تفضيل جنس العرب واللغة العربية

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ؛

فقد اختلف أهل العلم في تفضيل بعض اللغات على بعض ، فذهب ابن حزم في الإحكام إلى أنه لا تفاضل بين اللغات ، وذهب جماعة من العلماء إلى أن اللغة العربية هي أفضل اللغات ؛ لأن الله اختارها لسيد المرسلين ، وأنزل بها القرآن المبين ، والقول الثاني هو الصواب . والله أعلم

وأما جنس العرب ؛ فنعم هو أفضل الأجناس ؛ وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة ، قال الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (1/303) عند كلامه على حديث: إذا ذلت العرب ذل الإسلام ، قال: و الحق أنه ضعيف كما رمز له السيوطي ، و لولا أن في معناه ما يدل على بطلانه لاقتصرنا على تضعيفه ، ذلك لأن الإسلام لا يرتبط عزه بالعرب فقط بل قد يعزه الله بغيرهم من المؤمنين ؛ كما وقع ذلك زمن الدولة العثمانية لا سيما في أوائل أمرها فقد أعز الله بهم الإسلام حتى امتد سلطانه إلى أواسط أوروبا ، ثم لما أخذوا يحيدون عن الشريعة إلى القوانين الأوروبية يستبدلون الأدنى بالذي هو خير ؛ تقلص سلطانهم عن تلك البلاد و غيرها ، حتى لقد زال عن بلادهم أيضا! فلم يبق فيها من المظاهر التي تدل على إسلامهم إلا الشيء اليسير ! فذل بذلك المسلمون جميعا بعد عزهم ، ودخل الكفار بلادهم ، و استذلوهم إلا قليلا منها ، و هذه و إن سلمت من استعمارهم إياها ظاهرا ؛ فهي تستعمرها بالخفاء ، تحت ستار المشاريع الكثيرة كالاقتصاد و نحوه ! فثبت أن الإسلام يعز و يذل بعز أهله و ذله سواء كانوا عربا أو عجما ، " و لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى " ، فاللهم أعز المسلمين و ألهمهم الرجوع إلى كتابك و سنة نبيك حتى تعز بهم الإسلام .

بيد أن ذلك لا ينافي أن يكون جنس العرب أفضل من جنس سائر الأمم ، بل هذا هو الذي أؤمن به ، وأعتقده ، و أدين الله به - و إن كنت ألبانيا فإني مسلم و لله الحمد - ذلك لأن ما ذكرته من أفضلية جنس العرب هو الذي عليه أهل السنة و الجماعة ، و يدل عليه مجموعة من الأحاديث الواردة في هذا الباب منها قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، و اصطفى من بني كنانة قريشا ، و اصطفى من قريش بني هاشم ، و اصطفاني من بني هاشم "......... و لكن هذا ينبغي ألا يحمل العربي على الافتخار بجنسه ؛ لأنه من أمور الجاهلية التي أبطلها نبينا محمد العربي صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه ، كما ينبغي أن لا نجهل السبب الذي به استحق العرب الأفضلية ، و هو ما اختصوا به في عقولهم و ألسنتهم و أخلاقهم و أعمالهم ، الأمر الذي أهلهم لأن يكونوا حملة الدعوة الإسلامية إلى الأمم الأخرى ، فإنه إذا عرف العربي هذا و حافظ عليه أمكنه أن يكون مثل سلفه عضوا صالحا في حمل الدعوة الإسلامية ، أما إذا هو تجرد من ذلك فليس له من الفضل شيء ، بل الأعجمي الذي تخلق بالأخلاق الإسلامية هو خير منه دون شك و لا ريب ، إذ الفضل الحقيقي إنما هو اتباع ما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان و العلم ، فكل من كان فيه أمكن ، كان أفضل ، و الفضل إنما هو بالأسماء المحددة في الكتاب و السنة ، مثل : الإسلام ، و الإيمان ، و البر ، و التقوى ، و العلم ، و العمل الصالح ، و الإحسان و نحو ذلك ، لا بمجرد كون الإنسان عربيا أو أعجميا ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، و إلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله : " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " رواه مسلم ، و لهذا قال

الشاعر العربي :

لسنا و إن أحسابنا كرمـــــت يوما على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلــــــنا تبني و نفعل مثل ما فعلـوا.

و جملة القول : إن فضل العرب إنما هو لمزايا تحققت فيهم فإذا ذهبت بسبب إهمالهم

لإسلامهم ذهب فضلهم ، و من أخذ بها من الأعاجم كان خيرا منهم ، " لا فضل لعربي

على أعجمي إلا بالتقوى " ، و من هنا يظهر ضلال من يدعو إلى العروبة و هو لا

يتصف بشيء من خصائصها المفضلة ، بل هو أوروبي قلبا و قالبا !

قلت : مما تقدم يتبين لك ضابط التفضيل . والله أعلم .