تفسير سورة الأنعام 53-55

تفسير سورة الأنعام 53-55

{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)}

{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا} أي اختبرنا وابتلينا {بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}

أراد ابتلى الغني بالفقير، والقوي بالضعيف، والشريف بالوضيع {لِيَقُولُوا} أي السادة الأقوياء من المشركين ممن أضله الله وأعماه عن سبيل الحق{أَهَؤُلَاءِ} الضعفاء الفقراء {مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ} تفضل الله عليهم بالهداية إلى الإسلام {مِنْ بَيْنِنَا} فاصطفاهم هم وتركنا نحن السادة الشرفاء؟! قالوه استهزاء بهم، ومعاداة للإسلام وأهله، أي ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير، لو كان ما صاروا إليه خيراً ويدعنا نحن، كقولهم: لو كان خيراً ما سبقونا إليه؛ فأجابهم الله تبارك وتعالى بقوله: {أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} استفهام بمعنى التقرير، أي: الله أعلم بمن يشكر نعمة الله ومن يكفرها.

قال الطبري رحمه الله: وهذا منه تعالى إجابة لهؤلاء المشركين الذين أنكروا أن يكون الله هدى أهل المسكنة والضعف للحق، وخذلهم عنه وهم أغنياء، وتقرير لهم: أنا أعلم بمن كان من خلقي شاكراً نعمتي ممن هو لها كافر، فمَني على من مننت عليه منهم بالهداية؛ جزاء شكره إياي على نعمتي، وتخذُّلي من خَذَلت منهم عن سبيل الرشاد عقوبة كفرانه إياي نعمتي، لا لغنى الغني منهم، ولا لفقر الفقير؛ لأن الثواب والعقاب لا يستحقه أحد إلا جزاء على عمله الذي اكتسبه لا على غناه وفقره؛ لأن الغنى والفقر والعجز والقوة ليس من أفعال خلقي. انتهى

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}

{وَإِذَا جَاءَكَ} يا محمد القوم {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} يصدقون بتنزيلنا وأدلتنا وحججنا فيقرون بذلك قولاً وعملاً، إذا جاءوك ليسألوا عن ذنوبهم السابقة، هل لهم منها توبة؟ {فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أي فأكرمهم برد السلام عليهم، وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي: قضى على نفسه الرحمة {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا} ذنباً {بِجَهَالَةٍ} روي عن مجاهد أنه قال: «من عمل بمعصية الله، فذاك منه جهل حتى يرجع»، وقال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل، وقيل: جاهل بما يورثه ذلك الذنب، وقيل: جهالته من حيث إنه آثر المعصية على الطاعة والعاجل القليل على الآجل الكثير {ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ} أي رجع عما كان عليه من المعاصي، وأقلع وعزم على أن لا يعود {وَأَصْلَحَ} عمله في المستقبل {فَأَنَّهُ غَفُورٌ} لذنبه إذا تاب وراجع العمل بطاعة الله وترك العود إلى مثله مع الندم على ما فرط منه {رَحِيمٌ} بالتائب أن يعاقبه على ذنبه بعد توبته منه.

{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}

{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ} وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل على طريق الهداية والرشاد، وذم المجادلة والعناد، كذلك نفصل الآيات أي التي يحتاج المخاطبَون إلى بيانها {وَلِتَسْتَبِينَ} أي ولتظهر وتتضح {سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} أي: طريق المجرمين المخالفين للرسل.