الدعاء بعد التشهد الأول

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وبعد ؛
فلا يصح ذكر بعد التشهد الأول ، واختلف أهل العلم في الدعاء هل يشرع بعد التشهد الأول أم لا ؟
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
عن عبد الله ، قال : كُنا إذا كُنا مع النبي في الصلاة قلنا : السلام على الله من عباده ، السلام على فلان وفلان ، فقال النبي : " لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ، ولكن قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ؛ فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء - أو بين السماء والأرض - أشهد إلا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسولهُ ، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فبدعوا " .
وقد سبق في رواية للإمام أحمد التصريح بأن هذا الدعاء إنما هو في التشهد الأخير خاصةً ، فأما التشهد الأول فلا يدعو بعده عند جمهور العلماء ، ولا يزاد عليه عند أكثرهم ، حتى قال الثوري - في رواية عنه - إن فعل ذلك عمداً بطلت صلاته .
إلا أن الشافعي - في الجديد - قال : يصلي فيه على النبي وحده دون آله .
وقال مالك : يدعو فيه كالتشهد الأخير .
وروي عن ابن عمر .
وخرّج النسائي من حديث سعد بن هشام ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يصلي من الليل تسع ركعات ، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة ، فيحمد الله ويثني على نبيه ، ويدعو بينهن ، ولا يسلم ، ثم يصلي التاسعة ويقعد ، ويحمد الله ويصلي على نبيه ، ويدعو ، ثم يسلم تسليماً يسمعناً .
وحمل بعض أصحابنا هذا على أنه كان يفعله أحيانا في صلاة النفل ، لبيان الجواز دون الاستحباب .
وخرّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي عبيدة ، عن أبيه عبد الله بن مسعود ، أن النبي كان في الركعتين كأنه على الرضف حتى يقوم .
وحسّنه .
وأبو عبيدة ، وإن لم يسمع من أبيه ، إلا أن أحاديثه عنه صحيحة ، تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه - : قاله ابن المدني وغيره .
وروي عن أبي بكر الصديق نحو ذلك .
فأما الدعاء قبل السلام في التشهد الأخير ، فإنه مشروع بغير خلاف ...انتهى
وقال الباجي :
( مسألة ) وهل يدعو في التشهد الأول : في المجموعة من رواية علي بن زياد عن مالك ليس بعد التشهد الأول موضع للدعاء .
وقال عنه ابن نافع : لا بأس أن يدعو بعده .
وجه رواية علي بن زياد أن آخر التشهد الأول لما كان مشبها لأوله في أنه ليس بمنتهى العبادة ولم يشرع ليستدرك فيه ما فات منها لم يكن موضعا للدعاء كأوله .
ووجه رواية ابن نافع أنه آخر تشهد في الصلاة فلم يمنع فيه الدعاء أصل ذلك التشهد الثاني .
قلت : واستدل ابن خزيمة في صحيحه بحديث ضعيف على عدم جواز الدعاء .
والصواب مع الذين أجازوا الدعاء بعد التشهد الأول بدليل حديث ابن مسعود فهو حديث مطلق ليس فيه ما يدل على تقييده بالتشهد الأخير .
وكذلك حديث عائشة الذي ذكره ابن رجب ، وهو عند مسلم (746) والشاهد فيه قول عائشة :" ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا ... ".انتهى
فهذا واضح في جواز الدعاء بعد التشهد الأول .
فله أن يشغل نفسه بالدعاء إلى أن يسلم الإمام . والله أعلم