تفسير سورة النساء 66-70

تفسير سورة النساء 66-70

{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)}

{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا} أي: فرضنا وأوجبنا {عَلَيْهِمْ} أي هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ويريدون التحاكم إلى الطاغوت، هؤلاء لو فرضنا عليهم {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} كما أمرنا بني إسرائيل {أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} مهاجرين منها إلى دار أخرى، كما أمرنا بني إسرائيل بالخروج من مصر {مَا فَعَلُوهُ} معناه: ما كتبنا عليهم إلا طاعة الرسول والرضى بحكمه، ولو كتبنا عليهم القتل والخروج عن الدور ما فعلوا ذلك {إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}

{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} يؤمرون به من طاعة الرسول والرضى بحكمه {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} في الدنيا والآخرة {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} تحقيقاً لإيمانهم.

{وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67)}

{وَإِذًا} أي لو ثبتوا {لَآتَيْنَاهُمْ} لأعطيناهم {مِنْ لَدُنَّا} من عندنا {أَجْرًا} جزاء وثواباً {عَظِيمًا} يعني الجنة.

{وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)}

{وَلَهَدَيْنَاهُمْ} ولوفقناهم {صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} طريقا لا اعوجاج فيه، وهو دين الله القويم الذي اختاره لعباده وشرعه لهم، وذلك الإسلام.

{وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)}

ثم ذكر جل ثناؤه ما وعد أهل طاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام من الكرامة الدائمة عنده، والمنازل الرفيعة، فقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ} أي من عمل بما أمره الله به ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ} بهدايته والتوفيق لطاعته {مِنَ النَّبِيِّينَ} مرافقين للنبيين {وَالصِّدِّيقِينَ} وهم: الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قولاً وعملاً وحالاً ودعوة إلى الله {وَالشُّهَدَاءِ} الذين استشهدوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله {وَالصَّالِحِينَ} الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم غير الأنبياء والصدقين والشهداء {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} يعني: رفقاء الجنة، بالاجتماع بهم في جنات النعيم والأنْس بقربهم في جوار رب العالمين.

{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا (70)}

{ذَلِكَ الْفَضْلُ} الذي نالوه {مِنَ اللهِ} أي من عند الله برحمته وهو الذي أهلهم لذلك لا بأعمالهم {وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا} أي هو عليم بمن يستحق الهداية والتوفيق.