الدرس السابع والثلاثون

[الدرس السابع والثلاثون]

قال المؤلف رحمه الله: فصل: ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور.
بعد أن ينتهي الحاج من الطواف قال المصنف: يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور.
الصفا: جبل، والمروة كذلك، إذا انتهيت من الصلاة واستلمت الحجر الأسود إن تيسر لك انطلقت إلى جبل الصفا وتقول إذا دنوت منه: "إن الصفا والمروة من شعائر الله" أبدأ بما بدأ الله به، هكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تتميم للآية، فالآية التي تُقرأ فقط ما ورد في الحديث، شطرها الأول: "إن الصفا والمروة من شعائر الله"، تنطلق إلى باب الصفا وتَخرج منه لأنه أقرب باب إلى الصفا فترقى على الجبل حتى ترى البيت فتستقبل الكعبة وتكبر ثلاثاً وتقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم تدعوا بما فتح الله عليك، ثم بعد ذلك تُعيد الذِّكر نفسه فتكبر وتقول: لا إله إلا الله وحده ... الخ، ثم تدعو، ثم تعيد مرة أخرى تكبر وتقول: لا إله إلا الله وحده ... الخ، ثلاث مرات، ثم بعد ذلك تنطلق إلى جبل المروة وعندما تصل إلى بطن الوادي أو تقريباً عندما تقطع ثلث الطريق ويكون هناك علامة تبين لك المكان، في السقف ترى علامات خضراء، في السقف من البداية إلى النهاية، هذه المنطقة إذا وصلت إليها وهما المِيلان الأخضران سعيت سعياً، وهذا السعي خاص بالرجال دون النساء، ما بين الميلين تسعى سعياً، ولكن هذا خاص بالرجال، وبعد أن تنتهي إلى الميل الثاني تمشي كما كنت تمشي قبل ذلك، فإذا صعدت على المروة فعلت كما فعلت على الصفا تماماً، الذهاب من الصفا إلى المروة هذا شوط، ثم الرجوع من المروة إلى الصفا هذا شوط ثانٍ، وهكذا في الذهاب تَعُد شوطاً وفي الإياب تَعُد شوطاً إلى أن تكمل على هذه الحال سبعة أشواط، فإذا أكملت الشوط السابع عند إيابك من الصفا إلى المروة، في الشوط الأخير لا تقف على المروة تخرج مباشرة.
قال المؤلف رحمه الله: وإذا كان متمتعا صار بعد السعي حلالاً، حتى إذا كان يوم التروية أهل بالحجّ.
تقدم معنا معنى التمتع، المتمتع فقط هو الذي له أن يتحلل بعد السعي، فيُقَصِّر، وأما القارن والمفرد فهذان لا يتحللان، حتى إذا كان يوم التروية الذي هو اليوم الثامن من ذي الحجة أَهَلَّ بالحج وقال: لبيك بالحج من مكة (من مكانه الذي هو فيه)، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "أحلُّوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصِّروا ثم أقيموا حلالاً حتى إذا كان يومَ التروية فأهِلُّوا بالحجّ"، إذن هنا بعد السعي يُقَصِّر المتمتع شعره، فيتحلل التحلل كلَّه إلى يوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية، يُلبي ويقول: لبيك بحجّ، ثم يبدأ بحجّه وينطلق إلى منى.
قال المؤلف رحمه الله: وتوجه إلى منى وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر
كما جاء في حديث جابر في صحيح مسلم قال: "فلما كان يومُ التروية توجهوا إلى منى فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس" الحديث، هذا ينطلق إلى منى وهو جبل ويصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ويبقى إلى أن تطلع الشمس، ثم ينطلق، والمبيت بمنى هذا سنة وليس فرضاً (مستحب وليس بفرض) ولا نعني بالسنة أن يُهمَل ويُترك كما تفعل بعض بعثات الحج تترك هذا النُسك تماماً، نظراً لأمه سنة يتركونه بالمرة، وينطلقون إلى عرفة مباشرة، وهذا الفعل خطأ مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان النسك سنة لكن لا نفرط فيه بالشكل هذا، ويُصلي الصلوات المذكورة وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر في منى، يَقْصُر الصلوات التي تُقصَر وهي الظهر والعصر والعشاء، قصراً بلا جمع، هذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جمع النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة وفي مزدلفة، أمّا في منى لم يجمع صلى الله عليه وسلم فلا جمع.
قال المؤلف رحمه الله: فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها ويخطُب ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب.
يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وعرفة جبل معروف، بعدما ينتهي الحاجّ من منى وتطلع الشمس ينطلق إلى جبل عرفة فيقف عليه، وهذا الركن الأعظم من أركان الحجّ، فلا يصح الحج إلا بالوقوف في عرفة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة" أخرجه أبو داود وغيره، ووقت الوقوف بعرفة يبدأ من زوال الشمس إلى فجر يوم النحر ويَجمع بين صلاة الظهر والعصر التي سمّاها المؤلف العصرين، فيَجمع بين صلاة الظهر والعصر جمع تقديم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سنة مستحبة، ويَخطُب الإمام خُطبة واحدة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أن تغرب الشمس يدفع إلى مزدلفة بسكينة كما فعل صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله: ويأتي المزدلفة ويجمع فيها بين العشاءين ثم يبيت بها ثم يُصلي الفجر.
المزدلفة جبل معروف أيضاً، بعد أن يَخرج الحاجّ من عرفة وذلك بعد غروب الشمس، يأتي مزدلفة يصلي المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان وإقامتين، ولا يتنفل كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع ولم يتنفل، ويبيت بها، واختلف أهل العلم في المبيت في مزدلفة، فالبعض قال هو واجب ويجب بتركه دم، والبعض قال هو ركن لا يصح الحجّ إلّا به والبعض قال سنة، وساعة المبيت أن يكون في ساعة من النصف الثاني من الليل، أن يكون بمزدلفة، فلو رحل قبله لم يسقط عنه الدم، ولو عاد إليها قبل الفجر سقط عنه الدم، ووجوب الدم بناءً على القول بالوجوب وهو الصحيح إن شاء الله، ودليل وجوب المبيت بمزدلفة قوله تعالى: "فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من شهد صلاتنا هذه(أي صلاة الفجر) ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجّه وقضى تفثه" أخرجه أبو داود وغيره، فمن لم يفعل ذلك لم يتم حجّه، هذا ما يفهم من النص، هذا المعنى مأخوذ بدلالة المفهوم، ولكنّ المراد بالتمام هنا عند جمهور العلماء الاتيان بالكمال الواجب، واستدلوا بحديث أبي داود: "من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" أخرجه أبو داود، وهذا يعني أن من جاء إلى عرفة قبل صلاة الصبح من ليلة مزدلفة فقد تم حجّه، فيدلّ ذلك على أن المبيت بمزدلفة ليس ركناً، فيبقى عندنا الوجوب لورود الأمر به في الآية ثم يُصلي الفجر بها، صلاة الفجر تكون في المزدلفة.
قال المؤلف: ويأتي المشعر فيذكر الله عنده ويقف به إلى قبل طلوع الشمس، ثم يدفع حتى يأتي بطن مُحَسِّر.
المشعر الحرام: جبل صغير معروف في مزدلفة وعليه المسجد المبني الآن في مزدلفة، يأتيه الحاجّ بعد صلاة الصبح فيرقاه أو يقف عنده يحمد الله ويكبره، ويدعوا الله رافعاً يديه إلى أن يُسفر الفجر جداً، ويكون مستقبلاً القبلة، فإذا أسفر الفجر وقبل أن تطلع الشمس سار بسكينة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والوقوف عند المشعر سنة مستحب وليس بواجب، ثم ينطلق حتى يأتي بطن مُحَسِّر: وهو بطن واد عظيم فيه هلك أصحاب الفيل، وهو بين منى ومزدلفة، وليس هو من منى ولا من مزدلفة، وإذا مرَّ بهذا الوادي أسرع السير لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، قيل لأن الله أهلك فيه أصحاب الفيل، لكنّ النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء إلى بطن مُحَسِّر أسرع السير فنحن نتأسى به ونُسرعُ في السيِّر.
قال المؤلف: ثم يسلك الطريق الوسطى إلى الجمرة التي عند الشجرة وهي جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات يُكبِّر مع كل حصاة (مثل حصى الخذف)، ولا يرميها إلّا بعد طلوع الشمس إلّا النساءَ والصبيانَ فيجوز لهم قبل ذلك.
الطريق الوسطى التي توصل إلى جمرة العقبة، والجمرة التي عند الشجرة فسّرها المؤلف وهي جمرة العقبة، ويُقال لها الجمرة الكبرى، وهي آخر الجمرات مما يلي منى، يعني إذا بدأت من عند منى تأتيك الجمرة الصغرى ثم تأتيك الجمرة الوسطى ثم تأتيك الجمرة الكبرى وهي جمرة العقبة، تكون أقرب الجمرات إلى مكة وأبعد الجمرات إلى منى، بينما الجمرة الصغرى تكون أقرب الجمرات إلى منى وأبعد الجمرات إلى مكة، وهي كانت عند عَقَبة لذا سميت جمرة العقبة، يأتيها الحاجّ ويرميها بسبع حصيات صغيرات مثل حصى الخذف، حصى الخذف: حصى صغيرة أكبر من حبة الحمص بقليل، هذه الحصى سُميت حصى الخذف لأنها توضع ما بين الأصبعين ويُخذف بها، حصى صغيرة فيَلتقط هذه الحصيات من أي مكان شاء ولا يغسلها، غسلها مُحدَث لا أصل له في السنة، يلتقط هذه الجمرات ويرمي الجمرة الكبرى، يُكَبِّر عند كل رمية يرمي يقول: الله أكبر، ويرمي الحصى، لا بد أن تأتي في الحوض الذي أعدَّ في ذاك المكان، ووقت رميها بعد طلوع الشمس يوم العيد، هذا هو الأفضل ويجزأ بعد الفجر ولا يجزأ قبله (قبل الفجر لا تجزأ) أمّا بعد الفجر فجائزة لكن الأفضل هو بعد طلوع الشمس، هذا لأهل القدرة والنشاط، وأمّا لغيرهم من الضعفاء كالنساء والصغار والمرضى هؤلاء في آخر الليل، بعد منتصف الليل في آخره لهم أن يرموا هذه الجمرة، وأمّا آخر وقت رمي جمرة العقبة فطلوع فجر اليوم الحادي عشر، ورمي جمرة العقبة يوم العيد واجب باتفاق الفقهاء، ويجب بتركه دم، ويتوقف عن التلبية عند البدء بالرمي، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وقف عن التلبية بعدما رمى جمرة العقبة"، وأنت إذا بدأت في الرمي تحتاج أن تتحول من التلبية إلى التكبير، فتُكبِّر.
قال المؤلف رحمه الله: ويَحلِق رأسه أو يُقَصِّره فيَحِّل له كل شيء إلا النّساء.
دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمُحَلِّقين ثلاث مرات، فقال: "اللهم اغفر للمحلقين"، فقالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "اللهم اغفر للمحلقين"، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "اللهم اغفر للمحلقين"، ثم قال بعد ذلك: "وللمقصرين"، هذا الحديث في الصحيحين، وهذا يدلّ على أن التحليق أفضل من التقصير، وإنّما قلنا في بداية كلامنا عن المتمتع أنّه عندما يريد أن يتحلل يُقَصِّر، كي يبقى له شعر عندما يأتي في هذا اليوم يتمكن من حلقه، ومعنى التحليق إزالة الشعر بالكامل، ولكنّ هذا الحكم خاص بالرجال، أمّا النِّساء فكما قال صلى الله عليه وسلم: "ليس على النساء حلق، وإنّما على النساء التقصير"، تأخذ المرأة بشعرها وتجمعه ثم تقص منه قدر أنملة (أي قدر تقريباً ثلاثة سنتي فقط من آخره)، فإذا فعل ذلك حلَّ له كل شيء حَرُم عليه بسبب الإحرام إلّا النّساء جِماعاً ومباشرة، يعني يَحرُم عليه جماع النساء ومباشرة النساء، أمّا بقية ما حُرِّم عليه من أجل إحرامه فيَحِل له بعد أن يحلق أو يُقَصِّر، وهذا الذي يُسمى عند الفقهاء بالتحلل الأول، والبعض قال: يتحلل بعد رمي جمرة العقبة وإن لم يحصل منه حلق ولا تقصير، قالوا: مجرد رمي جمرة العقبة يَتحلل التحلل الأول، ولكنّه قول ضعيف مبني على حديث ضعيف، ودليل ما ذكره المصنف قول عائشة: "كنت أُطيِّب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرِم، ولِحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت" متفق عليه، والشاهد منه لو كان يُحِّل بالرمي فقط، لقالت ولِحِلِّه قبل أن يَحلق، لكنها ما قالت لِحِلِّه قبل أن يَحلق، قالت: لِحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت، فالظاهر والله أعلم والأصح دليلاً هو أنّه لا يتحلل التحلل الأول إلا بعد الحلق أو التقصير.
قال المؤلف رحمه الله: ومن حلق أو ذبح أو أفاض إلى البيت قبل أن يرمي فلا حرج.
أعمال يوم النحر التي هي رمي جمرة العقبة هذا العمل الأول، الثاني نحر الهَديِّ، الثالث الحلق أو التقصير، الرابع الطواف بالبيت، هذه أربعة أعمال تُعمل يوم النحر، إذا قَدَّم أحد هذه الأعمال أو أخره (هي مرتبه على الترتيب الذي ذكرنا) وهذه هي السنة لكن إذا قدَّم أو أخر أحد الأعمال على الآخر جائز، قال: ومن حلق أو ذبح أو أفاض إلى البيت قبل أن يرمي فلا حرج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن ذلك (عن التقديم والتأخير) قال: "اعمل ولا حرج"، وهذا الحديث متفق عليه، لكنّ السنة كما ذكرنا أن تُرَتَب على النحو الذي ذكرناه، ولكن إن حصل من شخص نسيان أو جهل فقَدَّم أو أخر فلا حرج عليه، وبعض أهل العلم قيَّد ذلك بالنسيان أو الجهل، والبعض قال مطلقاً يجوز التقديم والتأخير في أعمال يوم النحر.
قال المؤلف رحمه الله: ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق، ويرمي في كل يوم من أيام التشريق الجمرات الثلاث بسبع حصيات مبتدئاً بالجمرة الدنيا ثم الوسطى ثم جمرة العقبة.
قبل ما ذكره المصنف، بعد رمي جمرة العقبة يأتينا النحر، لأننا ذكرنا في الترتيب، جمرة العقبة ثم نحر الهدي ثم الحلق ثم الطواف، فقبل ما ذكره المصنف النحر بعد رمي جمرة العقبة، وينحر إن كان معه بدنة، أو يذبح إن كان معه بقرة أو شاة، ويَحلِق رأسه ويُقَصِّر ويطوف طواف الإفاضة، فإذا فعل ذلك حلَّ له كل شيء، هكذا يكون الترتيب العملي لأعمال الحجّ، وقلنا ينحر إن كان معه بدنة، البدنة المقصود بها هنا الإبل (الجمل)، أو يذبح إن كان معه بقرة أو شاة، لأن البقرة تذبح والإبل تنحر، ويَحلِق رأسه ويُقَصِّر ويَطُوف طواف الإفاضة، فإذا فعل هذه الأشياء حلَّ له كل شيء، ثم يبيت في منى كما قال المصنف ليالي التشريق، الليلة الأولى من ليالي التشريق هي التي بعد نهار العيد، الليلة تسمى الليلة الأولى من ليالي التشريق، بعد نهار يوم العيد عندما تغرب الشمس هذه الليلة الأولى من ليالي التشريق، يبيت الحاجّ ثلاث ليالٍ يرمي في كل ليلة الجمرات الثلاث، يبدأ بالصغرى التي هي مما يلي منى، ثم الوسطى ثم الكبرى التي هي جمرة العقبة، ويرمي كل واحدة بسبع حصيات كما رمى أول مرة جمرة العقبة، ووقت رمي هذه الجمرات يبدأ من الزوال إلى الغروب، من زوال الشمس إلى غروبها، ويُجزئ إلى طلوع فجر اليوم التالي، ومن فاته رميٌ يرمي في أيام التشريق، ورمي الجمرات واجب يجب بتركه دم، ويُرمى عن العاجز والصغير، يَرمي عنهم من كان قادراً على الرمي، العاجز والصغير الذين لا يقدرون على الرمي يرمي عنهم أي واحد، والبيات بمنى واجب في الليالي الثلاث، أو ليلتي الحادي عشر والثاني عشر لمن أراد أن يتعجل، فلك الخيار إما أن تبيت ثلاث ليالي في منى أو أن تبقى ليلتين فقط وتتعجل، تخرج قبل غروب شمس اللية الثالثة، ويسقط عن ذوي الأعذار هذا المبيت بمنى كرعاة الإبل والسقاة ومن شابههم كالحرس وغيرهم، ولا يلزمهم بتركه شيء لا دم ولا غيره، وله أن يتعجل كما ذكرنا بأن يبيت ليلتين فقط ويترك الأخيرة، يبيت الليلة الحادية عشر والثانية عشر لقوله تعالى: "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه لمن اتقى"، لكنْ يخرج قبل غروب الشمس، فمن بقي إلى بعد غروب الشمس فلا يجوز له أن يتعجل لأن اليومين قد فاتاه.
قال المؤلف رحمه الله: ويُستحب لمن يحجُّ بالناس أن يَخطُبهم يوم النحر وفي وسط أيام التشريق.
يُستحب لأمير الحجاجّ أن يخطُب بهم يوم النحر ووسط أيام التشريق على ما ذكر المؤلف، أمَّا يوم النحر فحديثه في الصحيحين، عن ابن عباس قال: "خطب النبي صلى الله عليه وسلمالناس يوم النحر"، فهذا يدل على أن الخُطبة يوم النحر سنة، وأما خُطبة وسط التشريق فورد فيها حديث عند أبي داود عن سرَّاء بنت نبهان قالت: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس فقال: "أي يوم هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "أليس أوسط أيام التشريق" الحديث، ولكنه ضعيف فيه ربيعة مجهول، وفي الباب أيضاً حديث أبي حَرَّة وفيه: علي بن زيد بن جُدعان ضعيف، فإذن يُستحب لمن يحجُّ بالناس أن يخطُبهم يوم النحر فقط.
قال المؤلف رحمه الله: ويطوف الحاجّ طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة يوم النحر.
هذا الطواف ركن من أركان الحجّ، أجمع المسلمون على أنّه ركن من أركان الحجّ، فإذا لم يفعله بَطُل حجه، قال تعالى: "وليطوفوا بالبيت العتيق" ويُسمى طواف الإفاضة وطواف الزيارة، وقته: أول وقته نصف الليل من ليلة النحر ولا حد لآخره، ولكن لا تَحلُّ له النساء حتى يطوف بالبيت، والبعض قال: آخره أخر أشهر الحج، وأفضل أوقاته يوم النحر.
قال المؤلف رحمه الله: وإذا فرغ من أعمال الحجّ وأراد الرجوع طاف للوداع وجوباً، إلّا أنّه خُفف عن الحائض.
هذا الطواف يُسمى طواف الوداع، وطواف الوداع واجب، فلا يجوز الخروج من مكة إلا بهذا الطواف للحاج، دلَّ على ذلك حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخرُ عهده بالبيت" متفق عليه، وأما الحائض فقد رَخَّصَ لها رسول الله في تركه، فبنفس حديث ابن عباس في رواية أخرى قال: "أمر الناس أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت إلا أنه خُفف عن الحائض" متفق عليه.


قال المؤلف رحمه الله: والهدي أفضله البدنة ثم البقرة ثم الشَّاة.
الهدي كلّ ما يُهدى إلى الحرم من حيوان وغيره (هذا يسمى هدي) ولكن المراد بالهدي في الحجّ ما يُهدى إلى الحرم من الإبل والبقر والغنم (أي من الأنعام فقط)، أفضل هذا الهدي البدنة، وقلنا البدنة هي الواحدة من الإبل، وهي الأفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى البُدنَ كما في الصحيحين (البدن جمع البدنة) والنبي صلى الله عليه وسلم يفعل الأفضل، ثم تأتي البقرة بعد ذلك، قالوا: لأن البقر أنفع من الشّياه، ثم الشّاة في الأخير هذا من حيث الأفضلية، أمّا من حيث الاجزاء فكله مجزئ.
قال المؤلف: وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة.
البدنة يهدي بها سبعة من الأشخاص، وكذلك البقر لحديث جابر في صحيح مسلم: "نحرنا مع رسول الله عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة".
قال: ويجوز للمُهدي أن يأكل من لحم هديِّه ويركب عليه.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من لحم هديِّه كما جاء في صحيح مسلم في حديث جابر، وأما ركوبها فلحديث أبي هريرة في الصحيحين: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال: اركبها، فقال: إنها بدنة (أي هدي) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اركبها، قال: إنها بدنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اركبها ويلك"، فدلَّ ذلك على جواز ركوب الهَديِّ.
قال المؤلف: ويُندب له إشعاره وتقليده.
الإشعار هو أن يُشقَّ أحد جنبي سَنام البدنة أو البقرة حتى يُسيل دمها ليَعلَم الناس أنّها مهداة للحرم فلا يعترضوها (شق أحد جانبي سنام البدنة)، تعرفون السنام يشق بحديدة بموس بشيء حتى يسيل منه الدم، وهذا كي يكون علامة على أنّه هدي فلا يَمسه أحد، وأما التقليد فهو أن يُعَلِّق في عُنق الهديِّ نعل أو نحوه يُعرف بها أنّه هدي، وهما سنة مستحبة لحديث ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ذا الحليفة فأشعر الهدي جانب السنام الأيمن ثم أماط عنه الدم وقلَّده نعلين" أخرجه مسلم.
قال المؤلف: ومن بعث بهديٍّ لم يَحرُم عليه شيء مما يَحرُم على المُحرِم.
لحديث عائشة في الصحيحين قالت: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدي من المدينة ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المُحرِم"، أرسل هدياً إلى مكة ولم يكن هو مُحرِماً أصلاً، أرسل هديه إلى مكة، فهذا لا يَحرُم عليه ما يَحرُم على المُحرِم، هذا معنى الكلام.
قال المؤلف رحمه الله: باب العمرة المفردة من غير حج.
قال: يُحرِم لها من الميقات ومن كان في مكة خرج إلى الحلِّ، ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يُقَصِّرُ وهي مشروعة في جميع السنة.
وكل هذا على ما تقدم في بداية كتاب الحج، ذكرنا كيفية الإحرام من الميقات، أمَّا من كان من أهل مكة فهذا لا بد في العمرة بالذات أن يخرج إلى أدنى الحلِّ كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها أن تخرج إلى أدنى الحل وكان التنعيم فخرجت وأحرمت بالعمرة من هناك، أما الحجّ فيُحرِم من نفس مكة، لكن العمرة يُحرِم لها من الحلِّ، يعني من خارج الحرم، وأدنى الحل هو التنعيم، ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يُقَصِّر، هذه أعمال العمرة، قال: وهي مشروعة في جميع السنة، يُشرع في أي وقت من السنة أن يعتمر من أراد العمرة.
وبهذا نكون قد انتهينا من باب الحج بحمد الله.