الآيات 222-224 من سورة البقرة

تفسير سورة البقرة الآيات 222- 224

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}

{ويسألونك} ويسألك المسلمون يا أيها الرسول {عن المحيض} أي الحيض، أي يسألون عن حكم جماع المرأة وهي حائض {قل} أي أجبهم بأن الحيض {هو أذًى} أي: قَذَر، والأذى كل ما يكره من كل شيء {فاعتزلوا النساء} أي لكون الحيض أذًى اعتزلوا أي اجتنبوا جماع النساء في المحيض {ولا تقربوهن} بالجماع أي لا تقربوا جماعهن، أما الملامسة والمضاجعة معها فجائزة {حتى يطهرن} أي حتى يطهرن من المحيض بانقطاعه، وفي قراءة {حتى يَطَّهَّرن} بتشديد الطاء، والهاء، أي يتطهرن من المحيض بالاغتسال، وعلامة الطهر للمرأة القَصة البيضاء وهي سائل أبيض تراه المرأة بعد انقطاع الدم؛ وهذا هو الغالب في النساء؛ لكن بعض النساء لا ترى ذلك، تعرف الطهر بانقطاع الدم فقط ولا ترى القصة البيضاء.

{فإذا تطهرن} جمهور أهل العلم على أن المراد اغتسلن؛ فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً؛ فهي كقوله تعالى: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} [المائدة: 6] ، أي اغتسلوا.

{فأتوهن} المراد بالإتيان الجماع، كني بالإتيان عن المجامعة، أي فجامِعُوْهُن {من حيث أمركم الله} أي في الفرج.

والأمر هنا للإباحة؛ لأنه جاء بعد حظر.

{إن الله يحب} المحبة معروفة {التوابين} التوابون كثيروالتوبة؛ و «التوبة» هي الرجوع من معصية الله إلى طاعته، و {ويحب المتطهرين} أي الذين يتطهرون من الأحداث، والأخباث، ويتنزهون عن الأقذار؛ وجمع بين ذلك، وبين التوبة؛ لأن «التوبة» تطهير الباطن؛ و «التطهر» تطهير الظاهر.

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}

{نساؤكم حرث لكم} يعني زوجاتكم موضع حرث لكم، كما تكون الأرض حرثاً للزارع يَبثُّ فيها الحَبَّ؛ فيخرج الحب، وينمو، ويُنتفع به؛ كذلك النساء بالنسبة للرجال حرث يضع فيها الإنسان هذا الماء الدافق، فينزرع في الرحم حتى ينمو، ويخرج بشراً سوياً.

{فأتوا حرثكم} المراد بـ «الحرث» هنا موضع الحرث، وهو الفرج {أنى شئتم} أي من حيث شئتم؛ فـ {أنى} ظرف مكان؛ والمعنى: ائتوا هذا الحرث من أي جهة شئتم؛ من جهة الأمام أو من جهة الخلف؛ أو على جنب، المهم أن يكون الإتيان في الفرج في المكان الذي خلقه الله لهذا الغرض، ولا يكون في الدبر.

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، " أَنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أُتِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ دُبُرِهَا، فِي قُبُلِهَا، ثُمَّ حَمَلَتْ، كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ "، قَالَ: " فَأُنْزِلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] ".

وعن مسلم زيادة: إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ. انتهى

(إن شاء مجبية) أي مكبوبة على وجهها (وإن شاء غير مجبية) هذا يشمل الاستلقاء والاضطجاع والتخجية وهي كونها كالساجدة (في صمام واحد) أي ثقب واحد.

{وقدموا لأنفسكم} يعني الطاعات، وما ينفعنا عند الله عزّ وجلّ، ومن الطاعات التسمية قبل الجماع، والتسمية عند الجماع فقد صحت في السنة، ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ»

ومن التقديم للنفس أن يبتغي الإنسان بإتيان أهله تحصين فرجه، وتحصين فرج امرأته؛ وطلب الولد الصالح، وما أشبه ذلك مما يقارن الجماع من الأعمال الصالحة بالنية.

{واتقوا الله} لما أمرنا بالتقديم لأنفسنا بالأعمال الصالحة؛ أمرنا بالتقوى، وهي فعل أوامره، واجتناب نواهيه.

{واعلموا أنكم ملاقوه} أي ستلقون الله يوم القيامة ويحاسبكم على أعمالكم

{وبشر المؤمنين} أي أخبرهم بما يسرهم، والمؤمنون الذين يصدقون ويقولون ويعملون.

من هذه الآيات تستفيد تحريم جماع الحائض حتى تغتسل من حيضها، وأما قبل الغسل فلا يجوز، وجواز الجماع في القبل فقط، لا في الدبر، على أي وضعية كانت المرأة عند الجماع. والله أعلم

{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}

{ولا تجعلوا} أي لا تصيروا {الله} أي الحلف بالله {عرضة لأيمانكم} معترضا بينكم وبين {أن تبروا} أن تعملوا البر {وتتقوا} وأن تعملوا بالتقوى {وتصلحوا بين الناس} أي: لا تجعلوا الحلف بالله سببا مانعا لكم من البر والتقوى، يُدعى أحدكم إلى صلة رحم أو بر، فيقول: حلفت بالله ألا أفعله، فيجعل يمينه مانعا له من البر والتقوى والإصلاح بين الناس.

«البر» فعل الخيرات؛ و «التقوى» هنا اجتناب الشرور؛ و «الإصلاح بين الناس» التوفيق بين المتنازعين حتى يلتئم بعضهم إلى بعض، ويزول ما في أنفسهم.

{والله سميع عليم} أي سميع لما يقال عليم بكل شيء.