تفسير سورة النساء 84-87

تفسير سورة النساء 84-87

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}

{فَقَاتِلْ} يا محمد { فِي سَبِيلِ اللهِ} لإعلاء كلمة الله ولنصرة دينه ونصرة المسلمين {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} أي: لا يكلفك الله إلا ما حمّلك دون ما حمل غيرك، إنما عليك ما كلفته أنت، ولا تكلف بفعل غيرك {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ } أي: حض المؤمنين على الجهاد معك ورغبهم فيه وشجعهم عليه {عَسَى اللهُ} أي: لعل الله {أَنْ يَكُفَّ} أي يدفع ويصرف {بَأْسَ} أي قتال {الَّذِينَ كَفَرُوا} عنك وعنهم، و(عسى) من الله واجبة أي ما ذكره بعدها حاصل {وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا} أي: أشد قوة ونكاية من الذين كفروا {وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} أي: عقوبة.

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير؛ كان له نصيب من أجرها {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً} من يسعى في أمر فيترتب عليه شر وسوء {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أي نصيب من إثمها {وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} حفيظاً مجازياً على هذه الأعمال، فيجازي كُلا بما يستحقه.

{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)}

{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} أي إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة مستحبة، والمماثلة مفروضة، فإذا قال مثلاً: السلام عليكم، فقل: وعليكم السلام، هذه مثلها وهي واجبة، أو قل وعليكم السلام ورحمة الله، هذه أحسن منها وهي مستحبة، وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله، فقل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد مثلها فلا زيادة على ذلك {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} أي: على كل شيء من رد السلام بمثله أو بأحسن منه، حسيباً أي: حافظاً ومحاسباً مجازياً، فيحفظ على العباد أعمالهم، ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله.

{اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا (87)}

{اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} إخبار متضمن قسم بتوحيده وتفرده بالألوهية؛ فلا معبود بحق إلا هو تبارك وتعالى {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} ليجمعن الأولين والآخرين {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} إلى موقف الحساب في صعيد واحد، فيجازي كل عامل بعمله، أي ليبعثنكم من بعد مماتكم، وليحشرنكم جميعا إلى موقف الحساب الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم، ويقضي فيه بين أهل طاعته ومعصيته، وأهل الإيمان به والكفر {لَا رَيْبَ فِيهِ} لا شك في حقيقة ما أقول لكم من ذلك وأخبركم من خبري: أني جامعكم إلى يوم القيامة بعد مماتكم {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} أي: لا أحد أصدق منه تبارك وتعالى قولاً ووعداً، فكل ما أخبر به ووعد به حاصل وواقع كما أخبر ووعد لا شك في ذلك؛ فإن قوله الصدق الذي لا كذب فيه، ووعده الصدق الذي لا خلف له.