تفسير سورة النساء 116-121

تفسير سورة النساء 116-121

{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) }

{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ} أي لا يستر هذا الذنب ولا يتجاوز عنه ويمحوه، بل يعاقب عليه، وهو {أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الشرك والكفر به، إذا مات العبد عليه ولقي الله به لا يغفره الله له {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} ويمحو كل الذنوب ويتجاوز عنها، التي هي أقل من الشرك والكفر، إذا مات العبد عليها، ولقي الله بها {لِمَنْ يَشَاءُ} من عباده {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ} بأن يتخذ من دون الله نداً، يتخذ المخلوق مثيلاً لله في كل ما يختص به ربنا تبارك وتعالى، ومن ذلك أن يعبد مع الله غيره {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} أي: ذهب عن الطريق وانحرف عنها، وحرم الخير كله.

هذا فيمن مات على ذلك، وأما من تاب من الشرك والكفر والذنوب جميعها في حياته، قبل موته، فيتوب الله عليه، كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)}

{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) }

{إِنْ يَدْعُونَ} أي: ما يعبدون {مِنْ دُونِهِ} أي من غير الله {إِلَّا إِنَاثًا} أي: الأوثان؛ لأنهم كانوا يسمونها باسم الإناث، فيقولون: اللات والعزى ومناة، وكانوا يقولون لصنم كل قبيلة: أنثى بني فلان، فكان في كل واحدة منهن شيطان يظهر للسدنة والكهنة ويكلمهم، ولذلك قال: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} وما يعبدون إلا شيطاناً متمرداً خارجاً عن الطاعة؛ لأنهم إذا عبدوا الأصنام فقد أطاعوا الشيطان، والمريد: المارد، وهو المتمرد العاتي الخارج عن الطاعة، وأراد: إبليس.

{لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) }

{لَعَنَهُ اللهُ} أي: أبعده الله وطرده من رحمته {وَقَالَ} أي إبليس {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} أي: حقاً معلوماً.

{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) }

{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ} يعني: عن الحق، أي: لأغوينهم، يقوله إبليس، وأراد به التزيين والوسوسة، وإلا فليس إليه من الإضلال شيء {وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} أن ينالوا ما ناله المهتدون مع ارتكابهم للمعاصي {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ} يقطعن {آذَانَ الْأَنْعَامِ} الإبل والبقر والغنم، وكان كفار قريش يفعلون ذلك تعبداً {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} يعني دين الله، أي يغيرون دين الله بتحليل الحرام وتحريم الحلال، وقال جماعة من المفسرين: فليغيرن خلق الله بالوشم وتفليج الأسنان وقطع الآذان {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا} يطيعه {مِنْ دُونِ اللهِ} أي: من غير الله {فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} بيناً؛ لمصيره إلى النار المؤبدة عليه.

{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) }

{يَعِدُهُمْ} الشيطان {وَيُمَنِّيهِمْ} فوعده وتمنيته ما يوقعه في قلب الإنسان من طول العمر ونيل الدنيا، وقد يكون بالتخويف بالفقر فيمنعه من الإنفاق وصلة الرحم، كما قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة: 268] ويمنيهم بأن لا بعث ولا جنة ولا نار {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} أي: خداعاً وباطلاً.

{أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) }

{أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} أي: من انقاد للشيطان وأعرض عن ربه، وصار من أتباع إبليس وحزبه؛ مستقرهم النار {وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} أي: مفراً ولا ملجأ بل هم خالدون فيها لا يخرجون منها.