الدرس السابع

[الدرس السابع]


الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أمّا بعد :

فهذا المجلس السّابع من مجالس شرح لمعة الاعتقاد

قال المؤلف رحمه الله تعالى: فصل
رؤية المؤمنين لربّهم يوم القيامة

"والمؤمنون يرون ربّهم في الآخرة بأبصارهم ويزورونه ويكلّمهم ويكلّمونه، قال الله تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }، وقال تعالى { كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ }".
هذه صفة جديدة وهي رؤية المؤمنين لربّهم يوم القيامة، يؤمن أهل السنّة بذلك ويعتقدونه بناءً على ما صحّ في الكتاب والسنّة من أدلّة كما سيأتي إن شاء الله من كلام المصنّف .
قال المصنّف رحمه الله:" والمؤمنون يرون ربّهم في الآخرة بأبصارهم"، هذا تأكيد على أنّها رؤية حقيقيّة يرون الله سبحانه وتعالى، لا يرون الثّواب، ولا يرون النّعيم، ولا يرون الجنّة كما يقول أهل التّأويل، ومستعملي عقولهم، بل يرون ربّهم تبارك وتعالى حقيقة، " بأبصارهم" هذا ردّا لقول الذين يقولون بأنّ المؤمنين يرون ربّهم بقلوبهم، فردّ عليهم بهذه الكلمات الصّريحة بأنّ الرّؤية رؤية حقيقيّة .
قال:"ويزورونه" ذكرنا أنّ الحديث الوارد في ذلك وهو ضعيف .
"ويكلّمهم ويكلّمونه" ورد في ذلك أحاديث صحيحة تقدّمت معنا .
قال الله تعالى:"{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }" من النّضرة وهي الحسن والبهجة، وجوه حسنة بهيجة، وهذه وجوه المؤمنين يوم القيامة، حسنة وجميلة ومسرورة ومشرقة بالنّعيم.
"وجوه يومئذ" أي يوم القيامة، "ناضرة" حسنة جميلة، "إلى ربّها ناظرة" أي ينظرون إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه من النّعم العظيمة التي يحصل عليها أهل الإيمان، التي ينالها أهل الطّاعة يوم القيامة، النّظر إلى وجه الله تبارك وتعالى, وأيّما لذّة أعظم وأجود وأجمل من هذه ؟.
"وقال تعالى { كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } مَن هم ؟ الكفّار، يُحجبون عن رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة عقاباً لهم على كفرهم، فهذا يدلّ على أنّ المؤمنين يرون ربّهم ، فكما قال المصنّف رحمه الله هنا:"فلمّا حجب أولئك في حال السّخط دلّ على أنّ المؤمنين يرونه في حال الرّضى وإلاّ لم يكن بينهما فرق"، إذاً عندما يعاقب الكفّار بحجبهم عن رؤيته تبارك وتعالى يدلّ ذلك على أنّه يثيب المؤمنين بإنعامه عليهم برؤيته حقيقةً، بأنّهم يرونه حقيقة .
وقال المصنّف رحمه الله :" وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" إنّكم ترون ربّكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون في رؤيته"وهذا الحديث متّفق عليه"، وأحاديث الرّؤية يقول أهل العلم بأنّها أحاديث متواترة، كثيرة جدّا وردت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلا ينكرها سنّي، لا ينكرها إلاّ مبتدع ضالّ، "إنّكم ترون ربّكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون في رؤيته" أي لا تحتاجون لكي يراه جميعكم إلى أن تَنْضمّوا إلى بعضكم وتتزاحموا على رؤيته، لا تحتاجون إلى ذلك، ترونه بأرْيَحيّة كلّ واحد من مكانه الذي هو فيه، "كما ترون القمر"، كيف نشترك جميعاً في رؤية القمر بدون مُضامّة ولا مزاحمة، كذلك ترون الله تبارك وتعالى،
فالتّشبيه هنا كما سيذكر المصنّف رحمه الله قال:"وهذا تشبيه للرّؤية بالرّؤية" أي أنّكم كما ترون القمر ترون الله سبحانه وتعالى، "لا للمرئي بالمرئيّ" المرئي الذي هو القمر، ليس تشبيه المرئي بالمرئي أي ليس تشبيها لله تبارك وتعالى بالقمر، لا، ولكن تشبيه الرّؤية بالرّؤية، قال:"فإنّ الله تعالى لا شبيه له ولا نظير" لا مثيل له سبحانه،
ففي هذا الحديث يبيّن كيفية الرّؤية، ولا يشبّه نفسه بالقمر،
وقد خالف في هذه العقيدة المعتزلة فنفوا الرّؤية وقالوا: لا يرى النّاس ربّهم يوم القيامة ونفوا ذلك وقالوا هذا يلزم منه التّشبيه ويلزم منه التّجسيم وهي لوازم باطلة كما تقدّم معنا كما قرّروا في مسائل الصّفات الأخرى يقرّرون أيضاً في هذه، وهذا كلّه من الباطل الذي جاؤوا به من خيالات عقولهم فردّوا كتاب الله وردّوا سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمجرّد خيالات عقليّة ظنّوها لوازم حقيقيّة وإنّما هي لوازم باطلة.
واستدلّوا أيضا بقول الله تبارك وتعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } [ الأنعام/103] فقال لهم أهل العلم: الإدراك شيء والرؤية شيء آخر، الإدراك فيه إحاطة، والإحاطة هذه مستحيلة، لا يمكن أن يحيط العبد بربّه تبارك وتعالى، أمّا الرّؤية فالرّؤية ثابتة كما تقدّم معنا في الأدلّة.
واستدلّوا أيضاً بقول الله تبارك وتعالى لموسى عندما طلب من ربّه أن يراه قال { لَن تَرَانِي } [ الأعراف/143] فقالوا: هاهنا قد نفى الله سبحانه وتعالى الرؤية في هذه الآية،
فنقول لهم هذه نفي للرّؤية في الدّنيا، فموسى عندما طلب الرّؤية طلبها وهو في الدّنيا لا في الآخرة، وفرْقٌ بين هذا وهذا،
ونحن الرّؤية الّتي نثبتها رؤية أخرويّة في الآخرة، فلا متعلّق لهم بهذه الآية ولا بالّتي قبلها .
هذا ما يتعلّق برؤية الله تبارك وتعالى
قال المصنّف رحمه الله : فصل
القضاء والقدر
هذه مسألة جديدة وهي مسألة الإيمان بالقضاء والقدر، انتيهنا الآن من مسائل الأسماء والصّفات، الآن دخلنا على مسألة جديدة من مسائل الإيمان وهي مسألة القضاء والقدر، والإيمان بالقدر من أصول الإيمان الستّ التي ذُكرت في حديث جبريل، قال في آخره:" وأن تؤمن بالقدر خيره وشرّه" فالإيمان بالقدر من أصول الإيمان، والقضاء والقدر هو تقدير الله تعالى للأشياء في القِدم، وعلمه تبارك وتعالى أنّها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة وكتابته كذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدّرها وخَلْقه لها، هذه مسألة القضاء والقدر باختصار هي أربعة مراتب، مَنْ عَلِمها وآمن بها آمن بمسألة القدر.
__ المرتبة الأولى : الإيمان بأنّ الله عالم كلّ ما يكون جملة وتفصيلا بعلمٍ سابق بقوله تعالى { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحج/70] .
__ المرتبة الثّانية: أنّ الله كتب في اللّوح المحفوظ مقادير كلّ شيء فقال سبحانه وتعالى { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } [ الحديد/22]من قبل أن نخلقها .
__ والثّالثة : لا يكون شيء في السّموات والأرض إلا بإرادة الله ومشيئته الدّائرة بين الرّحمة والحكمة، فيهدي من يشاء برحمته ويضلّ من يشاء بحكمته، ولا يُسأل عمّا يفعل والنّاس يُسألون، وقال الله سبحانه وتعالى { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [ القمر/49]،
وقال أيضاً { فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء } [ الأنعام/125]، فأثبت سبحانه وقوع الهداية والضَّلال بإرادته، فلا يكون شيء على هذا الكون، في هذا الوجود إلا بإرادته سبحانه وتعالى .
__ المرتبة الرّابعة : أنّ كلّ شيء في السّموات والأرض مخلوق لله تبارك وتعالى، لا خالق غيره، كلّ ما هو على وجه هذه الأرض من المخلوقات وكلّ ماهو موجود من المخلوقات فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه، قال سبحانه وتعالى { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان/2]، وقال { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [ الصافات/96]، وقال { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الزمر/62]، إذاً الله سبحانه وتعالى هو الخالق لكلّ شيء ومن هذه الأشياء أفعال العباد خلافاً لطائفة من الذين خالفوا من أهل الضّلال، الذين خالفوا في هذه المسألة وأخرجوا أفعال العباد من خلق الله تبارك وتعالى، وهذا ضلال وأيّما ضلال، فأثبتوا بذلك وجود خالق مع الله تبارك وتعالى، والله سبحانه وتعالى كما تقدّم معنا في الآيات المتقدّمة يبيّن أنّه هو الخالق لكلّ شيء .
هذه هي المراتب الأربعة، مَن آمن بها فقد آمن بمسألة القدر، والأدلّة عليها من الكتاب والسنّة كثيرة وكثيرة جداً، ذكرنا بعضاً منها.
قال المؤلّف رحمه الله:" ولا نجعل قضاء الله وقدره حجّة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن ونعلم أنّ لله علينا الحجّة بإنزال الكتب وبعثة الرّسل، قال الله تعالى { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ }" إذاً بإرسال الرّسل تنقطع الحجّة، إذاً فالعبد مأمور مخيّر في الطاعات وفي المعاصي، وهو مأمور بأن يطيع الله سبحانه وتعالى ومنهيّ عن معصيّة الله تبارك وتعالى وما كان الله سبحانه وتعالى معذّبا أحد حتّى يقيم الحجّة على خلقه .

قال المصنّف:"ونعلم أنّ الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والتّرك، وأنّه لم يجبر أحداً على معصيّة ولا اضطرّه إلى ترك طاعة، قال الله تعالى { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }، وقال الله تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ، وقال تعالى { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ }، فدلّ على أنّ للعبد فعلاً وكسباً يُجزى على حسنه بالثّواب، وعلى سيّئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره أيضاً" فيجتمع الأمران فهو الذي يفعل حقيقة، العبد هو فاعل لفعله حقيقة، والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق العبد وخلق فعله أيضاً، لكنّ الله سبحانه وتعالى لم يضطرّه إلى ترك طاعة ولا جبره على معصيّة، ولا يكون هذا من ربّ العالمين تبارك وتعالى مع أنّه هو خالق أفعال العباد لكنّ العباد أيضاً يفعلون بمشيئتهم وإرادتهم فيفعلون بمشيئتهم كما قال الله تبارك وتعالى { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [ التكوير/29] فأثبت لهم مشيئة، هم يشاؤون ويريدون، لكن لا تخرج مشيئتهم عن مشيئة الله تبارك وتعالى، يعني أنّ الله سبحانه وتعالى إذا شاء شيء وهم شاؤوا شيئاً آخر يخالف مشيئة الله لا يكون هذا الشيء أبداً، لكنّ الله سبحانه وتعالى في نفس الوقت لا يجبر الإنسان على فعل المعصيّة وهو لا يريد أن يعصي، ولا يجبره على الطاعة وهو يريد أن يعصي، فهذا كلّه يكون معلوماً عندنا، فلا متعلّق لأيّ أحد بمسألة القضاء والقدر، فكلّ منّا يدرك الأشياء التي يفعلها باختياره والأشياء الذي يضطرّ إليها اضطراراً،
الأشياء التي تضطرّ إليها اضطراراً ربّنا سبحانه وتعالى لا يحاسبك عليها، ولا يؤاخذك عليها، لكن الأشياء التي تفعلها باختيارك تحاسَب عليها فعندك إذاً فرق ما بين الأفعال التي تفعلها مضطرّا إليها والأفعال التي تفعلها باختيارك ، فأنت تفعل باختيارك ومشيئتك، عندما يشرب الشّخص الخمر يشربها بإرادته وباختياره ولذلك يعذّب عليها، لو شاء الله أن يمنعه عن شربها لمنعه ولكنّه ما شاء أن يمنعه، تركه واختياره.
فإذاً كلّ واحد يعرف الفرق بين الفعل الاختياري والاضطراري في الحقيقة والحكم.
بقي تنبيه أخير وهو أنّ إرادة الله إرادتان :
إرادة كونية، وإرادة شرعيّة.
الإرادة الكونيّة هي المشيئة، الإرادة الكونية هي التي تأتي بمعنى المشيئة { فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء } [ الأنعام/125]، هذه الإرادة بمعنى المشيئة والله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً فإنّما يقول له كن فيكون، هذه هي الإرادة الكونية، أن كل ما يحصل في هذا الكون فقد أراده الله كوناً، سواءً كان معصية أو طاعة، سواء كان يحبّه أو يكره.
وهناك إرادة ثانية اسمها :
الإرادة الشّرعيّة وهي التي بمعنى المحبّة، كما قال تبارك وتعالى في كتابه الكريم { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } [ النساء/27]، هذه إرادة شرعيّة، وكلّ الأوامر التي أمرنا الله تبارك وتعالى بفعلها في الكتاب أو في السنّة فإنّ الله سبحانه وتعالى يريدها إرادة شرعية، هذه ربما تحصل وربّما لا تحصل في الكون، ربما توجد وربما لا توجد، أراد الله من العباد جميعاً أن يؤمنوا، لكنهم هل آمنوا جميعاً ؟ لا، آمن البعض وكفر البعض،
فهذا الإيمان يحبّه الله ويرضاه، ولكنه ربما يقع وربّما لا يقع،
بينما الإرادة الكونية لا بدّ أن تقع، ولكنها تكون فيما يحبّه الله وفيما لا يحبّه الله.
هذا الفرق بين الإرادتين
هذا ما يتعلّق بمسألة القضاء والقدر ولا يحتاج العبد أن يتوسّع في هذه المسألة كثيراً ، يتوقّف مع أدلّة الكتاب والسنّة، وآخر شيء في هذا المبحث أنّ الذين خالفوا في هذه المسألة طائفتان :
الجبرية، والقدرية.
الجبريّة : هؤلاء يقولون بأنّ العبد مجبور على أفعاله، نعوذ بالله من قولهم، وقد تقدّم الردّ عليهم فيما قرّرناه.
والطائفة الثّانية هم القدريّة الذين يقولون بأنّ العبد مستقلّ بعمله، هو الذي يوجد عمله والله سبحانه وتعالى لم يخلق أفعال العباد، وهذه أيضاً الفئة من الفئات التي ضلّت عن طريق الهداية، فالله سبحانه وتعالى يقول { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الزمر/62]، { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [ الصافات/96] هذه آيات واضحة في الردّ على هذه العقائد الفاسدة .

قال المصنّف رحمه الله:"الإيمان قول وعمل"، (الإيمان قول وعمل) تفسيرٌ شرعي للإيمان، الإيمان ما هو في اللّغة ؟ هو التّصديق، وقال بعض أهل العلم: هو الإقرار.
في الشّرع: الإيمان قول وعمل .
فالإيمان في الشرع أعمّ من الإيمان في اللغة، الإيمان في اللغة هو التّصديق، لكن في الشّرع أعمّ من ذلك، قولٌ باللّسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح والأركان. هذا هو الإيمان في الشّرع .
دلّت على ذلك أدلّة الكتاب والسنّة، تدلّ على أنّ الإيمان مكوّن من هذه الأركان الثلاث: القول، والاعتقاد، والعمل في أصله من أصل الإيمان، فلا يصحّ إيمان عبد إلا بأن يأتي بهذه الثلاث، فإن لم يأتِ بهذه الثلاث فلم يأتِ بالإيمان الذي شرعه الله تبارك وتعالى .
قال المصنّف رحمه الله:" والإيمان قول باللّسان، وعمل بالأركان، وعقْدٌ بالجنان- يعني بالقلب- يزيد بالطّاعة وينقص بالعصيان" وكلّ نقطة من هذه النّقاط عليها دليل .
"الإيمان قول باللّسان": لا يكون العبد مؤمناً حتى يقول بلسانه:لا إله إلا الله محمّد رسول الله، هذا الأمر الاوّل، ويدخل أيضاً في قول اللّسان التّسبيحات والذّكر والتّكبير ...إلخ.
"وعمل بالأركان": عمل بالجوارح، المقصود بالأركان هنا الجوارح التي هي الأيدي والأقدام .
"وعقد بالجنان" أي اعتقاد قلبيّ، إذاً الاعقتاد القلبي وحده لا يكفي، القول اللّساني وحده لا يكفي،
العمل بالجوارح والأركان وحده لا يكفي، حتّى تجتمع هذه الثلاثة كي يكون العبد مؤمناً .
"ويزيد بالطاعات": لأنّ أجزاء العمل، الأعمال المختلفة هذه من صلاة وصيام وزكاة وحجّ هذه أجزاء للعمل بالأركان، هذه الأجزاء كلّما زادت زاد إيمان العبد وزادت طاعته وكلّما نقصت نقص على حسب العمل، إذا كان واجباً نقص إيمانه الواجب، وإذا كانت مستحبّة نقص إيمانه المستحبّ، الكمال المستحبّ،" قال الله تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }" ، هذا الدّين القيّم المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، فما هو ؟"يعبدوا الله مخلصين له الدّين" الإخلاص (عملٌ قلبيّ)،"حنفاء" مائلون عن الشّرك، "ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزّكاة" هذا الشّاهد من الأمر أنّه أدخل الصّلاة وأدخل الزّكاة في الدّين الذي هو الإيمان، دين الله سبحانه وتعالى دين الإسلام الذي هو الإيمان .
قال:"فجعل عبادة الله تعالى وإخلاص القلب وإيقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة، كلّه من الدّين، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان" ماذكرها المؤلف هنا، هي من تتمّة الحديث"والحياء شعبة من الإيمان"،
فذكر أمراً قلبياً وذكر عملاً من أعمال الجوارح، وذكر أيضاً النّطق بالشّهادة، فهذه الثّلاثة جعلها أجزاءً للإيمان فقال:"الإيمان بضع وسبعون شعبة"، إذاً هذه كلّها داخلة في الإيمان، كلّها داخلة في الإيمان والإيمان شُعب ، أجزاء .

قال:"فجعل القول والعمل من الإيمان، وقال تعالى { فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً }" هذا يدلّ على زيادة الإيمان ،"وقال { لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً }" يدلّ على زيادة الإيمان،
"وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" يخرج مِن النّار مَن قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال بُرّة أو خردلة أو ذرّة" أشياء صغيرة جدّا، "وفي قلبه مثقال برّة أو خردلة أو ذرّة من إيمان" فيتناقص الإيمان إلى أن يصل إلى هذه الدّرجة .
قال:"فجعله متفاضلاً" جزء: برّة، خردلة، ذرّة، وكلّ واحدها وزنها أكبر من الأخرى .
فإذاً الإيمان هو هذا الذي تقرّر عندنا في الشّرع هو : قول باللّسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح والأركان.
أعمال الجوارح كلّها من الإيمان، لكن إذا زال بعضها لا يزول الإيمان بالكليّة، لكن إذا زال العمل بالكليّة اختلّ ركن من الأركان الثلاثة وهي: (قول اللّسان واعتقاد القلب وعمل الجوارح والأركان)، فإذا ذهب عمل الجوارح والأركان بالكامل اختلّ ركن وذهب الإيمان،
إذا ذهب القول اختلّ ركن وذهب الإيمان،
إذا اختلّ الاعتقاد اختلّ ركن وذهب الإيمان، فالإيمان لا يتحقق إلا بهذه الأركان الثلاثة.
أما آحاد العمل كالزكاة مثلاً والصّيام مثلاً والحجّ، فإذا اختلّ الحجّ عند الشّخص ولم يحجّ يبقى مؤمناً ولكنّه قد نقص إيمانه الواجب، حصل عنده نقص في الإيمان الواجب وهذا مستحقّ للعقاب عند الله تبارك وتعالى، والصّلاة حصل فيها خلاف بين أهل العلم والرّاجح في ذلك أنّ من ترك الصّلاة بالكليّة ذهب إيمانه ولم يعد مؤمناً بل هو كافر خارج من ملّة الإسلام لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:" العهد الذي بيننا وبينهم الصّلاة فمن تركها فقد كفر" ، "بين العبد وبين الكفر أو الشّرك الصّلاة"، فإذاً لا يَفصِل العبد عن الكفر أو الشّرك إلا الصّلاة، فمن تركها فقد دخل في الكفر أو الشّرك على مقتضى ما قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فالحذر من التهاون في أمر الصلاة فأمرها عظيم وأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة هي الصلاة .
نكتفي بهذا القدر والحمد لله .