الدرس الثامن والثلاثون

[الدرس الثامن والثلاثون]

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين قبل أن نبدأ في كتاب النكاح نكمل من فائدة لم نكن ذكرناها المتعلقة بالحج ، وهذه الفائدة تتعلق بالفدية .
متى تجب الفدية على الحاج ؟ ومانوع الفدية التي تجب عليه ؟
الفدية تنقسم إلى أربعة أقسام ، الأول : مالافدية فيه من مخالفات الحج مالا فدية فيه أصلا وهو عقد النكاح ، عقد النكاح لافدية فيه لكنه محرَّم على المحرِم .
الثاني : مافديته مغلظة وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول هذا فديته مغلظة .
الثالث : مافديته الجزاء أو بدله وهو قتل الصيد .
الرابع : مافديته فدية أذى ، وهو بقية المحظورات ، فدية الأذى تقدمت معنا وكذلك فدية الصيد . والفدية المغلظة لمن جامع في الحج وهو محرِم قبل التحلل الأول بدنة . البدنة : هي الجمل (الإبل) هذه الفائدة التي لم نذكرها وهي متعلقة بكتاب الحج.
نبدأ اليوم بكتاب النكاح ، قال المؤلف -رحمه الله- كتاب النكاح .
النكاح في اللغة : يطلق على العقد ويطلق على الجماع (الوطئ) يطلق على هذا وعلى هذا ، فهو من الألفاظ المشتركة من الأسماء المشتركة والأسماء المشتركة هذه بيانها والحديث عنها في أصول الفقه ، مبحث الألفاظ وهي الألفاظ أو الأسماء التي اتحد لفظها واختلف معناها ، مثال ذلك العين ، العين لفظ واحد لكنه يطلق على أكثر من معنى من معاني العين : الباصر كعين الإنسان ، هذه عين باصر . ومن معانيه أيضا : عين الماء ، ومن معانيه كذلك الجاسوس يطلق على الجاسوس عينا ، فاللفظ واحد والمعاني مختلفة ، هذا الذي يسمى عند الأصوليين بالألفاظ المشتركة ، فالنكاح من هذه الألفاظ المشتركة لفظ واحد ويطلق على معنيين ، يطلق على العقد (عقد النكاح) ويطلق على الوطئ والجماع . يعرف المراد من اللفظ بالقرائن . فمثلا إذا قلت : لك نكح الرجل زوجته ، إيش يكون معنى النكاح هنا ؟ الوطئ ، أما إذا قلت نكح فلان إبنة فلان ، المعنى هنا العقد بمعنى عقد عليها ، إذا لم تكن زوجة له فتكون هنا المعنى النكاح : العقد ، وقرينة الحال هي التي دلتنا على المعنى المراد من لفظ النكاح .
قال المؤلف -رحمه الله- يشرع لمن استطـاع الباءة .
كلمة يشرع : تفيد أنه جاز وليس محرما ، كلمة يشرع كلمة عامة ويدخل فيها الواجب ويدخل فيها المستحب ويدخل فيها أيضا الجائز كله يصح أن تقول فيه يشرع ، وقال هنا يشرع لمن استطاع الباءة حكم النكاح، الآن المؤلف أفادنا من حكم النكاح المشروعية أو جاز ، لمن استطاع الباءة ، الباءة أصلها الموضع الذي يأوي إليه الإنسان هذا أصل ، والمراد هنا النكاح بحيث يكون عنده قوة بدنية وقدرة مادية على الزواج ، فهذا يشرع له النكاح لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه . أي يخضع عليه الشهوة أو يخفف من حدتها ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج : الآن نأتي إلى التفصيل في مسألة مشروعية نريد شيء أدق من المشروعية . هل هو واجب أم هو مستحب ظاهر الحديث معا بناء على ماأخذت من أصول الفقه يدل على الوجوب على من استطاع الباءة ، وبناءا على ماأخذنا أيضا في أصول الفقه أن الحديث أو الآية الدليل إذا كان ظاهره الوجوب فلايجوز صرفه عنه إلا بالقلب ، نحن نقول النكاح للمستطيع مستحب ، مباشرة ستطالبونني بدليل ، تقول لي مباشرة والله أنا عندي أمر والأمر يقتضي الوجوب ، إذن هات دليلك على ماتقول من الإستحباب أقول لك : دليلي هو التخيير : في قول الله - تبارك وتعالى - {فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ماملكت أيمانكم } [ النساء الآية 3] ، فخيره الله - تبارك وتعالى - بين النكاح والتسري يعني استمتاع بالأمة ، خيره بين النكاح و الإستمتاع بالأمة ، فلو كان النكاح واجبا لما خيره بين واجب وغير واجب . التخيير ينافي الوجوب ، التخيير بين واجب وغير واجب ينافي الوجوب ، لو كان النكاح واجبا لما خيره بتركه ، وكونه صار جائزا له أن يتركه وأن يكتفي بالتسري هذا دليل على أنه ليس بواجب ، فلو فعل غير الواجب وهو الثاني أي التسري يكون تاركا للواجب والواجب لايجوز تركه . وهذا مقرر في أصول الفقه . أنه لايصح التخيير بين واجب وغيره لأنه يؤدي إلى إبطال حقيقة الواجب و أن تاركه لايكون آثما وهذا المذهب هو مذهب جمهور العلماء ، أن الزواج أو النكاح لمن استطاع الباءة ليس بواجب بل هو مستحب ، إذا خشي على نفسه من الوقوع في المعصية يجيبنا المؤلف ، قال : ويجب على من خشي الوقوع في المعصية . هذا كلامه هذا يفهم منه أنه لايريد بقوله الأول يشرع لمن استطاع الباءة الوجوب يبقى عندنا إما الإستحباب أو الجواز ولكن ذكرنا أنه مستحب لماذا ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رغب فيه ، رغب في أحاديث كثيرة منها هذا الحديث ( من استطاع منكم الباءة فليتزوج ). و منها قوله - صلى الله عليه وسلم - (تزوجو الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ) هذا فيه ترغيب إلى الإكثار من الولد والاكثار من الولد لايكون إلا في النكاح ، قال : ويجب على من خشي الوقوع في المعصية . هنا أوجب عليه المؤلف عند الاستطاعة على النكاح والخوف من الوقوع في المعصية أوجب عليه النكاح - وهذا حق - كلام المؤلف هنا حق لأن النكاح في هذه الحالة يحفظ عليه دينه ، وها هنا تأتينا القاعدة الأصولية التي مرت معنا أيضا ، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ما لا يتم ترك الحرام إلا بفعله ففعله واجب ، ترك الحرام واجب ولا يتم هذا الواجب إلا بالنكاح فالنكاح واجب ، وهذه من القواعد االأصولية التي تقدم معنا في دروس الأصول تقريرها مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب وعلى تفصيل ذكرناه ، قال المؤلف - رحمه الله - : والتبتل غير جائز . أصل التبتل القطع ومنه مريم البتول لإنقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا ، وفي الشرع : الإنقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعا إلى عبادة الله، الإنقطاع عن النساء كترك النساء وعدم الإقبال عن النكاح وتركه تماما لزيادة التعبد لله - تبارك وتعالى - هذا هو التبتل وهو محرم ، في الإسلام هذا محرم ، خال من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال سعد بن أبي وقاص : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل . رد عليه التبتل : يعني منعه منه وما أقره عليه ، ولو أذن له لاختصينا . لو أذن النبي - صلى الله عليه وسلم -لعثمان بن مظعون بالتبتل لاختصينا ، يعني : لقطعوا الخصيتين وأزالوهما أو ردوا الخصيتين بحيث ينقطع أو تنقطع أو تضعف الشهوة عنهم فيقطعون أنفسهم عن النساء ، لكن هذا ليس من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أراده - عليه الصلاة والسلام - ، صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (وأما أنا فأتزوج النساء ) و الحديث : (جاء ثلاثة نفر إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم- فسألوا عن عبادته وبعد أن أعلموا وكأنهم تقالوها ، - أي رأوا هذه العبادة قليلة - قالوا : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر له ماتقدم من ذنبه وماتأخر ، فقال أحدهم - من هؤلاء الثلاثة - : أما أنا فلا أتزوج النساء ، فلما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم – (بأنه يتزوج النساء ) وقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : من رغب عن سنتي فليس مني ) وهذا الحديث متفق عليه . فهذا يدل على أن ترك النكاح ترك الزواج تعبدا لأجل المبالغة في التعبد : هذا محرم ، شرعا لايجوز ، نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم . قال المؤلف رحمه الله : إلا لعجز عن القيام ، بما لابد منه . أي التبتل غير جائز إلا لعجز عن القيام بما لابد منه : أي من كان عاجزا عن القيام بما لابد منه في النكاح فله أن ينقطع عن النكاح ، ومالابد منه : كأن يكون مثلا غير قادر على جماع النساء مثلا أو غير قادر على تحمل مسؤولية البيت وما يحتاج إليه البيت ، من نفقة ورعاية وغير ذلك ، وذلك لما ثبت للمرأة من حقوق في الإسلام واجب لها على زوجها ، فمن لم يكن قادرا على إعطائها حقها فلا يتزوج ، هذا الصنف من الناس اليوم كثير وكثير جدا حقيقة ، يتزوجون وهم ليسوا أهلا بالزواج ، يتزوج الرجل ويريد من زوجته حقوقها ولا يريد أن يعطيها ولايعطي أولاده حقوقهم ، هذا لايتزوج خير له من أن يراكم على نفسه من الآثام و الذنوب والحقوق مايعلم الله - سبحانه وتعالى - به ، قال المؤلف - رحمه الله - : وينبغي أن تكون المرأة ودودا ولودا بكرا ذات جمال وحسب ودين ومال . هذه الصفات التي ذكرها المؤلف للمرأة هي التي ترغب في المرأة ، أو يرغب الرجال في المرأة لأجلها وهي : الودود : المتحببة إلى زوجها بالكلام الطيب الجميل وبالخدمة والعشرة الحسنة ، الولود : الكثيرة الولادة ، البكر : التي لم يدخل بها ، ذات الجمال : هي الجميلة ، الحسب : الشرف ، بالآباء والأقارب ، والدين : مسلمة طائعة لله ، والمال : معروف لايجهله أحد . فإذا جمعت المرأة هذه الأوصاف كلها فخير على خير وإلا فاظفر بذات الدين وقدمها على غيرها ، هذه المرأة التي تجمع هذه الصفات الطيبة كلها : يحصل من ورائها على خير (أي الدنيا والآخرة) فتعينه على دنياه وعلى آخرته ، لكن إذا لم تتوفر هذه الشروط فقدم ذات الدين (فاظفر بذات الدين تربت يداك) كما قال - صلى الله عليه وسلم - تنكح المرأة لأربع ، هذه هي التي ترغب الرجال في النساء . (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) يعني : فز بصاحبة الدين ، لأنها هي التي تعينك على دينك وهي التي تتقي الله فيك وتعطيك حقوقك ، تربت يداك : هذه دعوة كانت قديمة عند العرب معناها التصقت يداك في التراب ثم بعد ذلك صارت تستعمل للحث والترغيب بالفعل . وأما الودود والولود وورد فيهما قوله - صلى الله عليه وسلم - (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) أخرجه أحمد وأبوداوود . هذا فيه ترغيب في النكاح وفيه ترغيب في نكاح المرأة التي تتحبب لزوجها وكذلك تنجب كثيراً ربما يقول قائل البكر كيف نعرف أنها تنجب كثيرا أم لا يقول أهل العلم بأنها تقاس بأقاربها من النساء يعني أنظر إلى أمها أخواتها ،خالاتها عماتها، في غالب الحال تكون المرأة كقريباتها، قال المؤلف رحمه الله : وتخطب الكبيرة إلى نفسها والمعتبر حصول الرضا منها لمن كان كفئا . الكبيرة هي التي بلغت ، هذه التي بلغت لها عقل تدرك به ما يناسبها وما لايناسبها ، وأما الصغيرة هذه لا معنى لإذنها لأن ليس لها إدراك لمايناسبها ومالا يناسبها وما فيه مصلحة لها ومالا مصلحة لها فيه ، ولا اعتبار برضاها ولا بسخطها ، والمعتبر حصول الرضى من الكبيرة بأن ترضى بالشخص الذي يكون كفئا لها مساو ومثيل ، فالمعتبر في الشرع على الصحيح من أقوال أهل العلم : هي المساواة في الدين ، فقط لاغير هذا هو الصحيح ، وهو مذهب مالك وجماعة من الصحابة ، ودليله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (فاظفر بذات الدين تربت يداك) فماعجب له إلا الدين ، وثبت عن الصحابة أنهم كانوا يزوجون الموالي ، فلم يعتبروا المساواة في المس ، قال المؤلف : والصغيرة إلى وليها ، تخطب الكبيرة إلى نفسها والصغيرة إلى وليها ، لأنه لايعتبر رضاها ، لصغرها ولعدم إدراكها مايناسبها ، قال : ورضى البكر صماتهـا . أي أنها تسكت ، تستشار يقال لها خطبك فلان ابن فلان فإذا سكتت أو ضحكت دل ذلك على رضاها ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - (البكر تستأمر ) قالت عائشة - رضي الله عنها -(فإنها تستحي) يعني عندما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا قالت له (فإنها تستحي) يعني تستحي المرأة البكر أن تقول أنا موافقة أو أريد فلانا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (فذلك إذنها إذا سكتت) إذنها : إذا سكتت ، خلاص إذا ماتكلمت في شيء واستحت خلاص يكفي هذا في إذنها : أي أنها موافقة على هذا الرجل ، والحديث متفق عليه ، وفيه رواية عند مسلم (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها ) اتضح الحكم بالنسبة للبكر أما الثيب : مالمقصود بقوله -صلى الله عليه وسلم - (أحق بنفسها من وليها ) أيعني ذلك أنها تزوج نفسها من غير وليها !! لايعني هذا ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صح عنه كما سيأتي أنه قال : (لانكاح إلا بولي) وهذا يشمل البكر والثيب ، وقوله أحق أفعل تفضيل : يدل على أنها أكثر حقا من وليها لا على أنها متفردة من حق - أحق بنفسها من وليها - فهي أولى من وليها إذا اختلفت مع وليها في كفئ فقولها الذي يقدم على قول وليها ، إذا كان الرجل كفؤا الذي جاء ووليها لا يريد وهي تريده ، ترفع أمرها إلى القاضي ويزوجها القاضي ، فهي أحق في مثل هذا . قال المؤلف - رحمه الله - : وتحرم الخِطبة في العدة . إذن مما تقدم يتبين عندنا أن البنت إذا كانت كبيرة بحيث تكون بالغة فلابد من رضاها سواء كانت بكراً أو ثيبا . قال - رحمه الله - هنا وتحرم الخطبة في العدة ، الخِطبة (بكسر الخاء) طلب المرأة للزواج : هذه الخِطبة ، أما بالضم فهي الكلام الذي يلقى على المنابر وما شابه هذا يسمى خُطبة ، أما طلب المرأة يسمى خِطبة، و العدة هي تربص المرأة مدة محددة شرعا بسبب فرقة نكاح أو وفاء ، المرأة عندما تطلق تدخل في عدة مدة زمنية حددها الشارع تبقى فيها إلى أن تنتهي ثم بعد ذلك يحل لها الزواج، هذه المدة الزمنية تسمى عدة ، كذلك المرأة التي يتوفى عنها زوجها كذلك تتربص بنفسها مدة زمنية إلى أن تنتهي ثم بعد ذلك يجوز لها أن تتزوج، هذه المدة الزمنية هي التي تسمى العدة، والمراد بالعدة في كلام المؤلف عدة الطلاق أو الموت والذي يحرم هو التصريح بالخطبة لجميع المعتدات ، التصريح بالخطبة محرم لجميع النساء المعتدات ، وأما التعريض (أن يذكر لها إشارة أنه يرغب فيها ولايصرح لها يقول لها أنا أريدك للزواج لا، يشير إشارة كأن يقول مثلا أنا أريد الزواج أمامها ، أو وددت أن ييسرالله لي إمرأة صالحة إشارة يشير بها لكن لا يصرح أنه يريد أن يتزوج هذا يسمى تعريضا ) هذا التعريض جائز لبعض المعتدات و هي المتوفى عنها زوجها هذا التعريض جائز للمتوفى عنها زوجها أما المعتدة عدة طلاق رجعي فهذه لايعرض لها ولا يصرح لها ، لأن هذه مازالت زوجة لرجل، فمازال له فيها حق ، فهذه لايعرض لها ولايصرح لها بأنه يريدها للزواج بتاتا ، أما المتوفى عنها زوجها ، فله أن يعرض لها ولا يصرح مادامت في العدة ، وأما المطلقة طلاقا بائنا يعني لارجعة فيه ، فمختلف في جواز التعريض لها - لمن طلقت طلاقا بائنا - ، قال الحافظ ابن حجر : والحاصل أن التصريح بالخِطبة حرام لجميع المعتدات والتعريض مباح للأولى وهي المتوفى عنها زوجها ، حرام في الأخيرة وهي المعتدة من طلاق رجعي مختلف فيه في البائن : أي المطلقة طلاقا بائنا لارجعة فيه . ودليل ماذكره المؤلف من تحريم الخطبة في العدة مفهوم قوله تعالى {ولا جناح عليكم في ماعرضتم به من خطبة النساء }
[ البقرة الآية 235]مفهوم هذه الآية : ماصرحتم به فعليكم جناح ، وتحريم التصريح و التعريض للمطلقة طلاقا رجعيا لأنها زوجة لزوجها ، ولم تنته الزوجية بعد ، فحق زوجها لايزال قائما فيها ، وأما تحريم التعريض لغيرها خشية أن تكذب المرأة في العدة استعجالا للزواج ممن طلبها صراحة ، طلبها الشخص صراحة ربما تكذب أنها انتهت من عدتها ولم تنتهي، لذلك منِع الرجل من طلبها صراحة مادامت في عدتها ، قال المؤلف: وعلى الخطبة . أي وتحرم الخِطبة على الخِطبة ومراده أن خطبة المرأة محرمة إذا خطبها مسلم لقوله - صلى الله عليه وسلم - (ولايخطب على خِطبة أخيه حتى ينكح أو يترك) وفي رواية (إلا أن يأذن له ) متفق عليه ، وتحريم ذلك ليس بمجرد أن يطلب المرأة بل بأن تركن إليه : أي تميل إليه وتطمإن وترضى به ، إذا جاء الرجل من المسلمين لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (ولا يخطب على خِطبة أخيه ) فليس داخلا في النهي الكاف اليهودي والنصراني إذا طلبا إمرأة يهودية أو نصرانية وأراد المسلم أن يتزوجها هذا لانقول له لا تخطب على خطبة على هذا اليهودي أو النصراني لا ، لأنه ليس أخا ، والنهي هاهنا الذي جاء كي لاتحدث العداوة والبغضاء في قلوب المسلمين بعضهم على بعض هذا المعنى غير وارد في اليهودي والنصراني فيختص بالمسلم وليس في ذلك حق لغير المسلم حتى يحترم ، أما قولنا بأنه ليس بمجرد أن يطلب الرجل المرأة يحرم على الآخر أن يطلبها فهذا سببه هو الجمع بين الاحاديث ، هذا الحديث فيه نهي عن الخطبة على خطبة أخيك . جاءنا حديث آخر في صحيح مسلم أن فاطمة بنت قيس بعدما طلقها زوجها قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إذا حللت فآذنيه ، فجاءته و أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها ،ومع علمه بذلك - بعد أن أعلمته أن معاوية وأبا جهم خطباها - قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه -يعني : ضراب للنساء - إنكحي أسامة بن زيد ) هنا يعني حصلت الخِطبة من النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد والنهي الوارد في الحديث خاص كما ذكرنا بالمسلم ولايدخل فيه الكافر ، فالان الحديث الأول والحديث الثاني الذي هو نهي عن الخِطبة على خطبة أخيك وكذلك حديث فاطمة بنت قيس يدلان على أن المرأة إذا خُطِبت مجرد طلب بدون أن تركن إلى هذا الرجل الذي طلبها وترضى به ، يجوز للآخر أن يخطب ، لكن إذا عُلم أنها رضيت به فهنا لايجوز له أن يخطب . جمعا بين هذه الأحاديث . نكتفي بهذا القدر إن شاء الله .