قيام الإمام إلى الخامسة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الواجب على المأمومين أن يجلسوا ولا يتابعونه على الخطأ ؛ فإنهم يعلمون أنهم إن قاموا سيقومون إلى الخامسة ، وزيادة ركعة في الصلاة عمدا تبطل الصلاة ، فإن قاموا جهلا منهم فصلاتهم صحيحة ، ومتابعة الإمام تشرع فيما جاز فيها لا فيما يبطلها .
ولهم أن يسلموا ، ولهم أن ينتظروه إلى أن يسلم فيسلموا معه .
وأما الإمام فإن استمر في الخامسة وهو يعلم أنها زيادة تبطل صلاته ؛ لأن الزيادة في الصلاة عمدا تبطل الصلاة والواجب عليه أن يرجع إلى جلوس التشهد ولا يستمر في الخطأ .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية : مسألة في إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا ؟
فأجاب : إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم ؛ لكن مع العلم لا ينغي لهم أن يتابعوه بل ينتظرونه حتى يسلم بهم أو يسلموا قبله والانتظار أحسن . والله أعلم
وقال ابن قدامة في المغني :
فصل : قوله أو صلى خمسا يعني في صلاة رباعية فإنه متى قام إلى الخامسة في الرباعية أو إلى الرابعة في المغرب أو إلى الثالثة في الصبح ؛ لزمه الرجوع متى ما ذكر فيجلس فإن كان قد تشهد عقيب الركعة التي تمت بها صلاته سجد للسهو ثم يسلم ، وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه و سلم صلى عليه ثم سجد للسهو وسلم .
وإن لم يكن تشهد وسجد للسهو ثم سلم فإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة سجد سجدتين عقيب ذكره وتشهد وصلاته صحيحة .
وبهذا قال علقمة و الحسن و عطاء و الزهري و النخعي و مالك و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو ثور .
وقال أبو حنيفة إن ذكر قبل أن يسجد جلس للتشهد وإن ذكر بعد السجود وكان جلس عقيب الرابعة قبل التشهد صحت صلاته ويضيف إلى الزيادة أخرى لتكون نافلة ، فإن لم يكن جلس في الرابعة بطل فرضه وصارت صلاته نافلة ولزمه إعادة الصلاة .
ونحوه قال حماد بن أبي سليمان .
وقال قتادة و الأوزاعي فيمن صلى المغرب أربعا يضيف إليها أخرى فتكون الركعتان تطوعا ؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم : في حديث أبي سعيد فيمن سجد سجدتين : [ فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة ] رواه أبو داود و ابن ماجة وفي رواية [ فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته ] رواه مسلم
ولنا : ما [ روى عبد الله بن مسعود قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسا فلما انفتل توشوش القوم بينهم فقال : ما شأنكم ؟ قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة ؟ قال : لا قالوا فإنك قد صليت خمسا فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم ثم قال : إنما انا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ] وفي رواية قال : [ إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ] ثم سجد سجدتي السهو وفي رواية فقال : [ فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين ] وراه كله مسلم .
والظاهر أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجلس عقيب الرابعة لأنه لم ينقل ولأنه قام إلى الخامسة معتقدا أنه قام عن ثالثة ولم تبطل صلاته بهذا ولم يضف إلى الخامسة أخرى وحديث أبي سعيد حجة عليهم أيضا فإنه جعل الزائدة نافلة من غير أن يفصل بينها وبين التي قبلها بجلوس وجعل السجدتين يشفعانها ولم يضم إليها ركعة وهذا خلاف لما قالوه فقد خالفوا الخبرين جميعا وقولنا يوافق الخبرين جميعا والحمد لله رب العالمين .انتهى
وقال النووي في المجموع :
إذا صلى رباعية فنسي وقام الي خامسة ، فإن ذكر قبل السجود عاد إلي الجلوس وتشهد وسجد للسهو وسلم ، وهذا مجمع عليه .
وإن ذكر بعد السجود فمذهبنا أنه يتشهد ويسجد للسهو ويسلم وصحت صلاته فرضا .
وقال أبو حنيفة : إن جلس بعد الرابعة قدر التشهد تمت صلاته بذلك لأن السلام عنده ليس بشرط وتكون الخامسة نافلة فتضم إليها أخرى ، وإن لم يجلس عقب الرابعة بطلت فريضته بقيامه إلي الخامسة وتضم إليها أخرى وتكون نفلا وهذا الذى قالوه تحكم لا أصل له . انتهى

وقال ابن قدامة في الكافي :
وإذا سها الإمام فزاد أو نقص فعلى المأمومين تنبيهه لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم فزاد أو نقص ثم قال إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفق النساء وفي لفظ التسبيح للرجال والتصفيق للنساء متفق عليه
وإذا سبح به اثنان لزمه الرجوع إليهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر وأمر بتذكيره ليرجع .
فإن لم يرجع بطلت صلاته ؛ لأنه ترك الواجب عمدا ، وليس لهم أتباعه لبطلان صلاته ؛ فإن اتبعوه بطلت صلاتهم إلا أن يكونوا جاهلين فلا تبطل لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في الخامسة وإن فارقوه وسلموا صحت صلاتهم ... إلخ .
وانظر المغني (1/706) فصلان : استجابة الإمام لتنبيه المأمومين ومتابعتهم . والله أعلم