثير منها فكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم تفرد بها الثقات و كثير من أفراد الثقات موجودة في الصحيحين.
على كل حال هذا مراد الخليلي رحمه الله.
وقال الحاكم النيسابوري: هو الذي ينفرد به الثقة، وليس له متابع.لو اقتصرنا على هذا المعنى من كلام الحاكم يتبين لنا أن الشاذ عند الحاكم ما هو ؟ هو الذي تفرد به الثقة. إذن اختلف عن كلام الخليلي بأن الخليلي يعد ما تفرد به الثقة و الضعيف شاذا أما الحاكم فيعد ما تفرد به الثقة فقط شاذ، لكن كلام الحاكم هنا مقطوع له تتمة و لو أكملوا تتمته لوصلوا إلى الصواب مع الحاكم رحمه الله.
قال السيوطي : وقال – أي الحاكم – و يغاير المعلل – أي الشاذ يختلف عن المعلل – في أن ذلك وقف على علته – لأن المعلل استطعنا أن نعرف ما هي علته – الدالة على جهة الوهم فيه – التي بينت لنا مكان الخطأ – و الشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك – هنا الحاكم يبين أن الشاذ ليس عنده مجرد تفرد ثقة لا ولكن عنده الشاذ هو الحديث الذي تفرد به الثقة و تبين أنه خطأ أن حديثه خطأ هذا كلام الحاكم رحمه الله -.
و قال الحافظ ابن حجر: و بقي من كلام الحاكم : "و ينقدح في نفس الناظر أنه غلط " إذن هنا يتبين الفرق. كلام الحاكم دقيق و صحيح عند الحفاظ، الثقة إذا تفرد بحديث و تبين عند الحافظ أن هذا الحديث غلط يسمى عندهم شاذا. قال: " و لا يقدر على إقامة الدليل على ذلك و هذا القيد لابد منه... إلخ كلام الحافظ رحمه الله.
إذن الشاذ عند الحاكم ما تفرد به الثقة و انقدح في نفس الحافظ أنه غلط و ليس مطلق تفرد الثقة.
قال ابن الصلاح: ويشكل على هذا: أي على كلام الحاكم و على كلام الخليلي بناء على أنهم أرادوا بالشاذ ما تفرد به الثقة حديث " الأعمال بالنيات " الذي في الصحيحين، فإنه تفرد به عمر، وعنه علقمة، وعنه محمد بن إبراهيم التيمي، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري. ثم بعد ذلك اشتهر الحديث، هذا الحديث فرد من أفراد الصحيحين و أفراد الصحيحين كثيرة و ليس هذا فقط فإذا قلنا بأن الشاذ ما تفرد به الثقة و كان عندنا الشاذ مما يرد فمعنى ذلك أننا نحتاج إلى أن نرد الكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم.
" قلت " و الكلام لابن كثير: ثم تواتر عن يحيى بن سعيد هذا، الحديث أي حديث "إنما الأعمال بالنيات" كثر رواته عن يحي بن سعيد هذا فيقال: إنه رواه عنه نحو من مائتين، وقيل أزيد من ذلك، لكن هذا لا يخرجه عن أنه حديث فرد لأنه قد تفرد به أربعة يحي ابن سعيد الأنصاري و محمد بن ابراهيم و علقمة وعمر بن الخطاب فلا يخرجه عن كونه حديثا فردا و إن تواتر بعد يحي ابن سعيد الأنصاري وقد ذكر له ابنمنده متابعات غرائب، ولا تصح، كما بسطناه في مسند عمر، وفي الأحكام الكبير. الغرائب لا تغني عنه شيئا.
قال: وكذلك حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته ".أيضا يقول المؤلف أن هذا حديث فرد من أفراد الصحيح.
وتفرد مالك عن الزهري عن أنس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المِغفر " .كذلك هذا من الأحاديث الأفراد، هذا ما ذكر المؤلف.
وكل من هذه الأحاديث الثلاثة في الصحيحين من هذه الوجوه المذكورة فقط.
وقد قال مسلم: للزهري تسعون حرفاً لا يرويها غيره.
وهذا الذي قاله مسلم عن الزهري، من تفرده بأشياء لا يرويها غيره: يشاركه في نظيرها جماعة من الرواة. أي أن أحاديث الصحيحين يوجد فيها الكثير من تفردات الثقات و مع ذلك قبلها العلماء و عملوا بها، إذن فلا يصح أن نقول الحديث الذي تفرد به الثقة يعتبر شاذا.
فإن الذي قاله الشافعي أولاً هو الصواب: الصحيح أن الذي قاله الإمام الشافعي هو الصواب في تعريف الشاذ عند علماء الحديث. أنه إذا روى الثقة شيئاً قد خالفه فيه الناس فهو الشاذ، يعني المردود وليس من ذلك أن يروي الثقة ما لم يروا غيره، ليس من ذلك أن يروي الثقة حديثا يتفرد به بل هو مقبول إذا كان عدلاً ضابطاً حافظاً. و هذا الذي عليه عمل علماء الحديث القدامى و الحديثون.
فإن هذا لو رُد، مثل هذا الحديث الذي يرويه العدل الضابط لو ردلرُدت أحاديث كثيرة من هذا النمط وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل. كثير من المسائل الفقهية لن نجد لها أدلة إذا رددنا الأحاديث التي يتفرد بها الثقات والله أعلم.
وأما إن كان المنفرد به غير حافظ، أي أنه لا يصل إلى درجة الحفظ العالية وهو مع ذلك عدلٌ ضابط: لكن أصل الضبط موجود عندهو هو عدل في نفسه أي صاحب الحديث الحسن فحديثه حسن. فإن فقد ذلك فمردود. والله أعلم.لأنه يصبح من قسم الضعيف لأنه إن فقد العدالة أو فقد الضبط لا يقبل حديثه و الله أعلم.
هذا ما يتعلق بمبحث الشاذ.