تفسير سورة النساء 160-162

تفسير سورة النساء 160-162

{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا (160)}

{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} فبسبب ظلم اليهود، وهذا الظلم هو ما تقدم ذكره من نقضهم الميثاق وكفرهم بآيات الله وبهتانهم على مريم، وقولهم: إنا قتلنا المسيح {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} وهي ما ذكر في سورة الأنعام، فقال: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] {وَبِصَدِّهِمْ} وبسبب صرفهم أنفسهم وغيرهم {عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا} أي: عن دين الله صداً كثيراً، وكان صدهم عن سبيل الله وصرفهم الناس عنه بقولهم على الله الباطل، وادعائهم أن هذا الباطل من عند الله، وبتبديلهم كتاب الله وتحريف معانيه عن وجوهه الصحيح.

فكان هذا التحريم عقوبة لهم على ما فعلوه من مخالفة أمر الله.

{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)}

{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} نهوا عن أخذ الربا في التوراة {وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} كالرشوة في الحكم، وكان من أكلهم أموال الناس بالباطل ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عند الله، وما هي من عند الله، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة، عاقبناهم على جميع ذلك بأن حرمنا عليهم طيبات {وَأَعْتَدْنَا} وأعددنا {لِلْكَافِرِينَ} بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم {مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} مؤلماً موجعاً، وهو عذاب جهنم.

{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)}

{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} يعني: ليس كل أهل الكتاب بهذه الصفة، لكن الراسخون في العلم، وهم الذين قد عرفوا حقيقة ما جاء به أنبياء الله من العلم وتمكنوا فيه، وأتقنوا ذلك، وآمنوا به واتبعوه، ولم يبدلوه ولا أعرضوا عنه.

وأراد به الذين أسلموا من علماء اليهود مثل عبد الله بن سلام وأصحابه، وهذا يدل على أن الرسوخ في العلم ليس مجرد غزارة علم وإتقان معرفة فقط، بل هو غزارة علم وإتقان وإيمان بما علم من الحق، واتباع له {وَالْمُؤْمِنُونَ} بالله ورُسُله من المهاجرين والأنصار وغيرهم {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يعني: القرآن {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} يعني: سائر الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} الذين يؤدون الصلاة كما أمروا {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} الذين يخرجون زكاة أموالهم، ويعطونها لمن جعلها الله له {وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} يوم القيامة يعني: والمصدقون بوحدانية الله وألوهيته، والبعث بعد الممات، والثواب والعقاب {أُولَئِكَ} هؤلاء الذين هذه صفتهم {سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} سيعطيهم الله أجرا عظيماً على إيمانهم، وطاعتهم، وهذا الأجر هو الجنة.