الدرس العاشر

[الدرس العاشر]


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمّا بعد:
فهذا هو المجلس العاشر من مجالس شرح لمعة الاعتقاد.
قال المؤلف رحمه الله: فصل: حقوق النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه على المؤمنين.
يقول المصنّف رحمه الله "ومحمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم" فالواجب على المؤمن أن يؤمن برسالة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأن يصدق بأنّه مرسل من عند الله.
"خاتم النبيّين"لقول الله تبارك وتعالى: "ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيّين"، وقال صلّى الله عليه وسلّم كما جاء في الحديث المتّفق عليه "لا نبيّ بعدي"، فإذاً لا نبوّة بعد محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
قال: "وسيّد المرسلين"لقوله صلّى الله عليه وسلّم "أنا سيّد النّاس يوم القيامة ولا فخر" كما جاء في رواية، فهو سيّد المرسلين، و سيّد النّاس جميعاً، فهذا من حقوق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم التي نثبتها له لكونها ثبتت له في الأدّلة الصّحيحة.
قال: "لا يصحّ إيمان عبد حتّى يؤمن برسالته ويشهد بنبوّته" لقول الله تبارك وتعالى: "فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليما"، وقال صلّى الله عليه وسلّم: "والذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة، يهودي ولا نصراني، ثمّ يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النّار" والمراد من الأمّة هنا التي قال فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة" أي أمّة الدعوة التي دعاها صلّى الله عليه وسلّم إلى دينه ومنهم اليهودي والنّصراني فإذا لم يؤمنوا بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم يكونون من أصحاب النّار، هذا الحديث أخرجه مسلم وفيه ردّ على الذين يدّعون أنّ اليهود والنّصارى مؤمنون، وبيننا وبينهم أخوّة الإيمان، هذا كلام باطل مردود على صاحبه، فالإيمان الذي عند اليهود والنّصارى لا ينفعهم، الإيمان الذي ينفع هو الإيمان الشّرعي الذي أخبر به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، الإيمان بالله، والإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمن لم يؤمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلا يقبل منه، ومن لم يؤمن بالإسلام الذي جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم فلن يقبل منه كما قال الله تبارك وتعالى: "فمن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" وقال الله تبارك وتعالى: "إنّ الدّين عند الله الإسلام"، فإذاً الدين عند الله سبحانه وتعالى هو دين الإسلام الذي يقرّر بأنّه لا إله إلا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فمن لم يؤمن برسالة محمّد لجميع النّاس كافّة فليس بمؤمن وإيمانه غير معتبر ولا يتعلّق به أحكام شرعيّة، لا تتعلق به أحكام شرعيّة، إيمانه ذاك إيمان فاسد غير معتبر، ولا تتعلّق به أحكام شرعيّة يعني أنّه لا يصحّ أن نقول بأنّه مؤمن وأنّه أخونا في الإيمان، لا.
الإيمان المعتبر الذي تكون به الأخوّة ويعقد عليه الولاء هو الإيمان الشرعي الذي جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم، أمّا القول بأنّ اليهود والنّصارى وغيرهم من الكفرة هم مؤمنون لأنّهم يؤمنون بوجود الله تبارك وتعالى فهذا قول باطل فاسد مردود على صاحبه وإلا فكفّار قريش أيضا مؤمنون، ماذا قال الله سبحانه وتعالى فيهم "ولئن سألتهم من خلق السّموات والأرض ليقولنّ الله" فهم يؤمنون بوجود الله ويؤمنون بأنّه هو الخالق، وهو الرّازق، إذن فماذا؟ هو إيمان لا ينفع، لا ينفع الإيمان إلا بأن تؤمن بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
قال المصنّف رحمه الله: "ولا يقضى بين النّاس يوم القيامة إلا بشفاعته" لحديث الشّفاعة في الموقف الذي تقدّم عندما يأتي النّاس إلى الأنبياء فيقول النّبي نفسي نفسي، إلى أن يأتوا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيقول أنا لها، أنا لها.
قال: "ولا يدخل الجنّة أمّة إلا بعد دخول أمّته"لقوله صلّى الله عليه وسلّم "نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة، ونحن أوّل من يدخل الجنّة" أخرجه مسلم في صحيحه.
قال: "صاحب لواء الحمد"اللّواء كالرّاية، جاء في حديث عند التّرمذي "أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد" أخرجه التّرمذي وله شواهد يرتقي إن شاء الله إلى الحسن بها.
"والمقام المحمود"هو العمل الذي يحمد عليه فاعله وهو هنا هو المقصود به الشّفاعة.
"والحوض المورود"الذي يأتيه النّاس ويردونه وقد تقدّم دليله
"وهو إمام النبيين وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم"جاء في ذلك حديث عند التّرمذي وابن ماجة من حديث أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إذا كان يوم القيامة كنت إمام النّبيّين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر" وهو حسن بطرقه إن شاء الله.
"أمّته خير الأمم وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السّلام" لقوله تبارك وتعالى: "كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس" ونقلوا اتّفاق أهل السنّة على أنّ الصّحابة أفضل النّاس بعد الأنبياء.
قال المؤلف رحمه الله: "وأفضل أمّته أبو بكر الصدّيق، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ عليّ المرتضى رضي الله عنهم أجمعين، لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كنّا نقول والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حيّ: أفضل هذه الأمّة أبو بكر، ثمّ عمر، ثم عثمان، ثم عليّ، فيبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلا ينكره"، هذه زيادة (ثمّ عليّ) ليست في الحديث ، هذه الزّيادة ليست في الحديث ، الصواب في الحديث موجود في الصّحاح والسّنن بلفظ أفضل هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان فلا يزيدون ، هذه زيادة ( ثمّ عليّ) ليست من الحديث.
"وصحّت الرّواية عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال: "خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر ثمّ عمر ولو شئت لسمّيت الثّالث".
أبو بكر الصدّيق معروف، عبد الله بن عثمان بن عامر من بني تيّم آمن بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان أوّل من آمن به من الرّجال، وكان صاحبه ورفيقه، وأشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإمامته للمسلمين من بعده وهو خير الصّحابة بل هو خير النّاس بعد الأنبياء.
وعمر هو أبو حفص الفاروق سمّي فاروقا لأنّه فرّق بين الحقّ والباطل وهو من بني عديّ وجميعهم من قريش، أبو بكر وعمر، من قريش وهو الذي استخلفه أبو بكر الصدّيق من بعده، وأبو بكر وعمر صحبا رسول الله ووزيراه، جاءت الأحاديث الكثيرة والكثيرة جدّا ببيان فضائلهما، والرّواية التي ذكرها المصنّف في قوله: "وصحّت الرّواية عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال: "خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر ثمّ عمر ولو شئت لسمّيت الثّالث"" والثّالث هو عثمان، هذه الرّواية رواية صحيحة فيها ردّ على الرّافضة الذين يطعنون في أبي بكر وعمر ويدّعون أنّهم يتولّون عليّ بن أبي طالب فإن كانوا يتولّونه ويعتقدونه معصوما فلماذا إذن لا يأخذون بما قاله في أبي بكر وعمر؟ وإنّما هو الهوى فقط هو الذي يحكم عندهم لا الدّليل.
"وعثمان" هو أبو عبد الله ذو النّورين عثمان بن عفّان من بني أميّة، وهو قرشيّ أيضا وقد زوّجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بابنتيه وهذه فضيلة أيّما فضيلة، وخير هذه الأمّة كما ذكر كما كانوا يقولون في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم "أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ بن أبي طالب من بعدهما".
وهو عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أبو الحسن، قرشيّ، والد الحسن والحسين وزوج فاطمة بنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
قال المؤلف رحمه الله: "وروى أبو الدّرداء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "ما طلعت الشّمس ولا غربت بعد النبيّين والمرسلين على أفضل من أبي بكر"" هذا صحيح المعنى ولكنّه ضعيف الإسناد، إسناده ضعيف لا يصحّ.
قال: "وهو أحقّ خلق الله بالخلافة بعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم" لماذا هو أحقّ ؟ يبيّن المؤلف فيقول: "لفضله وسابقته"، (سابقته) في الاسلام فهو سابق غيره ودخل في الاسلام قبل الجميع وفضله معروف وله مكانته الخاصّة من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى قيل له: "من أحبّ النّاس إليك؟ قال عائشة، قيل ومن الرّجال؟ قال أبوها".
"وتقديم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة على جميع الصّحابة"قبل أن يموت صلّى الله عليه وسلّم في مرضه أبى أن يتقدّم النّاس إلا أبو بكر الصدّيق، وفي هذا كانت إشارة إلى أنّ أبا بكر هو الذي يستخلف من بعده.
"وإجماع الصّحابة على تقديمه ومبايعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة"،لا شكّ أنّ الله سبحانه وتعالى لا يجمع هذه الأمّة على ضلالة وقد اتّفق الصّحابة رضي الله عنهم على أبي بكر الصدّيق واستقرّ الأمر له، بل "جاءت امرأة للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت يا رسول الله من أسأل من بعدك؟ قال اسألي أبا بكر" ففي هذا إشارة إلى أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقدّمه من بعده في كلّ شيء.
قال: "ثمّ من بعده عمر رضي الله عنه، لفضله وعهد أبي بكر إليه"أي في الخلافة بعد أبي بكر عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لفضله ومكانته أيضا، وهو خير هذه الأمّة بعد أبي بكر الصدّيق وعهد أبي بكر إليه، أي لأنّ أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه هو الذي عيّنه من بعده هو الذي عيّنه من بعده.
"ثمّ عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشّورى له" فعمر بن الخطّاب رضي الله عنه جعل الأمر شورى بين خيرة أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم اختاروا عثمان من بين البقيّة، فعثمان بن عفّان له فضيلة وله مكانة عظيمة وهو أفضل هذه الأمّة بعد أبي بكر وعمر ثمّ زاد على ذلك أن اختاره أهل الشّورى للخلافة فكان أحقّ من غيره بها.
"ثمّ عليّ رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه"وكان هو خير هذه الأمّة في وقته.
قال: "وهؤلاء الخلفاء الرّاشدون المهديّون الذين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم: "عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي عضّوا عليها بالنّواجذ"".
(عليكم بسنّتي) أي الزموا طريقتي التي أنا عليها ولا تخالفوها.
"وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي" وكذلك الزموا سنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعده.
ومن هم هؤلاء الخلفاء الرّاشدون؟ كما سيأتينا إن شاء الله أنّهم هم هؤلاء الأربعة، وسيأتي دليله.
(عضّوا عليها بالنّواجذ) أي تمسّكوا بها بأسنانكم، أي كما نقول نحن اليوم (عضّ عليها بيديك وسنانك) أي تمسّك بها تمسّكا شديدا كي لا تتفلّت منك، فالسنّة إذن تحتاج إلى حرص وتحتاج إلى تمسّك وتحتاج إلى زهد في الدّنيا فإنّ ممّا يعكّر على العبد عبادته وطاعته في هذا الزّمن وفي غيره وخصوصا في زمننا هذا الذي انفتحت فيه الدّنيا على النّاس انفتاحاً وانبساطاً كبيراً، الذي يعكّر على العبد عبادته هي الدّنيا، الاشتغال بها، وترك التعبّد لله سبحانه وتعالى لأجلها هو هذا الذي يضيّع العبد في هذا الزّمن وقد حذّرنا الله تبارك وتعالى منها تحذيراً كبيراً في كتابه وفي سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بما سيقع في آخر الزّمان وأنّ النّاس سينشغلون بالدّنيا وسيتركون العبادة لأجلها فحذّر من هذا أشدّ التّحذير فينبغي أن نكون عقلاء وأن نأخذ بتحذير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأن نعلم ما الذي ينفعنا فنقبل عليه، والذي يضرّنا فنبتعد عنه.
قال: "وقال صلّى الله عليه وسلّم: "الخلافة من بعدي ثلاثون سنة"، فكان آخرها خلافة عليّ رضي الله عنه".
إذن هذا الحديث الثاني الذي ذكره وهو حديث صحيح يبيّن لنا من المقصود بالخلفاء الرّاشدين من بعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
قال: " الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي"، وقال في الحديث الآخر "الخلافة من بعدي ثلاثون سنة" فكانت الثّلاثين سنة تنتهي بعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، أبو بكر حكم سنتين، وعمر بن الخطّاب حكم عشر، وعثمان اثني عشر، وعليّ بن أبي طالب أربعة، إذن هؤلاء هم الخلفاء الرّاشدون المهديّون الذين جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
قال المؤلف رحمه الله: "ونشهد للعشرة بالجنّة كما شهد لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: "أبو بكر في الجنّة، وعمر في الجنّة، وعثمان في الجنّة، وعليّ في الجنّة، وطلحة في الجنّة، والزّبير في الجنّة، وسعد في الجنّة، وسعيد في الجنّة، وعبد الرّحمن بن عوف في الجنّة، وأبو عبيدة بن الجرّاح في الجنّة"، هؤلاء العشرة نشهد لهم بالجنّة كما شهد لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولكن الذين شهد لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة ليسوا هؤلاء فقط، بل شهد صلّى الله عليه وسلّم لغيرهم بالجنّة ولكن هؤلاء العشرة هم الذين ذكروا في حديث واحد وجاؤوا في سياق واحد.
ابو بكر وعمر وعثمان وعليّ قد تقدّموا.
أمّا طلحة فهو طلحة بن عبيد الله من بني تيّم وهو أحد السّابقين إلى الإسلام.
والزّبير هو ابن العوّام من بني قصيّ بني كلاب، ابن عمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو أيضا من السّابقين.
وعبد الرّحمن بن عوف من بني زهرة من بني كلاب.
وسعد بن أبي وقّاص هو ابن مالك من بني عبد مناف بن زهرة.
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدويّ، كان أيضا من السّابقين.
وأبو عبيدة هو عامر بن عبد الله بن الجرّاح من بني فهر، كذلك هو من السّابقين إلى الإسلام، توفيّ في الأردن في طاعون عمواس.
قال: "وكلّ من شهد له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة شهدنا له بها كقوله: "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة""،فنشهد أيضا للحسن والحسين.
الحسن هو الحسن بن عليّ بن أبي طالب، والحسين بن علي بن أبي طالب حفيدا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شهد لهم صلّى الله عليه وسلّم بأنّهما من أهل الجنّة فنشهد لهما بذلك لأنّ الشّهادة بالجنّة أمر غيبيّ لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وما علّمه الله سبحانه وتعالى للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا أخبرنا النّبي صلّى الله عليه وسلّم بأنّ شخصا في الجنّة فهو في الجنّة، وإن أخبرنا انّه في النّار فهو في النّار، أمّا إذا لم يخبرنا صلّى الله عليه وسلّم فليس لنا أن نعلم من جهة أخرى فلذلك نقتصر على ما جاء في الكتاب والسنّة ولذلك لا نجزم لأحد بالشّهادة، فلا نقول فلان شهيد، لأنّ شهيد ما معناها؟ معناها أنّه في الجنّة، ومن أين لنا؟ لا ندري فإنّ الشّهيد هو الذي يقتل في سبيل الله وأيّنا يدري الذي قتل في سبيل الله ومن الذي قتل في غيره؟ هذه مسألة تتعلّق بماذا؟ بالنيّات والمقاصد، فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، ومن قاتل لغير ذلك فليس في سبيل الله، إذن فليس لنا أن نجزم لأحد بالشّهادة، ثمّ إنّ الشّهادة وصف شرعيّ لا يطلق إلا على من مات في سبيل الله ولا يطلق على الكافر النّصراني واليهودي والمجوسي والمشرك كلّهم صاروا شهداء اليوم، كلّ أحد يموت يقول فلان شهيد، فلان شهيد هذه كلمة شهيد كلمة شرعيّة ووصف شرعي أعطاه الله سبحانه وتعالى لمن يقتل في سبيله وجعل له مكانه عظيمة في الجنّة فكيف تأتي وتصف واحد على غير دين الإسلام بالشّهادة؟ ثمّ إنّنا لا نصف أحدا ولا نطلق على أحد لا مسلم ولا غير مسلم ولكنّنا نرجو للمسلم الذي يجاهد في سبيل الله نقول نرجو له الشّهادة.
قال: "وقوله لثابت بن قيس "إنّه من أهل الجنّة""،فنشهد لثابت بن قيس أنّه من أهل الجنّة كما صحّ ذلك عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
قال: "ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنّة ولا نار" كما ذكرنا لأنّه أمر غيبيّ.
"إلا من جزم له الرسول صلّى الله عليه وسلّم، لكنّا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء"نرجو للمحسن بإحسانه أن يدخله الله سبحانه وتعالى غلى الجنّة ، ونخاف على المسيء بإساءته أن يكون من أهل النّار وأن يعذّبه الله سبحانه وتعالى على إساءته، لكنّنا لا نجزم لأحد معيّن لا بجنّة ولا بنار.
قال المؤلف رحمه الله: "ولا نكفّر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل"،هذا الكلام ليس على إطلاقه (لا نكفّر أحدا من أهل القبلة بكلّ ذنب)، أمّا إذا كان الذّنب من نواقض الإسلام ثبت بدليل الكتاب والسنّة أنّه ناقض من نواقض الاسلام فهذا نكفّره لأنّ الله الذي كفّره وليس نحن، فالتّكفير يكون مرجعه إلى الكتاب والسنّة، فأيّ عمل حكم عليه في الشّرع في الكتاب والسنّة بأنّه كفر فنكفّر صاحبه، فمن سبّ الله فهو كافر، من سبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو كافر، فمثل هذه نجزم بها ونقولها ونحكم على فاعلها بالكفر لأنّه ثبت بدليل الكتاب والسنّة أن فاعل هذا الفعل كافر، أمّا مرتكب الكبيرة فهذا لا نحكم عليه بكفر لأنّه لم يرد في دليل الكتاب والسنّة أنّه كافر بل هو مسلم فاسق، أو نقول هو مؤمن ناقص الإيمان، أو نقول هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ولكنّه ليس بكافر، فلا نكفّر صاحب الكبيرة كما تفعله الخوارج، الخوارج هم الذين يكفّرون أصحاب الكبائر، أمّا اهل السنّة والجماعة فلا يكفّرون أصحاب الكبائر لأنّ الأدلّة من الكتاب والسنّة دلّت على أنّهم ليسوا بكفّار فقال صلّى الله عليه وسلّم: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنّة"، قال أبو ذرّ: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "وإن زنى وإن سرق"، قال: يا رسول الله وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق"، إلى أن قال له: "إن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذرّ" إذاً الزّاني والسّارق وغيره من أصحاب الكبائر هم من أهل الجنّة إذا ماتوا على التّوحيد، ولكن هم معرّضون للعذاب وإن شاء الله سبحانه وتعالى عذّبهم وإن شاء عفا عنهم لقول الله تبارك وتعالى: "إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، فصاحب الكبيرة تحت المشيئة، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذّبه على كبيرته، لكن من أهل الكبائر من هو يعذّب في نار جهنّم فلا يتّكلن أحد على ذلك فبعض أهل الكبائر أخبرنا النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّهم سيعذّبون، وأنّهم سيخرجون من نار جهنّم بالشّفاعة، إذن هناك من سيعذّب من أهل الكبائر فلا يتّكل أحد على المغفرة فالله سبحانه وتعالى لا تدري أن تكون ممّن يختارهم فيغفر لهم أو لا.
قال: "ونرى الحجّ والجهاد ماضيا مع طاعة كلّ إمام، برّا كان أو فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة".
"ونرى الحجّ والجهاد ماضيا مع طاعة كلّ إمام"، نرى الحج والجهاد خلف كلّ إمام مسلم، خلف كلّ إمام مسلم نرى الحج والجهاد ماضيا معه ونرى أيضا وجوب طاعته لماذا؟ لأنّ الله سبحانه وتعالى أمر بطاعته فقال: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم"، وقال عليه الصلاة والسلام أيضا "اسمع واطع وإن ولّي عليكم عبد حبشي" ، وجاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أحاديث كثيرة "أنّكم ستجدون من بعدي أثرة وأمورا تنكرونها، قالوا فما نفعل يا رسول الله؟ قال: اصبروا حتّى تلقوني على الحوض"، فلا يجوز الخروج على الحاكم المسلم ولا ترك طاعته إذا كان أمره موافقا لشريعة الله تبارك وتعالى وليس معصيّة ما لم نر منه كفرا بواحا كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم "ما لم تروا كفرا بواحا"، إذن ما لم نر كفرا بواحا ظاهرا واضحا إذن فالواجب علينا أن نسمع وأن نطيع والذين يستدلّون بأدلّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر للخروج على الحكّام هذا استدلال ليس في محلّه لأنّ الامر بالمعروف والنّهي عن المنكر والأدلّة التي وردت فيه كلّها أدلّة عامّة جاء ما يخصصّها في مسألة وليّ الأمر أنّنا وإن رأينا منه ما ننكر وإن رأينا منه أنّه يؤثر نفسه علينا في أمور الدّنيا إلا أنّه لا يجوز لنا أن نخرج عليه فليس الخروج عليه من النّهي عن المنكر الذي أمر الله به، إذن فهذه أدلّة خاصّة وردت في ولاة الأمور يجب علينا أن نقف عندها، فالدّليل الخاصّ أقوى دلالة من الدّليل العام، الدليل الخاص دلالته أقوى من دلالة الدليل العام لذلك قرّر في الأصول أنّ الخاصّ يقضي على العام فإذن وردت عندنا أدلّة خاصّة في ولي الأمر أنّ الإنكار عليه لا يكون بالخروج عليه إلا أن نرى منه كفرا بواحا هذا هو الواجب وهذه هي عقيدة أهل السنّة والجماعة، ما هذا في شرع الله إلا حقنا للدّماء وارتكاب للمفسدة الصغرى لدفع المفسدة الكبرى، لأنّ الخروج على الحاكم يؤدّي إلى مفاسد كبيرة جدّا منها التّفرّق والاختلاف والتّشتّت ومنها سفك الدّماء ومنها انتهاك الأعراض وأشياء كثيرة وكثيرة جدّا، اليوم النّاس كلّهم قد أدركوا هذا ورأوه بأعينهم فهذه المفاسد العظيمة التي تترتّب على الخروج على الحاكم أراد الشّارع الحكيم القضاء عليها وسدّها بالصّبر على الحاكم الجائر إلى أن يستريح برّ أو يستراح من فاجر.
قال: "ونرى الحجّ والجهاد ماضيا مع طاعة كلّ إمام (في طاعة الله ) إنّما الطّاعة في المعروف، أمّا إذا أمر الإمام بمعصيّة الله فلا طاعة لأحد في معصيّة الله.
"برّا كان أو فاجر"ما في عندنا فرق ما لم نر منه كفرا بواحا، هذا الضّابط الذي وضعه لنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم.
"وصلاة الجمعة خلفهم جائزة"نصلّي خلفهم الجمعة ونحجّ معهم ونجاهد أيضا معهم مالم نر منهم كفرا بواحا.
"قال أنس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "ثلاث من أصل الإيمان""، الآن المؤلف رحمه الله يريد أن يستدلّ على ما ذكر.
"قال انس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "ثلاث من أصل الإيمان: الكفّ عمّن قال لا إله إلا الله، ولا نكفّره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله عزّ وجل حتّى يقاتل آخر أمّتي الدّجال لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار" رواه أبوداود"، وهو ضعيف، هذا الحديث ضعيف، وما ذكر فيه قد بيّنّا أدلّته.
نتوقف إلى هنا وفي الدّرس القادم يكون إن شاء الله آخر درس في لمعة الاعتقاد ، وسيكون آخر درس أيضا في كتاب الصّلاة.