تفسير سورة النساء 141-143

تفسير سورة النساء 141-143

{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}

{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} ينتظرون بكم الدوائر، أي ينتظرون حتى يحين وقت زوال دولتكم، وضعفكم، يعني: المنافقين هم الذين ينتظرون، قال ابن كثير: يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر عليهم وذهاب ملتهم {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ} يعني: نصر وغنيمة {قَالُوا} لكم {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} في الجهاد، كنا معكم فاجعلوا لنا نصيباً من الغنيمة {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} يعني ظهور على المسلمين وغلبة في بعض الأحيان {قَالُوا} يعني: المنافقين للكافرين {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} الاستحواذ: هو الاستيلاء والغلبة، يقول: ألم نخبركم بعورة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونطلعكم على سرهم؟ {وَنَمْنَعْكُمْ} ونصرفكم {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي ندفع عنكم طلب المؤمنين لكم لقتالكم، بتخذيلهم عنكم، ومراسلتنا إياكم بأخبارهم وأمورهم، ومراد المنافقين بهذا الكلام إظهار المنة على الكافرين {فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يعني: بين أهل الإيمان وأهل النفاق {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} أي: تسلطا واستيلاء عليهم، بحيث يستبيحون بيضتهم، بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، ولا يزال الله يحدث من أسباب النصر للمؤمنين، ودفعٍ لتسلط الكافرين، ما هو مشهود بالعيان.

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)}

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} أي يريدون خداع الله بإظهارهم خلاف ما يبطنون فيظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، ولكن الله لا يخدعه أحد فهو عالم الغيب والشهادة، فيخادعهم الله مجازاة لهم من جنس فعلهم، وذلك بتشريعه معاملتهم على ظاهر حالهم في الدنيا، وعقوبتهم على حقيقة كفرهم في الآخرة، وما يفعله بهم في الآخرة أيضاً بإعطائهم نورًا يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدنيا، ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بالسور.

{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ} يعني: المنافقين {قَامُوا كُسَالَى} أي: متثاقلين لا يريدون بها الله، فإن رآهم أحد صلوا وإلا انصرفوا فلا يصلون {يُرَاءُونَ النَّاسَ} أي: يفعلون ذلك مراءاة للناس لا اتباعاً لأمر الله {وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا} قال بعض أهل العلم: إنما قال ذلك لأنهم يفعلونها رياء وسمعة، ولو أرادوا بذلك القليل وجه الله تعالى لكان كثيرا، وقال قتادة: إنما قل ذكر المنافقين؛ لأن الله تعالى لم يقبله وكل ما قبل الله فهو كثير.

{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)}

{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} أي: مترددين متحيرين بين الكفر والإيمان {لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} يعني: المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا، ولا مع الكافرين ظاهرا وباطنا، بل ظواهرهم مع المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين. ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة يميل إلى أولئك {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} أي: طريقاً إلى الهدى.