تفسير سورة الأنعام (118-121)

تفسير سورة الأنعام (118-121)

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) }

{فَكُلُوا} أيها المؤمنون {مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} أي: كلوا مما ذبح على اسم الله {إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} مصدقين ومتبعين، وذلك أنهم كانوا يحرمون أصنافاً من النَّعم، ويحلون أكل الميتة وما ذبح لآلهتهم، فقيل لهم: أحلوا ما أحل الله، وحرموا ما حرم الله، وكلوا مما أباحه لكم مما ذكر عليه اسم الله وذبح له، ولا تأكلوا مما حرمه عليكم من الذبائح، ومنها ما ذبح لغير الله.

{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) }

{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} أي وأي شيء يمنعكم أن تأكلوا من الذبائح التي ذكر اسم الله عليها {وَقَدْ فَصَّلَ} وقد بين الله ووضح {لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فلا لبس عليكم ولا إشكال في تمييز الحلال من الحرام، أراد بتفصيل المحرمات وبيانها؛ ما ذكر في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ولحمُ الخنزيرِ..} الذي في الآية الثالثة من سورة المائدة {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} من هذه الأشياء المحرمة، فإنه حلال لكم عند الاضطرار {وَإِنَّ كَثِيرًا} من الناس من أهل الضلال {لَيُضِلُّونَ} أتباعهم {بِأَهْوَائِهِمْ} باتباعهم ما يهوون مما حرم الله {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بجهل منهم، فلا دليل عندهم على ما يقولون ويفعلون من محرمات، ومن ذلك ما أحلوه من الميتة وما لكم يذكر عليه اسم الله {إِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} الذين يتجاوزون حدود الله فيرتكبون المحرمات، وسيجازيهم على ذلك.

{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}

{وَذَرُوا} واتركوا أيها الناس {ظَاهِرَ الْإِثْمِ} إعلان الذنوب، أي فعل المعاصي علناً {وَبَاطِنَهُ} فعل المعاصي بالخفاء بالسر، يعني: اتركوا الذنوب كلها؛ لأنها لا تخلو من هذين الوجهين؛ إما ذنب يفعل علناً أو سراً {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ} يفعلون {الْإِثْمَ} الذنب، أي يفعلون المعاصي {سَيُجْزَوْنَ} في الآخرة {بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} بما كانوا يفعلون في الدنيا، أي سيعاقبهم عليها إن لم يتوبوا، وإن كان الذنب دون الشرك فهو تحت المشيئة، كما دلت على ذلك آية أخرى.

{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

{وَلَا تَأْكُلُوا} أيها المؤمنون {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} يعني لا تأكلوا من الذبائح التي يذبحونها على اسم الأصنام والتي يذبحونها لآلهتهم. قال السعدي رحمه الله: ويدخل تحت هذا المنهي عنه، ما ذكر عليه اسم غير الله كالذي يذبح للأصنام، وآلهتهم، فإن هذا مما أهل لغير الله به، المحرم بالنص عليه خصوصا.

ويدخل في ذلك؛ متروك التسمية، مما ذبح لله، كالضحايا، والهدايا، أو للحم والأكل، إذا كان الذابح متعمداً ترك التسمية، عند كثير من العلماء.

ويخرج من هذا العموم: الناسي بالنصوص الأخر، الدالة على رفع الحرج عنه، ويدخل في هذه الآية؛ ما مات بغير ذكاة من الميتات، فإنها مما لم يذكر اسم الله عليه

ونص الله عليها بخصوصها، في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}..إلخ ما ذكر {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} والفسق في ذكر اسم غير الله على الذبيحة {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} أراد أن الشياطين ليوسوسون إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم، جاء عن ابن عباس من طرق قال: " جادل المشركون المسلمين فقالوا: ما بال ما قتل الله لا تأكلونه، وما قتلتم أنتم أكلتموه، وأنتم تتبعون أمر الله؟ فأنزل الله: { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}.. إلى آخر الآية {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} في تحليل ما حرم الله؛ كتحليل أكل الميتة {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} إنكم إذاً مثلَهم، قال أهل العلم: وفيه دليل على أن من أحل شيئاً مما حرم الله، أو حرم ما أحل الله؛ فهو مشرك.

قال الطبري رحمه الله: يعني: إنكم إذاً مثلَهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالاً، فإذا أنتم أكلتموها كذلك فقد صرتم مثلهم مشركين. انتهى