تفسير سورة النساء 75-77

تفسير سورة النساء 75-77

{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)}

{وَمَا لَكُمْ} أيها المؤمنون {لَا تُقَاتِلُونَ} لا تجاهدون {فِي سَبِيلِ اللهِ} في طاعة الله ولإعلاء كلمته، يحرضهم الله تبارك وتعالى على الجهاد {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} وعن المستضعفين منكم لتخليصهم من الكفار والظلم الواقع عليهم، المستضعفين {مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} يَلقَون من المشركين أذى كثيرا، المستضعفين {الَّذِينَ} يدعون و {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} مكة، والعرب تسمي كل مدينة قرية {الظَّالِمِ أَهْلُهَا} وهم مشركو قريش، كانوا يعذبون المسلمين الذين لم يستطيعوا الهجرة من مكة ويظلمونهم؛ كي يردوهم عن دينهم {وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ} أي من عندك {وَلِيًّا} أي: من يلي أمرنا، ويكفينا مما نحن فيه من فتنة أهل الكفر بك {وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ} من عندك {نَصِيرًا} أي: واجعل لنا من عندك من ينصرنا على من ظلمنا، ويمنع العدو عنا، فاستجاب الله دعوتهم، بفتح مكة.

{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)}

{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} أي: لإعلاء كلمته وفي طاعته {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} أي: في طاعة الشيطان {فَقَاتِلُوا} أيها المؤمنون {أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} أي: حزبه وجنوده الكفار، الذين ينصرونه ويطيعون أمره في مخالفة أمر الله تبارك وتعالى {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} الكيد: سلوك الطرق الخفية في ضرر العدو، فالشيطان وإن بلغ مَكْرُهُ مهما بلغ فإنه في غاية الضعف، الذي لا يقوم لأدنى شيء من الحق ولا لكيد الله لعباده المؤمنين.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}

{أَلَمْ تَرَ} يا محمد {إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} أي لا تقاتلوا المشركين، وهذا قبل فرض القتال، وكانوا يتمنون القتال ويطلبونه {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} واشتغلوا بطاعة الله من أداء الصلاة وإعطاء الزكاة لمستحقيها {فَلَمَّا كُتِبَ} فرض {عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} أي جماعةٌ منهم {يَخْشَوْنَ النَّاسَ} يعني يخافون المشركين {كَخَشْيَةِ اللهِ} أي: كخشيتهم من الله {أَوْ أَشَدَّ} أكبر {خَشْيَةً} وقيل: معناه وأشد خشية {وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ}الجهاد {لَوْلَا} هلا {أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} يعني: الموت، أي: هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا على فرشنا وفي بيوتنا؟ {قُلْ} يا محمد {مَتَاعُ الدُّنْيَا} أي: منفعتها والاستمتاع بها {قَلِيلٌ} لأنها فانية وما فيها فان {وَ} نعيم {الْآخِرَةُ خَيْرٌ} أفضل؛ لأنها باقية، ونعيمها باق دائم {لِمَنِ اتَّقَى} لمن خاف الله واجتنب عذابه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، فأطاعه في كل ذلك {وَلَا تُظْلَمُونَ} ولا تُنقَصون من أعمالكم {فَتِيلًا} وهو اسم لما في شق النواة، يعني لا ينقصكم الله من أجور أعمالكم شيئاً مهما قل.