تفسير سورة النساء 78-79

تفسير سورة النساء 78-79

{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}

{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ} أي: حيثما تكونوا ينزل بكم الموت فتموتوا {وَلَوْ كُنْتُمْ} حتى لو تحصنتم {فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} البروج: الحصون والقلاع والقصور، والمشيدة: المرفوعة المطولة أو المحصنة. أي لا تجزعوا من الموت ولا تهربوا من القتال وتضعفوا عن لقاء عدوكم خوفاً من الموت؛ فإن الموت واقع بكم أين كنتم، وواصل إلى أنفسكم حيث كنتم، ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة.

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} أي رخاء وظفر وفتح ويصيبوا غنيمة {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ} أي من تقديره لنا {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} وإن تنلهم شدة من عيش وهزيمة من عدو وجراح وألم {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} يقولوا لك يا محمد: هذه من عندك بخطئك في تدبيرك {قُلْ} لهم يا محمد {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} أي: الحسنة والسيئة كلها من عند الله، قل لهم: كل ذلك من عند الله، من عنده الرخاء والشدة، ومنه النصر والظفر، ومن عنده القتل والهزيمة ، ثم عيرهم بالجهل فقال: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ} فما شأن هؤلاء القوم الذين يقولون هذا {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} أي: لا يفهمون قولاً. قال الطبري: لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به؛ من أن كل ما أصابهم من خير أو شر أو ضر وشدة أو رخاء؛ فمن عند الله، لا يقدر على ذلك غيره، ولا يصيب أحداً سيئةٌ إلا بتقديره، ولا يناله رخاء ونعمة إلا بمشيئته. وهذا إعلام من الله عباده أن مفاتح الأشياء كلِّها بيده، لا يملك شيئا منها أحد غيره. انتهى

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا (79)}

{مَا أَصَابَكَ} يا محمد {مِنْ حَسَنَةٍ} رخاء ونعمة وعافية وسلامة {فَمِنَ اللهِ} فمن فضل الله عليك {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} من شدة ومشقة وأذى أو أمر تكرهه {فَمِنْ نَفْسِكَ} أي: بذنوبك، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره {وَأَرْسَلْنَاكَ} يا محمد {لِلنَّاسِ رَسُولًا} إنما جعلناك يا محمد رسولا بيننا وبين الخلق، تبلغهم ما أرسلناك به من رسالة، وليس عليك غيرُ البلاغ وأداءِ الرسالة إلى من أُرسِلت، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم، وإن ردوا فعليها {وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا} عليك وعليهم، حسبك الله تبارك وتعالى شاهداً عليك في تبليغك الرسالة، وعلى من أُرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به؛ فإنه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك، ومجازيهم ما عملوا من خير وشر، المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. والله أعلم