الدرس الخامس

[الدرس الخامس]



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :

فهذا المجلس الخامس من مجالس شرح لمعة الاعتقاد

انتيهنا في المجلس الماضي من ذكر بعض الصفات التي وردت في كتاب الله تبارك وتعالى، واليوم معنا ذكر بعض أحاديث الصفات .


قال المؤلف رحمه الله: "ومن السنّة قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:" ينزل ربّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدّنيا"، هذا الحديث فيه إثبات صفة النّزول لله تبارك وتعالى، فنقول: ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدّنيا نزولاً حقيقياً يليق بجلاله وعظمته من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، هذه قاعدة أهل السنّة والجماعة في التّعامل مع نصوص الصّفات.
قال شريك وإسحاق بن راهويه وهما إمامان من أئمّة أهل السنّة، من أئمّة السّلف عندما ذُكر لهما حديث النّزول، قالا: (إنّما جاءنا بهذه الأحاديث مَن جاءنا بالسنّة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، الصلاة والزكاة والحجّ، وإنما عرفنا الله بهذه الأحاديث)، هذا تقرير السلف لهذه الصفة، وعندما قال أحد الأمراء وهو يناظر إسحاق بن راهويه في هذا الأمر، قال له : ويخلو منه العرش ؟ أراد أن يورد عليه إشكال، أويخلو منه العرش ؟ قال له إسحاق بن راهويه : ويجوز أن لا يخلو منه أم لا يجوز؟ قال : نعم، قال : إذاً فمالك ولهذا ؟ فدعك منه لا علاقة لك بمثل هذه الأمور،
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:"ينزل ربّنا" ،نقول: ينزل ربّنا، ما قال يخلو منه العرش ولا قال لا يخلو منه العرش، فنسكت عمّا سكت عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم .

أهل التعطيل الذين يعطّلون صفات الله تبارك وتعالى ولا يثبتونها له من الجهميّة والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم يفسّرون مثل هذه الصفة بنزول أمره، أو نزول رحمته أو نزول ملك من ملائكته، وهذا كلّه مردود عليهم بأن هذا النزول الذي فسّرتموه به على غير حقيقة اللفظ الذي أخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم ، حقيقة اللفظ: ينزل ربنا يعني ينزل ربنا، وقولكم : ينزل أمره هذا تحريف، لماذا ؟ لأنكم حملتم اللفظ على غير حقيقته لغير وجود دليل صحيح في ذلك، فهذا يسمى تحريفاً وإن كانوا هم يسمّونه تأويلاً، لكنه تأويل باطل، التأويل جائز وصحيح إذا وجد الدليل على صحته، وإذا لم يوجد الدليل على صحته فهو تحريف وتأويل باطل، مردود على صاحبه.


قال المؤلف رحمه الله:" وقوله: يعجب ربك من الشابّ ليست له صبوة"، هذا الحديث فيه إثبات صفة العَجَب لله سبحانه وتعالى، ولكن هذا الحديث ضعيف أعلّه غير واحد من أهل العلم بابن لهيعة، وابن لهيعة ضعيف، ولكن يغني عنه في إثبات هذه الصفة قول الله تبارك وتعالى { بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ } [ الصافات/12] القراءة جاءت بل عجبتَ ويسخرون، وجاءت أيضاً قراءة: بل عجبتُ ويسخرون، وكِلا المعنيين صحيح ،
بل عجبتُ ويسخرون أي عجِب الله تبارك وتعالى، ففيه إثبات صفة العَجَب لله تبارك وتعالى.
وكذلك قال صلّى الله عليه وسلّم:" قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما اللّيلة" قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم لاثنين من الصحابة رجل وزجته استضافا رجلاً وما كان عندهما من الطعام ما يكفي فأطفئا الضوء وقدما الطعام وأوهما الرجل أنهما يأكلان معه فأكل هو الطعام ونام هنيئاً قرير العين، فقال لهما النبي صلّى الله عليه وسلّم:" قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما اللّيلة" ، وأيضاً جاء في الصحيحين قال صلّى الله عليه وسلّم:"عجب الله من قوم يدخلون الجنّة في السلاسل"، وهذا الحديث في صحيح البخاري فيه إثبات صفة العجب لله تبارك وتعالى .

أنكر هذه الصفة قوم، وقالوا: لا يعجب إلا من لم يعلم، فعندما علم تعجّب، فإذاً فيه إثبات الجهل وهذا لا يجوز على الله سبحانه وتعالى، قالوا: لا يتعجب شخص من شيء إلا وقد جهله، وبعد أن علمه اندهش منه وتعجب له، قالوا: إذاً لا يجوز أن يوصف الله سبحانه وتعالى بالعجب، لكن ردّ عليهم أهل السنّة وقالوا: فهمكم للعجب خطأ إذ إنّكم أدركتم نوعاً من أنواع العجب، والعجب نوعان وليس نوعاً واحداً:
الأول هو الذي ذكرتموه والله تبارك وتعالى منزّه عنه ولا شكّ، ولا يوصف الله سبحانه وتعالى بهذا العجب،
أمّا الثاني : وهو الذي يوصف الله تبارك وتعالى به، أن يخرج الشيء عن نظائره فتتعجّب لذلك،
مثلاً يكون عندك صبي صغير ، هذا الصبي يتكلم ويحسن الكلام وأنت تعلم أنه قادر على النطق بجملة معيَّنة ولكن العادة جرت على أن مثله ممّن هم في سنّه لا يتكلمون بهذه الكلمة، فعندما تخاطبه ويكلّمك بها تندهش وتتعجّب من خروجها منه، فأنت تعلم مسبقاً أنه قادر على قولها أم لا تعلم ؟ تعلم ، فالتّعجّب لماذا حاصل ؟ لأنّ هذا الصّبي عندما نطق بهذه الجملة خرج عن نظائره من الأولاد الذين لا يتكلّمون بهذه الجملة، فهذا خروج الشّيء عن نظائره هو التعجّب الذي يحصل والذي يوصف به الله سبحانه وتعالى ولله المثل الأعلى، يعني عندما صنع هذا الرجل الصحابي مع امرأته، عندما صنعا ما صنعا مع ضيفهما، أما كان يعلم الله تبارك وتعالى أنّهما سيفعلان مع ضيفهما ما فعلا ؟ كان يعلم ذلك، لكن لما كان ذلك في العادة لا يحصل حصل التعجب .


قال المصنف رحمه الله:"وقوله: يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثمّ يدخلان الجنّة" ، هذا حديث متفق عليه وتتمته :"يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتل ، ثم يتوب الله على القاتل فيُستشهد" متفق عليه أيضاً، فيضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة، يكون أحدهما كافراً فيلتقيان في المعركة فالكافر يقتل المسلم، ثمّ يتوب إلى الله ويُسلم فيدخل هذا الجنّة ويدخل الآخر الجنة، يضحك الله سبحانه وتعالى من هذين، وهذا فيه إثبات صفة الضحك لله تبارك وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، وكما ذكرنا وكما هو مقرر من غير تكييف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تحريف ،
فسّرها أهل التعطيل هذه الصفة (صفة الضحك) بالثواب، قالوا: يضحك الله إلى رجلين أي يثيبهما الله سبحانه وتعالى، وهذا تفسير بالنتيجة ، أن الله يضحك لهما أي أنه سيدخلهما الجنة هذا وهذا وسيثيبهما ذاك على جهاده في سبيل الله والآخر على إسلامه وتوبته إلى الله تبارك وتعالى ففسّروا الضحك بالإثابة، والضحك شيء والإثابة شيء آخر، إذاً فهو ليس تفسيراً بالحقيقة إنّما هو تفسير بالنّتيجة وهذا لا يصح وهو تأويل وصرف للّفظ عن ظاهره وعن حقيقته لغير دليل صحيح فهو مردود على أصحابه واللعب بهذه الطريقة في صفات الله تبارك وتعالى بدعة منكرة مردودة على صاحبها .


ثمّ قال رحمه الله:"فهذا وما أشبهه ممّا صحّ سنده"، فهذه الأحاديث التي ذكرها والصفات المذكورة فيها وكلّ حديث صحّ سنده "وعُدّلت رواتهنؤمن به ولا نردّه ولا نجحده -لا نكذّب به
-
ولا نتأوّله بتأويل يخالف ظاهره -كما تفعل المعطّلة - ولا نشبّهه بصفات المخلوقين " فنقول الله سبحانه وتعالى يضحك ضحكاً يليق بجلاله وعظمته، لا يشبه ضحك المخلوقين،
يعجب عجباً يليق بجلاله وعظمته لا يشبه عجب المخلوقين،
ينزل نزولاً يليق بجلاله وعظمته ... إلى آخره.


"ولا نشبّهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدَثين" السّمة هي العلامة ، والمُحْدَث هو المخلوق، أ ي لا نشبّهه بصفات المخلوقين كالجملة التي قبلها،
"
ونعلم أنّ الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير" أي ولا مثيل ،" لقول الله تبارك وتعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }"، هذه الآية أصلٌ في نفي التّمثيل وإثبات الصّفات أيضاً، نفي التّمثيل وإثبات الأسماء والصّفات لله تبارك وتعالى،
والتّشبيه أو التّمثيل أن تقول : يدٌ كَيَد ، ووجهٌ كوجه، وعينٌ كعَيْن ، هذا تشبيه وهو باطل ومحرّم، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عنه .

والتّعطيل : أن تنفي حقيقة الصّفة، فيقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:"يضحك"، وأنت تقول: لا يضحك بل يثيب، يقول: "له يدان"، وأنت تقول: لا يدان له وإنّما معنى ذلك النّعمة أو القدرة، أو يقول الله سبحانه وتعالى له عينان، تقول لا عينان له، بل هو بالحفظ والكلأ إلى آخره، فهذا كلّه باطل لا يجوز فعله والواجب الوقوف مع الصفة وإثباتها كما أثبتها الله تبارك وتعالى لنفسه أو كما أثبتها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لله تبارك وتعالى .


قال المؤلف رحمه الله:"وكلّ ما تُخُيّل في الذهن أو خطر بالبال فإنّ الله تعالى بخلافه" ،كلّ ما تصوّره الذهن أي العقل أو خطر على القلب بأنّ الله سبحانه وتعالى مثله، فإنّ الله تبارك وتعالى بخلافه ولا يجوز هذا التّصوّر أو هذا التّخيّل ، لأنّنا لا نعلم عن الله تبارك وتعالى إلا ما علّمنا الله تبارك وتعالى عن نفسه، الله سبحانه وتعالى غيبي لم نره، فلا يجوز إذاً أن نتكلم في شيء لا نعلمه، وما أخبرَناه عن نفسه أثبتناه له وما سكت عنه سكتنا عنه وما نفاه عن نفسه نفيناه عنه ، هذا هو الواجب .
ثمّ قال رحمه الله:" ومن ذلك قوله تعالى { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } " ، أي من الصفات أيضاً التي يجب أن نثبتها لله تبارك تعالى صفة العلوّ.

هنا الآن بدأ المؤلف رحمه الله بالصفات الثلاثة التي اشتدّ النّزاع فيها بين أهل السنّة وبين أهل البدعة، هذه الصفات الثلاث من أعظم الصفات الفارقة ما بين أهل السنّة وأهل البدع، صفة العلوّ ، وصفة الكلام ، وصفة رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة، هذه الصفات الثلاث خالف فيها أهل البدع من الجهمية والمعطّلة والأشاعرة، أهل السنّة والجماعة .

الصّفة الأولى : صفة علوّ الله تبارك وتعالى على خلقه
علوّ ذات، وعلوّ مكانة، كلّه نثبته لله تبارك وتعالى، أهل البدع يثبتون علوّ المكانة ولا يثبتون علوّ الذّات ،
والعلوّ ثابت بأدلّة كثيرة من الكتاب والسنّة حتى قال بعض أهل العلم:"عندي ألف دليل على علو الله على خلقه" ألف دليل ، وألّف في ذلك بعض أهل العلم مصنّفات منها كتاب "العلوّ" للإمام الذهبيّ رحمه الله ومنها أيضاً "صفة العلو" لابن قدامة مؤلِّف كتاب اللمعة الذي بين أيدينا، وهما كتابان نفيسان وكتاب العلوّ للذهبيّ اختصره الإمام الألباني رحمه الله في مختصر نافع طيّب حذف منه الآثار والأحاديث الضعيفة وأبقى ما صحّ من ذلك.
فعلوّ الله تبارك وتعالى ثابت بنصوص كثيرة، منها ما ذكره المؤلف رحمه الله معنا هاهنا، هذه الآية { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [ طه/5]، (الرحمن) هو ربّ العزّة تبارك وتعالى ، (على العرش) العرش في اللغة هو سرير الملك وهو عرش عظيم لله تبارك وتعالى له قوائم، تحمله الملائكة وهو أعلى المخلوقات وسقف الجنّة، فوق الفردوس الأعلى، أعلى المخلوقات، والرّحمن تبارك وتعالى
استوى عليه أي علا وارتفع، علا وارتفع على عرشه كما جاء التفسير عن أبي العالية الريّاحي وعن مجاهد وغيرهم من السلف،
فـ الرحمن على العرش استوى بمعنى علا وارتفع على عرشه، نثبت لله تبارك وتعالى هذه الصفة وهي صفة العلوّ فإنّ الله سبحانه وتعالى عالٍ على خلقه بنصوص كثيرة منها هذا الذي ذُكر ،ومنها قول المصنف أيضاً وقوله الله تعالى { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء } وهذه الآية أيضاً تدلّ على علوّ الله على خلقه، ويؤيّدها أيضاً ما سيأتي من أدلّة،
ومعنى قوله تبارك وتعالى (في السّماء) أي على السّماء، فالسماء لا تكون ظرفاً لله تبارك وتعالى، لا تحيط به ولكنّه على السماء، يؤيّد ذلك قول الله تبارك وتعالى { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } أي أنّه علا وارتفع على العرش والعرش أعلى المخلوقات، فـ (في السماء ) هنا بمعنى على السماء، وهل يصحّ هذا في اللّغة أن يقال: في السماء، وتقول: على السماء ؟
نعم يصحّ، من ذلك قول الله تبارك وتعالى { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } [ طه/71] التّصليب يكون أين ؟ على جذوع النخل،
وكذلك قول الله تبارك وتعالى { فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ } [ التوبة/2]، أي فسيحوا على الأرض، إذاً هذا أمر مقرّر ومعروف في اللغة أنَّ (في) تأتي بمعنى (على) وهذا من ذاك.

قال المصنّف رحمه الله:" وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم :"ربّنا الله الذي في السّماء تقدّس اسمك" هذا حديث أخرجه أبو داود وغيره ولفظه:"من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكاه أخٌ له فليقل:" ربّنا الله الذي في السّماء تقدّس اسمك، أمرُكَ في السماء والأرض، كما رحمَتُك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حُوبَنا أنت ربّ الطيّبين أنزِل رحمةً من رحمتك شفاءً من شفائك على هذا الوجع ، فيبرأ" كذا قال في الحديث ولكنّه حديث ضعيف جدا، في إسناده زياد بن محمّد: منكر الحديث كما قال البخاري وأبو حاتم والنّسائي وغيرهم من العلماء، فهذا الحديث لا يصحّ الاستدلال به .

قال المصنف: "وقال للجارية - أي النبي صلّى الله عليه وسلّم -أين الله ؟، قالت: في السّماء، قال اعتقها فإنّها مؤمنة"، فشهد لها النبي صلّى الله عليه وسلّم بالإيمان بقولها بأن الله في السماءأي على السماء، رواه مسلم في صحيحه، ولم يطعن في هذا الحديث إلا أهل البدع والضلال الذين لم يعجبهم ما فيه من معنى ، فأهل البدع مع حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وضعوا لهم بعض القواعد التي تخدم مصالحهم،
عندهم هم تقرير العقائد يكون بعقولهم لا بالكتاب والسنّة، أهل السنّة والجماعة يقرّرون العقيدة بأدلّة الكتاب والسنّة، العقلانيّون من الجهميّة والمعتزلة والأشاعرة يقرّرون العقيدة بما يركب على رؤوسهم، على عقولهم، وما لا ينسجم مع عقولهم لا يثبتونه، فإذا تعارضت الأدلة من نصوص الكتاب والسنّة مع ما ظنّوه بعقولهم وهي أفكار خيالات وشطحات من عندهم، فإذا تعارض ذلك مع هذا ماذا يفعلون بالكتاب والسنّة ؟ أما القرآن فيؤوّلونه كما سمعتم من تأويلاتهم في الصفات التي تقدّمت، أمّا السنّة فيقسّمونها إلى قسمين:
يقولون: منها ما هو متواتر، ومنها ما هو آحاد، فكان ماذا ؟ المتواتر يؤخذ به في العقائد، أمّا الآحاد فلا يؤخذ به في العقائد عندهم، هذا الذي يقرّرونه من اعتقاد، وبذلك يكونون قد تخلّصوا من أكثر سنّة النّبي صلى الله عليه وسلم، خلاص هكذا ارتاحوا، يقرّرون ما شاؤوا بعقولهم، إذا تعرّضتهم سنّة قالوا: هذا خبر آحاد ضعه على جنب، الجيّد فيهم يقول: طيب فلنؤوله كما أوّلنا بقيّة الأدلّة من الكتاب والسنّة، هكذا يتعاملون مع نصوص الشّرع، نسأل الله السّلامة والعافيّة .

"وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحُصين :" كم إلهاً تعبد ؟ قال : سبعة، ستّة في الأرض وواحد في السّماء ، قال: من لرغبتك ورهبتك ؟ قال : الذي في السّماء ، قال : فاترك الستّة واعبد الذي في السّماء وأنا أعلّمك دعوتين "، فأسلَم وعلّمه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يقول:" اللّهمّ ألهمني رشدي وقني شرّ نفسي" هذا أخرجه التّرمذي وغيره وهو ضعيف أيضاً .

قال رحمه الله :" وفيما نُقل من علامات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في الكتب المتقدّمة أنّهم يسجدون بالأرض ويزعمون أنّ إلههم في السماء"، ذكره المؤلف بصيغة التّمريض (وفيما نُقل من علامات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ) فهو ضعيف، أخرجه الأُمَويّ في المغازي ومن طريقه أخرجه ابن قدامة في العلوّ ومن طريق ابن قدامة أخرجه الذهبيّ في العلو وذكر إسناده عن عديّ بن عميرة وقال الذّهبيّ: غريب، وهو ضعيف لا يصح.

"وروى أبو داود في سننه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "إنّ ما بين سماءٍ إلى سماء مسيرة كذا وكذا -وذكر الخبر إلى قوله- : وفوق ذلك العرش، والله سبحانه فوق ذلك"، وهذا حديث العبّاس بن عبد المطّلب الذي فيه ذِكْر الأوعال وهو حديث أخرجه أبو داود والتّرمذيّ وغيرهما وهو ضعيف أيضاً، ولكنّ الأدلّة التي تدلّ على العلوّ كثيرة أفضل وأجود من هذه وليت المؤلف أتى بما هو أصح من هذه، فيوجد في الصحيحين أحاديث أقوى وأجود من هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله .


قال رحمه الله:"فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله ولم يتعرّضوا لردّه ولا تأويله ولا تشبيهه ولا تمثيله"، وقد نَقل إجماع السلف على إثبات الصفات غير واحد من العلماء، منهم ابن عبد البر وغيره من علماء الإسلام، فالسلف مجمعون جميعاً على إثبات مثل هذه الصفات .


قال المؤلف رحمه الله:"سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقيل : يا أبا عبد الله: الرحمن على العرش استوى، كيف استوى ؟ فقال : "الاستواء غير مجهول" وفي رواية "الاستواء معلوم، والكيف غير معقول" ، وفي رواية "والكيف مجهول"، والإيمان به واجب، والسّؤال عنه بدعة، ثمّ أمر بالرّجل فأُخرج " من المجلس الذي فيه الإمام مالك رحمه الله، الإمام مالك غنيّ عن التّعريف، وشهرته أكثر من أن تذكر فهو إمام عظيم من أئمة أهل السنّة والجماعة، إمام أهل المدينة في زمنه رحمه الله،
وهذه القاعدة التي قعّدها هي أصل وقاعدة عظيمة مشى عليها السّلف جميعاً، جميع السلف كانوا عليها وهي قاعدة ينبغي للخلَف أن يتقيّدوا بها: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، ضع مكان الاستواء كلّ صفة ثبتت في كتاب الله أو في سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وامضِ على هذا،
(
الاستواء معلوم) أي معلوم في اللغة العربية، بمعنى العلوّ والارتفاع،
(
والكيف مجهول) كيفية الاستواء، كيف استوى الله سبحانه وتعالى على عرشه ؟ هذه مجهولة بالنّسبة لنا، فلا نتكلّم فيها ولا نخوض فيها ولا نسأل عنها، (والسّؤال عنها بدعة) إذ لم يكن في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا كان في عهد الصّحابة رضي الله عنهم .بهذه القاعدة نمشي على منهج السّلف رضي الله تبارك وتعالى عنهم .

ثم يبدأ المؤلف بعد ذلك بصفة الكلام نرجؤها إلى الدرس القادم