تفسير سورة آل عمران 137-140

تفسير سورة آل عمران 137-140

{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}

يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد وقتل منهم سبعون رجلاً {قَدْ خَلَتْ} أي مضت {مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} أي طرائقُ الله، جمع طريقة، وعادته في الأقوام قبلكم، والسنة: الطريقة المتبعة في الخير والشر، ومعنى الآية: قد مضت مني طرائق جمع طريقة- فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية، أي قد جرى نحو هذا الذي أصابكم على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء، ثم كانت العاقبة والنصر لهم، والدائرة على الكافرين، بقتلهم وسبيهم وتخريب ديارهم، ونحو ذلك {فَسِيرُوا} فامشوا {فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} فانظروا وتأملوا كيف صار آخر أمر المكذبين بالرسل الذين لم يتوبوا من تكذيبهم.

{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}

{هَذَا} أي: هذا القرآن {بَيَانٌ لِلنَّاسِ} عامة، ففيه بيان الحق من الباطل، والطريق المستقيم لجميع الناس {وَهُدًى} من الضلالة {وَمَوْعِظَةٌ} أي زاجر عن المحارم والمآثم {لِلْمُتَّقِينَ} للمتقين خاصة فهم من ينتفع به.

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)}

هذا حث لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد والصبر على ما أصابهم من القتل والجراح يوم أحد، يقول الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا} أي: لا تضعفوا ولا تجبنوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجراح {وَلَا تَحْزَنُوا} أي: على ما فاتكم {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} بأن يكون لكم العاقبة بالنصرعلى أعدائكم {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يعني إذا كنتم، أي: لأنكم مؤمنون.

{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)}

{إِنْ يَمْسَسْكُمْ} أي إن يصبكم {قَرْحٌ} القرح هو الجراح والقتل، أي إن كنتم أيها المسلمون قد أصابتكم جراح، وقُتل منكم طائفة يوم أحد {فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} فقد أصاب أعداءَكم قتل وجراح يوم بدر {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا} أي نجعلها دولاً أي يوم لكم ويوم عليكم {بَيْنَ النَّاسِ} بين المسلمين والمشركين، فيوم لهم ويوم عليهم، أي نديل عليكم الأعداء تارة، وتارة تكون الغلبة لكم عليهم، ولكن النصر والغلبة في النهاية لكم، وهذا لما لنا في ذلك من الحكمة {وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا} يعني: إنما كانت هذه المداولة ليعلم؛ أي: ليرى الله الذين آمنوا فيميز المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب، يعني بالعلم هنا مع أن الله عالم بالشيء قبل حصوله: علم المشاهدة والوقوع، فالمجازاة تكون على علم الوقوع لا على علم الغيب، يعني أن الله لا يعذب من علم منه المعصية حتى يفعلها وتقع منه، لا يعذب على مجرد علمه من غير فعلها من فاعلها {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} يكرم أقواما بالشهادة، فيقتلون في سبيله {وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الكافرين، يعني: أنه ما جعل اليد للكفار يوم أحد لحبه إياهم؛ ولكن ليبتليكم، ويجعل منكم شهداء.