الدرس التاسع

تفريغ الدرس التاسع من دروس لبّ الأصول

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أمّا بعد:

قال المؤلف رحمه الله: "والإدراك بلا حكم تصور، وبه تصور بتصديق وهو الحكم"، في هذا المقال أراد المؤلف رحمه الله أن يُعرّف التصور والتصديق والحكم، الآن هذه الاصطلاحات اصطلاحات منطقية أخذها الأصوليون من المنطق، يقولون إدراك العلوم، عندما تريد أن تدرك معلومة معينة، تكون إمّا إدراك الذوات المفردة إمّا تكون عبارة عن إدراك ذوات مفردة أو إدراك نسبة هذه المفردات بعضها إلى بعض نفياً أو إثباتاً، فأنت عندما تريد أن تتعلم معلومة إمّا أن تكون من هذا الضرب أو الضرب الثاني، تقول: زيدٌ قائم، الآن أول شيء تحتاج معرفته هو ماذا؟ هو معرفة زيد ومعرفة القيام، إدراك معنى زيد وإدراك معنى القيام، هذا من الضرب الأول الذي هي إدراك الذوات المفردة، هذا عندهم هو الذي يُسمى تصوراً، أي بناء صورة لمعنى الشيء في الذهن، تكوين صورة لمعنى الشيء المفرد في الذهن، فعَرَفتَ زيد كَوَّنتَ له معنى موجود في ذهنك، هنا تَصَوّرتَ معنى زيد، عَرَفتَ القيام، كَوَّنتَ له معناه، صورة في ذهنك، هنا تكون تصورت القيام، هذا هو التصور، وهذا كيف يُدرك وكيف يُوصل إليه؟ عن طريق الحدّ، الذي هو التعريف، فالتعريفات إذن وضعها العلماء كي يُصوّرا لك وكي تتصور أنت معنى الشيء، عندما يقول لك: عرّف لي الإنسان؟ تقول: هو حيوان ناطق، هنا بنيت للإنسان معنى في ذهنك وصارت له صورة، ممكن أن تتصور هذا المعنى، طيب، هذا الشطر الأول أو الضرب الأول.

الضرب الثاني: إدراك نسبة المفردات بعضها إلى بعض نفياً أو إثباتاً، الآن أدركنا معنى زيد وأدركنا معنى القيام، طيب، عندما تُثبت إثباتاً القيام لزيد فتقول: زيد قائم، هنا تكون قد أتيت بالتصديق، هذا يُسمى التصديق، سمي تصديقاً لأنّه يحتمل الصدق والكذب، لأنّه خبر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب، فيه نفي أو إثبات فإذا قلت زيدٌ قائم هذا تصديق، لماذا؟ لأنّ فيه إثبات، إذا قلت زيدٌ ليس بقائمٍ، هذا أيضاً تصديق لأنّ فيه نفي، فعرفت النسبة ما بين زيد وما بين القيام، إمّا تكون نسبة مثبتة أو نسبة منفية، هذا هو التصديق عنده، وذاك هو التصور، التصور قلنا يوصل إليه ماذا؟ الحدّ، التصديق يوصل إليه ماذا؟ البرهان، أي الدليل سواءٌ كان دليلاً عقلياً أو دليلاً شرعياً أو غيرها من الأدلة، المهم الذي يوصلك إلى الإدراك، إدراك النسب بين الأشياء هو التصديق الذي يوصلك إلى إدراك حقيقة الشيء وتصوره، الأشياء المفردة هو الحدّ الذي هو التعريف، هذا معنى ما أرادوا ذكره هنا، ماذا قال الآن المؤلف؟ قال: "والإدراك بلا حكم تصور"، الإدراك في اللغة هو الوصول، فوصول حقيقة الشيء إلى الذهن يُسمى تصوراً، وهذا يكون بالنسبة للأشياء المفردة، قال: "والإدراك بلا حكم تصور"، إذن التصور ليس فيه نفي ولا إثبات، مجرد أن تصل إلى حقيقة الشيء في ذهنك أو تصل حقيقة الشيء إلى ذهنك فهنا يكون قد تحقق التصور، قال: "والإدراك بالحكم تصور بتصديق وهو الحكم"، وهو الذي هو التصديق: الحكم، فالآن قال لنا الإدراك إذا كان معه حكم أدركت الشيء وحكمت بنفيه أو إثباته فهنا ماذا يصبح هذا؟ تصور مع تصديق، فهذا يسمى تصديقاً ويسمى حكماً عند البعض، بمعنى أسهل: الآن التصديق عرفنا ما هو، التصديق فيه إثبات أو نفي، معرفة النسبة بين المفردات هذا هو التصديق، طيب، الحكم بعضهم قال: التصديق هو الحكم لا فرق، ومنهم المؤلف، المؤلف قال: في آخر الكلام: "وهو الحكم"، أي التصديق هو الحكم فلا فرق بينهما، فإذا حكمت على شيء بنفي أو إثبات فهو التصديق وهو أيضاً الحكم في نفسه، والبعض فرّق فقال الحكم هو: تصور مع تصديق، وليس التصديق وحده، بعض أهل الأصول أو أهل المنطق قالوا بهذا، قالوا: إذا وُجد التصور مع التصديق يكون حكماً، والمؤلف ذهب إلى أن الحكم والتصديق لا فرق بينهما، وهو على كل حال لا حكم إلّا بتصور، ولا يُمكن أن تحكم على شيء، نسبة أمرين لبعضهما نفياً و إثباتاً إلا بعد أن تتصور الأول والثاني، فلا يمكن أن يحصل حكم إلّا بتصور، فالتصور لا بدّ أن يكون سابقاً للحكم، لذلك تجد الفقهاء كثيراً ما يقولون: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، يعني لا يمكن أن تُعطي حكماً لشيء إلّا بعد أن تتصوره وأن تدرك حقيقته في ذهنك، هذا معنى الاصطلاحات المذكورة.

ثم قال رحمه الله: "وجازمه إن لم يقبل تغيراً فعلم، وإلّا فاعتقاد صحيح إن طابق، وإلّا ففاسد، وغير جازم ظنّ ووهم وشك، لأنّه راجح أو مرجوح أو مساوٍ"، هنا بدأ المؤلف رحمه الله في تقسيم الحكم، فقال: "وجازمه": أي الحكم، إمّا أن يكون جازماً أو أن يكون غير جازمٍ، الحكم ينقسم إلى حكم جازم وحكم غير جازم، الحكم الجازم ينقسم أيضاً إلى قسمين، أنظر الآن إلى التقسيم، تعمل شجرة، الحكم نفسه ينقسم إلى جازم وإلى غير جازم، الآن نترك غير الجازم على جنب نأتي إلى الجازم، الجازم ينقسم أيضاً إلى قسمين إلى ما يقبل التغير و وما لا يقبل التغير، فإذا كان الحكم جازماً لا يقبل التغير فهذا الذي يسمى بالعلم، هذا هو العلم، فالعلم هو حكم جازم لا يقبل التغير، والمقصود بالعلم هنا: العلم اليقيني، يعني معلومة أدركتها وهي يقينية في ذهنك لا تقبل الشكّ أبداً، هذا الحكم الجازم الذي لا يقبل التغير، القسم الثاني من الحكم الجازم هو الذي يقبل التغير، إن قَبِل الحكم الجازم التغير فهو اعتقاد، حكم جازم، ماذا يعني جازم؟ يعني أنّه لا يتطرق إليه الشك، ما فيه احتمالية الشك أبداً، لكن من هذا الحكم الجازم ما يقبل التغير في حقيقة الأمر، يعني إذا جئت وقارنت بينه وبين حقيقة الأمر وجدته ممكن يخالف حقيقة الأمر، أو إذا شُكك صاحبه شكّ فيه، هنا يقبل التغير، فإذا قبل التغير فهو الذي يُسمى عندهم بالاعتقاد، وإذا لم يقبل التغير فهو الذي يُسمى عندهم بالعلم، لذلك لمّا قال هنا المؤلف: "وجازمه": أي الحكم الجازم إن لم يقبل تغيراً فعلم، إذن العلم هو الحكم الجازم الذي لا يقبل تغيراً، ليس ممكن أن يتغير أبداً، حكم يقيني، لا يتغير البتة، هو يكون موافقاً للواقع، صحيح، وإذا شُكك الشخص لا يشك فيه أبداً، قال: "وإلّا فاعتقاد"، يعني وإلّا ماذا؟ يعني وإلّا وإن قبل التغير: فاعتقاد، فالاعتقاد هو الحكم الجازم الذي يقبل التغير، وهذا الذي هو الحكم الجازم الذي يقبل التغير أيضاً قسمان: قسم صحيح، وقسم فاسد، فإن طابق الواقع فهو صحيح، وإن خالف الواقع فهو فاسد، انتهينا الآن من الحكم الجازم وأقسامه، نرجع إلى التقسيم الأول: قسّمنا الحكم إلى جازم وإلى غير جازم، انتهينا من تقسيمات الجازم، نرجع إلى الحكم غير الجازم، الحكم الغير الجازم قال المؤلف: "وغير جازم ظنّ ووهم وشك"، إذن الحكم غير الجازم ثلاثة أقسام: ظنّ ووهم وشك، قال المؤلف ينقسم إلى هذه الثلاثة: "لأنه راجحٌ أو مرجوحٌ أو مساوٍ"، الحكم على الشيء إذا كان له طرفان فإمّا أن يترجح أحد طرفيه أو لا، بل يتساويان، فإن ترجح أحدهما فالراجح ظنّ والمرجوح وهم، وإن تساويا فهو الشكّ، إذا تساوت المعلومات فهذا يكون شكّاً، شخص أدرك أن فاقد الماء وفاقد ما يتيمم به أنّه يجوز له أن يُصلي من غير أن يتوضأ ولا يتيمم، هذا الحكم الذي وصل إليه إن كان عنده احتمال آخر له وهو عدم جواز أن يصلي مثلاً في تلك الحال وترجح عنده أحد الاحتمالين، فالراجح ماذا يسمى؟ ظنّ، الثاني يسمى وهم، وإذا لم يترجح عنده شيء من الأمرين فصار عنده احتمال أنّه يجب عليه أن يصلي واحتمال أنّه لا يجوز له أن يصلي متساويان، هذا يسمى شكاً، تمام، طيب، وإذا جزم بالحكم فهذا اعتقاد، إذا جزم بالحكم ولم يكن عنده طرف آخر، ما فيه عنده احتمال ثانٍ، هو جازمٌ بأنّه يجب عليه أن يُصلي فهذا اعتقاد، طيب، نعطيك مثال آخر: جاءك رجل وقال لك خبراً، قال لك مثلاً: الكهرباء في بيتك مقطوعة، تمام، الآن هذا الحكم الذي انبنى عندك من خبر، هذا الشخص حكم جازم وإلّا فيه معه احتمال الخطأ؟ فيه احتمال، إذن فيه احتمال أنّ الكهرباء موجودة في البيت، صح؟ فصار عندنا طرفان، صح؟ أيهما أغلب عندك؟ غلب على الظنّ أنّها مقطوعة، هذا الحكم الذي هو أنّها مقطوعة يُسمى الراجح ويسمى الظنّ، تمام، هو هذا الراجح هو الذي يُسمى الظنّ، طيب، الثاني احتمال أنها ليست مقطوعة الكهرباء؟ مرجوح، ماذا يسمى هذا المرجوح؟ الوهم، إذا تساوا عندك الطرفان هذا هو الشك، أنت شككت الآن في المعلومة، تمام، هذا يُسمى شكاً، طيب، فإذا جزمت: اعتقاد، انتهينا من هذا، طيب، هذه تقسيمات الإدراك.

قال المؤلف: "فالعلم حكمٌ جازمٌ لا يقبل تغيراً"، هذا تعريف العلم، إذن خلصنا بهذه النتيجة، "فهو نظري يُحدّ في الأصح"، اختلف أهل العلم في العلم، هل يُحدّ أم لا يُحدّ؟ يعني هل يُعرّف أم لا يُعرّف؟ وقصدهم بالتعريف، التعريف الحقيقي المكون من الجنس والفصل، هنا نتطرق لهذه المسألة قليلاً لأنّها مهمة، يتحدث الأصوليون حول هذا الموضوع كثيراً في التعريفات، التعريف عند أهل الأصول له ثلاثة طرق:

· الطريقة الأول: تعريف بالحقيقة.

· الطريقة الثانية: تعريف بالرسم.

· الطريقة الثالثة: تعريف باللفظ.

هذه ثلاثة أقسام يستعملها المناطقة في طريقة تعريف الأشياء، التعريف الحقيقي يقولون في تعريفه: هو القول الدّال على ماهية الشيء، الحدّ الحقيقي: هو القول الدّال على ماهية الشيء، ما المقصود بالماهية؟ الحقيقة، وهي الذي يصلح أن يُجاب به عن سؤال ما هو، فيقول لك شخصٌ مثلاً: الإنسان ما هو؟ فهنا السؤال عن الحقيقة، فأنت تأتي بقول تدله عن حقيقة الشيء الذي هو يسأل عنه، فتقول: الإنسان حيوان ناطق، هذا الحدّ يُسمى حدّاً حقيقياً، متى يُسمى الحدّ حقيقياً، إذا ذكرت الذاتيات، الآن نأتي إلى مسألة ثانية، الصفات ثلاثة أقسام:

o صفة ذاتية.

o وصفة لازمة.

o وصفة عرضية.

هذا عند المناطقة، في اصطلاحاتهم، الماهية، الحقيقة تتركب من الصفات الذاتية، والذاتي كل وصف يدخل في حقيقة الشيء دخولاً لا يُتصور فهم معناه دون فهمه، ماذا يعني هذا الكلام؟ كلّ وصفٍ يدخل في حقيقة الشيء، الإنسان حيوان ناطق، هل يُمكن فهم معنى الإنسان دون فهم معنى الحياة؟ لايمكن، هل يمكن فهم معنى الإنسان دون فهم معنى النطق؟ لا يمكن، فإذا لم يمكن إذن فصفة الحياة وصفة النطق صفات ذاتية للإنسان، وضحت الصورة، هذا معنى الصفة الذاتية، صفة تتكون منها حقيقة الشيء بحيث أنّك لا يمكن أن تفهم الشيء إلّا أن تفهم معنى هذه الصفة، هكذا، هذه تسمى صفة ذاتية.

التعريف بالحقيقة تحتاج أن تأتي بصفات ذاتية للمُعرَّف، طيب.

الوصف اللازم الآن، الوصف اللازم هو ما لا يفارق الذات، لا يُفارق الذات أبداً، هو دائماً معها لاصق بها، لكن فهم الحقيقة غير موقوف عليه، هذا الفرق بينه وبين الذاتي، الذاتي أيضاً وصف ملازم، لا ينفك، لكن الذاتي لا يمكن فهم الحقيقة إلّا بفهمه، أمّا هذا الوصف اللازم يُمكن فهم الحقيقة من غير فهمه، فهو غير موقوف عليه، مثال ذلك: ظِلّ الإنسان في وقت مشمس، الآن ظِلّ الإنسان هذا شيء ملازم له وإلا ليس ملازم؟ ملازم، لا ينقطع عنه، تمام، لكن لو لم تتصور الظلّ أصلاً، هل يمكن أن تفهم حقيقة الإنسان وإلا غير ممكن؟ ممكن، فهذا الوصف يُسمى وصفاً لازماً، وصف لازم غير ذاتي.

وأمّا الوصف العارض فهذا الذي يَعرض ويزول، ليس لازماً، وصف يعرض ويزول، كحُمرة الخجل، عندما يخجل الإنسان ترى على وجهه حُمرة، هذه الحُمرة وصف له لكنّه ليس وصفاً لازماً ولا هو وصف ذاتي، فهذا يُسمى وصف عَرضي، الكهولة، الشيخوخة، الطفولة، كلّها صفات عرضية.

ثم الصفات الذاتية تنقسم إلى جنس وفصل:

الجنس: هو الذاتي المشترك بين شيئين فصاعدا مختلفين بالحقيقة، الآن لمّا قلنا الإنسان هو الحيوان الناطق، الحيوان هذا وصف ذاتي وإلّا غير ذاتي؟ وصف ذاتي، تمام، يشترك فيه عدة أفراد وإلّا ما يشترك؟ يشترك فيه عدة أفراد، كثر، كلمة الحيوان يشترك فيه الإنسان ويشترك فيه الطير ويشترك فيه الحيوان وغيره، طيب، فهو مشترك بين شيئين فصاعدا مختلفين بالحقيقة، هذا لا بدّ، يُشترط أن يكون الاختلاف حقيقتهما مختلفة، مثلاً: الحيوان ينقسم إلى آدمي وغير آدمي، فيُوجد اختلاف في الحقيقة بين الأشياء التي تشترك في الجنس، الجنس تحته أنواع، كلمة الحيوان الآن يشترك فيها عدة أنواع، فالطير حيوان، والآدمي حيوان، وذوات الأربع حيوان أيضاً، وكلّها يُطلق عليها حيوان، فكلمة حيوان جنس لهذه الأنواع، طيب، ممكن النوع هذا يكون هو نفسه جنس؟ نعم ممكن بالنسبة لما هو أدنى منه، الإنسان بالنسبة للحيوان ماذا؟ نوع من أنواع الحيوان، لكن بالنسبة لزيد وعمرو وبكر وخالد هو جنس لهم، زيد فرد من أفراد الإنسان، فالإنسان جنس لنوع الذكور من البشر، وأيضاً نوع للإناث من البشر، فالشيء الممكن أن يكون جنساً وممكن يكون في نفس الوقت أيضاً نوعاً، فإذا نظرت إلى ما هو أعمّ منه قلت هو نوع، وإذا نظرت إلى ما هو أخصّ منه قلت هو جنس، هذا معنى الجنس، الفصل: ما يفصل الشيء عن غيره ويُميّزه ككلمة الناطق في تعريف الإنسان، الإنسان حيوان: كلمة حيوان جنس، ناطق: كلمة ناطق هذه فصل، فصلت وميزت بين الإنسان وبين غيره، والتعريف بالحقيقة هذه صورته، أن تأتي بجنس وفصل، ذاتيات: صفات ذاتية، جنس وفصل تُعرِّف بهذه الطريقة تكون عرفت بالحقيقة، تمام.

أمّا التعريف بالرسم فهو أن تذكر خاصة، ماذا تعني خاصة؟ صفة يختص بها المُعرَّف، هذا معنى الخاصة، كأن تقول مثلاً: الإنسان حيوان ضاحك، فضاحك هذه صفة يختص بها الإنسان، فتُسمى خاصة، فإذا عَرّفت بذكر صفة يختص بها ولكنّها ليست ذاتية فهنا يكون التعريف رسمي، تعريف بالرسم، لا بالذات، لا بالحقيقة.

النوع الثالث من التعريفات، التعريف باللفظ، وهذا سهل، هذا أن تذكر لفظاً مرادفاً للمُعرَّف، كأن يقول لك شخص مثلاً: ما الغدنفر؟ فتقول له: الأسد، فقط خلاص، تذكر مرادف لما تريد تعريفه، هذا يُسمى تعريفاً باللفظ، شرطه أن تذكر مرادفاً أشهر منه ليس أخفى، التعريف لا بد أن يكون بمرادف أشهر، يكون معلوماً عند السائل حتى يكون تعريفاً، أي نعم.

هذه أنواع الحدود عند المناطقة، هنا قال: "فالعلم حكم جازم لا يقبل تغيراً فهو نظري يحدّ في الأصح"، بعضهم قال تعريف العلم أمرٌ ضروري أي لا يحتاج إلى نظر ولا استدلال، أمرٌ يعرفه كل أحد، وبناءً على ذلك فلا يحتاج إلى تعريف، المؤلف قال: لا، هو ليس ضرورياً بل هو نظري، يعني يحتاج إلى نظر وإلى استدلال حتى نصل إلى تعريف دقيق له، وبناءً على ذلك إذا كان نظرياً يحتاج إلى تعريف، إذا كان نظرياً يحتاج إلى تعريف، وإذا كان ضرورياً فلا يحتاج إلى تعريف، وبعضهم قال: يعسر (يصعب) أن نضع له حدّاً بالحقيقة، فنفوا أن يُحَدّ من هذا الباب (من باب العسر والصعوبة)، المؤلف وضع له حدّاً فقال: "حكم جازم لا يقبل تغيراً فهو نظري يحد في الأصح"، إشارة إلى الخلاف الذي ذكرناه.

قال رحمه الله: "قال المحققون ولا يتفاوت إلّا بكثرة المتعلقات"، هذه المسألة الآن، العلم اليقيني هل يتفاوت؟ يكون علماً أجلّ من علم، أو علم أقوى من علم، أم لا يتفاوت؟ بعض أهل العلم قال: يتفاوت، والبعض الآخر قالوا: لايتفاوت، والذين قالوا: إنّه يتفاوت وهم الأكثر، قالوا: إنا نجد بالضرورة الفرق بين كون الواحد نصف الاثنين وبين ما علمناه من جهة التواتر، قوة العلم في النفس بعضها أقوى عندهم من بعض، قالوا: إنا نجد في أنفسنا الفرق بن كون الواحد نصف الاثنين، هذه المعلومة قوتها في ذهنك وفي إدراكك أعظم من قوة ما عُلم من جهة التواتر، قالوا: مع أنّ هذا وهذا يقيني، كلّه يقيني، لكن أثبتوا التفاوت بذلك، وغير المؤلف وأيضاً المؤلف رحمه الله يقولون بأن العلم لا يتفاوت إلا بكثرة المتعلقات، أي بكثرة المعلومات، فكلّما كثر المعلوم كثر العلم فقط أمّا نفس العلم لا يتفاوت، هكذا يقول المؤلف رحمه الله، والأمر في هذا سهل، بنى بعضهم على هذه المسألة أنّه هل الإيمان يزيد وينقص؟، بناء على أنّ الإيمان من العلوم، عندهم (أي الأشاعرة) والأشاعرة من المرجئة طبعاً، معروفون، والمرجئة عندهم الأعمال ليست من الإيمان، فبناء على ذلك عندهم الإيمان من قبيل العلوم (المعلومات) لا من قبيل الأعمال، طيب، إذا كان من المعلومات يتعلق بالعلم وقلنا بأنّ العلم يتفاوت أو لا يتفاوت؟ فالمسألة هنا تتعلق بزيادة الإيمان ونقصانه عندهم من هذه الحيثية، فإذا قالوا العلم يتفاوت فيقولون بزيادة ونقصان الإيمان، وإذا قالوا العلم لا يتفاوت يقولون الإيمان لا يزيد ولا ينقص بناءً على تعريفهم، أمّا عند أهل السنة والجماعة هو على كل الحالات يزيد وينقص، لأن الإيمان عند أهل السنة والجماعة: اعتقاد وقول وعمل، إذن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وتؤثر في الإيمان زيادة ونقصاناً، فالإيمان من هذه الحيثية عندهم يزيد وينقص، والصحيح أيضاً من أقوال أهل العلم أنّ العلم نفسه أيضاً يزيد وينقص كذلك يتفاوت، أي نعم، وهذا الذي أذكر أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرجحه أن العلم يتفاوت.

قال المؤلف: "والجهل انتفاء العلم بالمقصود في الأصح"، لما انتهى المؤلف من تعريف العلم وما يتعلق به وكان الجهل ضداً له ناسب أن يُعرِّف الجهل ويتكلم عما يتعلق به.

فقال: "والجهل انتفاء العلم"، أي عدم وجود العلم، عدم العلم، "بالمقصود": أي بما من شأنه أن يُقصد للعلم، فانتفاء العلم أو عدم العلم هو الجهل، وهو كذلك في اللغة: عندما يُفسّرون الجهل يقولون: هو ضد العلم، والجهل قسمان: جهل بسيط وجهل مركب.

الجهل البسيط: هو الذي عرّفه المؤلف بقوله: "والجهل انتفاء العلم بالمقصود"، فعدم العلم جهل بسيط، طيب.

الجهل المركب: وهو إدراك الشيء على خلاف حقيقته في الواقع، أو كما يقول الأصوليون: إدراك الشيء على خلاف هيئته في الواقع، هذا الجهل المركب، البسيط يُسمى بسيطاً لأنّه يتركب من جزء واحد، عدم العلم فقط، أمّا المركب فسُمي مركباً لأنّه من جزئين، عدم العلم والاعتقاد الفاسد، اعتقاد غير مطابق وهو الفاسد، فهنا عدم العمل وعدم العلم بعدمه فهو جهل على جهل، لذلك سمي جهلاً مركباً، عدم العلم وعدم العلم بعدم العلم، هو جهل على جهل.

قال المؤلف: "والسهو الغفلة عن المعلوم"، بعض أهل العلم عدّ السهو والنسيان والغفلة من الجهل البسيط، لذلك يذكره بعض أهل العلم بعد الجهل مباشرة، السهو والنسيان والغفلة، والبعض نازع في هذا، فارق بين هذه، والبعض فارق بين هذه الأنواع الثلاثة التي هي النسيان والسهو والغفلة، والبعض جعل الثلاثة كلّها بمعنى واحد، والظاهر من صنيع المؤلف أنّه جعل السهو والغفلة بمعنى واحد، فقال: "والسهو: الغفلة عن المعلوم"، فالسهو والغفلة عنده بمعنى واحد، وفارق بينه وبين النسيان في الشرح، في شرحه لهذا المتن فارق بينهما، فارق بينهما تبعاً للبرماوي، قال البرماوي: "إن قصر زمن الزوال سُمي سهواً وإلّا فنسيان"، معروف أنّ السهو والنسيان والغفلة كلّها تحصل بعد وجود العلم، العلم يوجد ثم بعد ذلك يذهب، ذهابه بعد وجوده منه ما هو غفلة، ومنه ما هو نسيان ومنه ما هو سهو، البعض جعل كلّ هذا بمعنى النسيان، بمعنى واحد والبعض فرّق بين السهو والنسيان وجمع بين السهو والغفلة، وهكذا أقوال في هذا، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وهذه الثلاثة من حيث الحكم يُحكم لها بحكم الجاهل جهلاً بسيطاً"، هذا الذي يهمنا في الموضوع، هذه الفقرة هي المهمة في القضية، من حيث الحكم يُحكم لها بحكم الجاهل جهلاً بسيطاً، فالنسيان والسهو والغفلة كلّها تأخذ حكم الجاهل، الناسي والساهي والغافل له حكم الجاهل، وقال: "السهو إن كان عن الشيء بعد علمه فهو نسيان"، إن كان عن الشيء بعد علمه فهو نسيان، وهذا الذي يريده العلماء عندما يذكرون السهو في هذا الموضع، يريدون الغفلة عن الشيء بعد العلم به، فهنا الشيخ جعل السهو والنسيان بمعنى واحد بينما، المؤلف فرّق بينهما، ما هو التفريق عند المؤلف؟ هو الزمن، الفترة التي تحصل فيها السهو والنسيان، إذا كان زمن عدم التذكر بعيد سُمي عنده نسيان، وإذا كان قريباً مباشرة هكذا قليل يُسمى عنده سهواً.

قال: "وإن كان عن الشيء بمعنى الترك فليس بمعنى النسيان"، إذا كان السّهو عن الشيء بمعنى تركه، هذا ليس بمعنى النسيان، هذا واضح، قال: "وأما الغفلة إن كانت إعراضاً وعدم مبالاة فليست من النسيان"، هذا تغافل، الإعراض وعدم المبالاة تغافل، "وإن كانت الغفلة عن الشيء بعدما علمه فقد تكون بمعنى النسيان"، "فقد": هكذا قال الشيخ رحمه الله، "فقد تكون بمعنى النسيان"، فهو غير جازم في هذا الأمر، قد تكون النسيان والسهو والغفلة بمعنى واحد، وقد لا تكون، هذا خلاصة قوله، قال: "وعلى كلٍّ النسيان ليس جهلاً بل هو تغطية بعد علم، ولهذا فرّق الله بينهما في القرآن وكذا في السّنة، فالجهل عدم العلم بالشيء، والنسيان الذهول عنه بعد علمه"، قاله رحمه الله في شرحه على مختصر التحرير وهذا صوتي.

نكتفي بهذا القدر إن شاء الله.