كلام الأقران يطوى ولا يروى

القاعدة التي أصلها أهل الحديث :" كلام الأقران يطوى ولا يروى " قاعدة صحيحة لا شك فيها ، ولكن بعض الناس يفهما فهما خاطئا ، فيأخذها على إطلاقها .

والصواب أن هذه القاعدة يعمل بها

إذا ثبتت عدالة المتكلم فيه وتزكيته من العلماء المعتبرين

ووجدت قرينة تدل على أن كلام القرين في قرينه ناتج عن خلاف شخصي أو حسد

أو لم توجد قرينة ؛ ولكنه لم يأت ببينة عادلة يصح بها جرحه على طريق الشهادات.

ولم يتابعه العلماء المعتبرون على جرحه .

قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ، باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض

قد غلط فيه كثير من الناس وضلت فيه نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك ، والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم إمامته وبانت ثقته وبالعلم عنايته لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة يصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب تصديقه فيما قاله لبراءته من الغل والحسد والعداوة والمنافسة وسلامته من ذلك كله ، فذلك كله يوجب قبول قوله من جهة الفقه والنظر ، وأما من لم تثبت إمامته ولا عرفت عدالته ولا صحت لعدم الحفظ والإتقان روايته ، فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه ، والدليل على أنه لا يقبل فيمن اتخذه جمهور من جماهير المسلمين إماما في الدين قول أحد من الطاعنين : إن السلف رضي الله عنهم قد سبق من بعضهم في بعض كلام كثير ، منه في حال الغضب ومنه ما حمل عليه الحسد ، كما قال ابن عباس ، ومالك بن دينار ، وأبو حازم ، ومنه على جهة التأويل مما لا يلزم المقول فيه ما قاله القائل فيه ، وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلا واجتهادا لا يلزم تقليدهم في شيء منه دون برهان وحجة توجبه ، ونحن نورد في هذا الباب من قول الأئمة الجلة الثقات السادة ، بعضهم في بعض مما لا يجب أن يلتفت فيهم إليه ولا يعرج عليه ، وما يوضح صحة ما ذكرنا ، وبالله التوفيق

وقال الإمام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء في ترجمة قتادة بن دعامة :

قلت: كلام الأقران يطوى ولا يروى، فإن ذكر تأمله المحدث، فإن وجد له متابعا، وإلا أعرض عنه.

وقال في ترجمة الإمام الشافعي رحمه الله :

قلت: كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية، لا يلتفت إليه، بل يطوى ولا يروى، كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والاجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفو القلوب، وتتوفر على حب الصحابة، والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى، بشرط أن يستغفر لهم، كما علمنا الله تعالى حيث يقول: { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا } [ الحشر: 10 ]