الدرس الرابع

[الدرس الرابع]


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذا المجلس الرابع من مجالس شرح لمعة الاعتقاد
انتهى المصنّف رحمه الله تعالى من ذكر عقيدة أهل السنّة والجماعة في باب الأسماء والصّفات، وذكر أيضاً عقيدتهم في اتّباع السنّة ومخالفة البدعة، ويبدأ المصنّف الآن بذكر بعض آيات الصّفات .
قال رحمه الله :"فممّا جاء من آيات الصّفات قول الله عزّ وجل { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }" ، في هذه الآية إثبات صفة الوجه لله تبارك وتعالى، فنثبته له لأنّه أثبت هذه الصّفة لنفسه في كتابه وفي سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، على حقيقتها، ولا نعطّلها كما يفعل أهل التّعطيل، كيف يعطّلونها ؟ يفسّرون الوجه: بالذّات، ولا يثبتون لله وجهاً حقيقياً، قالوا : الوجه موجود في المخلوق، من صفاته، فإذا أثبتنا الوجه للخالق شبّهنا الخالق بالمخلوق، وهذا يلزم منه النّقص، فنقول لهم: هذا لا يلزم، لا يلزم من إثبات وجهٍ لله تبارك وتعالى أن وجهه يشبه وجه المخلوق، فوجه الله يليق بجلاله وعظمته، ووجه المخلوق يليق به، فلا يلزم من كون المخلوق له وجه والله سبحانه وتعالى له وجه أن يكون الوجه كالوجه، فنحن نثبت صفة الوجه لله تبارك وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، من غير تمثيل لقول الله تبارك وتعالى{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى/11]، ومن غير تكييف، لقوله تبارك وتعالى { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه/110]، ونثبت الوجه لله لقوله تبارك وتعالى { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [ الرحمن/27]، هذا هو التأصيل السنّي السّلفي، وقد كان السلف رضي الله عنهم يقرؤون هذه الآيات ويمرّون عليها كما جاءت، ولم يحرفها أحد منهم، ولم يخرج بها عن معناها الحقيقيّ، فنحن نفعل كما فعلوا ، ولو كان فيها محذور، ولو كانت يلزم منها معاني باطلة لبيّنها السّلف وما سكتوا عنها .
ويقول المؤلف رحمه الله :"وقوله سبحانه وتعالى { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } "، في هذه الآية إثبات صفة اليدين لله تبارك وتعالى، وكذلك في قول الله تبارك وتعالى { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص/75]، خلق آدم بيديه سبحانه وتعالى، وأمّا بقيّة المخلوقات فقال لها كوني فكانت، وأهل التّعطيل يقولون: معنى اليد: النّعمة أو القدرة، فقالوا في آدم: خلقه بقدرته، ففسّروا اليد بمعنى القدرة، فردّ عليهم أهل السنّة، فقالوا: وما الفرق إذاً بين آدم وبقيّة الخلق ؟ ، الله سبحانه وتعالى شرّف آدم ويذكر هذا التّشريف لإبليس عندما أمره بالسّجود لآدم قال: (ما منعك أن تسجد لمن شرَّفته ورفعت مقامه بخلقي له بيديّ) فهذه منزلة رفيعة، ففرّق الله سبحانه وتعالى ما بين خلق آدم وخلق غيره من البشر، فعندما تقولون أنتم: خلقه بقدرته فإذاً لم تبقَ لآدم مكانة ولا شرف زائد عن بقيّة الخلق،(..)، إضافة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى قال { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص/75]، مثنّى، يدان اثنتان لله تبارك وتعالى، وقدرة الله واحدة، فإذاً لا يصحّ هنا أن يفسّر المثنّى بالمفرد، فهذا التأويل الذي هم عليه تأويل باطل، لأنّه تأويل لغير دليل، وإنّما هو تأويل لشُبه عقلية، منعهم من إثبات حقيقة اليدين لله تبارك وتعالى زعمهم أنّ إثبات اليدين لله تبارك وتعالى يلزم منها التّشبيه، إذ إنّ المخلوقات لها أيدي، البشر لهم أيدي، فإذا أثبتنا اليد للخالق وأثبتنا للمخلوق اليد فقد شبّهنا الله بخلقه، وهذا باطل وليس بصحيح، نقول لهم: إثبات اليد لله سبحانه وتعالى، نثبت يداً تليق بجلاله وعظمته، والمخلوق له يد تليق به، قولوا في اليد كما قلتم في الذّات، انتبه لهذه النّقطة، قولوا في اليد وبقيّة الصّفات كما تقولون في الذّات، هل لله ذات أم لا ؟ له ذات، يُقرّون هم بذلك، هل للمخلوق ذات أم لا ؟ له ذات ، هل ذات الله كذات المخلوق ؟ لا ، إذاً، الصفة كالذّات، والوجود كذلك، هل الله موجود أم ليس موجوداً ؟ موجود، العبد موجود أم ليس بموجود ؟ موجود، هل الوجود كالوجود ؟ لا، إذاً بقيّة الصّفات كذلك، ما الذي جعلكم تثبتون هذا وتقولون ليس فيه تشبيه وتنفون ذاك وتقولون فيه تشبيه ؟ ليس لكم حجّة لكم على ذلك، وكذلك القول في بعض الصّفات كالقول في البعض الآخر، الذين يثبتون لله صفة السمع والبصر والإرادة والقدرة والحياة وينفون بقيّة الصّفات نُلزمهم بهذا، نقول: لماذا أثبتّم هذه ونفيتم هذه ؟ إذا كان إثبات هذه يلزم منه التشبيه فإثبات تلك كذلك، فهذا تناقض، لكن الصحيح أن كلّ هذا إثباته لا يلزم منه التشبيه البتّة، فصفات الخالق تبارك وتعالى تليق بجلاله وعظمته وكماله، وصفات المخلوق تليق به وبنقصه .
ثم قال المؤلف رحمه الله: "وقوله تعالى إخباراً عن عيسى عليه السلام أنّه قال {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ }"، هذه الآية ماذا فيها ؟ فيها إثبات صفة النّفس لله سبحانه وتعالى، وهي كقوله تبارك وتعالى{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [ الأنعام/54]، فأثبت النّفس لنفسه، وعيسى أثبت لنفسه نفساً وأثبت لله نفساً، ولم ينكر الله تبارك وتعالى عليه هذا القول، ولا يلزم من ذلك أن نفس عيسى تشبه نفس الله سبحانه وتعالى، لا يلزم، كما أن ذات عيسى لا تشبه ذات ربّ عيسى .
قال المؤلف رحمه الله:"وقوله سبحانه{ وَجَاء رَبُّكَ }، وقوله تعالى { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ }"، (وجاء ربّك) فيها إثبات صفة المجيء، وهي صفة فعليّة، يفلعها الله متى شاء، من الصّفات الفعليّة، وكذلك في قوله (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) هذا يوم يأتيهم الله سبحانه وتعالى لفصل القضاء يوم القيامة، وهذه الصفة، صفة الإتيان صفة فعليّة، أهل التعطيل يفسّرون المجيء والإتيان بمجيء أمره، أو إتيان أمره، وهذا باطل، الله سبحانه وتعالى يقول: (وجاء ربّك) ولم يقل: وجاء أمر ربّك، قولك: (وجاء أمر ربّك) هذا على غير الحقيقة، حقيقة اللّفظ: (وجاء ربّك) يعني جاء ربّك لا يحتاج نقاش، لو أراد الله سبحانه وتعالى الأخرى لقال: وجاء أمر ربّك . فالواجب هو فهم هذه النّصوص على ظاهرها (على حقيقتها) ومَن ادّعى غير الحقيقة يلزمه الإتيان بالدليل الصحيح، لا الدليل العقلي الموهوم، الشّبه الخيالية، هذه لا تقبل، هذه على منهج أهل السنّة والجماعة منهج السّلف الصّالح منهج أهل الحديث لا تمشي، لو أراد الله سبحانه وتعالى خلاف الحقيقة لأوجد لنا دليلاً يبيّن لنا أنّ الحقيقة غير مرادة، ولمّا لم يرِد إذاً فالمراد هي الحقيقة .
وقال المؤلف رحمه الله: "وقوله تعالى { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ }" ، هذه آية من آيات الصّفات، ماذا تثبت ؟ تثبت صفة الرضى وهي من الصّفات الفعليّة التي نثبتها كما أثبتها الله تبارك وتعالى في كتابه، لماذا نثبتها ؟ لأن الله أثبتها، لماذا نحملها على حقيقتها ؟ لأنه لم يرد ما يدلّ على عدم الحقيقة، لماذا نقول: لا نعلم كيفيتها ؟ لقول الله تبارك وتعالى { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [ طه/110] .
هذه هي الأصول .
أهل التّعطيل يفسّرونها بماذا ؟ بإرادة الثّواب أو بالثّواب نفسه، يَصرفونها عن حقيقتها، الثواب هو نتيجة الرضى، يلزم من الرضى الثواب، فإذاً الرّضى شيء ولازِمُه أو نتيجته شيء آخر، فلا يفسّر هذا بهذا إلا عند وجود القرينة التي تدلّ على أن الحقيقة غير مرادة .
ثم قال المصنّف رحمه الله: "وقوله تعالى { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }"، صفة المحبّة، فنثبت أن الله يحبّ ونثبت له صفة المحبّة وهي صفة فعليّة أيضاً ، نثبتها لله كما يليق بجلاله وعظمته، لا نشبّهها بصفات المخلوق، محبة العبد محبّة تليق به، ومحبّة الله محبّة تليق بعظمته وجلاله، أهل التّعطيل يفسّرونها بإرادة الإحسان أو بالإحسان، الذي هو نتيجة المحبّة، فالمحبّة شيء ونتيجتها شيء آخر، فلا يصحّ صرف المحبّة عن حقيقتها إلا بدليل، ولا يوجد، فالواجب حمْل الآية على حقيقتها مع اعتقاد عدم المثليّة، لقول الله تبارك وتعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }، إذاً، فننفي أن تكون صفة الله مثل صفة عبده، فمن قال: يدٌ كيد، نقول له: مبتدع، ضال، مخرّف، مشبّه يد الله سبحانه وتعالى بيد خلقه؟، هذه بدعة ضلالة، ومن قال: كيفية يد الله تبارك وتعالى كذا وكذا، قلنا له: أنت مبتدع ضال، الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة)، فإذاً، نقول:{ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }، يحبّهم محبّة تليق بجلاله وعظمته، نثبت له هذه المحبّة .
يقول المؤلف رحمه الله: "وقوله تعالى في الكفّار { وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ }" هذه أيضا صفة فعليّة، صفة الغضب، فنثبت لله تبارك وتعالى صفة الغضب، كما وصف نفسه في كتابه، هو أعلم بنفسه، فنثبتها لله من غير تعطيل ولا تحريف، ولا تمثيل، ولا تكييف، أهل التعطيل يفسّرونها بالانتقام أو بإرادة الانتقام، الأشاعرة كونهم يؤمنون بصفة الإرادة ويثبتونها لله يحوّلون هذه الصّفات كلّها إلى الإرادة، إرادة الانتقام، إرادة الاحسان، فيفسّرونها إمّا بإرادة الانتقام أو بالانتقام نفسه وهذا كله نتائج ولوازم وليست هي الحقيقة، حقيقة الغضب تختلف عن حقيقة الانتقام، فالواجب هو إثبات الصفة على حقيقتها، إن قلت لي: لا، هي بمعنى الانتقام، قلنا لك: هات، أثبِت الدليل، هذا خلاف ظاهر النص، ومثلها قولها تعالى { فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف/55]، هذه الآية جميلة في الرد على أهل البدع وعلى تفسيرهم بالانتقام ، ماذا قال ؟
{ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ }، فلما أغضبونا انتقمنا منهم، فكانت نتيجة الإغضاب الانتقام ، ففرّق بين الغضب وبين الانتقام .
قال المؤلف رحمه الله: "وقوله تعالى { اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ }"، وهذا إثبات صفة السُّخْط لله تبارك وتعالى أو السَّخَط، يجوز هذا وهذا، والسُّخْط ( أو السَّخَط) نقيض الرضى، والغضب اشتداد السّخط، هذا بمقتضاه اللّغويّ، السخط في اللغة هو نقيض الرضى، ونثبت لله سبحانه وتعالى هذه الصفة كما أثبتها لنفسه من غير تشبيه، ولا تكييف، ولا تعطيل، حرّفها أهل التعطيل إلى الانتقام، لأنها كصفة الغضب فحرفوها بنفس التحريف، فنقول لهم كما قلنا في البداية، الأصل هي الحقيقة، الأصل الحقيقة، تريد أن تؤوّل: عليك بالدّليل .
قال المؤلف رحمه الله:" وقوله تعالى{ كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ }"، الكراهة ، صفة نثبتها لله تبارك وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، فسّرها أهل التّعطيل بالإبعاد، { كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ } أي أبعدهم.
هذه تفاسير باللّوازم، بالنتائج، وقلنا: الأصل الحقيقة حتى تُثبت الدليل على أن الحقيقة غير مرادة، عندئذ نسلِّم لك وإلاّ فلا .
هذه بعض آيات الصفات التي وردت في كتاب الله، ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى هنا وقد ذكرنا لكم التفصيل في هذا الموضوع والأصول التي يمشي عليها السنّي .
ثمّ يبدأ المؤلف رحمه الله بذكر بعض أحاديث الصّفات نؤجّلها للدّرس القادم إن شاء الله تعالى .