تفسير سورة الأنعام 1-6

تفسير سورة الأنعام 1-6

سورة الأنعام يقول العلماء إنها مكية
وآياتها 165

ولم يصح حديث في فضلها خاص بها

{الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}

{الْحَمْدُ} أي الثناء الحسن والذكر الجميل مستَحَق {لِلهِ} لا لغيره مما تعبدون من دونه من الآلهة {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي: أوجد وأبدع السماوات السبع والأرَضين السبعة على غير مثال سابق، فهو سبحانه وتعالى الذي خلق الخلق هو المستحق عليكم الحمد، لا ما تعبدون من دونه وتجعلونه شريكًا له من خلقه.

حمد الله نفسه تعليما لعباده، أي: احمدوا الله الذي خلق السماوات والأرض {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} والجعل بمعنى الخلق، أي والذي خلق الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} أي: يشركون، أي: يعدلون بالله غير الله تعالى، أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده، وجعلوا له شريكاً وعِدلاً، واتخذوا له صاحبة وولداً، تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} يعني أباهم آدم، الذي هو أصلهم، ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا} أي: ضرب لمدة إقامتكم في هذه الدار أجلا تتمتعون به وتمتحنون، وتبتلون بما يرسل إليكم به رسله {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} وهي: الدار الآخرة، التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار، فيجازيهم بأعمالهم من خير وشر {ثُمَّ} مع هذا البيان التام وقطع الحجة {أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} تشكون في قيام الساعة.

{وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}

{وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} وهو المعبود في السماوات والأرض.

قال ابن كثير: اختلف مفسرو هذه الآية على أقوال، (بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول القائلين -تعالى عن قولهم علواً كبيراً- بأنه في كل مكان، حيث حملوا الآية على ذلك) فالأصح من الأقوال: أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض، أي يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض، ويسمونه الله ويدعونه رغباً ورهباً، إلا من كفر من الجن والإنس، وهذه الآية على هذا القول، كقوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} [الزخرف: 84] أي هو إله مَن في السماء، وإله من في الأرض، وعلى هذا فيكون قوله {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} خبراً أو حالاً. انتهى باختصار {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} فلا يخفى عليه شيء {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} ما تعملون من الخير والشر، فاحذروا معاصيه وارغبوا في الأعمال التي تقربكم منه، وتدنيكم من رحمته، واحذروا من كل عمل يبعدكم منه ومن رحمته.

{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}

{وَمَا تَأْتِيهِمْ} يعني: المشركين {مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} حجة وعلامة ودلالة من حجج ربهم ودلالاته على وحدانيته وحقيقة نبوتك يا محمد وصدق ما أتيتهم به من عندي {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا} أي عن الآية التي أتتهم {مُعْرِضِينَ} تاركين لها مكذبين بها.

{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}

{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} ذلك الحق هو محمد صلى الله عليه وسلم، كذبوا به، وجحدوا نبوته {لَمَّا جَاءَهُمْ} فقال الله لهم متوعداً على تكذيبهم إياه وجحودهم نبوته {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي: أخبار استهزائهم وجزاؤه، أي: سيعلمون عاقبة استهزائهم إذا عذبوا.

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)}

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} يعني: الأمم الماضية، أي ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتي الجاحدون نبوتك، كثرة من أهلكت من قبلهم من الأمم الماضية {مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} أي: أعطيناهم ما لم نعطكم من الأموال والبنين وغير ذلك.

قال الطبري: أمطرتْ فأخرجتْ لهم الأشجارُ ثمارَها، وأعطتهم الأرضُ رَيع نباتِها، وجابوا صخور جبالهِا، ودَرّت عليهم السماءُ بأمطارها، وتفجرت من تحتهم عيونُ المياه بينابيعها بإذني، فغمطُوا نعمة ربهم، وعصَوا رَسُول خالقهم، وخالفوا أمر بارئهم، وبَغَوا حتى حق عليهم قولي، فأخذْتُهم بما اجترحوا من ذنوبهم، وعاقبتهم بما اكتسبت أيديهم، وأهلكت بعضَهم بالرجفة، وبعضَهم بالصيحة، وغير ذلك من أنواع العذاب.

{وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ} يعني المطر {عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} أي: غزيرة دائمة {وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} تحت مساكنهم، فينبت لهم بذلك ما شاء الله من زروع وثمار يتمتعون بها ويتناولون منها ما يشتهون؛ فلم يشكروا الله على نعمه، بل أقبلوا على الشهوات وألهتهم أنواع الملذات، فجاءتهم الرسل فكذبوهم {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} فأهلكهم الله بسبب ذنوبهم {وَأَنْشَأْنَا} خلقنا وابتدأنا {مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} فابتدأنا خلقاً سواهم.

فهذه سنة الله في الأمم السابقين واللاحقين؛ فاعتبروا بمن قص الله عليكم نبأهم، واحذروا.